الجمعة، 25 فبراير 2011

هلوسات على هامش الثورات

أرعد وأزبد كبير المهلوسين عندما تناهى إلى سمعه أن الشعب ثار عليه، "يا لهم من ناكرين للجميل!! بضع وبضعون عاماً وأنا أملكهم وأطعمهم وأسقيهم، وفي الأخير يثوروا علي!! صدق المتبني عندما قال: لا تشتري العبد الا والعصا معه - إن العبيد أنجاس مناكيد।"

لم يصدق ما يسمعه كبير المهلوسين، أيعقل أن يكرمه الناس هكذا بعد كل هذه السنين؟ أيعقل أن هنالك على الأرض إنسان أحق منه بهذا الكرسي وهذا الصولجان؟ أيعقل أن يذهب نهر الخيرات العظيم إلى كبير غيره؟ "لا والله، إما أنا أو الطوفان"، قالها غيره قبله وهم أقل منه شأناً (في نظره حيث يظن صديقنا أنه لم يخلق مثله بين العباد منذ آدم عليه السلام)।

وهل السلطة يا كبير المهلوسين شرف تنازع الآخرين عليه؟ أم غنيمة تسابقهم عليها؟ أم أن جلوسك على صدور الجماهير هو منة تمنها عليهم؟ أم أنك فتحت الشام ومصر والعراق وهزمت كسرى وفارس، ودخلت الأقصى فاتحاً منتصراً وتريد المقابل لذلك؟ رحم الله الفاروق عمر قام بكل ذلك مجاناً ودون مقابل، وعاش حياته متقشفاً خادماً أميناً للأمة، لم يطلب شيئاً سوى رضى رب العباد، وإن أراد الحاكم رضى رب العباد فعليه أن يحسن خدمة العباد।

صاح كبير المهلوسين: "أنا المجد والمجد أنا، لولاي لما عشتم ولما تطورتم، هل كان لديكم انترنت قبل أربعين عاماً؟ هل كان لديكم فضائيات قبل أربعين عاماً؟ هل كان لديكم أجهزة خليوية قبل أربعين عاماً؟ في عهدي شهدتم كل هذه المنجزات الحضارية، فلولاي لما عرفتموها ولبقيتم تعيشون في صحراء التيه والتخلف، أنا المجد والمجد أنا।"

ويضيف كبير المهلوسين: "تقاطرت الأمم والشعوب لتؤدي البيعة لي وتقسم أيمان الولاء والطاعة، فأنا أكبر منكم أنا أكبر من الأوطان، من أنتم؟ أنتم مجرد أفواه جائعة أطعمها من مالي الخاص، حتى حارسي الخاص وطباخي الخاص وخادمي الخاص ومستشاري الأمين كلهم استوردتهم من الخارج فأنتم الفشل والفشل أنتم!"

يا كبير المهلوسين ما دمت أكبر من شعبك فلتتركهم وشأنهم، فالحالكم إنما وجد ليمثل شعبه وينوب عنهم في أداء المهمات العظام، وما داموا ليسوا من مقامك فأنت لا تمثلهم، أرحل كما رحل غيرك، يا كبير المهلوسين هذه الأرض ليست مزرعتك الخاصة، وخيراتها ليست مالك الخاص، إنما أنت مؤتمن فإما أن تؤدي الأمانة أو تعتزل।

ألم تعلم يا كبير المهلوسين أن السلطة تكليف وليس تشريف؟ يا كبير المهلوسين فلتفهم أنت وكل من لحس الكرسي عقله وانضم لفرقة المهلوسين (وهم بالمناسبة كثيرون أكثر مما تظنون):

هذا الكرسي خلق كي تخدم الشعب من عليه لا لتركبهم وتنهب خياراتهم! أنت مكلف والمكلف محاسب وكل محاسب يسأل، ومن حق العباد سؤالك في الدنيا ولا حق لك إلا الإجابة! وليكن في علمك أنت وصغار المهلوسين أن في الأمة الآلاف غيركم من يستطيعون إدارة شؤون البلاد والعباد، ولن تبكي السماء على رحيلكم ولن تلطم الأرض إن غبتم، الأمة كان رزقها حاضراً قبلكم وسيبقى بإذن الله إلى يوم القيامة।

كنت دوماً ادعو الله أن يأخذ الطغاة والظُلّام بزلزال أو حادثة طائرة أو جلطة أو ذبحة صدرية، لكن المولى جلّ في علاه أدرى بشؤون عباده وهو الخبير البصير، ولم أدرك حكمة الإطالة بعمرهم إلا بعد أن رأيت الكبار يتساقطون الواحد تلو الآخر في مشهد مهيب على الفضائيات، لو أخذهم بزلزال أو حادث أليم لنسيهم الناس في اليوم التالي ولجاء خلفهم ليعيد انتاج نفس قصة الظلم والطغيان।

أما اليوم فالكبار يتساقطون أمام الملأ وأمام ملايين الشهود، لا ينفعهم جاه وسلطان، ولا ينفعهم تخطيط ولا تدبير، الطوفان جاء ليقتلع كل متكبر جبار، يرون الموت ألف مرة باليوم ولا يستطيعون مواجهته، ليكونوا عبرة لمن خلفهم، وليكونوا عبرة لمن يعتبر، لتنطبع صورتهم في عقولنا وهم يستجدون رضا الطوفان، والطوفان يقول لهم بإصرار "ولات حين مناص"، لم نعد بحاجة لك يا كبير المهلوسين، لا خيار لك إلا السقوط وفقط السقوط.

اليوم هو يوم الطوفان، طوفان كطوفان نوح لا يبق ولا يذر من عروش الطغيان، لا مفر لكم لا مناص، إما التنحي وإما القصاص، طوفان يحفر عميقاً في ذاكرة التاريخ، عميقاً بما يكفي لأن يتذكره كل من يجلس على كرسيك يا كبير المهلوسين، عميقاً بما يكفي لردع كل من تسول له نفسه أن يسير على درب الهلوسة.

إلى الشعب الليبي: لا تقبلوا بتدخل المجتمع الدولي

نسمع كلاماً كثيراً حول مطالبات بتدخل المجتمع الدولي من أجل مساعدة الشعب الليبي ووقف جرائم معمر القذافي، وكان بالأمس للمفكر منير شفيق رأياً معارضاً لأي تدخل دولي لأنه إذا تدخل الغرب فستأتي قوات احتلال ونعيد مأساة العراق، وقال أن الشعب الليبي قادر على الانتصار بجهده الذاتي وليس بحاجة لمساعدات مشبوهة من المجتمع الدولي والغربي.

واليوم رجب طيب أردوغان قال أنه ضد فرض عقوبات على ليبيا لأن هذه العقوبات ستؤذي الشعب الليبي ولن تؤذي النظام، وأعرب عن ثقته بقدرة الشعب الليبي. والشيخ علي الصلابي اليوم أكد على رفض التدخل العسكري في ليبيا، ويقول أن الشعب الليبي قادر على حسم الأمور. وهنا نؤكد على ما قاله الرجلين فأيام معمر القذافي معدودة وجميع المحيطين به تخلو عنه، والوضع الميداني ليس في صالحه إطلاقاً.

ماذا يمكن للمجتمع الدولي (أو الأصح الدول الغربية) تقديمه للشعب الليبي ميدانياً وعسكرياً؟ هنالك أمرين:

1- قصف الطيران لمقر القذافي في باب العزيزية والثكنات المتبقية بيد مرتزقته، قصفاً مركزاً وتدميرها بحيث تفتح المجال للثوار من أجل التقدم وتحرير طرابلس، لكن هذا الخيار يحتاج لوقت من أجل التجهيز والتخطيط والتنفيذ يمتد لأسبوع على أقل تقدير، والقذافي لن يبقى في الحكم لأكثر من أسبوع، ومن الناحية الأخرى فالغرب والدول العربية لن تفكر بهذا الخيار حالياً.

2- فرض منطقة حظر طيران وهذه لا تفيد حالياً، لأن سلاح الطيران خارج سيطرة القذافي حالياً، وفي حال لا سمح الله فرضت منطقة حظر الطيران فلن يتم إزالتها بعد الإطاحة بالقذافي، بل ستبقى.

باختصار التدخل العسكري الخارجي كارثة ومصيبة، لأن القوم لن يأتوا سريعاً، بل سيأتوا بعد الإطاحة بالقذافي وسيفرضون شروطهم على الشعب الليبي.

الوضع الميداني في صالح الشعب الليبي وفي صالح الثوار، وبإذن واحد أحد يوم غدٍ الجمعة هو آخر جمعة للقذافي في طرابلس، الجمعة القادمة سيكون إما في القبر أو في الخارج أو في السجن، الشرق الليبي تحت سيطرة المقاومة، مدن غرب ليبيا بدأت بالتحرر وتحديداً المدن المحيطة بطرابلس مثل الزاوية ومصراتة، وصباح اليوم الأربعاء حاولت فلول القذافي استعادتها لكنه فشلت وتم صدها بكل سهولة.

الآن مرتزقة القذافي يحاولون مهاجمة الزاوية من خلال هجمات كر وفر، وهذا دليل على الضعف الشديد الذي وصلت إليه هذه القوات، الكر والفر يلجأ إليه ضعفاء التسليح وقليلي العدد، وإذا أضفنا ضعف العقيدة الإيمانية فهذا يعني أن هزيمتهم هي قاب قوسين أو أدنى.

المرتزقة (سواء كانوا مرتزقة أجانب أو من أزلام النظام) همهم الأول هو مصلحتهم الذاتية، وفي ظل إطباق الثورة الخناق عليهم، فهمهم الأول هو حياتهم، لذا يجب أن يرتكز التكتيك في التعامل معهم على اقناعهم بتسليم أنفسهم وضمان حياتهم فيما لو سلموا أنفسهم.

قد يتكمن الثوار من حسم معركة طرابلس خلال يومين إن كان مستوى التنسيق بينهم عالياً وجيداً، انهيار جيوش المرتزقة عندما يبدأ فإنه يكون أسرع مما يتصور أكثر الناس تفاؤلاً.

ما هو مطلوب من العالم الخارجي هي المساعدات الطبية التي يقدمها الإخوة في مصر وتونس، وعدم الاعتراف بحكم القذافي والاعتراف بالحكومة المؤقتة التي سيشكلها الثوار بعد الانتصار، الطلب أكثر من ذلك سيكون عبء على الشعب الليبي وخاصة إذا تكلمنا عن عقوبات أو عن تدخل عسكري، لذا يجب على الجميع أن يرفضوا صراحة العقوبات والتدخل العسكري مثلما قام الشيخ علي الصلابي.


الأحد، 20 فبراير 2011

"الثورة ضد الانقسام" بين محاولات المخلصين والاستغلال الإعلامي

تكاثرت الدعوات على الفيسبوك في الآونة الأخيرة، بعضها يدعو للإطاحة بسلطة محمود عباس في الضفة والآخر يدعو للإطاحة بحركة حماس في قطاع غزة، وهنالك فئة ثالثة ظهرت مؤخراً وهي تلك الدعوات "للثورة ضد الانقسام" والضغط على حماس وفتح من أجل المصالحة.

حاولت حركة فتح إشعال ثورة الكرامة في غزة (كرامة من؟ لا ندري حقيقة) وحاولت اللعب على وتر الوضع الاقتصادي السيء في غزة أو أخطاء حركة حماس تارة أخرى، إلا أن الدعوة فشلت فشلاً ذريعاً ولم يتجاوب معها أحد بمن فيهم أبناء حركة فتح أنفسهم (سواء يوم الجمعة 11/2 أو الجمعة التي تلتها 18/2).

في المقابل لم تتبن حركة حماس أي دعوات محددة، وإن كان إعلام الحركة يروج لبعض الصفحات الداعية لإسقاط سلطة عباس، وذلك فيما يبدو لأنها لا تريد الدعوة لثورة غير مضمونة النجاح، وبعض هذه الصفحات يقوم عليها أشخاص من خارج إطار حركة حماس غاضبين على سلطة فتح والتنازلات السياسية غير المسبوقة التي تقدمها للكيان الصهيوني والساخطين على التنسيق الأمني، ويمكن لهذه الدعوات أن تتراكم نظراً للسخط الواسع النطاق في الضفة على فساد السلطة السياسي (قبل فسادها الاقتصادي والإداري).

في موازاة ذلك هنالك تكاثر في صفحات تدعو للثورة على الانقسام وتريد شن حملة للمصالحة بين حماس وفتح، وترديد شعارات مثل "الشعب يريد انهاء الانقسام"، وإن كنت لست مقتنعاً بجدوى مثل هذه الدعوات لأن المصالحة ليست كالإطاحة بالنظام، حيث يمكنك إجبار الحاكم وأعوانه على التنحي لكن لا يمكن إجبار الناس على التصالح، المصالحة تأتي بالتراضي وفقط بالتراضي.

قامت حركة فتح بالدخول على خط بعض هذه الحملات وحاولت استغلالها إعلامياً، ليس حرصاً على الوحدة ورغبة بإنهاء الانقسام بل لتسجيل النقاط ضد حركة حماس، فحركة فتح اليوم همها تحويل كل أزماتها الداخلية والخارجية باتجاه حركة حماس، لكي تقول للناس أنها وحماس بنفس السوء (وفش حدا أحسن من حدا). ففتح لا تريد أن يتكلم الناس عن التنسيق الأمني وعن تنازلاتها غير المحدودة في المفاوضات السياسية، تريد شماعة لأخطائها وهذه الشماعة هي حماس والانقسام الفلسطيني.

وفي هذا الإطار (وبعد سقوط نظام مبارك) قامت السلطة الوطنية بعدة مناورات إعلامية من أجل تعزيز مواقفها، فمن ناحية قرر عباس إعادة تشكيل حكومة فياض، وذلك من أجل ادخال وزراء أكثر من حركة فتح إلى الحكومة وهو مطلب قديم للحركة منذ عامين أو ثلاث، وذلك ظناً منه أنه بإرضاء القاعدة الشعبية لحركة فتح فيمكن تجنب مصيراً مشابهاً لمصير مبارك.

كما دعت المنظمة إلى إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في شهر أيلول القادم، وانتخابات بلدية في شهر تموز، وذلك من "أجل إنهاء الانقسام" كما تردد السلطة وأجهزتها الإعلامية، وهي ليست أكثر من مناورة إعلامية، فكيف تكون انتخابات تجري في ظل منع حماس من العمل بالضفة سبباً لإنهاء الانقسام؟ كيف ستشارك حماس وكوادرها في الضفة مطاردون ومعتقلون وينكل بهم يومياً؟ كيف ستشارك حماس وأموالها تصادر في الضفة تحت مسمى "غسيل الأموال"؟

وأخيراً جاء قفز حركة فتح وذراعها الطلابي "حركة الشبيبة الطلابية" على مبادرات إنهاء الانقسام، ومشاركتهم بمسيرة في مدينة رام الله الخميس الماضي قام تلفزيون فلسطين بتغطيته بشكل كامل وموسع وحضرته شخصيات فتحاوية قيادية، وكأن المصالحة مجرد شعارات وأقوال، ماذا عن ممارسات حركة فتح؟ هنالك حاجة أن تقوم بخطوات ملموسة لتثبت جديتها في المصالحة، أما ترداد الشعارات والحملات الإعلامية لإثبات أنها تريد المصالحة وحماس لا تريد، فهذا كله كلام فارغ والأصل أنهم تعلموا مما حصل مع مبارك وبن علي.

فمن أراد المصالحة فيجب عليه أن يقوم بخطوات ملموسة وليس فقط إعلان نوايا، وإذا كنتم تريدون إحراج حماس حقاً فالأصل أن تقدموا على خطوة مثل الإفراج عن معتقلي حماس، وتستطيعون إعادة اعتقالهم إذا لم تبادلكم حماس حسن النوايا، يجب أن تدركوا أن المناورات الإعلامية لا تفيدكم كثيراً والناس يستوعبون ويفهمون ما يدور حولهم.

حاول القذافي استباق الأمور وقام بتسيير مظاهرات تأييد له وانتقد الفساد، لكنه لم يستفد شيئاً فالمناورات الاعلامية لا تفيد، الناس تريد شيئاً ملموساً تحس به ولا تريد نجماً سنمائياً، والسلطة يبدو أنها لم تتعلم شيئاً من أخطاء غيرها، حتى عندما يحاول بعض قادتها الاستفادة اعلامياً من قرار الفيتو الأمريكي على قرار مجلس الأمن الأخير ويخرج علينا الطيراوي بالدعوة لثورة غضب يوم الجمعة ضد الأمريكان، كيف يصدقك الناس وسلطتك ستمنع هذه المظاهرات من الوصول إلى حواجز الاحتلال والصدام مع المحتل الصهيوني؟ كيف يصدقك الناس والسلطة تنسق أمنياً مع المحتل الصهيوني وتتآمر مع شعبها في نفس الوقت الذي تدعو لثورة غضب ضد أوباما؟ من أولى بثورة الغضب: المحتل الصهيوني أم أوباما؟

في مقابل ذلك هنالك حملات يقوم عليها مستقلون ويساريون، وهنالك صفحات كثيرة وأغلبها غير منظم وبدون رؤية، مع ذلك نجد بعضها أكثر تنظيماً؛ مثل صفحة الشعب الفلسطيني يريد إنهاء الانقسام (يوجد عدة صفحات تحمل أسماء مشابهة لهذه الصفحة وأكثرها تابعة لفتح فيجب الانتباه)، حيث قامت بوضع مطالب لها محدد وجدول للنشاطات تبدأ بمنتصف الشهر القادم وتتضمن الاعتصام في مدن الضفة والقطاع.

وما يميز هذه الصفحة أن مطالبها محددة وربما أن هذه المطالب هي ما يحشد الناس حولها، وهي سبع مطالب موجهة إلى كل من حماس وفتح، وتتضمن:

1. اطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين في سجون السلطة وحماس.
2. وقف كافة اشكال الحملات الاعلامية من الطرفين.
3. استقالة حكومتي هنية وفياض للتمهيد لحكومة وحدة وطنية متفق عليها من كافة الفصائل الفلسطينية باختلاف الوانها.
4. إعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية لتحتوي كافة الوان الطيف السياسي الفلسطيني.
5. الاعلان عن تجميد المفاوضات بشكل كامل لحين التوافق بين الفصائل الفلسطينية المختلفة على برنامج سياسي معين.
6. ايقاف كافة اشكال التنسيق الامني مع العدو الصهيوني.
7. واجراء انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة في وقت تختاره جميع الفصائل.

مثل هذه المطالب يمكن أن تشكل رأي عام ضاغط على كل من حماس وفتح للقبول بها، وإن كان الضغط الشعبي وحده لا يكفي لأن المصالحة لا تفرض بالإجبار، كما أني لا أظن أن السلطة ستقبل ببعض البنود مثل وقف التنسيق الأمني وتعليق المفاوضات إلى حين التوصل إلى توافق بين الفصائل، بالرغم زعمها بأن كل ما يفصلنا عن المصالحة هو مجرد توقيع على ورقة أو تنظيم انتخابات.

أما حركة حماس فيحسب لها أنها واضحة، ولا تعلن عن مواقف هي غير مستعدة للالتزام بها بل تضع شروطها للمصالحة علناً، ولا تلجأ لمناورات السلطة الإعلامية (المؤيدة لمصالحة غير مشروطة علناً وتضع العقبات أمامها على الأرض)، لكن في المقابل فإن توجس حركة حماس من المبادرات المستقلة لإنهاء الانقسام والتشكيك بصدقيتها غير مقبول، ويجب عليها أن تفرق بين الدعوات التي تصدر عن ماكنة فتح الاعلامية والتي تريد تصدير الأزمة إلى غزة وبين المبادرات المستقلة.

كما يجب على حماس أن تقدم على مبادرات تتجاوب مع هذه المطالب لأن الجماهير ستقيم أداءها وستقيم قراراتها ومواقفها، ولا يمكن لحماس أن تعتمد فقط على الدعم غير المحدود لقاعدتها الجماهيرية.

الجمعة، 18 فبراير 2011

ما هو سر تأييد أوباما للثورة المصرية؟

تابعنا جميعاً التلون والنفاق الأمريكي تجاه الثورة المصرية، والتي ختمها أوباما بإطراء شديد للثورة بعد سقوط مبارك (مثلما فعل قبل ذلك عند سقوط بن علي)، وقال: "لقد ألهمنا الشعب المصري"، و"الشعب المصري لن يقبل بأقل من الديموقراطية الحقيقية.. مصر تغيرت للأبد".

وإن كانت الانتهازية الأمريكية واضحة وضوح الشمس بعد ثلاثين عاماً من الدعم المطلق لحكم مبارك والمساعدات المالية والعسكرية ومعدات وأسباب القمع والتنكيل، بل والضغط على مبارك من أجل إحكام حبل الحصار على رقبة قطاع غزة.

إلا أن الموقف الأمريكي وتلونه كان أكثر تعقيداً من مجرد فرصة انتهازية ومحاولة فاشلة لاسترضاء الشعب المصري، ومثلما علمتنا ثورتي مصر وتونس أن الطريق إلى الحرية والإصلاح لا يكون إلا من الداخل وبأيدي أبناء الشعب في وقت فشلت فيه الديموقراطية الأمريكية بالعراق فشلاً ذريعاً، فإننا نتعلم منهما أيضاً أن الموقف الأمريكي تجاه قضايانا يمكن تشكيله بإرادة عربية.

لأول مرة منذ عقود طويلة وقف اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة عاجزاً عن إملاء مصالح الكيان الصهيوني على الإدارة الأمريكية، وكان واضحاً أن ما يشكل المواقف الأمريكية هو تطورات الأوضاع في ميدان التحرير فكلما بدت الأمور أكثر اشتعالاً مالت الإدارة الأمريكية إلى جانب الثورة، وعندما بدت الأمور في لحظة من اللحظات أن النظام استعاد عافيته بدأ الناطقون باسم الخارجية الأمريكية يتكلمون عن ضرورة بقاء مبارك في الحكم حتى نهاية الفترة الانتقالية.

