تمتلك
الجبهة الأردنية مع فلسطين إمكانيات هائلة للجهاد ومحاربة الكيان الصهيوني،
وبالأخص المنطقة الممتدة على طول نهر الأردن من بحيرة طبريا شمالًا مرورًا بغور
بيسان والضفة الغربية وصولًا إلى مصب نهر الأردن في البحر الميت.
إلا
أن هذه الجبهة عانت من ركود طويل وجاءت عملية المقاوم محمود كحيل من مدينة أربد
شمالي الأردن لتكسر هذا الجمود ولتكون بداية محتملة لعملية إحياء محتملة هذه
الجبهة.
سأتناول
في البداية عملية الأمس لأنه دار حولها لغط ثم انتقل للكلام عن مستقبل هذه الجبهة:
أسباب هدوئها والإمكانيات التي تحتويها ومستقبلها.
عملية نهر اليرموك:
اجتاز
محمود كحيل يوم أمس الجمعة الحدود قرب نقطة التقاء نهر اليرموك مع نهر الأردن
جنوبي بحيرة طبريا، هاجم بالحجارة سيارات المستوطنين مما أدى لوقوع حادث لاحدى هذه
السيارات وإصابة المستوطنة.
سيارة المستوطنة التي تضررت بالهجوم |
ثم
لاحقه رجال الأمن الصهاينة وأطلقوا عليه النار وأصابوه بجراح بين متوسطة وخطيرة
واعتقلوه، وحرص الاحتلال على التقليل من شأن الحادث، فتكلم منتدى روتر الصهيوني
أنه حاول سرقة السيارة في تلميح لوجود نية جنائية؛ وهل انعدمت السيارات في الأردن ليخاطر
بحياته ويسرق واحدة من فلسطين؟ وأين سيذهب بها؟ هل سيحملها على ظهره ويسبح عبر
النهر عائدًا؟
ثم
جاء بيان الجيش لاحقًا بأن المنفذ "يبدو أنه مضطرب نفسيًا" وكلمة يبدو
هنا حتى يحفظ خط الرجعة في حال تبين كذب هذا الزعم الذي عليه عدة علامات استفهام.
فهل
يستطيع مختل عقليًا أن يجتاز الحدود وأن يسبح في النهر ويجتاز الأسلاك الشائكة
وأجهزة الانذار؟ لماذا لم يرشق السيارات في الأردن ما دام مختلًا عقليًا؟
الأهم
بالموضوع والذي يقطع الشك باليقين أن معارف الشاب وهو محمود كحيل من مدينة أربد
وخريج إدارة أعمال من جامعة اليرموك قبل بضعة أسابيع، أجمعوا على أنه سليم العقل
وأنه كان متميزًا بأدبه وأخلاقه وتعامله بل كان نشيطًا طلابيًا في الجامعة.
ربما
هو يمثل على المحققين الصهاينة، ربما أصابه شيء في عقله بعد إصابته برصاص الجنود،
ربما لا يوجد شيء في الرجل لكنها كذبة حاكوها بليل حتى يقللوا من شأن العملية، لا
نستطيع الجزم بشيء رغم أن كل الدلائل تشير إلى أنه عاقل وواعي.
حتى
لو افترضنا صحة مزاعم الاحتلال فهو حجة على "العاقلين" فإن استطاع
اجتياز الحدود وتنفيذ العملية فبكل تأكيد هم يستطيعون.
المشكلة
بتنفيذ عمليات عبر الحدو الأردنية ليست في الإمكانيات أو القدرات بل بوجود حاجز
نفسي نتيجة تاريخ متراكم.
لماذا الجبهة الأردنية هادئة؟
كانت
هذه الجبهة من أسخن الجبهات مع الاحتلال الصهيوني وبالأخص في الفترة بين عامي
1968م و1970م، إلا أن ارتكاب فصائل منظمة التحرير أخطاءً بتدخلها في المجتمع
الأردني استغلها النظام واشتعلت فتنة عنصرية "فلسطينية - أردنية" انتهت
بطرد هذه الفصائل وإسكات الجبهة.
خلال
الانتفاضة الأولى استخدمت حماس الأردن ساحة خلفية للمقاومة في الضفة، تمويلًا
وتنظيمًا وغير ذلك، وبعد وفاة الملك حسين تبدلت سياسة النظام التي كانت تسمح لحماس
بالعمل ضمن حدود، وبدأ الملك عبد الله بالتنسيق مع الاحتلال الصهيوني وأمريكا
بسلسلة خطوات.
فكان
اعتقال وطرد قادة حماس من الأردن (خالد مشعل وإبراهيم غوشة وسامي خاطر وعزت الرشق
وموسى أبو مرزوق) عام 1999م، ثم كانت الضغوط التي مورست على الإخوان من أجل فك
الارتباط مع كل ما يمت للقضية الفلسطينية بصلة.
إلى
أن استطاع النظام شق صفوف الإخوان وتحويل التضامن مع فلسطين (وليس فقط حماس) جريمة
تخل بالولاء للأردن.
كما
ساهم في تحويل الأنظار عن المقاومة في فلسطين (بعد أن كانت عدة عمليات تنفذ
انطلاقًا من الأردن في التسعينات) كل من حرب العراق عام 2003م والثورة السورية عام
2011م حيث أصبحتا تستقطبان الشباب الأردني المتحمس للجهاد.
