الأربعاء، 31 ديسمبر 2014

ثورة معرفية أم ثورة معلوماتية؟




يفترض أن الانفجار المعرفي الذي وفرته التكنولوجيا الحديثة والانترنت قد ارتقت بفهم الناس وقربتهم لمعرفة الحقيقة، لكن مما نرى ونشاهد فلا يوجد تحسن في إدراك وفهم الكثير من الناس.

ذلك لأن امتلاك المعلومة ليس هو التحدي، وإلا فالجوجل سيحل مكان العقل البشري في الفهم والإدراك والاستيعاب.

ثلاث مشاكل أساسية تقف عقبة أمام تحول الكم الهائل من المعلومات إلى معرفة مفيدة ووعي وإدراك:

الأولى، العجز عن التمييز بين الغث والسمين والصدق والكذب، والبعض يكبل نفسه فلا يثق إلا بمصادر معينة، ويطرح ما دونها، وهذا خطأ لأنه لا يوجد مصدر موثوق 100% ولا مصدر كاذب 100%، والفن هو أن تستخرج السمين من بين أكوام الغث.

الثانية، الانتقائية في اختيار المعلومة، فأكثر الناس يكون لديهم أحكام مسبقة، ويبحثون عن ما يثبت الصورة الموجودة لديهم مسبقًا، ويكذبون كل ما يتعارض معها، أو في أحسن الأحوال يترددون بقبولها ويحتاج منهم وقت لقبولها.
 
والناس درجات في الانتقائية، والإنسان المنفتح تكون لديه الانتقائية منخفضة وقابل للاقتناع بفكرة مضادة ولو بعد حين، لكن لا يوجد على الإطلاق شيء اسمه (شخص مع صفر انتقائية)، فهذا خلل موجود لدى كل الناس وبالأخص في المواضيع الخلافية والحساسة، والاختلاف فقط في حدة الانتقائية.

الثالثة، فهم المعلومة وترجمتها، فالكثير يقرأ معلومات ويفهم عكس المراد، ومن ذلك على سبيل المثال أن يكتب شخص على سبيل السخرية والاستهزاء أن محمود عباس قرر إعلان الحرب على حكومة الاحتلال، سنجد من يأخذ الكلام بجدية ويظن أنه فعلًا حصل ذلك، مع أن المراد من الكلام العكس تمامًا.
 
وطبعًا هنالك أمور أعقد يحتاج فهمها إلى جهد وفن.

المهم أن يحاول الإنسان التغلب على هذه العقبات حتى يحول الكم الهائل للمعلومات من حوله إلى معرفة مفيدة، وإلا أصبح جوجل ناطق، وهذا يحتاج إلى تمرين وتدرب وسعة أفق وتواضع.

وأخيرًا ربما الوصف الأدق لعصرنا هو الثورة المعلوماتية وليس الثورة المعرفية، لأن ما نشهده من طوفان المعلومات لا يكفي لتكوين معارف ذات قيمة وفائدة، وما زلنا نحتاج للعقل الإنساني لكي يقيم ما نسمع ونقرأ ونرى.

الاثنين، 29 ديسمبر 2014

بعد الانتخابات التونسية هل وئدت الثورات العربية؟



المرزوقي مرشح الثورة والسبسي مرشح الثورة المضادة


أتعجب ممن يتصرفون وكأن الانتخابات (ومن قبلها سقوط صنعاء بيد الحوثيين) هي نهاية الدنيا، وكلام مبالغ فيه عن سقوط الثورات والربيع العربي.

الحياة ليست هكذا وبالأخص حركات الشعوب، هنالك تقدم وهنالك تراجع، وهنالك أخطاء ونكسات، لكن المهم حركة التاريخ الكلية إلى أين تسير.

وما نراه هو سنة التدافع بين النظام القديم والقوى الناشئة الجديدة، بالإضافة إلى عملية إعادة اصطفاف حيث اختارت جزء من القوى السياسية مغادرة مربع الثورة والارتماء بأحضان الدولة القديمة، وأتكلم تحديدًا عن اليسار وقسم كبير من التيار العلماني.

نتائج الانتخابات في تونس سواء الرئاسية أو البرلمانية تشير إلى نتائج متقاربة تقريبًا، وبالمقارنة مع انتخابات 2011م حصل تراجع من 37% من الأصوات لحركة النهضة إلى حوالي 33%، وهذا تراجع مقبول في ضوء الأخطاء التي ارتكبتها النهضة بالإضافة للمؤامرات التي حيكت ضدها.

كان هنالك انتكاسة لحلفاء النهضة من العلمانيين فتراجع حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (حزب المرزوقي) من 29 مقعدًا إلى 4 مقاعد، وهذا يعني أن التحالف العلماني مع النهضة أضر بالعلمانيين أكثر مما أضر بالنهضة.

الأحد، 28 ديسمبر 2014

حول التهجير الجديد القديم لسكان يافا




قام الصهاينة في نكبة عام 1948م بذبح الآلاف وتهجير مئة ألف من سكان يافا، ويبلغ عدد من تعود أصولهم إلى يافا اليوم من اللاجئين حوالي المليون.

ويعيش اليوم في يافا 25 ألف فلسطيني غالبيتهم ممن تبقى من أهالي قرى يافا بعد انتهاء الحرب، فقام الصهاينة بتجميع آبائهم داخل مدينة يافا ليستولوا على قراهم.

هم يعيشون في بيوت ليست لهم، والاحتلال يمنعهم من العودة إلى بيوتهم، وسواء كانت قراهم أم مدينة يافا نفسها فالذين يسيطر عليها مؤسسة صهيونية تسمى حارس أملاك الغائبين (أي اللاجئين).

بقرار من حكومة الاحتلال تتم حاليًا بيع 5% من أملاك اللاجئين الفلسطينيين بالمزاد العلني، وغالبيتها داخل مدينة يافا.

أمام سكان يافا من الفلسطينيين اليوم خيار من اثنين إما شراء المنازل التي يعيشون فيها منذ سبع وستون عامًا بمبالغ خيالية، أو أن يتم تهجيرهم مرة جديدة، أما أن يعودوا إلى بيوتهم فهذا ليس مسموحًا حتى لا تكون سابقة تثبت حق العودة.

بدء الاحتلال خلال الفترة الأخيرة بهدم منازل الفلسطينيين داخل يافا وتسليم الأرض للمستثمرين الصهاينة التي اشتروها من المزادات، ولا أحد يثير قضيتهم.

قالوا قضية اللجوء انتهت وأصبح هنالك أمر واقع، وقالوا حق العودة يخل بيهودية الدولة، لكن هؤلاء لا يخلون بالأمر الواقع ولا يخلون بيهودية الدولة، مع ذلك فدولة "إسرائيل" لا تستطيع ابتلاعهم وتريد تهجيرهم، فقط ببساطة لأن مجرد الوجود العربي الإسلامي داخل فلسطين هو خطر على الكيان الصهيوني.

والسؤال أين إعلامنا وأين مؤسساتنا وأين تنظيماتنا من هذه النكبة المتجددة؟

الجمعة، 26 ديسمبر 2014

حول الاعتقال بسبب الكتابة على الفيسبوك




مع كثرة الكلام حول اعتقالات لدى الاحتلال أو السلطة (وحتى في دول عربية) بسبب آراء كتبت على الفيسبوك، من الواجب فك الالتباس حتى لا يظن الناس أن مجرد الكلمة على الفيسبوك تقود إلى السجن، ولو كان ذلك صحيحًا لرأينا عشرات الآلاف يسجنون بسبب ما كتبوه أو عملوا له مشاركة أو إعجاب.

هذا التفريق ضروري لسببين: من يؤرخ ويبحث في المرحلة الحالية يجب أن يكون مطلعًا على الأسباب الحقيقية، وحتى لا يخاف الناس من مجرد التعبير عن الرأي.

هنالك عدة حالات يلبسها الإعلام أنها بسبب الفيسبوك سأحاول إجمالها بالآتي:

الأول: هنالك قادة سياسيون أو نشطاء في تنظيمات مختلفة لا يجد الاحتلال (أو السلطة) أدلة علنية على نشاط مقاوم لهم، فيستخدمون كتاباتهم ذريعة علنية للاعتقال.
 
والذي يحصل داخل غرف التحقيق أنهم يفتحون معهم مواضيع عديدة من بينها الكتابة على الفيسبوك، من أجل استدراجهم بالكلام إلى الموضوع المعين الذي يريدونه، والذي لا يفصحون عنه إلا في حال اعترف الشخص المعتقل به وتكلم عنه.

ما هو رأي منظر السلفية الجهادية في الأردن بالطيار الأردني الكساسبة؟




لم يُدلِ لحد الآن منظر السلفية الجهادية في الأردن إياد القنيبي رأيه بالطيار الأردني الأسير لدى داعش معاذ الكساسبة.
لم يشرح شيء عن عقيدة الولاء والبراء وحرمة المحاربة خدمة للمصالح الأمريكية، ولم يتكلم عن موقفه من الطيار هل هو ضحية أم مجرم.

ربما لا يريد أن يخسر جمهوره الأردني المتعاطف مع الطيار وربما يخشى أن يسجنه النظام، وربما يخشى أن يخشى جمهوره القاعدي إن لان قليلًا بالكلام.

ربما يجد له الناس أعذارًا لكي يكتم رأيه، وغالبًا سيقولون النظام وبطش النظام، هذا جيد وأنا أيضًا أجد للناس كلهم أعذارًا متى استطعت لذلك سبيلًا، المشكلة لدي أن القنيبي وأمثاله يصفونني بالمائع والمرقع والمبرراتي لو بحثت عن أعذار للإخوان أو حماس أو الغنوشي.

إما أن تطبق مبادئك على نفسك قبل غيرك أو لا تنادي بها وتتنطع بها.

لا تطلب من الناس أن يقولوا "كلمة الحق" مهما كان الثمن، ما دمت أنت تحسب حسابًا لهذا الثمن، ومثلما لديك عذر فلغيرك أعذار.

أسوأ الناس عندي هم من يبيحون لأنفسهم ما يحرمونه على غيرهم.

الطيار الأردني الأسير لدى داعش


ذكرني أسر داعش للطيار الأردني، بعملية قتل رابين على يد "متطرف" صهيوني.
داعش والنظام الأردني وجهين لعملة واحدة.

مع شماتة سكر زيادة بالطيار الأردني لأن أمثاله يعتنقون ديانة أن من اتبع خطوات أمريكا فقد أمن لنفسه وأمن لقمة عيش أطفاله، وهم من خربوا الوطن العربي بالتعاون مع داعش، لكن لهم دور أكبر من داعش بالتخريب، هي فقط تساعدهم في المهمة.

حول إغلاق "الجزيرة مباشر مصر" ومواقف قطر




اضطرت قطر لإغلاق "الجزيرة مباشر مصر" وتغيير سياستها الإعلامية تجاه الانقلاب في مصر، نتيجة ضغوط السعودية والمنظومة الخليجية، وهذا طبيعي فقطر لها حدود للتحمل وهي ليست دولة عظمى.

في المقابل هل الثورة تصنعها قناة فضائية؟ هل قطر ستصنع الانتصار للشعب المصري؟

لماذا نحمل الأمور أكثر مما تحتمل؟ الدور الذي لعبته الجزيرة هو دور داعم للثورة المصرية، لكن اسمه دعم، أما الفعل الرئيسي فهو ما يحصل في الميدان.

لم يستفد ثوار مصر من المساعدة القطرية كما يجب، لأسباب كثيرة ومتنوعة، وهذه تحيلنا إلى أن فشل الثورة وانتصار الانقلاب أوصلنا إلى إغلاق فضائية الجزيرة مباشر، وليس العكس.

قطر قد تعيد سياستها تجاه مصر إلى سيرتها الأولى، في اللحظة التي تتغير فيها الموازين على الساحة المصرية، وليس كما يتصور بعض الناس أن الثورة ستفشل (وكأنها لم تفشل بعد) لأن قطر أغلقت فضائية.

الضفة الغربية والصورة النمطية




عندما ينشغل بعض الناس بصور مراقص أو احتفالات بالضفة بالكريسماس، وكالعادة تعمم الشتيمة على الكل (الصالح قبل الطالح) لأن الكثير من الناس مصاب بمرض التسطيح والصور النمطية.

يكون من الضروري الإشارة إلى الجهة المقابلة المشرفة، ليس من أجل التوازن الإعلامي (على أهميته) بل حتى نبرز النموذج الذي نريد أن يكون قدوة، وحتى نضيء شمعة بدلًا من لعن الظلام.

ففي هذه الأيام يقوم طلاب المدارس القريبة من مناطق المواجهات (وأحيانًا البعيدة) برشق جنود الاحتلال والمستوطنين بالحجارة، رغم الأحوال الجوية ورغم امتحانات نهاية الفصل الأول.

لا يقضون أوقاتهم في المراقص أو الأسواق، بل يقضونها على الشوارع الالتفافية وقرب مناطق الاحتكاك، وحدهم بدون سند ولا ظهير، ورغم التجاهل الإعلامي لا يعرفون معنى الإحباط.

هكذا ينشغل جيش الاحتلال على طول المناطق المحاذية للشارع رقم 60، والذي يمتد من الخليل جنوبًا إلى نابلس مرورًا ببيت لحم ورام الله، بالإضافة لشارع رقم 55 (نابلس قلقيلية)، ومناطق الجدار في ضواحي القدس ورام الله وبيت لحم.

قبل أيام قليلة اعتقل الاحتلال ثلاثة فتيان (أعمارهم بين 13 و14 عام) من أبو ديس، قاموا بإلقاء زجاجات حارقة على جنود الاحتلال في العيزرية قبل أسبوع بالضبط.

وقبل فترة أسابيع قصيرة اعتقل مجموعة فتيان في الفريديس (القريبة من حيفا)، تتراوح أعمارهم بين 14 و15 عام، قام أحدهم أثناء زيارته لأقاربه بقرية الجفتلك في الضفة، بتعلم طريقة تصنيع الأكواع المتفجرة، ونقلها إلى أصدقائه وقاموا بتصنيع عدد منها واستخدامها في المواجهات مع الاحتلال.

وبالأمس اعتقل الاحتلال أربعة فتية عند حاجز سالم، أعمارهم 16 عام، قدموا من مخيم بلاطة على بعد 30 كيلومتر أو أكثر، ليلقوا أكواع ناسفة، ويبدو أنهم ألقوا كوعًا واحدًا قبل أن يعتقلوا.

بغض النظر عن ضعف التخطيط وفشل العملية، إلا أنه لا يمكننا إلا أن نقف احترامًا لأطفال في هذا العمر يفكرون بهذه الطريقة ويقطعون المسافات الطويلة ليقاوموا المحتل.

قصص لا تهم الباحثين عن الفضائح، لكنها تهم كل من يريد نجاح مشروع المقاومة.