طالب الكيان الصهيوني بعدم الضغط على مبارك ودعمه، وانتقد أكثر من مسؤول صهيوني توجهات الإدارة الأمريكية التي رأت التكيف مع الأمر الواقع وقبول حقيقة أن قرار رحيل مبارك أو بقائه هو أكبر من طاقتها أو قدرتها، وكان هنالك في الإدارة الأمريكية متعاطفون مع الكيان الصهيوني وحاولوا فرض التوجه الصهيوني الداعم بلا حدود لمبارك ونظامه البائد، وربما هذا يفسر التردد الأمريكي والمواقف العائمة للإدارة الأمريكية والتي لم يحسمها سوى الموقف في ميدان التحرير.

حاول الأمريكان ضمان أن يرث مبارك رئيس المخابرات العامة عمر سليمان (الحليف الأوثق للصهاينة في النظام المصري)، إلا أن سلسلة أخطاء ارتكبها مبارك وارتكبها سليمان قضت على هذا المخطط، وخاصة تصريح عمر سليمان بأن الشعب المصري ليس مهيئاً للديموقراطية، والانتقاد الأمريكي لتصريحاته هذه كان من منطلق الحرص على بقاء عمر سليمان وعلى بقاء النظام البائد.

يحاول الصهاينة مواساة أنفسهم بتأكيد المجلس العسكري على احترام المعاهدات والاتفاقيات، لكن هذا لا يعني شيء، وهو التزام لا يتجاوز المرحلة الانتقالية، وهو التزام لا يغير من حقيقة أن عصر ما بعد مبارك لا يبشر الصهاينة بأي خير، لتسقط نظرية كان يرددها الكثيرون وهي "أمريكا لن تسمح بسقوط مبارك وتجربة تونس لن تتكرر في مصر"، حيث كان المحللون الغربيون والصهاينة في بداية الثورة يتكلمون عن ضوء أخضر من أمريكا تم إعطاءه لنظام مبارك من أجل استخدام الجيش لقمع الثورة، وحاول عمر سليمان استخدام هذه الورقة في يومه الأخير كنائب لرئيس الجمهورية.

لكن رياح الجيش المصري لم تأت بما تشتهيه السفن الصهيوينة والأمريكية، وكان موقف صغار الضباط والجنود الرافض لسفك دماء إخوانهم المتظاهرين هو ما حسم موقف قيادة الجيش وأفشل مخطط حمامات الدماء، وأثبت فشل نظرية "أمريكا لن تسمح"، فقد بدا واضحاً للجميع أن أمريكا لم تكن تملك من أمرها شيئاً سوى متابعة تطورات الأوضاع وإصدار تصريحات تعكس ميزان القوى على الأرض.

بعد سنوات طويلة من إغراقنا بنظريات المؤامرة ونظرية اللوبي الأمريكي الذي يمنع أي موقف إيجابي أمريكي تجاه الأمة العربية والإسلامية والذي يطيح بأي مسؤول أمريكي يساوم على المصلحة الصهيونية، تتهاوى أمامنا اليوم هذه النظريات، لتظهر لنا حقيقة جلية وهي أن ما كان يدفع الأمريكان باتجاه الدعم اللامحدود للكيان الصهيوني هو ضعف العرب وتهافت الأنظمة العربية.

ولو تتبعنا تاريخ العلاقة الأمريكية الصهيونية لوجدنا شواهد تدعم هذا الشيء فعند الإعلان عن قيام الكيان الصهيوني الأمريكي عام 1948م سارع الرئيس الأمريكي ترومان للاعتراف بالكيان الصهيوني، فيما عارض ذلك وبشدة وزير خارجيته جورج مارشال والذي خاف أن يؤثر ذلك الاعتراف على علاقة الولايات المتحدة مع العالم العربي، لكن عندما رأى الأمريكان أن ذلك لم يؤثر على علاقتهم بالعالم العربي فمن الطبيعي أن يستمروا بدعم الكيان.

وفي الخمسينات اتخذ الرئيس الأمريكي أيزنهاور عدة مواقف في وجه الكيان الصهيوني، أبرزها إجبار الكيان عن الانسحاب من سيناء بعد العدوان الثلاثي عام 1956م، وذلك في إطار جهوده لحشد حلف عربي ضد الاتحاد السوفياتي، لكنه لم ينجح في إقناع الأنظمة العربية المعادية للغرب (وعلى رأسها نظام جمال عبد الناصر) في حين كان يضمن ولاء الأنظمة العربية المتحالفة معه بغض النظر عن موقفه تجاه الكيان الصهيوني، مما أدى لفشل هذه الإستراتيجية.

ودخلت العلاقة الصهيونية الأمريكية منعطفاً هاماً بعد حرب عام 1967م عندما أثبت الصهاينة أنهم يمثلون ذراعاً عسكرياً ضارباً يمكن للأمريكان الاعتماد عليها، ومنذ ذلك الوقت وعلاقات الكيان الصهيوني مع الأمريكان تزداد قوة، فيما توجهت الأنظمة العربية إلى المزيد من الخضوع للأمريكان بعد قرار السادات الارتماء في حضنهم عندما قال أن 99% من أوراق الحل بيد أمريكا.

وأشار الباحثان الأمريكيان جون ميرشمير وستيفن والت (من جامعتي شيكاغو وهارفرد العريقتين) في كتابهما الشهير "اللوبي الصهيوني والسياسة الخارجية الأمريكية" والذي نشر عام 2007م إلى أن اللوبي الصهيوني في أمريكا يحرف مسار السياسة الخارجية الأمريكية بعيداً عن مصالح الولايات المتحدة وأن مصالح الكيان الصهيوني والولايات المتحدة ليست متطابقة، وأنه على الإدارة الأمريكية أن تكف عن التصرف وكأنها مصالح متطابقة.

وقوبلت نظريتهما في وقتها بمزيج من السخرية والانتقاد الحاد، وكيف لا تقابل بالسخرية والأنظمة العربية كانت تتسابق لإرضاء الكيان الصهيوني من أجل كسب الرضا الأمريكي؟ وكيف لا تقابل بالسخرية وهنالك من العرب من يقول لها يجب تشديد الحصار على قطاع غزة ويجب محاربة حركة حماس لأنها تتبنى الإرهاب وترفض الاعتراف بالكيان الصهيوني؟ وكيف يقبل هذه النظرية صانع القرار الأمريكي وهو يسمع كلمات التزلف والنفاق من الزعماء والقادة العرب والذين يصرون على أن شعوبهم محبة للسلام وأن من يعادي الكيان الصهيوني هم "قلة من المتعصبين الأصوليين الإسلاميين أصحاب الأجندات الإيرانية"؟

واليوم أثبتت ثورة الشعب المصري أن 100% من أوراق الحل بأيدينا، وأن أمريكا بعظمها وجبروتها لا تستطيع إلا أن تخضع لإرادة الشعوب العربية، واليوم ثبتت صحة نظرية ميرشمير ووالت بأن المصالح الأمريكية والصهيونية يجب أن تفترق عند لحظة معينة، وهذه اللحظة كانت عندما استفاق العرب وأدركوا قوتهم الحقيقية، وبالتالي فسر دعم أوباما للثورة المصرية هو وبكل بساطة أننا نستطيع أن نرسم مصيرنا بأيدينا وأننا وحدنا من نحدد مستقبلنا وما على العالم إلا الخضوع لنا. (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).

الثلاثاء، 15 فبراير 2011

سقوط الديموقراطيات العربية

تعودنا طوال السنوات الماضية على رفض الأنظمة العربية و"مثقفيها" للديموقراطية الغربية، نظراً لخصوصيتنا الثقافية وأننا لا نقبل بالإباحية والمنكرات التي تروج لها الديموقراطيات الغربية، ونظراً لأن لنا في تراثنا الإسلامي ما يغني عن الديموقراطية الغربية.

إلا أن هذا كلام حق يراد به باطل، فمن العجب العجاب أن نرى أنظمتنا العربية تستورد كل ما هو معيب وإباحي ومرفوض شرعاً وعرفاً من الغرب، فيما بقيت عصية على استيراد القليل من الإيجابيات التي يتمتع بها التراث الغربي!! استوردت الخمور وسمحت بترويجها بحجة تشجيع السياحة، وافتتحت الفضائيات الهابطة والراقصة بحجة التحديث والتطوير، وحورب الحجاب واللباس الإسلامي والتقليدي بحجة محاربة التخلف.

أما عند الكلام عن عدم تخليد الحاكم على كرسيه، وعند الكلام عن مشاركة المحكوم للحاكم في عملية اتخاذ القرار، وعند الكلام عن تداول السلطة بشكل سلمي، وعند الكلام عن انتخابات نزيهة، فجأة يتذكر حكامنا وأولي الأمر أن لنا تراثاً إسلامياً لا يجوز تلويثه بهذه "الزندقة" وهذه "اللوثات" الفكرية، وابتدعوا لنا ديموقراطيات عربية مخزية جمعت أسوأ ما في الغرب والشرق، وحكمونا بها طوال عشرات الأعوام، وروجوا لها وكأننا أغبياء لا نميز الصالح من الطالح.

ونستعرض هنا عدداً من أبرز هذه الديموقراطيات التي ميزت عالمنا العربي خلال الفترة الماضية، والتي بدأت تتهاوى مع سقوط نظامي بن علي ومبارك.

ديموقراطية لا أرى لا أسمع لا أتكلم:

وهي الديموقراطية الأكثر تخلفاً وقمعاً في عالمنا العربي، وتعتبر السياسة رجساً من عمل الشيطان يجب على عامة الناس عدم تلويث أنفسهم بأوحالها، ومن أفضل من الحكام معرفة بمصالح البلاد والعباد؟ وليس بالإمكان أحسن مما كان.

كل انتقاد للحاكم أو قراراته هو أجندة أجنبية، وكل همسة ونصيحة مؤدبة هو تخبيص ينصح صاحبه بأن ينصت كي لا يسحله رجال النظام، أليس تعاطي السياسة من أكبر الكبائر؟ لماذا يورط نفسه بها؟

إن كان ولا بد من التغني بالسياسة فيجب التسابق لمدح القائد الملهم وسياسته الحكيمة، وتجنب ما يقلل من قيمته وهيبته أمام العباد والبلاد، متناسين أن الحبيب محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم قد جذبه الأعرابي من بردته وقال له: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فما ضره ذلك ولا مس من هيبته، وعمر رضي الله عنه قد وجد من يقول له: لا سمعاً ولا طاعة، فلم يزد أمير المؤمنين إلا رفعة في أعيننا.

أما زين العابدين بن علي فعندما عاد من رحلة الحج نزلت اعلانات التهنئة في الصحف تقول له حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً، ولم يجرؤ أصحابها على كتابة و"ذنباً مغفوراً"، حتى لا يفهم أنهم يتهموه باقتراف الذنوب والمعاصي!!

ديموقراطية شاوروهم وخالفوهم:

بعض الأنظمة العربية تنازلت قليلاً وسمحت للمعارضة ولعامة الناس التعبير عن آرائهم، بل وشتم القادة والرؤساء والسخرية منهم، قل ما تريد وتكلم بما تشاء وعارض كما تحب، لكن لا تحلم يوماً أن نأخذ برأيك ولو أيدك كل الشعب، ولا تحلم يوماً بأن تأخذ كرسي الرئاسة أو تصبح رئيساً للوزارة.

مكانك في المعارضة من الميلاد إلى الممات، نحن نعطيك حرية التعبير عن ضيقك واشمئزازك، أليست هذه الديموقراطية التي تطالبون بها؟ لا يا سادة ليس هذا ما يريده الناس، الناس لا تريد الانترنت والفيسبوك لكي تفش غلها وتعبر عن إحباطها، لا تريد التنفيس عن غضبها، الناس ليسوا مرضى نفسيين يريدون متنفساً للتعبير عن غضبهم وحسب.

الناس تريد المشاركة باتخاذ القرار، الناس تريد أن يكون لها دور في تحديد مصائرها، الناس تريد تداول السلطة، الناس لا تريد نفس الوجوه تتربع على كرسي الرئاسة لعقود وكأن الأمة لم تنجب إلا سيادته أو جلالته، الناس تريد حاكماً خادماً لها وليس خادماً لمصالحه ومصالح حاشيته.

الناس تريد أن تحاسب الحاكم وأن تحاسب المسؤول، والمسؤول من اسمه يجب مساءلته: ماذا فعلت؟ ولماذا أخفقت؟ ولماذا لم تنجح؟ ويجب عليه أن يجيب، الحاكم هو موظف عند الشعب، ولنا في الخليفة العادل عمر رضي الله عنه قدوة عندما اعتبر نفسه محاسباً على البغلة التي تعثر في العراق، لم يقل أن عثرتها "قضاء وقدر" – طبعاً كل ما في الدنيا قضاء وقدر، لكن ما نرفضه أن تكون هذه الكلمة شماعة تعلق عليها اخفاقات النظام واخفاقات الحاكم.

ومن ضمن محاسبة الحاكم ومحاسبة المسؤول عزله وانتخاب غيره، ليس فقط إن كان فاسداً أو سيء السيرة والسلوك، بل في حال حاول ولم ينجح في إدارة دفة الأمور كما يجب، وأكثر من ذلك في حال فقد قدرته على الابداع الذي تميز فيه أول حكمه فمن واجبه التنحي، فالحكم والمسؤولية هو تكليف وليس تشريف، فليعتزل الحكم وليشرفه الناس وهو متقاعد.

ديموقراطية رجل إلى الأمام ورجل إلى الخلف:

بعض الأنظمة العربية حاولت وتحاول ادخال اصلاحات في منظومتها السياسية، وربما لأن وضعها أفضل من غيرها في العالم العربي، فإنها كلما وجدت نفسها قد أسرعت الخطى في الاصلاحات السياسية تتوقف وتتراجع ندماً على "جرعة الديموقراطية الزائدة" التي حقنت بها الشعب والأمة.

لا ندري لماذا لا يرفع الرئيس الجزائري حالة الطوارئ فوراً؟ ولماذا يسمح بالمظاهرات في كل الجزائر ويستثني العاصمة؟ مثل هذه الأنظمة هي أفضل من غيرها لكن لماذا لا تتخلص من أدران الاستبداد والتخلف السياسي مرة واحدة؟ ما استفز الشعب المصري خلال أسبوعي ثورة الغضب كانت التنازلات المتأخرة والمنقوصة التي يقدمها مبارك، فلماذا الخطوات المنقوصة؟ لماذا الخطوة إلى الأمام والتي تليها خطوة إلى الخلف؟

بعد سقوط نظامي بن علي ومبارك يجب أن يدرك الجميع أن هذا الأسلوب لا يجدي، ربما هذه الأنظمة محصنة حالياً لأنها تتيح شكلاً من أشكال المشاركة باتخاذ القرار في البلد، لكن عندما يقارن شعبها ما لديه بما يوجد في تونس أو مصر في العهد الجديد فستبدأ المشاكل بالتفجر في وجهها.

الناس في عالمنا العربي وعلى عكس ما يشاع أكثر وعياً وأكثر ذكاءً من حكامهم، ويعلمون ما يدور في العالم من حولهم، ويدركون مالهم وما عليهم، ويعلمون أن لهم حقوقاً يجب أن ينالوها كاملة غير منقوصة، ويؤمنون بأن التعبير عن الرأي أو تداول السلطة هي حقوق مستحقة وليست منحة يمن النظام بها عليهم.

ديموقراطية الملل والنحل:

بعض الدول العربية ينقسم فيها المجتمع إلى طوائف أو قوميات، ونظراً لضعف الدولة وعدم إشعارها مواطنيها بأنها الخادم الأمين لهم، فنجد كل طائفة وكل قومية تتكتل في جيوب خاصة وتستقل عملياً عن الدولة وتنشئ دولة داخل الدولة، وإما أن تذهب للمطالبة بالانفصال وتتفكك الدولة مثلما يحصل في السودان (جنوباً وغرباً)، أو تجد هذه الملل والنحل طريقة للتعايش الديموقراطي الخاص مثلما هو الحال في لبنان والعراق.

ديموقراطية الملل والنحل لا اعتبار فيها للإنسان خارج طائفته، فهي مجرد ابن طائفة لسان حاله: "وهل أنا إلا من غزية أن غوت .. غويت وإن ترشد غزية أرشد"، والقرار ليس للأفراد بل للطائفة، تجلس الطوائف وتتفاوض مع بعضها البعض وتتفق وتتوافق، والبلد يقسم إلى حصص ولكل طائفة ما تستطيع انتزاعه.

وبذا بدلاً من أن يكون الحاكم أو الوزير أو الموظف الحكومي خادماً للشعب ومستأمناً على مصالحه يصبح منصبه غنيمة تتنافس عليه الطوائف ولا يشترط توليه الأصلح أو الأفضل، فهو مجرد حصة لهذه الطائفة أو تلك، وهكذا تصبح لدينا دويلات طائفية تتعايش ظاهرياً في دولة مقسمة فعلياً.

ربما من أصعب الأنظمة السياسية اصلاحاً هي ديموقراطية الملل والنحل، فإن كانت ديموقراطية "لا أرى لا أسمع لا أتكلم" وديموقراطية "شاوروهم وخالفوهم" تحتاج لثورات تطيح بالأنظمة المستبدة، وإن كانت ديموقراطية "رجل إلى الأمام ورجل إلى الخلف" تحتاج إلى اصلاحات جذرية واسراعاً في وتيرة الاصلاح، فإن ديموقراطية "الملل والنحل" تحتاج لبث الوعي في كافة فئات المجتمع ورفع مستوى الشعور بالمسؤولية لدى الجميع من أصحاب القرار نزولاً إلى قاعدتهم الشعبية، وهذه من أصعب المهمات.

الأحد، 13 فبراير 2011

إذا عرف السبب بطل العجب: استقالة عريقات وكشف المستور

عندما سمعت عن استقالة صائب عريقات (صاحب نظرية الحياة مفاوضات) من منصبه كرئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير (دون الاستقالة من باقي مواقعه الرسمية في حركة فتح والمجلس التشريعي) تفاجئت وظننت للحظة أن الرجل سيخرج لنا ويعترف بأخطائه التفاوضية وبأن أسلوبه التفاوضي كان مخزياً، وأن استقالته التي جاءت بعد يوم من الإطاحة بمبارك هي اعترافاً منه بالواقع الجديد واقع ما بعد سقوط مبارك وفقدان السلطة الفلسطينية للأخ الأكبر الذي كان يرعى تنازلاتها وخضوعها لإملاءات الصهاينة.

إلا أنه وعندما الاستماع لتصريحاته وهو يعلن عن سبب استقالته كشف لنا أنه "لم يفهم" رسالة سقوط مبارك، و"لم يفهم" أن الاعتراف بالحق فضيلة، ولم يتعلم أي شيء، جاء ليقول لنا أن استقالته جاءت على خلفية نتائج لجنة تحقيق شكلتها "القيادة الفلسطينية" (ومصطلح القيادة الفلسطينية مصطلح فضفاض يشير إلى العصابة المحيطة بمحمود عباس)، ولأول مرة نسمع عن لجنة تشكلها السلطة (أو حركة فتح) تتوصل إلى نتائج بهذه السرعة (وأغلب لجانها لا تصل لنتيجة أصلاً مثل لجنة التحقيق مع محمد دحلان).

دار التحقيق حول من أين تسربت الوثائق ومن الذي سربها؟ ووجدت اللجنة أنها تسربت من مكتب دعم المفاوضات الذي يرأسه عريقات؟ وبالتالي يوجد "خرق أمني" في المكتب تسبب بوصول الوثائق إلى الجزيرة، وبالتالي يتحمل عريقات المسؤولية عن هذا الخرق، فما كان يهم القوم هو جريمة تسريب هذه الوثائق إلى الجزيرة وليس التحقيق في مضمونها وما كان يجري في أروقة المفاوضات.

وحقيقة فشر البلية ما يضحك؛ الأمر يشبه تقديم أمين سر "عصابة الأربعين حرامي" استقالته لأن تساهله أدى لأن يعرف علي بابا كلمة سر المغارة وانفضاح أمر العصابة. الجماعة غضبوا لأن هنالك من وفر للجزيرة مادة إعلامية تحرج "القيادة الفلسطينية"، ما أغضبهم هو إحراج العصابة المحيطة بمحمود عباس، ما أغضبهم هو الصورة الإعلامية لصائب عريقات وياسر عبد ربه وأحمد قريع والطيب عبد الرحيم وسلام فياض.

لم يغضبهم ما جاء في هذه الوثائق من تنازلات مخزية قدمها المفاوض الفلسطيني، ولم يغضبهم ما فضحته هذه الوثائق من تنسيق أمني يتباهى بعدد الاستشهاديين الذين قامت الأجهزة الأمنية بتبليغ الصهاينة عنهم، ولم يغضبهم أن المفاوض الفلسطيني كان يكذب عندما كان يقول أننا اقتربنا من التوصل إلى اتفاق وبقيت بعض الأمور العالقة لنكتشف بعدها أنه لم يكن هنالك أي اتفاق على أي شيء، فقط دردشة على هامشها تنازلات مجانية يقدمها المفاوض الفلسطيني دون الحصول على أي مقابل.

كان بإمكان عريقات أن يحفظ ماء وجهه ويقول أن استقالته جاءت بسبب "تعنت المفاوض الصهيوني"، وأن قرارات توسيع الاستيطان في القدس التي صدرت قبل يومين هي القشة التي قصمت ظهر البعير، وكان بإمكانه أن يكون صادقاً ويقول أن عصر ما بعد مبارك لا يحتمل أمثاله، أو أن يدعي أن "التضليل الذي كان يمارس عليه" انكشف بعد سقوط مبارك، لكنه مثله مثل مبارك لم يجد إلا سبباً مخزياً لتنحيه وخروجه من المشهد.

كان بإمكان مبارك في خطابه الأخير أن يكون أكثر تواضعاً وأن يعترف بأخطائه وأن يعيش للحظات معدودة في كوكب الأرض وهو يكلم أهله وشعبه، لكنه خرج بهذه الطريقة المستفزة ليؤجج الثورة المصرية وبدلاً من كسب تعاطف المصريين في يومه الأخير جعل حتى أقرب الناس له ولنظامه يلعنوه ويشتموه، أنت سترحل يا مبارك ويا "رايح كثر الملايح"، إلا أن من طمس على قلبه لا يعقل ولا يفهم ولا يستوعب.

وبنفس المنطق الأعوج جاء عريقات ليختم حياته التفاوضية بطريقة مخزية، أنت ستغادرنا (هكذا يفترض) فلتقل كلاماً ليتذكرك الناس بخير، وليقولوا عنك أنك كنت شجاعاً وتهتم بمصالح الشعب الفلسطيني وأحاسيسه، ما يفيدك الدفاع عن مفاوضات فاشلة؟ ما يفيدك الكبر والعناد ورفضك الاعتراف بأخطائك؟ أتعتقد أن الناس لا يعرفون فداحة ما ارتكبته في عشرين عاماً من "الحياة مفاوضات"؟ كل شيء مكشوف ومعروف.

وإذا كان يقال عن الشعب المصري أنه مغرر به وتكثر فيه الأمية وأنه راض بحكم مبارك، ليتبين بعدها أن الأميين (قبل المتعلمين) كانوا يدركون جرائم مبارك ويعونها، وأن عموم الشعب المصري الذي كان يخشى مجرد التكلم في السياسة كشف لنا عن وعي سياسي رفيع في لحظة الحرية، فما بالك بشعب مسيس حتى النخاع وانتفض مرتين ضد الاحتلال الصهيوني؟ ألا تدرك أن الجميع يسمع ويرى ويفهم.

ويبقى أن نشير إلى اقتصار استقالة عريقات على منصبه في رئاسة دائرة المفاوضات بمنظمة التحرير، وبقاءه بمناصبه الأخرى في حركة فتح والمجلس التشريعي، يعني أن الرجل لا ينوي الرحيل عن الحياة السياسية، وأن ما قام به مجرد مناورة إعلامية للتخفيف من أثر الفضيحة التي تسببت بها وثائق الجزيرة، ولا نستبعد عودته إلى المفاوضات تحت مسمى "كبير المفاوضين الفلسطينيين" وهو منصب وهمي اخترعه لنفسه لم يشمله قرار استقالة عريقات.

ويبدو أن السلطة تعلمت الدرس الخطأ من ما حصل في مصر (وقبلها تونس)، وما زالت تظن أن الخطوات المجتزأة والجراحات التجميلية يمكن لها أن تحسن من وضعها أمام الناس، وإذا كان توقيت استقالة عريقات في اليوم التالي للإطاحة بطاغية مصر هدفه أن تقولوا للناس أنكم تعلمتم الدرس واستخلصتم العبر، فهذه محاولة فاشلة ويجب الإدراك أنه بدون مصارحة الشعب الفلسطيني وبدون اتخاذ إجراءات جذرية فمثل هذه المناورات التكتيكية المحدودة ستكون عبئاً عليكم، مثلما كانت مناورات مبارك التكتيكية عبئاً عليه أطاحت برأسه في النهاية.

الجمعة، 11 فبراير 2011

قراءة في موقف الإخوان من الحوار مع عمر سليمان

أثار قرار الإخوان التوجه إلى جلسة الحوار الأولى مع عمر سليمان ضجة كبيرة وكاد ذهاب الإخوان بالإضافة إلى عدد من أحزاب المعارضة إلى جلسة الحوار أن يشق صفوف الثورة المصرية، لولا أن تم تدارك الأمور في اليوم التالي وصدرت مواقف من الإخوان عالجت الأمر وأعلن الحزب الناصري انسحابه من الحوار في نفس اليوم نظراً لعدم جدية عمر سليمان.

والأهم من ذلك هو التطورات خلال يومي الثلاثاء والأربعاء بحيث استعادت الثورة المبادرة بعد أن ظن الكثيرين من أنها تتحول تدريجياً نحو اعتصام مفتوح في ميدان التحرير ولا أكثر، وبدأنا نرى جهاز الدولة المدني يتمرد على النظام، ورأينا حملة اضرابات واسعة، وانتقل المتظاهرون لمحاصرة مقرات الحكومة ومجلس الشعب، مما يجعل أيام النظام معدودة.

بدايةً من الضروري التوضيح أن الذهاب لم يكن قراراً مجمعاً عليه داخل جماعة الإخوان وإنما يحسب على بعض القيادات التي كانت متحمسة للذهاب، ولا ندري هل حصل تصويت على الذهاب داخل مكتب الإرشاد أم أنه في خضم تسارع الأحداث اتخذ البعض القرار وذهبوا.

وهنا نشير إلى رفض شباب الإخوان الممثلين في "ائتلاف ثورة الغضب" وإلى أن قاعدة الإخوان الشعبية كانت ما بين متحفظة ورافضة للقرار، بل خرج علينا عضو مجلس الإرشاد عبد المنعم أبو الفتوح على فضائية الجزيرة لينتقد القرار، وهو دليل على وجود خلاف قوي داخل قيادة الإخوان خاصة وأنهم غير معتادين على مناقشة خلافاتهم الداخلية علناً.

مبررات الذهاب:

ذهب الإخوان المسلمين إلى الحوار في ظل ما بدا أنه استعادة النظام لعافيته، ويبدو أن من قرروا الذهاب قدروا أن هنالك مخاوف من إجهاض الثورة وبالتالي يجب تثبيت ما يمكنه تثبيته من انجازات، فضلاً عن ما قيل من أن الذهاب كان من أجل جس نبض النظام ودراسة مدى جديته بالحوار وعرض مطالب المتظاهرين وقطع الطريق على أي جهة تريد عرض مطالب بسقف متدني.

كما جاءت جلسة الحوار في ظل حملة إعلامية شنها النظام لإثبات أن الثورة يسيرها الإخوان المسلمون وأنها تعمل بأيادي وتوجيهات خارجية، في سبيل تأليب الرأي العام على الثورة وإضعاف التأييد الشعبي لها، فيبدو أنه كان هنالك اجتهاد بأن يذهب الإخوان إلى الحوار بحيث لا يبدو الإخوان على أنهم الجناح المتشدد في الثورة، وفي هذا مكسب للثورة في أنه يظهر كذب النظام وربما ظن البعض أن فيه مكسب للإخوان في حال فشلت الثورة.

وهنالك من اتهم الإخوان بأنهم ذهبوا طمعاً في ما قاله عمر سليمان بأن هذه فرصة للاعتراف بهم (بعد سنوات طويلة من المنع) وإن كنت أشك بهذا الدافع لأنه دافع ساذج للغاية، ففي حال انتصرت الثورة فاعتراف نظام مبارك بالإخوان المسلمين سيكون عبء على الجماعة ولن يكون رصيداً لها، وفي حال فشلها فكل وعود النظام ستلغى وأولها الاعتراف بالإخوان المسلمين وستنصب المشانق لجميع من شارك بها من قريب أو من بعيد.

أين أخطأ الإخوان:

أخطأت قيادة الإخوان المسلمين (وبشكل أدق من اتخذوا قرار الذهاب) في عدة نواحي:

1- في تقديرهم بأن النظام ما زال قوياً، وعدم إدراكهم أن عصر ما بعد 25/1 هو غير ما قبله، وأن النظام لهجته القوية والواثقة لا تعكس قوته الحقيقية على الأرض، ومشكلة تنظيم الإخوان المسلمين خصوصاً والتنظيمات المركزية عموماً هي بطؤ الاستجابة للتغيرات على أرض الواقع، وفي تطورات متسارعة يظهر هذا النوع من التنظيمات عجزاً عن مواكبة الأحداث كما يجب.

2- الذهاب بدون التنسيق مع قوى المعارضة الحقيقية المتواجدة في ميدان التحرير، وفي اعتقادي أنه لو قيل لهذه الحركات أننا نريد إرسال وفداً باسمنا جميعاً من أجل جس نبض النظام ومن أجل إحراج النظام إعلامياً بأننا جئنا للقائك وأنت لم تقدم شيئاً حقيقياً، لكان أفضل للجميع وأفضل للثورة. مع أنه يبدو أنه كان هنالك نوعاً من التواصل لأني سمعت أحد الناطقين باسم حركة 6 أبريل في يوم الحوار على فضائية الجزيرة وكان من طبيعة كلامه مطلعاً على قرار الإخوان بالذهاب، وعندما سئل عن رأيه قال لننتظر ونرى.

3- الخطاب الإعلامي المتفائل، وأخص بالذكر الدكتور عصام العريان الذي حاول تبرير الذهاب بأن النظام قدم تنازلات، وهذا تبرير مرفوض جملة وتفصيلاً، فالنظام وإن كان قدم تنازلات لكنها تنازلات لا تعكس حسن نوايا النظام ولا حتى تعكس موازين القوة على الأرض، فالنظام وعمر سليمان ما زالوا يفكرون بأن النظام المصري في أوج قوته؛ مثل ما نرى في وعد عمر سليمان بعدم معاقبة المتظاهرين، وهل تستطيع معاقبتهم يا عمر سليمان؟ هذا تنازل لا يعكس ميزان القوى لأنك غير قادر على معاقبتهم أصلاً.


وبالرغم من هذه الأخطاء إلا أنه يسجل لجماعة الإخوان المسلمين النقد الداخلي من أبنائها ومؤيديها، وتجاوب القيادة لهذا النقد، وهذا ما لا يحصل في الكثير من الأحزاب والجماعات بمن فيهم من شنعوا على الإخوان ذهابهم إلى الحوار، ويبدو أن هنالك قراراً غير معلن بعدم العودة إلى الحوار (هنالك تصريح قبل يومين لعصام العريان بأنه تتم حالياً عملية مراجعة للمشاركة بالحوار وهو تلميح لوجود توجه بوقف الحوار خاصة وأن العريان كان من المتحمسين للحوار). وفي كل الأحوال يبدو أنه في ضوء تطور الأحداث الأخيرة فلن تكون هنالك جولة حوار جديدة.

أين أخطأ الآخرون:

بمجرد ذهاب الإخوان المسلمين إلى الحوار شنت أطراف عديدة حملة عنيفة ضد الإخوان المسلمين وصلت إلى حد التخوين، وبعد عودتهم من الحوار وبعد تجاوز الأحداث للحوار ما زالت بعض الأطراف تتعمد نبش المواقف وإعادة الاتهام مراراً وتكراراً من أجل تسجيل المواقف على الإخوان المسلمين.

وفي حين نثمن من نقدوا مشاركة الإخوان بشكل عقلاني ومتزن، فإنه من الضروري الإشارة إلى الأخطاء التي ارتكبها غيرهم، وأهم هذه الأخطاء هي:


1- تحميل قرار الذهاب إلى جلسة الحوار أكثر مما يحتمل، وكأنه تخلي عن المظاهرات وتخلي عن مطلب الرئاسة، حسناً مجرد الذهاب يقوي موقف مبارك وعمر سليمان، لكن مواقف الإخوان في الجلسة لم تختلف عن ما يطالب به المتظاهرون، ولم يحصل أي تنازل في المطالب.

2- تجاهل مواقف الإخوان المسلمين بعد جلسة الحوار والتي سحبت الانجازات التي حققها عمر سليمان سواء من خلال تأكيدهم على أن ما قدم في الجلسة غير كافي، أو تأكيدهم على ضرورة تنحي مبارك، أو رفضهم للجنة التي شكلت، أو رفضهم للبيان الذي صدر عن مكتب سليمان بخصوص اللقاء.

3- الاتهام بالتخوين: فما حصل يعبر عن خلل حصل، وربما هو اجتهاد خاطئ (وقد يزعم البعض هو خلل في نمط التفكير)، لكن هل مجرد الجلوس هي خيانة؟ حسناً بماذا كنتم ستصفون الإخوان لو وافقوا على بقاء مبارك؟ هنالك مبالغة كبيرة تعبر عن مواقف مسبقة لدى البعض ومحاولات حزبية لتسجيل نقاط على حساب الإخوان لدى البعض الآخر.

4- إخراج الإخوان من الثورة واتهامهم بالتسلق عليها ومحاولة اختطافها، وهنا الخطأ من ناحيتين: الوقت ليس وقت تقاسم الغنائم لنقول من الذي شارك ومن الذي لم يشارك، المعيار يجب أن يكون هل هذا التصرف يخدم الثورة أو لا يخدمها.
والناحية الأخرى هي تجاهل دور الإخوان المسلمين في الثورة من حيث المشاركة أو من حيث المواقف المبدئية أو من حيث التضحيات قبل وبعد الثورة، فالإخوان المسلمين تعرضوا لحملة اعتقالات واسعة وغير مسبوقة في الليلة التي سبقت جمعة الغضب، وشباب الإخوان مشاركين وممثلين في قيادة المعتصمين بميدان التحرير، وسقط من الإخوان المسلمين شهداء في المواجهات. الإخوان المسلمون ليسوا الثورة لكنهم جزء منها، مثلهم مثل غيرهم، ومحاولة التقليل من دورهم أو دور الأحزاب والحركات السياسية فيه الكثير من الظلم والخطاب الغوغائي.

5- ممارسة الكذب والتضليل: وهنا نشير إلى بعض ما نقل عن الإخوان بغير حق، مثلما زعم أحد منظري القاعدة أن الإخوان المسلمين دعوا الناس للعودة إلى بيوتهم وأنهم قبلوا بقاء مبارك في الرئاسة إلى نهاية حكمه، وهذه ممارسات سياسية معيبة وغير لائقة.

6- استخدام الموقف لتصفية الحسابات السياسية مع الإخوان المسلمين لم يكن موفقاً لأن استمرار الثورة وزخمها مرهون بوحدة الصف، وافتعال الصراعات الجانبية هو إضعاف لها، ولو تسمك الإخوان بالحوار وموقفهم الأول لكان من المفهوم استمرار الهجوم على الإخوان كونهم يهددون الثورة.

في نهاية المطاف كان بإمكان الإخوان المسلمين تجنب ما حصل ببعض الحكمة والذكاء، وكان بإمكان خصومهم التعالي عن المواقف السابقة ومساعدة الإخوان في ترشيد التعامل مع النظام المصري، والأهم من ذلك يجب على قيادة الإخوان المسلمين أن تدرك أن عصر هيمنة النظام قد انتهى، وأن المستقبل للثورة ويجب عليها أن تتصرف من هذا المنطلق وأن تتخلى عن سياسة الحذر الشديد، ففي عصر الثورات لا مكان للتردد. كما يجب أن يدرك الإخوان وغير الإخوان أنه لا يمكن لطرف واحد أن يحتكر القرار في الثورة، شركاء في الدماء شركاء في القرار.



الاثنين، 7 فبراير 2011

نصائح إلى الثورة المصرية من وحي الانتفاضة الفلسطينية

تدخل الثورة مرحلة حساسة للغاية ستحدد مستقبل الشعب المصري، إما باتجاه الحرية والتعددية الحقيقية وإما الاكتفاء باستبدال الوجوه والإبقاء على نفس النظام السابق، وبما أن النظام المصري هو وثيق الصلة بالعدو الصهيوني سواء من حيث التبعية السياسية أو حتى من حيث تشابه أسلوب التعامل والعقلية السائدة.

لذا سنحاول استعراض تجربة الشعب الفلسطيني في مقاومة ظلم المحتل الصهيوني، وتجربة الانتفاضة الفلسطينية (سواء كانت الانتفاضة الأولى أو انتفاضة الأقصى)، وكيف من الممكن الاستفادة منها في الثورة المصرية.

لا تخشوا الكلام عن تذمر وملل وتعب الشعب: كان الاحتلال الصهيوني يضيق الخناق على الشعب الفلسطيني كلما حصل تصعيد في المقاومة الفلسطينية وكلما حصلت عملية للمقاومة، وذلك حتى يوصل الناس إلى قناعة بأن مقاومته تجلب لهم ضيق العيش وتتسبب بالتدهور الاقتصادي.

وفي الانتفاضة الأولى كان هنالك أناس يحتجون ويعترضون على المظاهرات والاضرابات ويقولون نريد أن نعيش، ونريد أن نذهب للعمل وطلب الرزق، فهذه النماذج موجودة في كل المجتمعات، وهي لم تكن يوماً عائقاً أمام المقاومة الفلسطينية لا في الانتفاضة الأولى ولا انتفاضة الأقصى، المقاومة مستمرة وأصحاب النظرات القاصرة والحسابات الشخصية الضيقة ينتقدون ويتذمرون.

ما دام هنالك شباب بمئات الآلاف مستعد للذهاب إلى المظاهرات والمشاركة بها، فالأمور بخير ويمكن للثورة المصرية الاستمرار على هذه الوتيرة القوية لثلاثة أشهر على الأقل، لا يهمكم الحملات الإعلامية الحكومية بأن الناس تتذمر وبأن الناس تمل وتريد العمل وتريد رزقها.

في الانتفاضة الأولى كان طلاب المدارس وبشكل تلقائي يجمعون أنفسهم ويخرجون بشكل منتظم لمواجهة جنود الاحتلال، لم يكونوا ينتظروا أحد ليطلب منهم ذلك، تصبح هذه الأمور بمثابة الهواية اليومية لهم، وفي مصر الأمر كذلك ما دام يوجد شباب مستعد ومتحفز للعمل دون انتظار أوامر من أحزاب وتنظيمات، فلن يستطيع أحد إيقاف هذه الماكنة الشبابية لا من خلال القمع ولا من خلال بث الملل واليأس بين الناس.

لا تبالوا بنبرة الاستعلاء والتهديدات: عمر سليمان يتكلم بنبرة عالية ويهدد من لا يأتي للحوار وأنه فرص قد لا تتكرر، ويجزم هو وغيره من أركان النظام أن مبارك لن يذهب قبل أن يتم مدته، لا تخافوا من هذه التهديدات فهي لا تعبر بالضرورة عن قناعات أو حقائق، بل هي حرب نفسية تهدف إلى احباطكم.

الصهاينة طالما استخدموا مثل هذه اللهجة، ولطالما قالوا لن نخضع للإرهاب (يقصدون المقاومة)، لكنهم خضعوا وانسحبوا من جنوب لبنان تحت نيران المقاومة، وشارون قال عام 2004م أنه لن ينسحب من مستوطنات غزة وقال أن مستوطنة نتساريم مثلها مثل تل أبيب (لن يتخلى عنها)، وبعد عام انسحب من مستوطنات غزة وأولها مستوطنة نتساريم.

أتذكرون عندما هددكم أركان النظام بأنهم لن يستجيبوا لمطالبكم ولن يدرسوها حتى توقفوا التظاهر وحتى تخرجوا من ميدان التحرير؟ هل نفذوا تحذيرهم أم خضعوا للأمر الواقع وأصبحوا هم من يستجدوكم اليوم لتتحاوروا معهم؟ كلها حرب نفسية لا تبالوا بها، ما دمتم أصحاب قوة وإرادة فسيتراجعوا عن كل تهديداتهم وسيتراجعوا عن كل "ثوابتهم"، وعلى رأسها مبارك وطلب تنحيه.

لا تتخلوا عن أسباب قوتكم: سلاحكم الوحيد هو المظاهرات والاعتصامات، في اللحظة التي تعودون فيها إلى منازلكم فستفقدون السلاح الذي تستخدموه للضغط على النظام، وعندها يشعر النظام بأن الخطر قد زال، سيتنكر لكل ما وعد به بل سينتقم من كل من شارك بالثورة شر انتقام.

هذه معركة لا حلول وسط فيها إما أن تنتصر الثورة وتزيل النظام، وإما ينتصر النظام ويسحق الشعب ويسحق الثورة، المعركة لا تحتمل حسن النوايا أو إلقاء السلاح (وسلاحكم هو المظاهرات والاعتصامات السلمية). لا مجال لحسن النوايا ولا معنى للاتفاقيات المكتوبة ما لم تكن لها قوة تحرسها وتجبر الأخر على الالتزام بها.

لا تخطئوا خطأ حركة فتح التي قبلت شرط الاحتلال بالتخلي عن السلاح وعن المقاومة المسلحة عندما بدأت التفاوض في أوسلو وأعلنت "نبذها للإرهاب"، لقد تخلت فتح عن سلاحها ونقطة قوتها الأساسية، عندها استفرد الصهاينة بفتح والسلطة وياسر عرفات، فلا استطاعوا العودة لحمل السلاح ولا حصلوا شيء من خلال المفاوضات. فتح قبلت بشرط الصهاينة وأنهت الانتفاضة الأولى مقابل وعود بدولة فلسطينية، الصهاينة أخذوا ما لهم وتنكروا لوعودهم.

احذروا من المفاوضات على الطريقة الصهيونية: انظروا ماذا يفعل الصهاينة قاموا في البداية بالاستيلاء على 78% من فلسطين عام 1948م، وبعدها احتلوا باقي فلسطين عام 1967م، وعندما ذهبوا للتفاوض قبل المفاوض الفلسطيني بالاكتفاء بالأراضي المحتلة عام 1967م، بعدها بدأ الصهاينة بالمراوغة والمماطلة، وكل مرة يحاوروهم على جزئيات هنا وهناك، ومرة يقولوا للسلطة أوقفوا الانتفاضة وسنوقف الاستيطان ومرة يقولوا أنسوا الاستيطان ولنتكلم عن الحل النهائي، وعندما قامت السلطة بمحاربة المقاومة بدأ الصهاينة بالتهرب وأصبحوا يتكلمون عن تخفيف لوتيرة الاستيطان، وكلما فتحوا موضوعاً دخلوا في تفاصيل لكي يهربوا من الالتزام.

إذا كان النظام المصري صادقاً في الاستجابة لطلبات الثورة فيجب أن يقبل بها فوراً بدون كلمة "ولكن"، ولا يجب أن يلهينا بتفاصيل صغيرة، ولا يقبل أن يقطر الحقوق والانجازات بالقطارة، انظروا تونس كيف تطورت بها الأمور بسرعة رهيبة وخلال أيام فتح المجال وسائل الإعلام بدون استثناءات، وطرد وزراء الحزب الحاكم من الوزارة، وأفرج عن المعتقلين السياسيين، لم يتكلم أحد عن التفاصيل، لأن النظام التونسي كان يريد إنهاء الأمور وتجنيب البلاد الدمار.

إذا كان عمر سليمان والحكومة المصرية صادقين فالقرار بيدهم، ويستطيعون عمل الكثير وخلال أيام، وعندما يبدأوا بالتفاوض على أمور شكلية وعلى تفاصيل صغيرة، فتأكدوا أنهم يستخدمون الأسلوب الصهيوني في المفاوضات، وهو الطريق المضمون لتضييع منجزات الثورة والدخول في مفاوضات أبدية لا نهاية ولا نتيجة لها.

ولا تستغربوا إن كان عمر سليمان يتعمد رفض تنحي مبارك حتى ينهك الشعب المصري، بحيث لو تنحى مبارك كانت الثورة منهكة ومتعبة وغير قادرة على رفض أي شكل استبدادي جديد يأتي بعد مبارك، وهو نفس أسلوب الصهاينة: إرهاق للشعب الفلسطيني والتشدد في المواقف حتى إذا جاء حدث جديد نسي الناس مطالبهم القديمة وبدأوا بالمطالب الجديدة.

في الختام: العدو الصهيوني لا يقدم أي تنازل ولا يحترم أي التزام إلا ما دامت المقاومة تلاحقه وما دام الشعب الفلسطيني يلاحقه ويطارده خطوة بخطوة، وأنتم لن تنتزعوا أي من حقوقكم من حليف الصهاينة الوثيق إلا ما دمتم تلاحقونه وتطاردوه خطوة بخطوة وكلمة بكلمة.

صحيح يوجد اختلافات كثيرة بين ثورة الشعب المصري وانتفاضة الشعب الفلسطيني، لكن تأكدوا من شيء واحد حقوقكم تنتزع انتزاعاً وبالقوة ولا تستجدى ولا توهب، وكل ما تحقق من انجازات في مصر حتى اليوم هو بفضل المظاهرات والمسيرات وإذا أردتم المزيد فهي طريقكم الوحيد.

السبت، 5 فبراير 2011

يا صاحب الظل الثقيل متى ترحل؟

رسمت لنا الكاتبة الأمريكية شخصية صاحب الظل الطويل، وهو اللقب الذي أطلقته بطلة روايتها جودي أبوت على رجل غامض كان يرسل لها الإحسان كي تكمل دراستها بحكم كونها نشأت يتيمة الأبوين في ملجأ ولا معيل لها يأخذ بيدها.

كان شرط هذا المحسن الغامض أن تكتب له رسالة مرة كل شهر، دون أن يرد عليها ودون أن تعرف عنه شيء (سوى أنها مرة رأت ظله الطويل في الميتم) لكن بالنسبة لها كان صاحب الظل الطويل أملها الوحيد للخروج من حياة البؤس وكان شعاع الأمل الذي سيفتح أمامها الحياة.

أما صديقنا صاحب الظل الثقيل فهو على العكس من ذلك تماماً: هبط علينا صدفة بعد حادثة لم يكن له يد فيها، مات الملك عاش الملك، وفجأة أصبح صاحب الظل الثقيل الملك المتوج على البلاد والعباد، وأصبح الجميع يستظل بظله الثقيل، وعاماً تلو عام وظله يزداد ثقلاً، والبلاد والعباد يئنون من وطأة هذا الضيف الثقيل الذي جاءهم دون دعوةٍ منهم، وامتد ظله فحجب الشمس وحجب الأمل وقتل الحياة ونشر البؤس.

صديقنا صاحب الظل الثقيل اختزل في عهده الميمون طغيان ثلاث أجيال من ملوك فرنسا المستبدين:

من لويس الرابع عشر الذي لغى الدولة وقال كلمته المشهورة "أنا الدولة والدولة أنا"، وصاحب الظل الثقيل لغى البلد ولغى الأمة وأصبح هو الحُكم والبلد والأمة.

إلى لويس الخامس عشر الذي بدد ثروة البلاد والعباد على ملذاته وشهواته، وعندما سئل عن ذلك فقال كلمته المشهورة "أنا، وليأت من بعدي الطوفان"، وصاحب الظل الثقيل ليس أقل منه شأناً فقال لنا: "إما أن أبقى جالساً على صدوركم وإما الفوضى والدمار".

وانتهاء بلويس السادس عشر الذي بددت زوجته ماري أنطوانيت الأموال على المجوهرات والثياب، فيما شعبها يئن من الجوع، وعندما قيل لها: "الناس لا يجدون الخبز ليأكلوه"، قالت لهم كلمتها المشهورة: "فليأكلوا البسكويت"، فقد كانت تعيش في عالمٍ غير عالمهم، وهمومها غير همومهم، وصاحب الظل الثقيل لم يكن بأفضل منها حالاً فهو لا يسمع الهتافات المليونية التي تطالب بإسقاطه، وهو لا يعيش عصر الفضائيات والانترنت، هو يعيش في زمن آخر وفي كوكب آخر، لذا يصر على تخييم ظله الثقيل علينا وأن يستمر بذبحنا أحياءً كل يوم.

ثار الناس في فرنسا ثورتهم المشهورة وأطاحوا بالملكية وأطاحوا بالإقطاع وأطاحوا برأس الملك وأطاحوا برأس ماري أنطونيت، واليوم الناس تثور على صاحب الظل الثقيل لكنه لا يتعلم الدرس ولا يقبل أن يحاول تعلم الدرس، وهذا ليس بالأمر الغريب من صاحب ظل ثقيل.

الناس ثارت عليه وتريد رحيله، ورحيل الأقطاعيين الجدد، ورحيل ملكيته المقيتة، ورحيل ظله الثقيل، لكن صاحبنا عنيد ولا يهمه إن عانى ثمانون مليوناً من عناده وكبادوا الأمرين، ولو كانوا ثمانمئة مليون لم يكن ليهز في رأسه شعرة، فهو الدولة والدولة هو، بينما هم مجرد حفنة من أصحاب الأجندات خارجية (حتى لو كانوا مئة مليونٍ)، وليدفعوا ثمن خيارهم غالياً وليأتيهم الطوفان لكن صاحب الظل الثقيل باقٍ.

آخر ما حرر: صاحب الظل الثقيل ربما يفكر بالرحيل، لكنه يخاف علينا من غياب ظله، يريد أن يطمئن أن ظله الثقيل سيبقى جاثماً على صدورنا، يا صاحب الظل الثقيل لسنا أيتاماً ننتظر منك الإحسان، يا صاحب الظل الثقيل صحيح أننا كرهناك ونريدك أن ترحل لكننا نكره ظلك أكثر منك، ارحل أنت وظلك، ارحل لا نريدك، ارحل لا نحبك، ارحل يا ثقيل وخذ ظلك الثقيل، ألا تستوعب يا صاحب الظل الثقيل؟ ألا تعلم يا صاحب الظل الثقيل أنه على هذه الأرض بشر غيرك؟ يا صاحب الظل الثقيل متى ترحل ويرحل ظلك؟


ما الذي يقصده بقوله: طلب رحيل مبارك لا يليق بكرامة الشعب المصري

خرج علينا رئيس الوزراء المصري يوم أمس الأول ليقول لنا أن ما حصل في تونس لن يتكرر في مصر، وأن طلب رحيل مبارك لا يليق بكرامة الشعب المصري. ما الذي يقصده بذلك؟

هل يقصد أن كرامة الشعب المصري أقل من كرامة الشعب التونسي؟ ولذا سيبقى مبارك جاثماً على صدورهم؟

والان عمر سليمان يقول أن من يطلب رحيل مصر ليس مصرياً؟

خلينا نفهم، هل مبارك هو وحده المهم في كل الشعب المصري؟ هل هذه رسائل عمر سليمان وأحمد شفيق؟

يبدو أن ما حصل في تونس لن يتكرر في مصر بالفعل، لأنه في تونس كان رد فعل محمد الغنوشي على رفض المتظاهرين لبقاءه في رئاسة الوزراء هو الخصوع لكل مطالب المتظاهرين، وتعهد باعتزال العمل السياسي بعد انتهاء الفترة الانتقالية.

أما عمر سليمان وأحمد شفيق فيهددان ويتوعدان الشعب المصري، ويريدان ابقاء مبارك وليذهب الشعب المصري إلى الجحيم.

أقول لإخواننا في الشعب المصري تهديدات عمر سليمان وأحمد شفيق لا تعني إلا شيئاً واحداً، أنه في حال أعطيتموهم فرصة فسينتقمون من الشعب ومن المتظاهرين شر انتقام.

كلامهما هو كلام تهديد، ومجرد تهديد.

أحمد شفيق يقول أن أعمال البلطجية وهجماتهم على المتظاهرين في ميدان التحرير لن تتكرر وفي نفس اللحظات كان بلطجيته يهاجمون المتظاهرين.

يتكلمون عن ترويع الآمنين وشرطتهم تدهس عمداً الناس الآمنين في الشوارع!!

رسالتك وصلتك يا أحمد شفيق ورسالتك وصلت يا عمر سليمان.

ما يلتزم عمر سليمان وأحمد شفيق بمطالب الشعب وأولها رحيل مبارك، فسيلحقان بمبارك وبن علي.

رسالة الى شعب مصر دماؤكم تسفك بأوامر من امريكا

رسالة إلى إخواني وأحبابي شعب مصري العظيم:

أنا لست موجوداً في الميدان التحرير ولست أكثر خبرة ودراية منكم أحبابي الكرام بما يجري على الأرض عندكم من بطولات وتصدي لاجرام مبارك وبلطجيته، لكن أستطيع أن أقول لكم وبكل ثقة أن أوامر اطلاق النار جاءت من أمريكا وأوباما شخصياً يتحمل مسؤولية الدماء التي تسيل.

فمن خلال متابعتي للاعلام الأمريكي والصهيوني خلال الأسبوع الأخير لاحظت أنه كان هنالك كلاماً متكرراً عن أن نظام مبارك سيستخدم العنف مفرط من أجل قمع المظاهرات والمسيرات السلمية.

يوم الأحد الماضي سمعت صحفي غربي يقول أن مبارك ينتظر الضوء الأخضر من أمريكا للسماح بتدخل الجيش واستخدام السلاح لذبح المتظاهرين، كما سمعت أكثر من محلل أمريكي على قنوات السي ان ان والبي بي سي بالانجليزية يتوقعون انتهاء الثورة من خلال قمعها بقوة وبشلال من الدماء.

أما الصهاينة فكانوا أكثر وضوحاً وصراحة، وكلنا نعرف التنسيق الوثيق بينهم وبين الأمريكان:

رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق أهارون زئيفي فركش استنكر قبل أيام الدعوات الغربية الداعية لمزيد من الحريات في مصر وقال أن دعم مبارك وبقاءه في الحكم أهم من كل الحريات والديموقراطية، وطلب من الغربيين التوقف عن اطلاق هذه الدعوات.

أما رئيس مكتب شارون السابق دوف فايسغلاس فقد انتقد الدعوات الغربية، وقال بالحرف الواحد: "كان ينبغي لكم أن تفكروا أيضا بإسرائيل قبل أن تتسرعوا فتدعون مبارك إلى الذهاب. من الصعب التفكير بضرر أكبر جسامة بأمن إسرائيل من انهيار اتفاق السلام مع مصر.. مقلق بالتأكيد".

وأخيراً كتب الصحفي يهوشع سوبول في صحيفة "اسرائيل اليوم" أنه يتوقع استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين في ميدان التحرير، ونزل مقاله هذا صباح الاربعاء قبل ساعات من هجوم البلطجية على ميدان التحرير.

وليل أمس اتصل وزير الدفاع الأمريكي بالمشير طنطاوي وفي تحليلي أنه اتصل به محاولاً اقناعه بانضمام الجيش إلى البلطجية في عملية قمع المظاهرات والمسيرات السلمية. إلا أني كلي ثقة بوطنية واخلاص الجيش المصري، مما سيفشل مؤامرة الأمريكان ويجهضها.

ولا ننسى الطائرات التي قدمت من الكيان الصهيوني محملة بقنابل الغاز والرصاص، والتي لا يمكن أن يرسلها الصهاينة بدون موافقة أمريكية.

إخواني المصريين كل الكلام الأمريكي عن احترام الشباب المصري والطلب من النظام اجراء التغيير وانتقال سلس للسلطة هو كذب محض، ما يريده الأمريكان تدمير مصر وتخريبها.

أعانكم الله ووفقكم في ثورتكم، فأنتم لا تواجهون مبارك وبلطجيته فحسب بل تواجهون أمريكا ومؤامراتها الخبيثة.

الخميس، 3 فبراير 2011

ما هي فرص نجاح انطلاق ثورة في الضفة الغربية؟

من الآثار المباشرة لثورتي تونس ومصر خروج دعوات عديدة في الدول العربية للاقتداء بها، وقد شهدنا موجة محاولات للانتحار حرقاً في محاولة لتقليد محمد بوعزيزي بعد الثورة التونسية، واليوم بعد الثورة المصرية هنالك محاولة للاقتداء بها من خلال إطلاق دعوات للتظاهر في أيام محددة من خلال صفحات الفيسبوك والمواقع الالكترونية المختلفة.

ومن بين هذه الدعوات ما خرج ليدعو إلى ثورة في الضفة على سلطة محمود عباس، أو حتى في غزة للثورة على حكومة حماس، بل وشهدنا دعوات للثورة على شركة جوال وإسقاطها بسبب سوء خدماتها (وهو تقليد أعمى يسخف من فكرة الثورات فلا أحد يثور على شركة تجارية خاصة لا تتدخل بالسياسة).

موازين القوة في الضفة الغربية:

وتبقى دعوات أنصار ومؤيدي حماس للثورة في الضفة الغربية محدودة التأثير (مثلما الوضع مع دعوات الفتحاويين للثورة في غزة)، لأن المجتمع يتلقاها في إطار الصراع بين حماس وفتح، وليس كثورة ضد الوضع القائم والذي لا يعجب الكثيرين في الضفة، لأنهم ليسوا مستعدين لأن ينحازوا مع حماس ضد فتح، هم يريدون معاقبة سلطة عباس بسبب تفريطها السياسي وخصوصاً بعد ما كشفت عنه وثائق الجزيرة بل وربما يريدون الثورة على السلطة لكن الكثيرين يتخوفون من أن يصبحوا طرفاً في اللعبة بين حماس وفتح.

وحتى نفهم الوضع أفضل في الضفة الغربية فسأحاول أن أرسم خريطة سياسية للضفة: يوجد حوالي 30% من الشعب الفلسطيني يؤيد حركة فتح أو يتعاطف معها بشكل مستمر، ويقابلهم حوالي 30% أيضاً يؤيدون حركة حماس، وهنالك 10% يؤيدون فصائل أخرى وعلى رأسها حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، وهنالك 30% لا يوجد لديهم ولاء سياسي محدد ويتنقلون بين الفصائل بحسب الوضع العام أو يبقون على الحياد. هذه أرقام تقريبية وليست دقيقة لكنها تعطينا لمحة عن الوضع العام في الضفة.

منذ الانقسام بين حماس وفتح وهنالك 40% من مجتمع الضفة (محايدين والفصائل الأخرى) يبتعدون عن انتقاد السلطة حتى لا يحسبوا على حماس، وإن انتقدوها فيجب أن ينتقدوا معها حماس حتى يثبتوا حياديتهم، إلا أن الفصائل الأخرى وخاصة الإسلامية (الجهاد وحزب التحرير) أصبحوا يكتوون مؤخراً بنار السلطة في الضفة، وأصبحوا ضمن دائرة الاستهداف فبدأت أصواتهم تتعالى ضد السلطة.

نقطة التحول في الضفة الغربية:

أما الشريحة المحايدة وهي كتلة كبيرة وحاسمة في الضفة فطوال الوقت وهي تغلي سراً مما تراه من ممارسات السلطة السياسية قبل أي شيء آخر، فقد أثبتت الوقائع منذ الانتفاضة الأولى أن ما يحرك الشارع الفلسطيني ويحدد بوصلته هو الوضع السياسي العام وتطورات القضية الفلسطينية، وعندما تمر أربع سنوات منذ الانقسام وبدأ مشروع سلام فياض ولا يرى الناس أي تحسن سياسي (الاستيطان يتوسع والقدس تهود والسلطة تقدم التنازلات المتتالية) فإن منسوب عدم الرضا يرتفع تدريجياً.

بدأت الكيل يطفح لدى الكثير من الناس بعد عرض الجزيرة لوثائقها، وهي إن لم تكشف الجديد إلا أنها لامست عصباً حساسة عند عامة الناس وكانت بمثابة القطرة التي ربما تجعل الكأس يفيض، ولم يقتصر الغضب على الشريحة المحايدة بل إن ضعف التجاوب القاعدة الفتحاوية مع دعوات قيادتها للتظاهر ضد الجزيرة يدل على عدم وجود رضا أو قناعة بين أفراد فتح أنفسهم بما تقوم به السلطة وفريقها التفاوضي.

لذا بدأنا في الأيام الأخيرة ملاحظة وجود توجه للدعوة إلى الثورة على سلطة محمود عباس من أفراد وشخصيات من خارج إطار حركة حماس، سواء كانوا مستخدمين عاديين على الفيسبوك أو ما صرح به الشاعر تميم البرغوثي يوم الثلاثاء الماضي بأنه بعد الثورة في مصر فإن الدور سيكون في الضفة ولكلامه أهمية خاصة أنه ليس مقرباً من حماس ولتمتعه بشعبية واسعة بين الشباب الفلسطيني وعلى الأخص شباب حركة فتح، بل وجدنا دعوة للثورة ضد عباس من أفراد محسوبين على حركة فتح وإن كان من الصعب استقصاء مدى نفوذهم وقدرتهم على تحريك الوضع داخل الحركة.

ومما يعزز من زخم الحملة ضد السلطة هو ردة فعل السلطة على وثائق الجزيرة فقد هاجمت فضائية الجزيرة بدلاً من معاقبة المفاوضين على تنازلاتهم وعزلهم (كما حصل سابقاً مع رفيق الحسيني سابقاً)، فجاء كلام الشاعر تميم البرغوثي ليعبر عن نبض شباب غير مؤطر له وزنه الهام في الشارع الفلسطيني، فهو ليس وحيداً بكلمته هذه بل يعبر عن توجه عام بين الشباب غير المؤطر، مما يوسع القاعدة التي تنتقد محمود عباس والمجموعة المحيطة به.

هل يمكن أن ينتفض مجتمع الضفة الغربية ضد السلطة؟

إلا أن تطور الأمور إلى انتفاضة ضد السطة وثورة تطيح بالمجموعة المتنفذة بالمقاطعة هو أمر أكثر تعقيداً مما حصل في تونس ومصر، نظراً لوجود الاحتلال الصهيوني في الضفة والذي لن يسمح بقيام حكومة بديلة ما لم تكن نسخة مكررة عن السلطة، فكان التصور لدى الناس غامضاً طوال الوقت لما يكون عليه الوضع فيما لو عزل محمود عباس أو سلام فياض، وكان هنالك تخوف من الفوضى العارمة، إلا أن ما حصل في مصر وقدرة عامة الناس على تنظيم أنفسهم والحفاظ على أمنهم يبدد جزءاً من هذه التخوفات، خاصة أن المجتمع في الضفة الغربية أقل عدداً من المجتمع المصري مما يجعله أقل قابلية للانجرار نحو الفوضى الشاملة.

لكي تنجح أي دعوة للثورة في الضفة الغربية فيجب أن تتوفر مجموعة من عوامل النجاح:

1- أن لا تكون هذه دعوات لنصرة حركة حماس أو ضد حركة فتح، فإن كانت موجهة ضد مجموعة محددة من الأفراد المتنفذين في السلطة (مثل محمود عباس أو الأشخاص الذين طالتهم وثائق الجزيرة بالاتهام) فيمكن الكلام عن تجاوب شعبي واسع، لأنه متى ما دخلت حماس وفتح بالقصة فسينفض الشباب غير المؤطر عن هذه المبادرات ويتخلوا عنها.

2- عدم تحديد وقت معين للثورة في هذه المرحلة، فما حصل في مصر لما تكن مجرد دعوة واحدة وإنما هو نتيجة لتراكم لعمل طويل منذ أربع أو خمس أعوام، وسبقتها دعوات عديدة للتظاهر في مصر والكثير من هذه التظاهرات كانت مخيبة للآمال، فمحاولة حرق المراحل والقفز إلى النتيجة النهائية ستواجه بالفشل، وربما تصيب أصحابها بالخيبة.

3- أي دعوة لتغيير الوضع في الضفة الغربية يجب أن يواكبها حملة لكسر حاجز الخوف لدى الناس، لأنه ما دام الناس يخافون من السلطة ويظنون أنه لا يمكن الوقوف في وجهها أو التعبير الحر عن رأيهم، فلا يمكن أن نتوقع منهم الثورة عليها، وقد لاحظنا ثقة عامة الناس في مصر بقدرتهم على الإطاحة بمبارك.

ونعيد التأكيد على أن الوضع في الضفة الغربية يختلف عن الوضع في الدول العربية لأنه في الدول العربية لا يوجد فيها احتلال، والجيش المتواجد فيها هو جيش وطني، ورأينا في مصر وتونس كيف وقف الجيش على الحياد، أما في الضفة فهو جيش احتلال وهو مستعد لارتكاب مجازر لإخماد أي ثورة فلسطينية، وبينما الجندي المصري والتونسي يجد صعوبة في تقبل أوامر إطلاق النار ضد أبناء شعبه نجد في المقابل الجندي الصهيوني على العكس تماماً يجد صعوبة في تقبل أوامر ضبط النفس (في حال صدرت).

في الختام:

فإن كان البعض يظن أن الإطاحة بالسلطة أو القائمين عليها هي نهاية المطاف، فهو مخطئ تماماً، لأننا ننتقل وقتها إلى المواجهة الشاملة مع الاحتلال وهي مواجهة ستكون أشرس وأطول، فالضفة الغربية هي خط الدفاع الأخير للصهاينة بعد سقوط مبارك ومع مخاوف سقوط النظام الهاشمي في الأردن، والصهاينة لن يسلموا بسهولة وسيحاربون حتى الرمق الأخير، مع ذلك فمن المهم أن نعيد توجيه البوصلة ضد الاحتلال وهذا غير ممكن والأشخاص المتنفذون في السلطة متمسكون بمقاعدهم وكراسيهم.