ويا
ليتهم ساعدوا المقاومة العراقية والسورية بل كان أكثرهم عبئًا بانضمامهم إلى تنظيمات
القاعدة ومشتقاتها، وكان الزرقاوي الأب المؤسس لمجلس شورى المجاهدين الذي أصبح
لاحقًا تنظيم داعش.
فلا
هم حرروا العراق وسوريا ولا توجهوا للمساهمة بتحرير فلسطين.
الإمكانيات التي تملكها الجبهة الأردنية
يفصل
بين الحدود الأردنية ومناطق الكثافة السكانية الفلسطينية على قمم السلسلة الجبلية
غور الأردن (90% منه أراضي مصادرة وتابعة إما للمستوطنات أو للجيش) ويليه
المنحدرات الشرقية لجبال الضفة وهي منطقة صحرواية قاحلة شديدة الانحدار والوعورة
وتمتلئ بمعسكرات جيش الاحتلال.
بالتالي
تشكل غور الأردن والمنحدرات الشرقية للضفة منطقة عازلة عمقها حوالي 20 كم لكن إن
تمكنت أي قوة عسكرية من قطعها والوصول إلى مناطق الكثافة السكانية الفلسطينية
بالضفة فوقتها يمكن القول أن الحرب انتقلت إلى قلب الكيان الصهيوني.
فغور
الأردن هو الخط الدفاعي الأخير عن ما تسمى دولة إسرائيل لذا فاجتياز الحدود وتنفيذ
العمليات ضد مستوطنات الأغوار وشارع رقم 90 الممتد على طول الحدود الأردنية
الفلسطينية ليس استنزافًا لجيش الاحتلال فحسب بل هو تهديد لخط الدفاع الأخير عن
الكيان الصهيوني.
لهذا
ينظر الصهاينة بخطورة شديدة تجاه أي اختراق على الجبهة الأردنية وخاصة في هذه
اللحظة التاريخية حيث توجد قوة مدججة بالسلاح في قطاع غزة، وانتفاضة القدس بالضفة
تحتاج إلى دعم عسكري ومادي، ووضع يغلي في أماكن التواجد الفلسطيني داخل الكيان (في
الجليل والنقب).
مستقبل الجبهة الأردنية
من
الممكن أن تكون عملية محمود كحيل الخطوة الأولى والتي تتلوها خطوات أخرى، فاجتياز
الحدود الأردنية الفلسطينية ليس بتلك الصعوبة الكبيرة لكن كما قلت هنالك الحاجز
النفسي الذي بناه النظام الأردني منذ أحداث أيلول حتى اليوم.
فهل
يكسر الشباب الأردني هذا الحاجز النفسي؟ لقد ضرب المقاوم محمود كحيل الضربة الأولى.
باعتقادي
أن انهيار هذا الحاجز وتسخين الجبهة الأردنية ممكن في حال توفرت الشروط الآتية:
أ-
تبني الفعل المقاوم عبر الحدود إعلاميًا ودعمه والتشجيع عليه.
ب-
نجاح عدة عمليات عابرة للحدود، فالنجاح يجر النجاح والشباب يتعلمون من بعضهم
البعض.
ج-
تراجع مشاريع السلفية الجهادية الأردنية في سوريا والعراق، فهي المغناطيس الذي
يجتذب الشباب الأردني المتحمس للجهاد، وبفقدان بريقها وانكشاف عيوبها فسيبحثون عن
بدائل، وهل هنالك بديل أقرب وأفضل ونقي من تلوث داعش والقاعدة من الحدود مع
فلسطين؟
د-
انهيار مشروع الإخوان المسلمين في الأردن، فقد ساهمت قرارات قيادة الإخوان بمهادنة
النظام بقتل روح الجهاد لدى أنصار الجماعة، وتفريغ حماسهم وطاقتهم في نشاطات
جماهيرية وجمع التبرعات المادية والإنسانية للشعب الفلسطيني.
ورغم أهمية هذه النشاطات إلا أنها ليست بديلًا عن الجهاد والعمل المقاوم، وبانهيار المعادلة بين النظام الأردني والإخوان، فسيتجه الكثير من شباب الإخوان نحو بدائل مختلفة وقد يكون العمل المقاوم العابر للحدود أحد أهم هذه البدائل.
هـ
- اهتزاز هيبة النظام الأردني وقبضته الأمنية الخانقة، فالأحداث الأخيرة في الأردن
أحدثت هزة لهذه الصورة لكنها ليست هزة عميقة.
هيبة النظام الأردني هي أساس الحاجز النفسي الذي يمنع الشباب الأردني من التوجه في عمليات عابرة للحدود مع فلسطين، لأن هذا النظان كرس معادلة أن من يجاهد من أجل فلسطين فهو يخون الأردن ويبث الفتنة داخل صفوف الشعب الأردني.
في الختام:
ربما
نختلف حول عملية اجتياز الحدود للأسير الجريح محمود كحيل لكنها يمكن أن تكون
الخطوة الأولى نحو مشروع أكبر، ليس من الضروري أن ترعى هذا المشروع أحزب أو
تنظيمات، بل هي فكرة مثلما أن انتفاضة القدس فكرة تسير بدون رعاية مركزية.
بعد
أن تبدأ عجلة الجهاد والمقاومة بالدوران وقتها يمكن أن ترتب الأمور وتصبح أكثر
تنظيمًا وتركيزًا وفعالية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق