الجمعة، 27 مايو 2011

عجز حماس عن النهوض في الضفة الغربية إلى متى؟

يعتبر إلغاء حركة حماس للمسيرة التي كانت مقررة اليوم الجمعة في مدينة نابلس مؤشراً على عجزها المزمن عن النهوض في الضفة الغربية والعودة إلى سابق حيويتها وعنفوانها بالرغم من الأجواء الإيجابية التي رافقت التوقيع على المصالحة مع فتح.

جاء إلغاء المسيرة بعد رفض محافظ نابلس إعطاءها الإذن والتهديد بقمعها، ومما يلفت النظر في التصريح الصادر عن الحركة هو اللغة الإلزامية حيث أكدت على "جميع أبنائها ومناصريها للالتزام بقرار التأجيل"، حيث كنا نتمنى صدور بيان عن الحركة في الضفة بهذه اللهجة والإلزامية تمنع كوادرها من الاستجابة لقرارات الاستدعاء أو تطلب منهم مقاومة الاعتقال السياسي.


التسويغ لإلغاء المسيرة كان الحفاظ على العلاقة مع السلطة وعدم الدفع بها إلى الهاوية، ونتساءل هل قدمت قيادة حركة حماس في نابلس أو غيرها من مناطق الضفة شيئاً لحماية أبنائها؟ هل استغل النواب علاقاتهم مع السلطة من أجل اطلاق سراح المعتقلين السياسيين؟ هل تقدم أحد من نواب حماس في نابلس واحتج على اعتقال عبد الرحمن هندية بطل رفض الاستدعاءات؟

إذا ما هي فوائد "عدم الصدام" المفترض مع السلطة؟ وما هي مشاريع قيادة حماس للنهوض بواقع الحركة في الضفة؟ طوال السنوات الأربعة الماضية كانت الذريعة هي قمع السلطة والإنقسام والوضع السياسي العام، أما وقد زال هذا الوضع لماذا لا نرى تحركات واسعة لأبناء وقيادات الحركة من أجل التواصل مع المجتمع الفلسطيني ومع بعضهم البعض؟ لماذا ما زالت الحركة تعيش نفس حالة الشلل والعجز؟

ما كشفت عنه المصالحة الفلسطينية أن المشكلة أعمق من مجرد الاستهداف المتكرر للحركة في الضفة الغربية، بل يتعداه إلى عقول ونفسيات الكثيرين وتفشي السلبية بين أبناء الحركة ومؤيديها ومناصريها، وهذا له أسبابه تبدأ من الخطاب الإعلامي للحركة الذي خلق جو من الترهيب والتخويف عندما كان يركز على جرائم السلطة، ولا تنتهي عند غياب حماس عن الميدان طوال السنوات الأربع الماضية.

فمن أكبر الأخطاء التي أرتكبتها حركة حماس في الضفة بعد الحسم هو الأختفاء عن ساحة العمل الجماهيري وعدم تواصلها مع قواعدها الشعبية ومؤيديها ومناصريها، تحت مسمى الإنحناء أمام العاصفة لأن طول الإنحناء أدى إلى نشوء التشوهات الخلقية وهذا ما نراه في واقع الحركة اليوم، صحيح أن الحركة كانت تتعرض لقمع ومحاربة وإقصاء إلا أن السكوت بحجة تقليل الخسائر لم يؤد إلا إلى المزيد من الضربات والتضييق.

كان الأجدر بحركة حماس البقاء في الميدان والحرص على التواصل مع شبابها وأن لا تنسحب من ميدانها الرئيسي في الجامعات، وبدلاً من سياسة الحرد ومقاطعة انتخابات مجلس الطلبة كان الأجدر بها أن تخوضها بالرغم من التزوير والتضييق حتى تبقى في الميدان وتحافظ على تواصلها مع الطلبة ومع شباب الكتلة.

يجب أن نفهم أنّ مظلومية حماس في الضفة تجلب تعاطف الناس لكنها لا تزرع الثقة، فالناس تبحث عن "المؤمن القوي"، والانكفاء والفشل ليست من مظاهر القوة. ولنا أن نتذكر الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر فالكل تعاطف معها عندما ألغيت الانتخابات لكن أين هي اليوم؟ لقد كان نتاج غيابها 20 عاماً أن أصبحت مجرد ذكرى من الماضي.

وفي التجربة التركية مثال آخر أكثر وضوحاً: نجم الدين أربكان أول رئيس وزراء إسلامي أجبر على الاستقالة عام 1997م بعد عام عاصف ضيق عليه الجيش العلماني، فشل أربكان ولم يعد الشعب يثق به لأنه ببساطة غير قادر على النجاح، وجاء أردوغان ونجح وتكررت ثقة الشعب به مرة تلو الأخرى، والفرق بين أربكان وأردوغان كان: الأول فشل والثاني نجح.

ولا يعني أن أربكان شخص سيء بل على العكس هو من أفضل وأذكى وأكثر القادة الإسلاميين احتراماً في تركيا لكن العمل العام يحتاج لمن يقدم النجاح، والناس تعاطفت معه عندما تآمر عليه العلمانيون والجيش لكنها تريد المؤمن القوي القادر على النجاح، وفي الضفة الغربية نفس الشيء فالناس تبحث عن القوي المخلص القادر على إيصال رسالته، وبما أن السلطة باعت ما فوقها وتحتها وسلمت كل شيء للصهاينة فالناس فقدوا الأمل بها منذ زمن، أما حماس فكانت طوال الوقت غائبة عن الميدان سواء كان بالقوة والقهر أو بالاختيار (اتقاءً لشرٍّ مرتقب)، والنتيجة غياب حماس عن قلوب الناس وحياة أبنائها ومؤيديها، لتترك الساحة فارغة في الضفة الغربية.

وبدلاً من أن تستغل قيادة حماس ونوابها في المجلس التشريعي الفرصة بعد توقيع المصالحة من أجل إعادة التواصل مع الناس وتبني هموم ومشاكل شباب الحركة نجد تردداً واضحاً وجليا وعدم إقدام، في حين أن هنالك قطاعات شبابية داخل الحركة قد فهمت المطلوب في المرحلة القادمة، وجعلت هدفها انتزاع الحقوق بدلاً من انتظار المجهول الذي لن يأتي، ورأينا مبادرات لشباب الحركة من أجل الخروج في مسيرات بأكثر من مناسبة ومبادرة عدد من شباب الحركة بعدم الذهاب إلى الاستدعاءات وأنشأوا لذلك صفحة على الفيسبوك.

كنا نتمنى أن نرى دعماً من قيادة الحركة لهذه المبادرات الشبابية، وكنا نتمنى من النواب أن يحملوا هموم الشباب الذي يعاني الأمرين من الاستدعاءات المتكررة، وكنا نتمنى أن نراهم يتدخلون لاطلاق سراح المختطف عبد الرحمن هندية وبدلاً من ذلك ألغيت المظاهرة نزولاً عند رغبة محافظ نابلس، ولم يكلف القيادي الذي أصدر الأوامر الحازمة بإلغاء المسيرة أن يشكر الشباب الذين سهروا الأيام والليالي وهم يعدون لها ولم يجرؤ أن يشير صراحةً إلى أوامر المحافظ بإلغاءها.

هنالك بعض القيادات والكتاب الذين قدموا الدعم لهذه التحركات الشبابية، وأذكر منهم الكاتبة لمى خاطر والوزير السابق وصفي قبها والقياديين نزيه أبو عون وحسين أبو كويك الذين أعلنوا عن دعمهم لحملة "شباب الضفة يريدون اسقاط الاستدعاءات"، إلا أن النواب لم يدعموا هذه الحملة بالرغم من تمتعهم بالحصانة البرلمانية، ونتساءل هل يوجد لديهم مخططات أخرى لا نعلمها أم أنهم ينتظرون ما تنتجه جلسات الحوار في القاهرة وموسكو؟

طوال الوقت كنت تسمع من الشباب: "نريد التحرك لكن ننتظر الأوامر من القيادة"، أما القيادة فتقول "لا يوجد أحد ليلتزم بالأوامر" لنفاجئ بأن الأمر الوحيد الذي وصل بعد طول صيام هو لإلغاء المسيرة!! شباب الحركة يتحرقون للعمل ويحتاجون لمن يحضتنهم ويوجههم، وحماس لا تتحمل غياباً أكثر عن الشارع، أفلا نرى قيادة على مستوى التحدي؟ وفي المقابل يجدر بالشباب المتحمس أن يتقدم وأن لا ينتظر التوجيهات والتعليمات بل ليبادر ويعمل (مع التفريق بين التمرد والمبادرة)، وليكن من رواد المرحلة مثل ما هم مهند الهيموني ومحمود الجربوع وعبد الرحمن هندية وعمران المظلوم، فبمثل هؤلاء تنهض حماس في الضفة وتعود إلى حيويتها التي نعرف.

إنها ليست مجرد مسيرة ألغيت بل هي حالة عامة، وأبناء الحركة يجب أن يغتنموا الفرصة ليتحركوا وليكسروا الظلم الواقع عليهم وليتواصلوا مع الناس وليواجهوا الإحتلال، فقد طال زمن الإنحناء أمام العاصفة وآن أوان التحدي والإقدام.

الثلاثاء، 24 مايو 2011

رفض التجاوب مع الاستدعاءات خطوة على طريق كسر حاجز الخوف

تساءل الكثيرون كيف من الممكن أن تتخلى الأجهزة الأمنية عن الاعتقال السياسي والاستدعاءات والتضييق على أبناء حركتي حماس والجهاد الإسلامي في الضفة الغربية، وتساءلوا عما إذا كان من الممكن أن تتخلى السلطة عن التنسيق الأمني واستحقاقاته بمجرد التوقيع على اتفاقية المصالحة، خصوصاً في ظل ضغوط أمريكية وصهيونية على السلطة من أجل إفشال المصالحة أو على الأقل حفظ المصالح الصهيونية وعلى رأسها التنسيق الأمني.

وفي ظل هذه الشكوك كان متوقعاً أن تستمر سياسة الاعتقال السياسي والاستدعاءات خلال الفترة الماضية، وكأنه لا توجد مصالحة، بالرغم من أن جلسات الحوار بدأت من أجل بحث سبل تطبيق بنود الاتفاقية وعلى رأسها اطلاق سراح المعتقلين السياسيين ووقف المضايقات الأمنية.

وتضعنا هذه المعطيات أمام موقف معقد: فالمصالحة لا تسير بسلاسة ولا التلقائية التي تفترضها كلمة "عفا الله عما سلف ولنبدأ صفحة جديدة"، ومن جرب فتح يعلم أنها لا تلتزم بما عليها إلا إن كان عليها ضغوط، وفي المقابل لا يمكن العودة عن المصالحة لأسباب كثيرة جداً أبسطها وأكثرها بداهة أن وضع حماس في الضفة قبل المصالحة لم يكن بأصلح حال من الآن، وكانت تتعرض لحملة تجفيف منابع رأينا آثارها على المشاركة الضعيفة نسبياً في المسيرات التي دعت لها الحركة بعد التوقيع على اتفاقية المصالحة.

فكان لزاماً على أبناء حركة حماس التفكير بطريقة تعيد وجودهم إلى الساحة الضفاوية وتنتشل الوضع التنظيمي من الشلل الذي تعيشه، وصولاً إلى الضغط من أجل انتزاع حقهم المتمثل بوقف الاعتقالات السياسية والاستدعاءات وكافة أشكال المضايقة الأمنية، فمثل هذه الحقوق لا تنتزع في غرف التفاوض وحدها فالمتعارف عليه أن المفاوضات هي تحصيل للوضع الميداني.

رأينا الخطوات الأولى في الميدان عندما رفض عدد من الشباب تلبية الاستدعاءات مثل عبد الرحمن هندية من نابلس، ومهند الهيموني ومصعب حميدات من الخليل، وعمران مظلوم من رام الله، وجاء رفضهم بشكل علني وبلغة تحدي، وهو يعكس انكسار حاجز الخوف لدى هؤلاء الشباب ويشجع غيرهم على كسر حاجز الخوف، وإن استمرت الأمور على هذا المنوال فستزداد القاعدة الرافضة للذهاب إلى الاستدعاءات مثل كرة الثلج المتدحرجة.

وهنا نتساءل وماذا بعد؟ فالأجهزة الأمنية لن تيأس وبالفعل اختطفت عبد الرحمن هندية (وما زال محتجزاً لحد اللحظة) واختطفت مهند الهيموني لمدة ثلاث ساعات، وقد يقول البعض أن الاحتلال سيقوم بالمهمة ويختطف الشباب، فما هي الفائدة المرتجاة من رفض الذهاب للاستدعاءات؟ وما هي الأثمان التي ستدفع وهل الشباب مستعدون لدفعها؟

عندما نتكلم عن عدم الذهاب للاستدعاءات فهي مجرد خطوة على طريق كسر حاجز الخوف، فما يشل حماس في الضفة هي حالة الخوف والانهيار النفسي التي يعيشها أبناء الحركة منذ أحداث 2007م، والمطلوب بعد المصالحة رفع معنوياتهم واقتحام المخاوف وتجديد الهمة، فمن الضروري عودة أبناء الحركة للعمل النشط في الجامعات والمساجد والميادين العامة والخاصة حتى يستمر تواصلهم مع جماهير شعبهم، خاصة في وقت يكثر الحديث عن انتفاضة ثالثة وضرورة الاستعداد لمسيرات العودة في شهر حزيران وتصعيد الوضع ضد المحتل الصهيوني.

الفائدة الأخرى هي تأزيم الموقف في الميدان، وهذه الوسيلة الوحيدة تقريباً لإجبار السلطة على الالتزام بما عليها، فبدون تأزيم سيتجاهلون كل شيء وسيجدون الأعذار والمبررات وسيتهربون كل مرة، من أراد وقف الاستدعاءات فليتوقف عن الذهاب ولتحصل أزمة وليتدخل بعدها "العقلاء" للحل، ونفس الشيء فليتحرك أهالي المعتقلين السياسيين وليكن كل يوم اعتصام ومسيرة وتحرك، وأيضاً المفصولين من الوظائف لأسباب سياسية، فتحرك جميع هذه الفئات على الأرض يحرك قضيتهم على طاولة المفاوضات ويساهم بشكل كبير باجبار السلطة على الالتزام والخضوع.

طبعاً هذه الفوائد لا تأتي بلا ثمن لذا يجب أن يكون هنالك من هو مستعد لدفع الثمن، وعبد الرحمن هندية قالها قبل اعتقاله أنه مستعد للاعتقال ولدفع ثمن اعلانه رفض الذهاب إلى الاستدعاء، وهذه نقطة هامة جداً يجب أن يدركها أبناء حماس في الضفة أنه بدون الاستعداد لدفع الأثمان فلن يحصل أي شيء، يجب أن يكون هنالك تضحية وهنالك تقبل للثمن، وليتذكروا الرعيل الأول في الضفة الذين كانت فتح تعذبهم في سجن مجدو (في بداية الانتفاضة الأولى) بسبب انتمائهم السياسي وكانت تطفأ أعقاب السجائر على أجسادهم مع ذلك لم يردعهم عن إعلان انتمائهم للحركة وبدون تردد أو خوف.

ليضع كل شاب من أبناء حماس في ذهنه أنه بتحديه الخوف فهو لا يسجل موقفاً فحسب، بل هو يساهم بكسر حالة الخوف التي ستعيد الحياة لحركة حماس في الضفة الغربية، وتنتشلها من سنوات القمع والضياع، وعندما نتكلم عن الحياة فهي ليست حياة رفاهية ودعة بل حياة جهاد وتحدي، وهذه غاية كل منتمي لحماس أو مؤيد لها.

ونشير هنا إلى حالة الضعف التنظيمي التي تعيشها الضفة الغربية بسبب تفريغها من قيادات الحركة وتوزعهم على سجون السلطة والكيان الصهيوني، ومن بقي منهم أكثرهم غير قادرون على القيام بالمهمة المطلوبة لسبب أو آخر، فلا بد من أبناء حماس الشباب أن يمتلكوا زمام المبادرة للعمل، وأن لا ينتظروا التعليمات لتأتيهم من هنا أو هناك (ما دام عملهم ضمن إطار السياسة العامة للحركة)، مثل صفحة "شباب الضفة يريدون اسقاط الاستدعاءات" على الفيسبوك وهي مبادرة ذاتية من بعض الشباب (وبعضهم حتى ليس عضواً في حماس)، وهي صفحة تلعب دوراً هاماً في تعبئة الرأي العام ضد الاستدعاءات.

ونستذكر هنا أن أبرز خلايا القسام العسكرية نشأت بمبادرة ذاتية قبل أن تنضم رسمياً للقسام، وخاصة الرعيل الأول مثل خلية صوريف والوحدة الخاصة من مخيم عناتا (التي خطفت نسيم طوليدانو) أو المجموعات التي شكلها الأسير معاذ بلال، فإن كان هذا على مستوى العمل العسكري فمن باب أولى أن نرى المبادرة الذاتية على مستوى العمل الجماهيري.

وفي المقابل يجب على النواب ورموز الحركة في الضفة الغربية أن يتحركوا ويثيروا قضية الاستدعاءات وأن يشاركوا بالاعتصامات وأن يستغلوا حضورهم الإعلامي (من خلال مؤتمر صحفي مثلاً)، فحضور قضية الشباب الرافضين للاستدعاءات واعتصامات أهالي المعتقلين في الإعلام يساهم وبشكل كبير في الضغط على السلطة والزامها بوقف ممارساتها.

إذن نحن نتكلم عن مرحلة جديدة لحماس في الضفة الغربية بعد المصالحة، مرحلة تهدف إلى أمرين: كسر حاجز الخوف لدى أبناء حماس ودفعهم للعمل مجدداً، وإجبار السلطة على خفض مضايقاتها الأمنية لأبناء الحركة، وذلك تمهيداً للمرحلة التالية مرحلة المواجهة مع الكيان الصهيوني، مع الإشارة إلى أن الصهاينة استبقوا الأحداث وبدأوا بشن حملة اعتقالات في صفوف قيادات حماس شملت على سبيل المثال: المهندس عيسى الجعبري والدكتور عدنان أبو تبانة والشيخ خالد الحاج والنائب علي رومانين.

الخميس، 19 مايو 2011

لماذا لم نسمع صوتكم إلا الآن؟

مقتل أعضاء من تنظيم القاعدة في تونس إثر اشتباكات مع الشرطة التونسية يوم أمس، والأعضاء قدموا من الجزائر وليبيا.

قتل اعضاء الخلية عقيداً في الشرطة التونسية، والسؤال الذي أطرحه الآن: تنظيم القاعدة الذي لم يشارك بالثورة التونسية، تنظيم القاعدة الذي لم يقتل جندياً ولا شرطياً أيام الطاغية زين العابدين، الآن وفقط الآن فطن إلى أن هنالك تونس وأرسل رجاله إلى هناك؟

لا أقول أنه تنظيم مخابراتي، لكنه بكل تأكيد يخدم أعداء الثورات، وكما يقولون عدو عاقل خير من صديق جاهل.

الاثنين، 16 مايو 2011

لا نكبة بعد اليوم

مع إطلالة فجر عصر الانعتاق والانطلاق، أصبح حديث النكبات والنكسات غريباً عنا؛ فقد تعلمنا صناعة الحياة، وعرفنا حرفة الانتصار.
لذا لم نعد نقبل بالفتات، ولم نعد نقبل بالإحسان، ولم نعد نرضى بالهوان، نحن اليوم لا نقبل بأقل من الانتصار.

من اليوم لا تسموني لاجئ؛ فأنا عائد.
من اليوم لا تظنوني حالم؛ فأنا قائد.
من اليوم لا تنادوني يا طريد؛ فقلبي من حديد.
من اليوم لا تمدوا لي يد الإحسان؛ فأنا أسير على الطريق السديد.

اليوم مصيري بيدي لا بيد غيري.
اليوم انتهى حديث الذكريات.
اليوم دفنت الحنين والأنات.
اليوم توقف الكلام وبدأت الأفعال، واليوم بدأ الزحف المقدس نحو ما حلمنا به في الأمس.

بكينا على الأندلس حتى مل البكاء منا، ولن نبكي بعد اليوم؛ فقد تعلمنا الدرس جيداً، وقد قررنا وعزمنا أنّ فلسطين لن تكون أندلساً جديدة، وبعد التوكل على المولى قررنا إعادة فصول ملحمة صلاح الدين وبدأنا حرب التحرير.

"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، ونحن عقدنا العزم على التغيير وعقدنا العزم على الانتصار، فأي قوة على وجه الأرض تستطيع بعد ذلك إحكام الحصار؟

سيبكي الجزار دماً ثمناً لظلمه وغدره، فقد ولى زمن الهزائم وتبدد حكم الظلام.
فليأخذ حذره أو لا يأخذ فهو سيان، لأن طوفان الانتصار لن يعرف التروي أو الانتظار، لا سبيل أمامه سوى الهروب والفرار، فقد وصلت جحافل الثوار، وهي لا تفهم سوى لغة الانتصار.

فلا يأمل أهل الظلام بأقل من الهزيمة والانكسار، فقد ولى زمن التتار وانكفأ عهد الجزار، جئنا وخلفنا جيش جرار من أهل الثورة والقرار، فانتظروا لحظة الاندحار.
فقد ولى زمن النكبات وبدأ زمن التحرير، ولم نعد نفهم لغة العويل فلغتنا اليوم من حديد.

السبت، 14 مايو 2011

كيف ننتقل بمسيرات العودة من الأحلام إلى الواقع

تأتي ذكرى نكبة فلسطين هذا العام بنكهة مختلفة في ظل الثورات العربية التي تعبر عن رفض الواقع الذي تعيشه الشعوب العربية والرغبة بالتغيير نحو الأفضل، ولطالما كانت القضية الفلسطينية في جوهر الاهتمام العربي ومركز الأزمة التي تعيشها الأمة الإسلامية.

ومثلما عبر الدكتور عزمي بشارة ذات مرة فانتصار المشروع الصهيوني ليس سبب الأزمة العربية وفشل العرب بقدر ما هو تعبير عن الأزمة الحضارية التي يعيشها العرب، وبكلام آخر ما كان المشروع الصهيوني لينجح وينتعش على أنقاض الشعب الفلسطيني لولا ضعف العرب وفشلهم الحضاري.

وبالتالي كان متوقعاً أن يزداد الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية في ظل النهوض العربي المرتبط بالثورات، وهو ما ترجم إلى مسيرات العودة في ذكرى النكبة أو ما يسميه آخرون بالانتفاضة الثالثة - على اعتبار أن الشعب الفلسطيني من رواد الانتفاض على الظلم فلا بد أن يتصدر المنتفضين في زمن الثورات العربية. كما يطلق عليه آخرون ثورة اللاجئين على اعتبار أن اللاجئين هم جوهر القضية الفلسطينية وجوهر الصراع مع الكيان الصهيوني.

وجاء التفاعل مع اليوم الأول والمعروف بجمعة النفير متفاوتاً، وإن كان واضحاً وجود تردد في قبول فكرة الزحف نحو فلسطين لدى الكثير من الأشخاص والجهات، فنجد مثلاً المجلس العسكري الأعلى في مصر طلب وقف المسيرة المتوجهة إلى رفح، والسلطة الفلسطينية في الضفة تعلن رفضها أي مواجهات (ولو بالحجر) مع الاحتلال الصهيوني، كما نجد الكثير من المشككين بجدوى الفكرة من الناس العاديين.

المشكلة الأولى والأهم التي تقف أمام الاستفادة من الحالة الثورية التي يعيشها العالم العربي هي عدم وضوح الرؤية لدى أكثر الناس، سواء كنا نتكلم عن أفراد أو عن حكومات أو عن تنظيمات، ففكرة المسيرات السلمية على غرار ما حصل في مصر وتونس لن ينجح استنساخها حرفياً لأن الصهاينة مستعدين لاستخدام أقصى درجات القوة، ونرى ما يحصل في ليبيا من استخدام للقوة مبالغ به ونحن نتكلم عن مجرد نظام، فكيف سيكون الأمر مع كيان كامل قوامه خمسة ملايين صهيوني.

فالهاجس الذي يؤرق الجميع: وماذا في اليوم التالي (يوم الاثنين 16/5/2011م)؟ هل سيعود الناس إلى بيوتهم؟ هل ستندلع المواجهات وهل نستطيع تحمل الخسائر البشرية؟ كيف سنجبر الصهاينة على تقديم تنازلات؟ هل نحن مستعدون وجاهزون لدخول مواجهة في هذه اللحظة؟ لماذا نربط المواجهة مع تاريخ النكبة ولا نربطها مع اللحظة التي نكون مستعدين فيها ؟
هل نستطيع تحرير فلسطين في اليوم التالي؟ هل نستطيع بدء حرب تحرير (سواء حرب نظامية أو حرب عصابات)؟ بمثل هذه المهلة الزمنية الضيقة سيكون الجواب بكل تأكيد لا، أما على المدى البعيد (وربما المتوسط) فالجواب نعم، إذن ليكن هدفنا في اليوم التالي هو التمهيد لهذه اللحظة التاريخية وتقريبها لأنها لن تأتي فجأة وبدون مقدمات.

لعل أول خطوة يجب الإقدام عليها هي كسر صنم الإحباط الذي يكبلنا منذ عشرات السنوات، صنم "لا نستطيع هزيمة إسرائيل"، نريد أن تتغير ذكرى "النكبة" التي نحرص على تذكير أبنائنا بفلسطين وأن لا ننساها، لتصبح مناسبة للحشد والتعبئة من أجل التحرك والتقدم نحو تحرير فلسطين، لا نريد تذكر فلسطين نريد تحريرها، هذا ما يجب زرعه في نفوس الناس.

إرادة التحرير والاقتناع بأننا قادرون هي الخطوة الأولى، صحيح أنه يوجد الكثير كي نترجمها إلى فعل، لكن بدونها لن نتحرك قيد أنملة، ولأنه ليس من السهل تغيير عقلية الناس وتحطيم صنم الإحباط بعد 60 عاماً من هيمنته على حياتنا، فالكلام الإنشائي والخطابات لن تفعل الكثير، وسنجد الناس يهزون رؤوسهم موافقين لكن داخل نفوسهم ما زال الشك معششاً، بل وسنجد البعض يدافع وبكل شراسة عن صنم الإحباط لأنه تعود على الهزيمة والانكسار ولا يستطيع استيعاب حقيقة المرحلة.

لذا المرحلة التالية هي الإثبات عملياً بأنه يمكن التقدم نحو هدف تحرير فلسطين، وذلك من خلال خطوات بسيطة لكن مقنعة، خطوات واقعية ويمكن العمل عليها، وهذه متروكة لكل ميدان أن يقرر ما هو أنسب له، وهنا يأتي دور الناس ودور الشباب ليفكروا ويبدعوا فالمرحلة تحتاج لأفكار خلاقة، وسأحاول هنا طرح بعض الأهداف التي يمكن العمل من أجلها على المدى القصير والمتوسط:

1- اقتحام الحدود ولو لدقائق أو تحطيم الأسلاك الشائكة خلال يوم الأحد 15/5، فهذا سيسكر الحاجز النفسي عند الناس من ناحية، وسيظهر للعالم أن هنالك أزمة سببها الكيان الصهيوني، وأن هذه الجماهير العربية العريضة التي حازت على تعاطف العالم أجمع بسبب رغبتها بالحرية والانعتاق لديها رسالة جديدة ويجب على الجميع أن يستمع لها.

2- تشديد الحصار الإعلامي والسياسي على الكيان الصهيوني، فعلى سبيل المثال يمكن جعل إغلاق السفارة الصهيونية في القاهرة وعمان هدفاً للجماهير، أتفهم الظروف التي تمنع المجلس العسكري من قطع العلاقات فوراً مع الكيان، لكن التحرك الجماهيري المصري سيقرب من هذه اللحظة الحاسمة.

3- في قطاع غزة بما أن فك الحصار من جهة رفح أصبح قاب قوسين أو أدنى، فيجب التفكير بالخطوة التالية: مثل كسر المنطقة المحظورة على حدود القطاع الشمالية والشرقية، والتي يفرضها الاحتلال الصهيوني من خلال قوته النيرانية، وذلك من خلال مسيرات جماهيرية فالأمر يحتاج لتحرك وعدم التسليم بالأمر الواقع.

4- في الضفة الغربية يجب العمل على إخراج الاستيطان قبل الكلام عن تحرير باقي فلسطين، والهدف الأسهل هو المستوطنات شرق الجدار الفاصل، والواقعة بين التجمعات السكانية الفلسطينية، فمن ناحية عملياتية هي أسهل الأهداف، ومن ناحية التعاطف العالمي (وحتى الصهيوني) فاستهداف مستوطني الضفة أكثر قبولاً (سواء بالعمليات المسلحة أو الزجاجات الحارقة والحجارة). وحجة الكيان في الدفاع عنهم أضعف (أتكلم عن الناحية الإعلامية)، وأكثر من ذلك فالمستوطنين دوماً يتهمون حكومتهم بأنها لا تدافع عنهم كفاية، وزيادة استهدافهم يزيد التوتر بينهم وبين حكومتهم.

5- يمكن للفلسطينيين في المهجر والذين يحملون جوازات سفر غربية رفع قضايا ضد الكيان الصهيوني للمطالبة باسترداد أملاكهم، بنفس المنطق القانوني الذي يتيح لليهود من ضحايا "المحرقة النازية" المطالبة باسترداد أملاكهم التي صادرها النازيون بعد 70 عاماً. الصهاينة لن يستجيبوا لهذه القرارات لكن لها بعد إعلامي وقانوني بالغ الأهمية، ويعطي فكرة تحرير فلسطين زخماً وقوة إضافية.

6- على صعيد فلسطينيو المناطق المحتلة عام 1948 من المهجرين واللاجئين يمكنهم التوجه إلى قراهم المهدمة وترميم المساجد المهدمة (وهذه حصلت في مناسبات عدة بالسنوات الأخيرة)، وبناء مساكن عليها بوصفهم أصحاب الأملاك، وليأت الاحتلال ليقتلعهم بالقوة لا بأس، لكن الخطوة لها أهمية على صعيد الاستنزاف النفسي والسياسي والإعلامي للكيان الصهيوني.

هذه خطوات وأهداف مرحلية (وهي مجرد أمثلة) وتتراوح بين تحقيق مكاسب ميدانية بسيطة وبين حصار الكيان إعلاميا وقانونياً وسياسياً، وهي تخدم هدف تحرير فلسطين، فبدلاً من مواجهة كيان صهيوني قوي ومتماسك نستنزفه ونحاصره ونضعفه هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى نشجع الناس ونجعلهم يشعرون بوجود انجازات وبالتالي سينضم المزيد والمزيد للجهد المبذول ويصبح بالإمكان الحديث عن انجازات وأهداف أكبر.

يجب أن تكون مسيرات العودة خطوة البداية لسلسلة أفعال تحت عنوان "الشعب يريد تحرير فلسطين"، ويجب علينا المبادرة من أجل تحقيقها، وكلما تحقق هدف ننتقل إلى الذي يليه، فهي مجرد الخطوة الأولى على طريق الألف ميل، فلا نبالغ ببناء الآمال ونوطن أنفسنا على أن القادم صعب (لكنه ليس بالمستحيل).

الخميس، 5 مايو 2011

الدونكيشوت يقتحم عالم الموضة

عرض لنا الروائي الأسباني ميغيل دي سرفانتس في رواية الدونكيشوت قصة الرجل المهووس بقصص الفروسية والفرسان، والذي أفنى عمره وهو يقرأ الكتب والروايات إلى حد لم يعد يميز بين الحقيقة والخيال، وخاض حروباً وهمية من نتاج عقله المهلوس.

ولأن الدونكيشوت وتجاربه ومغامرات عقله المشوش المهلوس يمثل حالة إنسانية عامة لا تعرف الحدود الزمانية ولا المكانية فحجزت الرواية مكانها بين الخالدين في عالم الأدب، وإن تغيرت المعطيات بين الأمس واليوم فهي في الشكل لا المضمون، والدونكيشوت ما زال يعيش بيننا اليوم لكن بأدوات عصرنا وقشور حياتنا المعاصرة.

وبما أن الكتاب في يومنا هذا تراجعت أهميته ليحتل التلفاز والفضائيات والانترنت مكانه، فإننا نجد الدونكيشوت المعاصر غارقاً في متابعة برامج الفضائيات والابحار عبر الانترنت إلى درجة الاندماج مع عالم الفضائيات والإعلام الجديد، فلا يفرق بين الواقع والمشاهد، فيظن مثلاً أن الثورة التي لا تتابعها وسائل الاعلام لم تحصل، أما تلك التي تسلط عليها الأضواء وتأخذ زمناً أطول من التغطية الإخبارية فحظها من النجاح أكبر.

والدونكيشوت المعاصر يؤمن بأن الحدث الذي لا يشاهده لا وجود له، وإذا لم ير المظاهرات بأم عينيه على الشاشات فهي لم تخرج من الأصل، وإذا لم يتابع الثورة لحظة بلحظة فيؤمن بأنها مجرد خرافة من خرافات الأولين، وإذا تحمس لثورة من الثورات فالويل والثبور لمن لا يعرضها على شاشات فضائياتها أو يفتح أبواب مواقعه أو فيسبوكه لأنه يعطل بذلك تقدم ثورته المفضلة.

موضة اليوم:

في عالمنا المعاصر حيث يعتبر الاعلام المساهم الأول بتشكيل وعي المجتمعات والشعوب أصبحنا نرى رأياً عاماً يتشكل ويتغير بسرعة تغير خطوط الموضة، فنجده مثلاً اليوم صيفياً حاراً نزقاً لا يقبل إلا الانتقام والغضب والشجب والاستنكار لجريمة ارتكبت في مكانٍ ما، وقد تكون جريمة عادية تحصل كل يوم، لكن هذه المرة تلقفها الاعلام وأصبح قضية العصر.
وغداً ينقلب ليكون بارداً غير مبالٍ بما حصل، لأن خطوط الموضة لم تعد تهتم بهذا الحدث، أتعتقدون أني أبالغ؟

حسناً لنضرب مثلاً: أتذكرون ذلك القسيس الذي هدد بحرق القرآن الكريم؟ كم كان مقدار الغضب والاشتعال عندما هدد بحرق القرآن قبل عدة أشهر؟ أتذكرون تدخل البيت الأبيض والبنتاجون لديه كي يتراجع عن فعلته؟ حسناً هل تعلمون أنه أحرق المصحف بالفعل قبل أيام أو أسابيع قليلة ولم تنل الجريمة ربع الاهتمام الذي أخذته جريمة التهديد بحرقه.

لأنه وببساطة اليوم تمر علينا موضة الثورات، وأحياناً تقطعها بعض الصيحات العابرة، مثل صيحة الاهتمام باستشهاد أسامة بن لادن رحمه الله حيث غطى حدث الاستشهاد تماماً على متابعة الثورات لعدة أيام، وبالنسبة للدونكيشوت المعاصر فالحياة إعلام والإعلام موضة، فالحياة إذن موضة، والاهتمامات موضة، وما هو مصيري بالنسبة له اليوم يكون موضة بالية له غداً. وفي عصر السرعة ما أسرع تبدل خطوط الموضة وما أسرع تبدل الأهواء والاهتمامات.

ليش ما سألت عني؟

وبما أن عالم الموضة هو من اختصاص المرأة فنجد اللمسة الأنثوية في عالم دونكيشوت المعاصر، ومثل الزوجة التي تسأل زوجها بعد غيابه يوماً كاملاً عنها في العمل: "ليش ما سألت عني"؟ فالسؤال والاستفسار عن أحوال المرأة هو دليل اهتمامك بها، وإن لم تسأل فأنت لا تهتم حتى لو كانت بطارية جوالك منتهية أم صدمتك سيارة وكنت في غيبوبة.

والدونكيشوت اليوم يسأل قرينه لماذا لم تهتم بثورتي مثلما اهتممت بثورتك؟ لم أجدك تشاهد الجزيرة بما يكفي وقت التقرير الفلاني، ألا تريد أن ينصرك أهلا بلدتي الذين تضامنوا مع أهل ثورتك بمتابعة أحداثها أولاً بأول؟ وكما يقول المثل الشعبي: "الحياة قرضة ودين حتى دموع العين".

ففي عالم الدونكيشوت ليس مهماً ما تقدمه لقضية ما لا معنوياً ولا مادياً، بل المهم كم تشاهد وكم تصرح وكم تقلب من القنوات وكم طاحونة هواء ناطحتها.

إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان:

عندما اقتحم دونكيشوت عالم الموضة بعد نحو خمسمائة عام من ولادته، تغير الكثير في شكله ومظهره وقشوره، واهتماماته وأوهامه وجنونه، لكن المرض واحد: مرض الأوهام التي تصبح حقائق لا تخضع للجدال ولا النقاش، والأسماء التي نخترعها فتصبح أصنام يحظر المساس بقدسيتها، وطواحين الهواء التي تصبح غيلان تهدد حياتنا وإن سكت عنها فأنت متآمر عميل لأهل الظلام.

فمن الذي يقرر أن هذه القضية أهم من غيرها؟ ومن الذي قال أن اهتماماتنا يجب أن تكون واحدة؟ ومن الذي يقول لنا أنسوا هذه القضية واهتموا بغيرها؟

وبينما كان من الممكن لأهل القرن السادس عشر الاستغناء عن قراءة الكتب بشكل أو بآخر، فهل من الممكن لنا الاستغناء عن وسائل الإعلام؟ وهل يمكن أن نحصن أنفسنا من مصير الدونكيشوت؟ وما السبيل إلى ذلك؟

الاثنين، 2 مايو 2011

المصالحة بين الأمل بالنجاح والخوف من الفشل

جاء الإعلان عن المصالحة بين فتح وحماس مفاجئاً لأغلب الناس، ليتوج محادثات سرية وسريعة أجريت بعد 4 سنوات سادها الانقسام وشلل الحياة السياسية الفلسطينية والفشل المتتالي في الوصول إلى اتفاق بين أكبر وأهم تنظيمين على الساحة الفلسطينية.

وفي ظل فشل اتفاق مكة والتاريخ الطويل نسبياً للصراع بين الحركتين فالكثيرون يشككون بقدرة الحركتين على النجاح وخاصة في ظل تزايد ضغوط الاحتلال الصهيوني على السلطة الفلسطينية حيث قال نتنياهو بكل صراحة "على السلطة الاختيار بين السلام معنا وبين السلام مع حماس"، وبدأ من يوم أمس الأحد بإجراءاته العملية عندما جمد نقل أموال الضرائب إلى السلطة وهي التي تشكل غالبية ميزانيتها المالية.

فهل يمكن الوصول إلى الطرف الآخر من النفق؟ هل تستطيع السلطة الوقوف بوجه الكيان الصهيوني هذه المرة وترفض الخضوع للابتزاز؟ هل يمكن القول أن الأمر مختلف هذه المرة؟ أم سيتكرر نفس سيناريو عام 2007م وما بعده ونعود إلى المربع الأول كما كان يحصل دوماً؟

كيف أنجزت المصالحة بهذه السرعة:

ما تم التوصل إليه في القاهرة يوم الأربعاء الماضي هو ما كان عالقاً طوال أشهر طويلة، بسبب رفض حماس التوقيع على ما سميت بالورقة المصرية وإصرارها على كتابة ملحق يوضح عدداً من النقاط الغامضة التي وردت في الورقة المصرية، قابله رفض مصري (في عهد مبارك) وفتحاوي لأي نقاش بخصوص الورقة، حيث كانوا يطالبون بالتوقيع على الورقة كما هي.

الانفراج جاء بعد سقوط نظام مبارك ومن الواضح أن كلاً من أحمد أبو الغيط وعمر سليمان كانا يتحملان مسؤولية الجمود طوال الفترة الماضية بحيث حلت المشكلة وكتبت التوضيحات التي طلبتها بمجرد ذهاب الرجلين وتغير النظام.

إلا أن هنالك متغيرات عديدة أخرى دفعت بالمصالحة قدماً، أهمها وصول قطبي الساحة السياسية الفلسطينية إلى نتيجة أنه لا يمكن لأي منهما إقصاء الآخر أو الانتصار عليه. بالإضافة إلى جمود العملية السياسية بين الكيان الصهيوني والسلطة وعدم تقدمها بحيث لم يعد هنالك شيء يمكن أن تحصل عليه السلطة من خلال التفاوض مع الصهاينة بعد إغلاق جميع الأبواب بما فيه تجميد الاستيطان.

أما حركة حماس فيبدو أن وضعها الصعب للغاية في الضفة الغربية والذي يتفاقم يوماً بعد يوم دفعها لاقتناص الفرصة، بالإضافة إلى ما يعنيه تغير النظام المصري من فتح آفاق جديدة بالنسبة لغزة سواء على صعيد الحصار أو التنمية، بحيث تخرج حماس من دوامة الاستهداف المتتابع في الضفة، والشلل الاقتصادي والتنموي في غزة.

وهنالك عوامل أخرى أقل أهمية مثل إقصاء محمد دحلان والتيار الموالي له من مؤسسات السلطة في الضفة الغربية، والكثير منهم هم من الضباط الهاربين من غزة بعد الحسم والذين كانوا يشكلون أحد عوامل التحريض وتعطيل محاولات المصالحة بين الطرفين.

المخاطر التي تواجه المصالحة:

وتعتبر ردة فعل حكومة الاحتلال السريعة والقوية أكبر المخاطر التي تقف أمام المصالحة، وخصوصاً أنها بدأت بخطوات متسارعة ابتداء من إعلانها تجميد العملية السياسية مع السلطة، والتي تلتها مباشرة خطوة تجميد نقل أموال الضرائب إلى السلطة وهو ما سيكون عامل ضغط كبير على حركة فتح، وهي خطوة كانت أحد أهم الأسباب التي أدت لفشل حكومة إسماعيل هنية عام2006م وصولاً إلى أحداث الحسم والانقسام.

لكن ما غاب عن الصهاينة أن فتح عام 2006م استخدمت الأموال ذريعة للتخريب على حماس، ظناً منها أنها تستطيع الإطاحة بها، فالدافعية الذاتية كانت موجودة وقتها عند حركة فتح، ولم تكن مجرد استجابة أوتوماتيكية للضغوط الصهيونية، وهذا العامل مفقود اليوم وغير موجود.

كما أن النظام المصري الجديد يمكن أن يوفر غطاءً عربياً ودولياً (بالتعاون مع تركيا) للتغطية على موقف السلطة ودعمها، فنحن في عام 2011م ولسنا في عام 2006م ولم تعد أمريكا هي الآمر الناهي، وقد رأينا الأداء الأمريكي في التعامل مع الثورات العربية حيث كان عبارة عن سلسلة من ردات الفعل بدلاً من أن يكون فاعلاً.

أمام السلطة إمكانيات أفضل لمواجهة الضغط الصهيوني والأمريكي، لكن إلى أي مدى سيذهب الصهاينة؟ هم معروفين بغرورهم وغطرستهم وقناعتهم بأنه لا يمكن هزيمتهم ولا كسرهم، فهل سيدفعهم غرورهم إلى التصعيد ضد السلطة حتى أقصى درجة؟ وهل سنجد اللحظة التي تنكسر عندها السلطة؟ أم أن غرورهم سيدفعهم للقبول بالأمر الواقع على اعتبار أنه مهما حصل "فدولة إسرائيل يدها طائلة وتستطيع ردع أعدائها"، وهو المبرر الذي تسوقه حكومة الاحتلال أمام كل تنازل تقدمه.

هذه أمور من الصعب التكهن بها فنحن أمام وضع فريد لا يمكن مقارنته بما سبق، لكن الثابت أن الصهاينة لن يسكتوا بسهولة ويجب على السلطة وعلى المنظومة العربية أن يهيئوا أنفسهم لمعركة سياسية قاسية ضد الاحتلال.

كما يتوقع أن تسعى بعض القوى داخل الأجهزة الأمنية بالضفة لإفشال المصالحة عبر تصعيد الاعتقالات والاستدعاءات ضد حركة حماس، تحت مسمى "منع عودة مليشيا حماس إلى الضفة"، وهي ممارسات كانت تقوم بها كلما اقتربت الأمور من التوصل إلى اتفاق بين الطرفين، وفي حين أن التوصل الفجائي للاتفاقية كان وقعه مثل الصاعقة على هذه القوى، لكن هذا لا يعني أنها ستسكت بالضرورة.

وتبقى الحسابات الضيقة حول المواقع والمناصب والأسماء والمسميات عقبات متوقعة قد تفجر الأمور، إلا أن دروس الماضي يفترض أنها علمت الطرفين أنه لا يجوز لمثل هذه العقبات أن تقف في طريق المصالحة، وستكون جريمة لو تفجرت الأمور بسبب مدير عام أو كوته هنا أو هناك.

ما المطلوب حتى تنجح المصالحة:

ليس المطلوب توحد حماس وفتح أو أن يتبنيا برنامجاً واحداً، فالمصالحة تعني أن نجد طريقة للتعايش بين الطرفين داخل مجتمع فلسطيني واحد بدون اقتتال أو احتكام للسلاح والقوة، مثلما يتعايش اليوم في تركيا العلمانيون والإسلاميون تحت نفس النظام وبدون أي توافق بنفس الوقت، وهذا هو الوضع الطبيعي لمجتمع سياسي تعددي حقيقي.

يوجد أمور يجب الانتباه لها حتى تنجح المصالحة:

1- توفير غطاء عربي وإسلامي للسلطة الفلسطينية لكي تكون قادرة على الصمود أمام ضغوط الاحتلال الصهيوني، والتي لن تتوقف عند تجميد الأموال ولا يجوز الاستهانة بها، وفي المقابل لا يجب الاستسلام لها والاستهانة بما نمتلك من إمكانيات. ويمكن لكل من تركيا ومصر لعب دور محوري في تثبيت وتقوية موقف السلطة.

2- يجب أن تراعي حماس موقف السلطة الصعب في الضفة، صحيح أن لها مطالب محقة تتعلق بالإفراج عن المعتقلين السياسيين وعودة المفصولين والاندماج بالأجهزة الأمنية، لكن حجم الضغوط الصهيونية قد يمنع تحقيق كل هذه الأمور مرة واحدة، وخاصة على مستوى الاندماج بالأجهزة الأمنية. لذا يمكن لحماس أن تراقب الوضع في الضفة وتقيس إن كان هنالك تحسناً ملموساً أو لا، مع وجود هامش ما لمراعاة موقف السلطة.

3- يجب الحذر من مصالحة على طريقة كردستان العراق، حيث يقتسم حزبا الطالباني والبرزاني الإقليم كأنه إقطاعيات وغنائم ويقوم كل منهما بحكم جزئه وكأنه مزرعة خاصة. نريد سلطة تمثل الشعب الفلسطيني كله، والتوظيف فيها على أساس حيادي وليس كوتات حزبية تقود إلى أجواء تنافس مرضية تجعل عودة الانقسام شبحاً يخيم علينا بشكل دائم.

4- من الضروري أن يقوم محمود عباس بكبح أجهزته الأمنية، وخاصة القوى التي ترى بأن المصالحة خط أحمر لا يجب أن يتم والتي تريد استمرار الاعتقال السياسي والاستدعاءات وملاحقة أبناء حماس في الضفة الغربية.

5- يجدر بحركة فتح وقواعدها الشعبية الاستعداد للمواجهة مع الاحتلال الصهيوني، لأنه لن يسكت بسهولة وسيسعى لتصعيد الضغوط وبشكل مؤلم، وإن لم يكونوا مستعدين (نفسياً على الأقل) فقد ينهاروا تحت هذه الضغوط ونعود إلى نقطة الصفر.

6- أما أهم نقطة لكي ننجح فهي ضرورة زرع فكرة أن المصالحة ليست بين منتصر ومنهزم، أما إذا كان هنالك قناعة عند طرف ما "أننا منتصرون وهم مهزومون" فهذا يعني أن هذا الطرف لن يقدم ما هو مطلوب منه لأنه سيظن أنه غير مضطر لذلك. نجاح المصالحة لا تعني فقط أن يدخل الجميع العملية بنفسية مستعدة للالتزام بما هو مطلوب منهم بحسب الورقة التي وقعوا عليها، بل تقديم تنازلات في القضايا البسيطة التي ستظهر هنا وهناك خلال عملية المصالحة (والتي لن تنتهي خلال يوم واحد بل ستمتد لعام كامل).
في الختام:

يميل الناس إلى الحذر وعدم التفاؤل نظراً للأسبقيات التاريخية، ونظراً إلى حجم التحديات الحالية وغير السهلة، إلا أنه تتوفر اليوم ظروف ستجعل من المصالحة أمراً ممكناً لو استغلت هذه الظروف بالشكل الأمثل.