خلق الإعلام أسطورة المقاومة السلمية والقدرة على
هزيمة قوى الظلام من خلال المظاهرات غير العنيفة، وهي امتداد لفلسفة غاندي في اللاعنف والمقاومة السلمية ومقاطعة
الاستعمار وعدم التعاون معه من أجل إجباره على الخروج.
ورغم عيوب فلسفة غاندي
وقصورها عن مواجهة القوى الاستعمارية عندما ترى أنها قادرة على قمع أو حتى إبادة
الشعب من أجل بقائها، إلا أن المقاومة السلمية التي روج لها الإعلام العربي بعد
انطلاق الثورات العربية يملك سقفًا أكثر انخفاضًا فأي حراك سلمي يجب أن لا يعطل
المواصلات ولا يغلق الميادين العامة ولا إضرابات توقف الانتاج وغير ذلك استجابة
لاعتراضات النظام وإعلامه.
عندما تحكم نفسك للقواعد
التي يرسمها عدوك فأنت تحكم على نفسك بالهزيمة لا محالة، الاعتصامات والمظاهرات
السلمية التي تلتزم بالقانون تصلح عندما تكون الحكومة أو النظام في صفك، ويكون
الخلاف على نقطة معينة، أما الأنظمة العربية الحالية فهي عبارة عن عصابات تختطف
البلاد والعباد، وهي امتداد لأنظمة الاستعمار.
حتى في دول الغرب التي
توصف بالمتحضرة، فالمسيرات والإضرابات السلمية قد تتطور إلى مواجهات وصدامات في
حال شعر المحتجون أن السلمية لا تأتي بنتيجة، إلا أن إعلامنا العربي قد جعل
السلمية صنمًا مقدسًا لا يجوز تجاوزه وليتها سلمية بالمقاس الغربي، إنما هي سلمية
بمقاس الأنظمة العربية.
وبلغ التضليل في الإعلام
العربي أن البعض يتغنى بسلمية الشعب التركي وسلمية الجيش في المحاولة الانقلابية،
بينما الواقع أن المئات قتلوا سواء من المتظاهرين أو الشرطة المعارضة للانقلاب أو
من الجنود الانقلابيين أنفسهم.
المقاومة الشعبية تعتمد
على الجماهير في مقاومة أنظمة الاستبداد أو قوى الاحتلال، وفي ظل الاختلال الكبير
بميزان القوة العسكرية فتلجأ المقاومة الشعبية إلى أساليب مختلفة لتعويض النقص
العسكري.
المسيرات والمظاهرات في
المقاومة الشعبية هدفها الحشد وتحريك الجاهير وليس الاحتجاج، لأنك تريد فرض
التغيير وإجبار النظام على القبول بمطالبك سواء كانت ثورية شاملة أو محدودة بسقف
معينة.
المظاهرات الاحتجاجية
تنفع في تحقيق ما يرضى به النظام، أما عندما تريد إجباره فيجب أن تأخذ خطوات أقوى
من ذلك ومن هنا تأتي المقاومة الشعبية والتي تبدأ بالمظاهرات من أجل حشد الرأي
العام واستقطاب الأنصار.
ثم تنتقل لوسائل مقاومة
مختلفة مثل الإضرابات أو إغلاق الطرقات أو وقف العمل بالمؤسسات العامة أو استهداف
مؤسسات الدولة، انتهاء بتشكيلات شعبية مسلحة لمقاومة قمع النظام ومحاولته اخماد
الثورة.
لكل دولة ولكل زمان
الظروف الخاصة التي تحدد الأساليب التي تتبع في التغيير لكن من المحظور أن يكون هنالك
سقف تقيد به الجماهير، وإلا فأنت تحكم على مقاومتك الشعبية الموت فإن كانت
الموازين مختلة من الأصل فستكون أكثر اختلالًا عندما يبيح النظام لنفسه كافة أشكال
القمع وأنت تضع سقفًا لمقاومتك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق