السبت، 29 مايو 2010

تعامل حركة حماس الخاطئ مع قضية الانتخابات البلدية

قررت حماس في بيان صدر قبل أيام مقاطعة الانتخابات البلدية التي تنوي سلطة دايتون إجرائها منتصف شهر تموز المقبل، وعدم الاعتراف بها أو بنتائجها مؤكدة على وجوب إجراء الانتخابات البلدية والتشريعية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة في وقت واحد وبشكل متفق عليه وكنتيجة للمصالحة الفلسطينية.

بداية يجب الإقرار بأن اعتراض حركة حماس على هذه الانتخابات مفهوم وشرعي، فحكومة سلام فياض حكومة غير شرعية ولم تأت نتيجة لعملية انتخابية، وسلام فياض نفسه حصلت كتلته على مقعدين فقط في الانتخابات التشريعية، كما أن إجراء الانتخابات في ظل اعتبار حركة حماس خارجة عن القانون في الضفة الغربية، وفي ظل الاعتقالات السياسية والتي طالت رؤساء بلديات منتخبين ومؤيدين للحركة، وفي ظل إجبار نشطاء الحركة على توقيع تعهدات بعدم ممارسة أي نشاط سياسي، وفي ظل محاكمة أفراد من حماس بتهمة تزويد الحركة بالمال، فلا يمكن أن نتوقع سوى انتخابات شكلية تضمن الفوز لحركة فتح والتنظيمات التي تتبع لها.

وقصة السلطة مع الانتخابات تثبت أنها لا تريد انتخابات حقيقية، ففي عام 1996م أجرت انتخابات برلمانية قاطعتها حركة حماس، فيما رفضت السلطة إجراء انتخابات بلدية يومها بالرغم من استعداد حماس للمشاركة فيها، وذلك بحجة أن الوضع السياسي العام لا يسمح بإجرائها، وانتهت فترة التشريعي واستمر لمدة عشر أعوام بدون انتخابات وبدون التفكير بإجرائها، وكان التشريعي الفتحاوي طوال هذه الفترة شرعياً وممثلاً للشعب الفلسطيني.

وعندما تقرر إجراء الانتخابات البلدية عام 2005م رفضت السلطة إجراءها مرة واحدة بحجة عدم وجود الإمكانيات والقدرة لتنظيمها في جميع القرى والمدن الفلسطينية، وقررت إجراءها على أربع مراحل، وابتدأت بالمدن والقرى التي ظنت أنها معاقل لحركة فتح، وتركت معاقل حماس (مثل مدينة غزة والخليل وطولكرم) إلى المرحلة الرابعة والأخيرة والتي لم تجر أبداً، فقد توقفت الانتخابات عند المرحلة الثالثة، وتفاجأت فتح والسلطة بسقوط معاقلها بيد حماس مثل بلديات نابلس وجنين والبيرة، لتفاجأ بعدها بفوز حماس بانتخابات التشريعي، لتبدأ بعدها مسيرة الانقسام الفلسطيني، فمشاركة حماس بالانتخابات مطلوبة لتكمل الديكور لا لتفوز فيها، وبدأت عرقلة عمل التشريعي وحصل ما حصل، وطوال سنوات التشريعي الأربعة كانت فتح تصر على الانتخابات المبكرة، فـ "ما حصل عام 2006م كبوة فارس ويجب تصحيح الخطأ".

وإن كان إجراء الانتخابات التشريعية متعسراً نظراً إلى أن حكومة فياض تسيطر فقط على الضفة، فكان بإمكان لحكومة فياض فرض الأمر الواقع في الضفة وإجراء انتخابات بلدية، وهي تراهن على وضع حماس أمام خيارين لا ثالث لهما: إما المشاركة في ظروف مستحيلة، أو إعلان المقاطعة وترك الساحة فارغة أمام حركة فتح لتفوز.

وهنا أخطأت حركة حماس بتلبية رغبة حركة فتح وتركت لها الساحة فارغة لتفوز فيها، فحركة فتح والسلطة لا تهمهم إجراء انتخابات نزيهة، بل يهمهم إجراء احتفال كرنفالي توزع الكعكة على قيادات الحركة، وتنتزع من خلاله البلديات المتبقية بيد حركة حماس وهي إحدى آخر مظاهر تواجد حماس في الضفة الغربية، ولا يهمهم شرعية الانتخابات ولا مشاركة حركة حماس، بالعكس عدم مشاركة حماس بالانتخابات أفضل لأنهم سيضمنون عدم تكرار مفاجآت عامي 2005م و2006م.

مقاطعة الانتخابات تجدي في الدول التي تحترم ذاتها، أما عندما يكون النظام الحاكم عربياً معتاداً على التزوير والتلاعب، ولا يريد أكثر من مهرجاناً لتجديد البيعة للقائد الرمز الملهم، فالمقاطعة لا تعني الكثير. لكن كيف تشارك حماس في انتخابات لا تعترف بصحتها قانونياً وفي ظل ظروف مستحيلة؟ وما الفائدة التي ستجنيها؟

في حال مقاطعة حماس للانتخابات فستفوز القوائم الفتحاوية بدون مجهود، وبدون تزوير، وبدون تجاوزات، وستقول السلطة للعالم نحن دعونا حماس للمشاركة، وهي من قاطعت وهي من لا تريد المشاركة لأنها خافت من الخسارة، وستسحب البلديات من حركة حماس "بشكل قانوني"، في حال شاركت حماس بشكل مباشر أو غير مباشر، سيكون أمام السلطة خيارين إما تركها تشارك بدون مضايقة (وهذا أمر مستبعد في ظل ما نراه من ممارسات على الأرض) وعندها حماس ستحقق نتائج طيبة في الانتخابات وتثبت أنها ما زالت موجودة في الضفة بالرغم من قمع ثلاث سنوات ماضية، أو أن السلطة ستطارد مرشحي الحركة وأعضاء حملاتهم الانتخابية وتقمعهم وعندها كل العالم سيعتبر أن هذه انتخابات مزورة وستبقى الحركة على موقفها بعدم الاعتراف بشرعية هذه الانتخابات.

صحيح أن هنالك مشكلة قانونية بإجراء الانتخابات من قبل حكومة غير منتخبة، لكن الوضع الفلسطيني كله غير طبيعي، وصحيح أن هنالك ثمن سيدفعه مؤيدو حماس فيما لو فكرت بدخول الانتخابات البلدية سجناً وإقصاء وتنكيلاً، لكنهم يعانون أصلاً وهم لا يفعلون شيئاً. يجب كسر الصمت في الضفة الغربية، والانتخابات البلدية هي مناسبة لكسر الصمت.

لا أقول أن تشارك حماس بطريقة طبيعية وكأنها انتخابات طبيعية ونزيهة، فهي ليست كذلك، لكن ما اقترحه على الحركة وآمل أن تؤخذ هذه الاقتراحات بجدية:

أولاً يجب على الحركة أن تطالب برفع الحظر عن نشاطها بالضفة الغربية لإثبات حسن نية السلطة وجديتها بإجراء الانتخابات، السلطة لن تقبل هذا صحيح، لكن وقتها يتبين للعالم من الذي يعيق الانتخابات الحرة ولا تكون مجرد حرد سياسي لحركة حماس كما تحاول بعض وسائل الإعلام تصويره.

ثانياً أن يرشح بعض مؤيدي الحركة أنفسهم ضمن لوائح مستقلة وفي مناطق محددة نظراً للمخاطر الأمنية التي يمكن أن يتعرضوا لها، وأن تحشد الحركة أنصارها وراءهم وتسعى لإنجاح لوائحهم المستقلة، وفي المناطق التي يتعذر تشكيل مثل هذه اللوائح تدعم لوائح الأحزاب والجماعات التي لا تدور في فلك حركة فتح أو منظمة التحرير مثل المبادرة الشعبية بزعامة مصطفى البرغوثي.

ثالثاً تراقب الحركة إجراءات السلطة وتحرشاتها، وتفضحها أولاً بأول، حتى تبين نواياها الحقيقية في تزوير الانتخابات وتفصيلها على مقاس محدد.

رابعاً تشجع الحركة أبناءها على التحرك والتصدي لأي إرهاب أو استفزاز، وقد رأينا الحملة التي تشنها الكاتبة لمى خاطر لمواجهة ابتزاز السلطة لها واعتقال زوجها لإجبارها على وقف الكتابة، فإذا كانت كاتبة تستطيع خوض هذه المواجهة لوحدها، فيمكن لمؤيدي الحركة وأنصارها أن يخوضوا مواجهة مماثلة لانتزاع حقهم الطبيعي في العمل السياسي والنقابي في الضفة الغربية.

أعلم مسبقاً أنها انتخابات مفصلة مسبقاً على مقاس فتح، مع مشاركة لفصائل منظمة التحرير وغيرها من الفصائل الصغيرة لكي تكمل الديكور الانتخابي، لكن من واجب حماس أن لا تمنح هذا الانتصار السهل لسلطة تريد محي أي رأي آخر في الضفة الغربية، ومتأكد أن السلطة ستراجع حساباتها وستفكر جدياً بإلغاء الانتخابات فيما لو أيقنت أن حماس ستشارك فيها وستسعى للفوز، السلطة وحركة فتح تظنان أن حماس بالضفة في أضعف مواقفها وبالتالي يعتبران أنها فرصة لإجراء انتخابات، ويجب على حماس أن تثبت لهما خطأ حساباتهما كما كانت تفعل كل مرة.

ليس الغرض الفوز في انتخابات معدة للتزوير ومفصلة على مقاس معين، بل الإثبات أن حماس في الضفة حية، وكشف حقيقة ممارسات السلطة على الأرض، ولإثبات أن حماس تريد انتخابات لكن انتخابات حرة ونزيهة، ولإثبات أن أبناء حماس مهما كانت المضايقات بحقهم والقمع الممارس إلا أن الضربة التي لا تميتهم إنما تزيدهم قوة. آمل أن أجد الآذان الصاغية، فما تخطط له حكومة فياض في الضفة، هو فرض الأمر الواقع ولا يهمها إن كان عملها شرعياً أم لا، المهم أن تحكم الخناق وأن تكون الآمر الناهي باسم الاحتلال الصهيوني، وهذا يحتاج لوقفة ولتحرك قبل فوات الأوان.

الثلاثاء، 18 مايو 2010

الأخطاء المتكررة في التعامل مع قضية اللجوء الفلسطيني


تعتبر قضية اللاجئين الفلسطينيين لب الصراع مع الكيان الصهيوني بعد 62 عاماً من حرب عام 1948م وقيام العصابات الصهيونية بواحدة من أكبر عمليات التطهير العرقي في التاريخ، وما زال حتى يومنا هذا أكثر من 7 ملايين فلسطيني مشردين ويعيشون خارج مدنهم وقراهم وبعيداً عن أملاكهم وأملاك أهلهم وأجدادهم.

وتميز التعامل مع ملف اللاجئين الفلسطينيين طوال هذه السنوات بالعجز العربي المتراكم الذي فاقم من سوء وتعقيد قضية اللاجئين، بدلاً من التوجه نحو حلها أو إيجاد أمل بحلها، فضيعت فرص عديدة في السنوات الأولى لنشوء الكيان، فقد كان أحد شروط الأمم المتحدة للاعتراف بما تسمى دولة "إسرائيل" تطبيق القرار 194 والذي ينص على حق اللاجئين بالعودة إلى أراضيهم ومنازلهم ومصالحهم، ولم يكن الكيان يومها الابن المدلل لأمريكا، وكان بالإمكان الضغط عليه سياسياً ودولياً لإنهاء هذه القضية.

لكن لسبب أو آخر لم يحصل شيء، ربما لأن الاعتقاد كان يومها أن مشكلة اللاجئين ستنتهي مع إزالة الكيان، لكن لا حلت مشكلتهم ولا الكيان زال، فيما نستمر باجترار ذات المواقف فيما يتعلق بقضية اللاجئين، وفي حين تعلن ألستنا ليل نهار رفض التهجير، إلا أننا قبلنا به أمراً واقعاً وكل على طريقته.


عندما يكتب الصهاينة لنا التاريخ:

وبدلاً من أن نجعل اللاجئين أزمة تقض مضجع المحتل، وبدلاً من التركيز على جريمة التطهير العرقي وسرقة والاستيلاء غير القانوني على أملاك اللاجئين، سمحنا له بحرف الأمور عن مسارها وتصوير قضية اللاجئين بالشكل الذي يريحه، ومثلما يقول بعض المؤرخون "المنتصر يكتب التاريخ"، وهكذا كتب الصهاينة التاريخ لنا ولهم.

فأصبح محور القضية الفلسطينية أن الصهاينة كانوا يشترون الأراضي والفلسطينيون لم يرضوا لسبب أو آخر، مثل أي نزاع بين بائع وشارٍ كأن القضية هي قضية عقارية، كما روج الصهاينة لرواية أن الفلسطينيين هربوا من منازلهم بناء على طلب قادتهم العرب، وبالتالي فقدوا حقهم بها وأصبحت حقاً حلالاً زلالاً للمنتصرين الصهاينة.

فتحويل القضية الفلسطينية إلى تنافس عقاري يتوفق فيه الصهاينة هو مسخ للقضية الفلسطينية، وهي مصلحة صهيونية تخفي وجهها العنصري القبيح وتخفي جرائم التطهير العرقي التي ارتكبها وأبرزها ما حصل خلال حرب عام 1948م، ونحن للأسف اشترينا هذه البضاعة المغشوشة تحت ستار محاربة سماسرة الأرض والعملاء الذين "يسربون" الأراضي للصهاينة، لاحظوا معي المصطلح كيف يمسخ القضية الفلسطينية، والصهاينة مساكين يا حرام لم يرتكبوا جريمة سوى شراء ما سرب من أراضي.

جيد أن نحارب العملاء بكافة أشكالهم، وأن تصدر فتاوى تحريم بيع الأراضي للصهاينة، لكننا اليوم نعيش في عام 2010م وأغلب الأرض بيد الصهاينة وأغلبها صودر وسرق خلال الثمانين عاماً الماضية بأساليب لا تبررها أي شريعة أو قانون على وجه الأرض، ولسنا في عام 1920م عندما كان يحاول الصهاينة شراء قطعة أرض هنا أو هناك لتثبيت أنفسهم. وهذا يعني أنه يجب أن نهتم بما هو أهم وأخطر أي استرجاع أرضنا المسلوبة والمنهوبة، وللأسف اشتغلنا بالعملاء والسماسرة وتركنا استرجاع أرضنا من اللصوص.

وهكذا نكون قد خدمنا الصهاينة بطريقة غير مباشرة عندما لم نثر القضية الجوهرية، فإن كانت هنالك أراضي حكومية أو أراضي بيعت لليهود أو أراضي لا توجد اثباتات مكتوبة على ملكية الفلسطينيين لها، هنالك أراضي وعقارات ما زالت لحد اليوم مسجلة باسم أصحابها، والصهاينة يعترفون بملكية أصحابها لهذه العقارات والأراضي ولذلك شكلوا مؤسسة حكومية لإداراته تسمى "حارس أملاك الغائبين"، وتقدر قيمة العقارات في القدس الغربية لوحدها والتي يسيطر عليها "حارس أملاك الغائبين" بمليارات الدولارات.


سرقة أملاك اللاجئين: جريمة مع سبق الإصرار والترصد.

لكن الصهاينة يعلنوها وبصلف منذ 62 عاماً أنهم لن يعيدوا أملاك الغائبين لأصحابها مهما كان ومهما حصل، ويسوقون أسباباً متعددة منها الصريح مثل "الحفاظ على يهودية الدولة"، وهذه حجة موغلة في العنصرية لكن لا أحد يثيرها بالشكل الكافي لا إعلامياً ولا قانونياً، كما تساق حجة أخرى وهي ما يدعيه الصهاينة من تبادل ممتلكات اليهود الذين هاجروا من الدول العربية واللاجئين الفلسطينيين، فيزعم الصهاينة أن ممتلكات اليهود التي تركوها وراءهم هي مقابل ممتلكات الفلسطينيين.

ولو سلمنا جدلاً بصحة زعم الصهاينة أن اليهود طردوا ولم يخرجوا طوعاً طمعاً بالسكن في أرض الميعاد، فهذه معادلة مرفوضة فلا هي عادلة لأن من صادر ممتلكات اليهود في مصر أو ليبيا أو سوريا أو اليمن ليس اللاجئون الفلسطينيون، ومن الناحية الأخرى الصهاينة أنفسهم لا يلتزمون بهذه المقايضة التي يريدون فرضها علينا من جانب واحد.

فالصهاينة اليوم يطالبون الدول العربية بإعادة ممتلكات اليهود التي تركوها وراءهم، وهنالك دول مثل المغرب تفتح أبوابها لليهود المغاربة دون اشتراط تخليهم عن الجنسية الصهيونية، وفي مثال على التناقض الصارخ لدى الصهاينة هو ما يجري في أحياء سلوان والشيخ جراح بالقدس المحتلة حيث قامت الحكومة الأردنية بمصادرة أملاك اليهود في هذه الأحياء لتديرها مؤسسة "حارس أملاك العدو" الحكومية وتم تأجير هذه الممتلكات للاجئين الفلسطينيين. اليوم الصهاينة بدأوا بمصادرة هذه الممتلكات، بحجة أنها أملاك لليهود، وإعطائها ليس لأصحابها اليهود الأوائل بل لجمعيات استيطانية.

في المقابل ترفض حكومة الاحتلال ارجاع ممتلكات اللاجئين الفلسطينيين، فمثلاً الحاجة أم كامل الكرد وهي لاجئة من حي الطالبية في القدس الغربية سكنت في أحد هذه المنازل بحي الشيخ جراح، قامت سلطات الاحتلال بطردها من منزلها "البديل" في حي الشيخ جراح بحجة أن له أصحاباً يهوداً، وترفض في نفس الوقت ارجاع منزلها بحي الطالبية والمسؤول عنه مؤسسة أملاك الغائبين.

مثال آخر صارخ على العنصرية الصهيونية هي "جماعة الهيكل"، وهي مجموعة من الألمان البروتستانت أقاموا بعض المستوطنات في فلسطين خلال العهد العثماني، وبعد الحرب العالمية الأولى قام الأنجليز بطردهم والاستيلاء على أملاكهم، وبعد قيام الكيان الصهيوني تم تأكيد المصادرة. وعندما أتت محادثات تسوية التعويضات التي تقدمها ألمانيا للكيان الصهيوني تعويضاً "لمعاناة اليهود" على يد النازيين أتفق على خصم ثمن أملاك هذه الجماعة المصادرة من أموال التعويضات وأن تدفع لأفرادها وورثتهم تعويضاً عن أملاكهم. الصهاينة قبلوا بتعويض الألمان لكنهم يرفضون مجرد نقاش حقوق اللاجئين الفلسطينيين.

وإذا انتقلنا للأكذوبة الأخرى وهي خروج اللاجئين من أرضهم طوعاً وليس اجباراً، وهذا منطق غريب وعجيب، ففي جميع الحروب يهرب الناس من مناطق القتال ويكون من حقهم العودة فور توقف القتال، بل من حق أي إنسان أن يخرج من منزله متى ما شاء وأن يرجع إليه متى ما شاء، وبدون مبرر ولا سبب، وفي حرب كوسوفو عام 1999م شن حلف الناتو حملة قصف جوي متواصلة على صربيا إلى أن اجبروا الحكومة الصربية على قبول عودة اللاجئين الألبان إلى منازلهم وأراضيهم التي هجروا منها، فلم لا يستقيم هذا الحق مع الشعب الفلسطيني.

وقد فند باحثون كثيرون المزاعم الصهيونية بأن الفلسطينيين خرجوا طواعية، وقد جمع الدكتور شريف كناعنة في كتابه "الشتات الفلسطيني: هجرة أم تهجير"، والصادر عن مركز اللاجئين والشتات الفلسطيني في رام الله عام 2000، أدلة عديدة تثبت أن ما تم عام 1948م ليس هجرة طواعية بل هجرة قسرية، مثلما أثبت أيضاً الكاتب اليهودي إيلان بابيه في كتابه "التطهير العرقي في فلسطين" والذي صدرت نسخته العربية عام 2007م عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت. ونضيف أنه حتى لو تم تكن هجرة قسرية وكانت خروج طوعي فمن حق اللاجئ العودة إلى أملاكه، فهو ليس بمتسول ولا هو بدخيل، هو صاحب حق وأملاك.

وللأسف لا توجد حلول ابداعية أو عملية أو أفكار لتحريك قضية اللاجئين، ونجتر نفس المواقف التي كانت في بداية العشرينات من القرن الماضي (التي تدعو لعدم بيع الأراضي) أو تلك التي تلت حرب عام 1948م (التي تلوم من هاجروا على "هروبهم")، كما نناقش حق العودة من منظوره التاريخي والسياسي والعقائدي (وهو أمر مطلوب بلا ريب)، وننسى مناقشتها من الجانب القانوني والحق القانوني للاجئ الفلسطيني هو أقوى الحقوق، ويعترف به جميع أهل الأرض، فالحق التاريخي أو العقائدي قد يسانده المسلمون والعرب فيه، لكن يخالفه الأوروبيون والغربيون عموماً، لكن الحق القانوني – أي سند ملكية الأرض والعقار فهذه لا يوجد فيها رأيان بالعالم كله.


كيف نعالج قضية اللاجئين:

يجب أن نخرج من إطار الاكتفاء بتوعية أبناء شعبنا بضرورة الصمود، وتعبئة أبناء اللاجئين فكرياً وعقائدياً بأن لهم أرض وأن لهم حق في فلسطين وأن هنالك حق للعودة، فهذه أمور على أهميتها، لكنها الخطوة الأولى فقط نحو استعادة حق اللاجئين، والوقوف عند الخطوة الأولى والاكتفاء بها ليس سليماً، ويعتبر شكل من أشكال التطبيع مع الأمر الواقع.

ولا ننسى أنه لليوم ما زال المسلمون يذكرون الأندلس، ولليوم في المغرب هنالك مدن وأحياء سكانها ينحدرون من اللاجئين الأندلسيين، فهل نقبل بأن تتحول فلسطين إلى أندلسٍ جديدة؟ تذكير الناس بحقهم في فلسطين هو الجزء السهل من المهمة، التحدي الحقيقي هو ترجمة هذه المشاعر الوطنية إلى فعل على الأرض، والزمن ليس بصالحنا اطلاقاً، فمثلاً أقر الصهاينة مؤخراً قانوناً يجيز لحكومة الاحتلال بيع "أملاك الغائبين" ولليهود حصراً، وعندما نتكلم عن ممتلكات تحت سيطرة حكومة فإنتزاعها وارجاعها لأهلها هو أسهل وأقل تعقيداً من أن يكون لها ملاكاً جدداً.

يجب التحرك عملياً وعلى كافة الأصعد من أجل إعادة قضية اللاجئين إلى واجهة الصراع مع الكيان الصهيوني، واقترح بأن تكون البداية مع ما هو أسهل وأوضح ألا وهي قضية "أملاك الغائبين"، ورفع قضايا في المحاكم الدولية والمحاكم الغربية، فالكثير من الفلسطينيين أصحاب الجنسيات الأوروبية والأمريكية يملكون أراضي وعقارات تسيطر عليها مؤسسة أملاك الغائبين يمكن أن يتقدموا لمحاكم البلدان التي يقيمون بها بطلب استرداد ممتلكاتهم، ونذكر هنا تحركاً قبل سنوات لأصحاب أراضي في حي الشيخ جراح يحملون الجنسية الأمريكية تحركوا في المحاكم الأمريكية لوقف إقامة السفارة الأمريكية المرتقبة في القدس على أراضيهم الخاصة والمصادرة وفق قانون "أملاك الغائبين".

يجب أيضاً تحريك الشارع الفلسطيني وفي الشتات تحديداً، من أجل المطالبة بحق العودة الفوري، وليس مجرد رفض الحلول السلمية التي تنهي حق العودة، بل يجب أن يكون هنالك نشاط للمطالبة بالحق الفوري للعودة واستعادة الأملاك المنهوبة وتشكيل لوبيات ضغط في كافة المحافل العالمية والدولية.

كما أنه من الضروري ابتكار وسائل جديدة تثير قضية اللاجئين، مثل أن يختطف جنود صهاينة ويكون المطلب وقف عملية بيع أملاك اللاجئين التي تقوم بها حكومة الاحتلال، لأن العالم وبكل أسف أثبت أنه مع القوي، وأنه لا يتحرك من أجل إحقاق الحق والعدالة بل من أجل حل الأزمة، حسناً تريدون أزمات هاكم أزمة وحلوها، أنتم تريدون مكافأة الصهاينة لأنهم هم الأقوى ولأنهم هم المنتصرون؟ هذه لعبة نستطيع نحن أيضاً لعبها. مثل هذه الأمور تحرك قضية اللاجئين وتجعل منها قضية رأي عام، مثلما أصبحت قضيت الأسرى الفلسطينيين.

المهم أن يكون هنالك تحريك لقضية اللاجئين الفلسطينيين وأن نتجاوز الخطوات الأولى وأن يكون هنالك تحركات فعلية من أجل استعادة حق العودة وحق اللاجئ الفلسطيني المنهوب.

الثلاثاء، 11 مايو 2010

إلى متى تشاركون أنظمة "الاعتدال" جريمتها؟

لم يكن مفاجئاً التفويض الذي منحته جامعة الدول العربية لمحمود عباس وسلطته باستئناف المفاوضات مع الكيان الصهيوني، تحت مسمى المفاوضات غير المباشرة، وذلك بالرغم من الأيمان المغلظة التي عقدها عباس وأكثر زعماء الدول العربية بأن لا عودة للمفاوضات إلا بوقف الاستيطان، فقد تعودنا على طرح المواقف من أجل التنازل عنها لاحقاً.

ولم يفاجئنا لا موقف عباس ولا غيره من ما تسمى بأنظمة الاعتدال العربي، بل العكس كنت سأفاجأ لو تمسكوا بموقفهم حتى النهاية واستطاعوا إجبار الصهاينة على الامتثال للشروط التي وضعوها (وهي شروط بكل الأحوال هزيلة ولا تسمن ولا تغني من جوع).

لكن ألا يحق لنا بعد كل هذه السنوات أن نتوجه إلى الدول العربية من خارج إطار "أنظمة الاعتدال" هذه، سواء المحسوبة على ما يسمى بمحور المقاومة أو غير المحسوبة على هذا المحور أو ذاك، ونتساءل إلى متى سكوتكم عن هذه المهازل التي تتم باسم الشعب الفلسطيني وباسم الدول العربية؟

لطالما رفعت الأنظمة العربية شعار نقبل بما يقبل به الشعب الفلسطيني، وعندما قرر الشعب الفلسطيني وانتخب حركة حماس صاحبة المواقف المعروفة مسبقاً للدول العربية التي باركت الانتخابات أو للشعب الفلسطيني الذي انتخبها، رأينا الانقلاب على خيار الشعب وحصار حركة حماس ومقاطعتها والتي شاركت فيه دول عربية وبنوك عربية ومؤسسات عربية عامة وخاصة، وبدلاً من أن نرى تحركاً من دول الممانعة لكسر الحصار، اكتفت بإلقاء اللوم على هذا النظام أو ذاك، وكأن المشكلة هي أن نجد جهة نلقي عليها اللوم.

ثم كان التمديد لمحمود عباس بدون انتخابات من قبل جامعة الدول العربية، ولإظهارتوازناً شكلياً مددت الجامعة للمجلس التشريعي، ولا أدري ما الجدوى من التمديد لمجلس معطل منذ يومه الأول. وبدلاً من سحب المبادرة العربية رداً على العدوان الصهيوني المستمر منذ حرب غزة وحتى يومنا هذا ما زالت هذه المبادرة صامدة بالرغم من الدعوات العديد لإزالتها. وأخيراً كان قرار الموافقة على استئناف المفاوضات بحجة إحراج الأمريكان وإلقاء الكرة في ملعب الصهاينة وأننا لن نخسر شيء.

شهدت القمة العربية الأخيرة في سرت ممانعة ومشادات ومواقف جادة، وتمكن وزير الخارجية السوري من اجهاض مخطط اتخاذ قرار عربي باستئناف المفاوضات، وسمعنا كلاماً حاسماً من الرئيس السوري ومن قطر، وحتى الموقف الكويتي وهي دولة محسوبة على ما يسمى بمحور الاعتدال كان معارضاً لاستئناف المفاوضات غير المباشرة، وكان هنالك نجاح جزئي بعدم اعطاء محمود عباس التفويض الذي يريده من أجل استئناف التفاوض، وتركت المبادرة العربية معلقة (لم يرد ذكرها بشر أو خير في البيان الختامي).

لكن في نهاية المطاف ما الذي حصل؟ عدنا إلى نقطة الصفر، وتم ما يريده محمود عباس وتم إعطاؤه الغطاء العربي للعودة إلى المفاوضات، ومر قرار جامعة الدول العربية دون أدنى اعتراض من أي دولة عربية. وهذا أمر غير صحي بالمرة لأنه يجب أن يكون هنالك موقف لهذه الأنظمة واتكلم تحديداً عن سوريا والسودان وليبيا، ويجب أن يكون هنالك تحرك لنواب الحركة الإسلامية في البلدان التي يوجد لهم فيها تمثيل في البحرين والكويت والجزائر وموريتانيا والمغرب واليمن، لا يقبل السكوت على الوضع القائم.

فكل مرة نسمع نفس الأكاذيب ونفس التهديد والوعيد (الموجه للكيان الصهيوني) من قبل السلطة والنظام المصري ومن ملك الأردن، ولن نفعل ولن ولن... وفي نهاية المطاف يخضعون لما يريده الصهاينة، فإلى متى يستمر أولئك باختطاف القضية الفلسطينية؟ إلى متى السماح لثلاث موظفين في وزارة الخارجية الأمريكية (محمود عباس، وميتشل، وأحمد أبو الغيط) بتحديد مصير القضية الفلسطينية واتخاذ القرارات نيابة عن الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية؟

ندرك أن من هذه الدول من هي محاصرة ومحاربة وتدفع ثمن علاقتها مع حماس مثل السودان وسوريا، كما لا أشك بحرص العديد من المسؤولين الرسميين بهذه الدول على القضية الفلسطينية، لكن لا نرى ترجمة لهذا الحرص على أرض الواقع، هنالك نوع من العجز والتسليم بالوضع القائم، وهذا يجب وضع حد له.

لا يجب أن تترك حماس لوحدها في مواجهة مخططات السلطة لتصفية القضية الفلسطينية، إذا أراد النظام المصري وسلطة دايتون الذهاب للتفاوض فأضعف الإيمان يتطلب رفع الغطاء العربي عنهم: "اذهبوا لوحدكم لا تمثلون إلا أنفسكم، لا تمثلون الدول العربية ولا تمثلون الشعب الفلسطيني"، أما استمرار احتكار القرار العربي فقد أضر القضية الفلسطينية وقضية الأمة العربية والإسلامية، والمشهد أصبح مشوهاً فتم مسخ القضية الفلسطينية لتصبح صراع صهيوني إيراني، وبدلاً من دعم حماس بوصفها ممثلة الشعب الفلسطيني وأمل العرب والمسلمين في مواجهة الاحتلال تترك وحدها فريسة لحملات الإعلام والتشويه وتصويرها وكأنها اليد الإيرانية في المنطقة.

عندما نجد سوريا وقطر والسودان وليبيا وموريتانيا وغيرها من الدول تقف بوضوح وشفافية ضد مهزلة التفاوض وتقف إلى جانب الحق الفلسطيني الذي تمثله حركة حماس، فلن تعود هنالك إمكانية لتشويه صورة حماس ووصمها بالعمل لصالح إيران أو غير إيران، ولن تصبح المطالبة بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر طلباً مشبوهاً وخارجاً عن الاجماع العربي والإسلامي.

آن الأوان لهذه الدول ولأبناء الحركة الإسلامية فيها التحرك من أجل كسر حالة القبول بالواقع، وتفرد ممثلي الخارجية الأمريكية بالقرار العربي، هذه خطوة بسيطة وعملية ولها نتائج على أرض الواقع وإن تحققت فستكون مقدمة لتغيير أكبر وحقيقي، وقد توجهت بحديثي لمن أظن بهم الخير، ولم أتوجه بالحديث إلى من نفضنا أيدينا منهم منذ زمن.