لدى الكثير من الإسلاميين عقدة اسمها الاحتكام إلى
صندوق الاقتراع أو ما هو متعارف عليه باسم الديموقراطية، ونرى مزايدات كثيرة تصل إلى
حد أن يعيب بعضهم الاهتمام برضا الشعب ويعتبرونها "وثنية ديموقراطية".
أحد الأمثلة هي للكاتب محمد إلهامي الذي بشرنا قبل
أيام بانهيار الديموقراطية وأنها مجرد أكذوبة وأن أمريكا والغرب لا يحترمونها، وساق
دليلًا على ذلك الانقلاب الفاشل في تركيا.
فهو يرى مثل كثيرين أن ما حمى أردوغان من الانقلاب
هو القوة العسكرية وليس إرادة الشعب ولا صندوق الاقتراع، وهذه مقاربة غير موفقة لأن
من أين جاءت القوة العسكرية التي وقفت ضد الانقلاب؟
من الذي عين قيادة المخابرات التركية والشرطة التركية
وقوات مكافحة الشغب والتي كانت اليد العسكرية الضاربة ضد الانقلاب؟ أليست الحكومة المنتخبة
ديموقراطيًا هي التي أتت بهم؟
هل كان لأردوغان أن يظهر على فضائية تركية معارضة
ليطالب بوقف الانقلاب لولا أنه رئيس منتخب ديموقراطيًا؟
وبعد ذلك يأتي محمد إلهامي ومعه كثيرون من الإسلاميين
ليهاجموا الديموقراطية لأن أمريكا لا تحترمها، ولأن أمريكا تدعم الاستبداد، ما هذا
المنطق المقلوب؟
إن كانت أمريكا تدعم الاستبداد وتحارب الديموقراطية
فلماذا نسير على طريقها؟ هل ندعم استبدادًا آخر ونسير على نهجها؟ أم كانت المشاركة
بالانتخابات واللعبة الديموقراطية من أجل إرضاء أمريكا فقررتم الكفر بها بعد أن كشرت
أمريكا عن أنيابها؟
انتخاب الشعب لمن يمثله هي ممارسة عميقة في تاريخنا
الإسلامي، عندما اختار أهل يثرب من ينوب عنهم ليبايع الرسول عليه الصلاة والسلام، فهل
فرضت عليهم الأسماء من فوق؟ أم قيل لهم لا يجوز أن تختاروا فهذه ديموقراطية كافرة؟
هنالك خلط كبير في ما يطرح بالساحة الإسلامية حول
مسألة الديموقراطية وتحديدًا صندوق الاقتراع، فهي مجرد آلية لاختيار مندوبي الشعب في
كافة المواقع والمؤسسات، والرافضون لها لا يطرحون البديل العملي لطريقة اختيار القائد
أو ممثلي الشعب.
فقط يسردون قائمة من جرائم وتناقضات أمريكا ويقولون
أنظر لنفاق أمريكا، وهم بذلك يتبنون المزاعم الغربية بأن أمريكا هي زعيمة الديموقراطية
في العالم وهي الأنموذج الأوحد.
المطلوب هو التفكير بشكل جدي حول ما تحتاجه أمتنا
بدلًا من خوض معارك وهمية وتبني قضايا عبثية، وأي مواجهة للاستعمار وللدولة
العميقة في دولنا العربية لن يكتب لها النجاح بدون الاتكاء على الإرادة الشعبية،
وأي قوة مسلحة بدون قاعدة شعبية مصيرها الحتمي هو الفشل مثل كل مغامرات القاعدة
وداعش.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق