الاثنين، 28 نوفمبر 2011

العلاقة بين تبني حماس للمقاومة الشعبية والمصالحة



أثار إعلان قيادات حركة حماس تبنيهم للمقاومة الشعبية بعد لقاء عباس مشعل الجدل والنقاش، فهل قررت حماس أخيراً الاقتداء بمحمود عباس والتخلي عن العمل المقاوم المسلح؟ وهل هذا يعني إلغاء كل احتماليات استخدام السلاح مستقبلاً في مواجهة الاحتلال (سواء في القطاع أم الضفة)؟ وما الذي تجنيه حماس من وراء هذا القرار؟ ولماذا أعلن عن هذا القرار فقط خلال لقاء المصالحة بين عباس ومشعل؟


يجب في البداية تصحيح خطأ شائع وهو أن عباس وسلطته يتبنون المقاومة الشعبية، لأن الصحيح أنهم يحاربون أغلب أشكال المقاومة الشعبية مثل إلقاء الحجارة والمظاهرات قرب المستوطنات ومناطق التماس مع الصهاينة ومواجهتهم بمختلف أشكال أسلحة المقاومة الشعبية، فقد اعتقلت الاجهزة الامنية خلال السنوات الماضية شبان رشقوا قوات الاحتلال بالحجارة، وفرقت مسيرات كانت متوجهة إلى الحواجز وغير ذلك من الشواهد العديدة.


مفهوم فتح والسلطة لحد اليوم عن المقاومة الشعبية أنها الشماعة التي تستخدم للتقليل من شأن المقاومة المسلحة، مع أن تاريخ الانتفاضتين أظهر تلازماً بين مساري المقاومة الشعبية والمسلحة، ودائماً ما كانت المقاومة المسلحة تخرج من رحم المقاومة الشعبية، ونفس الأشخاص الذين عملوا في المقاومة المسلحة كانوا نشطاءَ سابقين في المقاومة الشعبية قرروا تطوير أساليب عملهم والانتقال للعمل المسلح.


منذ وفاة عرفات وتولي عباس رئاسة فتح والسلطة نجده يتبع خط واحد ووحيد لمواجهة المحتل الصهيوني، وهو خط المفاوضات والعمل الديبلوماسي ضمن سقف معين لا يصل لحد الصدام مع الاحتلال الصهيوني، وكل ما نظمته السلطة من مسيرات سلمية في رام الله وغيرها من مراكز المدن طوال السنوات الماضية لا يمكن اعتبارها مقاومة شعبية بل هي مهرجانات تعبئة وتحشيد وراء سياسة وخيارات السلطة المتخذة مسبقًا.


هنالك مقاومة شعبية في القرى التي يتهددها جدار الفصل، وفي مناطق خارج سيطرة السلطة الأمنية، في بلعين ونعلين وبيت أمر والولجة وكفر قدوم وغيرها الكثير، مع ذلك تعرّض بعض ناشطي اللجان الشعبية لمقاومة الجدار لمضايقات من الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة خلال الشهور الماضية وخصوصًا في منطقة الخليل وبيت أمر.


وهناك مقاومة شعبية تتمثل بإلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة على سيارات المستوطنين في الطرق الألتفافية وهي لا تحظى برضا السلطة، بل قامت بأكثر من مناسبة باعتقال صبية قاموا برشق الحجارة سواء في عزون أو الدهيشة أو غيرها من المناطق. والسلطة لا تعتبرها مقاومة شعبية أصلاً وتعتبرها من المقاومة المسلحة (وربما هي فعلاً في منطقة انتقالية بين المقاومة الشعبية والمقاومة المسلحة).


فعندما تتبنى حماس المقاومة الشعبية فهي تضع السلطة أمام الأمر الواقع، وتقول لها أين هي نشاطات المقاومة الشعبية نريد المشاركة ونريد العمل، ومن ناحية أخرى فالعمل المسلح لكتائب القسام شبه متوقف سواء في الضفة أو القطاع، ففي الضفة الغربية القسام غير قادر على العمل بشكل فعال وكل ما ينفذه هو بضع عمليات كل عام وبعضها يوقع إصابات وبعضها لا يوقع، وفي قطاع غزة يقوم القسام ببناء ترسانة مسلحة قادرة على مواجهة الاحتلال الصهيوني بكفاءة ولا يريد الدخول بمواجهة تدمر ما أنجزه حتى الآن.


فالعمل العسكري شبه متوقف بكل الأحوال، وعباس يشترط على حماس وقف العمل المسلح حتى يستطيع إقناع العالم بقبول المصالحة بين فتح وحماس، لأن عباس حتى اللحظة ما زال يلعب بحذر ولا يريد الدخول بمواجهة مفتوحة مع الاحتلال، وفي نفس الوقت حماس لا تريد أن تعطي هدنة مجانية للاحتلال الصهيوني ولا تريد أن تكبل نفسها بالتزامات على صعيد وقف العمل المسلح.


وبالرغم من أن عزت الرشق أكد في تصريح له قبل يومين أن تفعيل المقاومة الشعبية لا يعني وقف برنامج المقاومة المسلحة، لذا يفهم التوجه نحو المقاومة الشعبية على أنه محاولة لإيجاد قاعدة مشتركة مع حركة فتح، واعتباره الخيار الأمثل بالنسبة لحركة حماس وأيضًا للقضية الفلسطينية في المرحلة القادمة.


فزخم المقاومة الشعبية اليوم في الضفة الغربية جيد ومقبول وقابل للتطوير، والوضع العربي الجديد والتطورات الدولية تدفع باتجاه يساند الفلسطينيين ولا يتركهم وحدهم في مواجهة الاحتلال، والمستوطنات وجدار الفصل العنصري هي نقاط ضعف الاحتلال الصهيوني، وهنالك شبه إجماع عالمي على عدم شرعية الاستيطان والجدار لكن هذا الإجماع لن يترجم إلى ضغط على الكيان ما دام الوضع على الأرض هادئًا، والمقاومة الشعبية تقدم المطلوب.


طبعًا لن يفكك الصهاينة مستوطناتهم في اليوم التالي، وخاصة أن الضفة الغربية هي محور الصراع مع الصهاينة في المرحلة القادمة؛ فمن ناحية تحريرها يوفر للفلسطينيين الأراضي اللازمة لإقامة دولة حقيقية وتوفر لهم موطئ قدم غربي نهر الأردن، ومن الناحية الأخرى كل مناطق الكثافة السكانية الصهيونية تقع على مرمى حجر من مرتفعات وجبال الضفة الغربية.


فالصهاينة لن يسلموا بسهولة لذا فالمطلوب على المدى القصير هو استنزافهم، وإن كان الشعب الفلسطيني سواء في الضفة أو القطاع استنزف هو أيضاً بعد عشر سنوات دامية، إلا أنه يمكن اليوم الاستعانة بإسناد عربي متجدد ومتوقد ويتوق لمواجهة الاحتلال الصهيوني.


يبقى التحدي الحقيقي أمام حماس والسلطة هو ترجمة هذا التوجه إلى معطيات على الأرض، ويجب أن نضع في حسابنا أن الصهاينة لن يمرروا هذا التفاهم بين الجانبين بأي شكل من الأشكال، فالاحتلال لن يقبل بوضع تستعيد حماس أنفاسها في الضفة الغربية ولتستأنف العمل العسكري متى ما وجدت في نفسها القدرة على ذلك، فهذه من البدهيات التي يرفضها الاحتلال مسبقًا.


هل فتح وحماس قادرتان على تنشيط المقاومة الشعبية في الضفة الغربية ورفعها من مستوى مقبول إلى ممتاز؟ وهل عباس يمتلك الاستعداد لمواجهة الاحتلال في حال قرر المضي قدمًا باتجاه المصالحة؟ وهل يستطيع كبح جماح أجهزته الأمنية التي ترى في علاقاتها المتينة بقادة الاحتلال العسكريين خطًا أحمر لا يجوز تجاوزه؟ هل تعي حماس حقيقة قوة المقاومة الشعبية وإمكانياتها أم أنها قالت ذلك مجرد كلمة لإرضاء عباس وتمرير اتفاق المصالحة؟ هذا ما سنراه في قادم الأيام بإذن الله.

الأربعاء، 23 نوفمبر 2011

الثورات العربية: كيف نضمن عدم عودة الاستبداد


يشكل الخوف من إعادة إنتاج الأنظمة المستبدة في الدول العربية أهم الهواجس التي تشغل بال المفكرين والسياسيين والمواطن العادي، فلا يعقل بعد كل هذا المخاض وكل هذه الدماء التي بذلت أن نعود وننتكس إلى الوراء وكأن شيئاً لم يكن، ولعل هذا أحد أسباب توقف الثورات في دول محددة دون اندلاع ثورات جديدة، فالكل يترقب والكل يريد أن يطمئن وخاصة أن ثمن الثورات كبير وليس بالهين ولا أحد يريد الدخول في مغامرة خاسرة.


يجب علينا إدراك أن أنظمة الاستبداد التي ابتلينا بها لم يكن عيبها فلان وعلان، فمجرد استبدال الوجوه لا يعني شيئاً، وهي لم تكن مجرد صنيعة للاستعمار الغربي فلولا أننا كنا تربة خصبة ولدينا "القابلية للاستعمار" لما استطاع الاستعمار اختراقنا من خلال هذه الأنظمة، ما يصنع الاستبداد وما يبني مؤسسة الاستبداد هو الفشل ببناء نظام تعددي سياسي حقيقي يكون هدفه خدمة الشعب والمجتمع، وهذا له عوامله العديدة لكن أهمها يعود إلى الثقافة السياسية والاجتماعية السائدة.


ولعل أحد أهم العوامل المؤدية للاستبداد هو الاعتقاد الذي يتبناه الكثير من أبناء التيارات السياسية والفكرية المختلفة بأن ما يحملوه من فكر لا يحمل صفة السمو والقداسة فحسب بل هم من يمثلونه بشكل حصري، وبالتالي فأي انتقاد يوجه إليهم فهو يوجه للفكرة التي يحملونها، وهذا ما يمكن أن نسميه "ذوبان العقيدة في شخوص أفراد." وهذا الخلل ينتشر بشكل أكبر بين الجماعات العقائدية (بمختلف تنوعاتها) أكثر من غيرها، سواء تكلمنا عن يساريين أو إسلاميين أو قوميين أو علمانيين.


وعندما نتكلم عن الربيع العربي فإننا نلحظ بشكل قوي وملحوظ صعود التيار الإسلامي، واستعداد الإسلاميين لاستلام الحكم في أكثر من بلد عربي في ظل منافسة شبه معدومة، وهنا يكمن خطر عودة الاستبداد بأشكال جديدة، ليس لأن الإسلاميين سيئيين، وليس لأنهم غير مهيئين للحكم، بل لأن الثقافة السياسية في مجتمعاتنا العربية ما زالت كما هي تقريباً، ولم تغيرها الثورات العربية حتى الآن، وهذه الثقافة التي أنتجت ديكتاتوريات باسم الاشتراكية والعلمانية والتقدم ومحاربة الإمبريالية ستنتج ديكتاتوريات جديدة باسم الجماعات الإسلامية ما لم تتغير وما لم يتغير تفكير الناس.


لذا يجب أن يحذر الإسلاميون من الوقوع بنفس الخطأ الأساسي والجوهري الذي وقع به من قبلهم، نقدر فرحتهم بهذه التغيرات ونتفق معهم بأن الشعبية الجارفة التي يتمتعون بها تعود لتوق الشعوب العربية إلى الإسلام والحكم بالإسلام، وهنا مربط الفرس فلا يجوز أن يشعر الإسلاميون بأنهم أفضل من غيرهم (حتى لو كانوا كذلك)، ويجب أن يفرقوا بين قدسية الإسلام وسموه وبين أنفسهم كبشر معرضين للزلل والخطأ، هم يدعون لفكرة مقدسة لكنهم كأشخاص وتنظيمات وجماعات ليسوا مقدسين ولا يقبل أن يشعروا بأنهم مقدسون أو فوق الانتقاد.


وهنا نستحضر ما حصل مع الثورات العربية في الخمسينات والتي أتت بالقوميين واليساريين للحكم في عالمنا العربي، فالعديد من قادة هذه الثورات والذين انخرطوا في الحكم لاحقاً كانت بداياتهم طيبة (وربما كانت نواياهم سليمة لا أحد يدري)، لكن ما حصل أنهم اختزلوا كل شيء في شخوصهم، فأصبح من يعارضهم عميل للاستعمار والرجعية والإمبريالية ومتآمر ويقول كلمة حق يراد بها باطل، بالنهاية أصبح المقدس ليس قيم العدالة الاجتماعية ومحاربة الاستعمار بل النظام وأزلام النظام، وهذه قيم يتشبع بها أبناء النظام والحزب الحاكم وأتباع "القائد الرمز الملهم".


وهذا ما يفسر إستماتة من يقاتل دفاعاً عن بعض الأنظمة المستبدة وخاصة ذات الطبيعة العقائدية مثل النظام الليبي والسوري، فهم يحملون قيم يؤمنون بها وهي قد تكون قيم إيجابية ونتفق معهم عليها، لكنهم يعتبرون أن المطالبة بالحرية أو بالإصلاح معناه محاربة كل هذه القيم العليا، فيصبح المطالب بالحرية عميلاً للكيان الصهيوني.


وفي أحد مقاطع الفيديو التي تظهر تعذيب جنود سوريين لأحد المعتقلين كان يصيح هذا المعتقل أنه يحب الرئيس بشار الأسد، في محاولة منه لاستعاطفهم لعلهم يخففوا من تعذيبه، فرد عليه الجنود "ما بدنا تحبه" و"حبوا حالكم بالأول"، والجملة الثانية تخبرنا عن ما يدور في عقولهم فمن يتمرد على النظام هو عدو نفسه لأن النظام ولو كان ظالماً أو مجرماً هو وحده الذي يعرف مصلحة الناس وما يصلح لهم وما لا يصلح لهم.


لذا يجب أن ننشر ثقافة سياسية لا تقبل أي شكل من أشكال الوصاية أن يأتي حزب حاكم أو تيار سياسي (ولنقل التيار الإسلامي) ويعتبر نفسه وصياً على المجتمع، وأنه وحده الذي يملك الحقيقة والصواب وما دونه هو الباطل، فالكل يجب أن يكونوا سواسية والكل بالغون عاقلون راشدون، لا يوجد مجتمع قاصر يحتاج لوصي عليه ولا يوجد أشخاص فوق الانتقاد والمساءلة.


فالإسلام هو الحل شعار جميل نؤمن به ونسعى لتطبيقه، لكن إن جاء أحد ما وقال لن أنتخب الإسلاميين (إخوان أو سلفيين أو أي كان) فلا يعني أنه يحارب الإسلام لمجرد أنهم يرفعون هذا الشعار، فالشعار لا يضفي الحصانة على من يرفعه، وإن نجح بتطبيقه أو فشل فهذا أمر من اجتهاد البشر واجتهاد البشر قد يصيب وقد يخطئ.


البعض يريد أن يجعل الدولة والنظام والمجتمع حكراً على الإسلاميين ويخرج من تبقى إلى الهامش والخارج، وربما كان هذا ممكناً عندما كان الإسلاميون مجرد جماعات وتنظيمات فلينعزلوا كما يشاؤون فلا يؤذون أحد، أما عندما يصبحوا في الحكم ويتحكموا بمقاليد السلطة فهذا مدخل للاستبداد والتفرقة بين الناس، ويجب أن يدرك الإسلاميون أن عدم انتماء حزب أو شخص للتيار الإسلامي لا يعني أنه معادٍ للدين أو علماني حاقد على الإسلام، فمجتمعاتنا تحفل بأشخاص وأحزاب وتيارات لا ينتمون للتيار الإسلامي لكنهم محافظين ويحملون صفات التدين والولاء للإسلام.


طبعاً هذا لا يعني أن لا يدافع الإسلاميون عن معتقداتهم ولا يعني أن يتنازلوا عما يؤمنون به إرضاء للآخرين، ولا حتى أن يستميتوا بالدفاع عن مواقفهم أو تبرير أخطائهم، لكن ليكن دائماً حاضراً في ذهنهم أنهم بشر وأن من ينتقدهم لم يكفر ولم يخرج من الملة، حتى لو كان مخطئاً أو متحاملاً أو مفترياً.


ما دمنا نفصل بين العقيدة التي نؤمن بها وبين شخوصنا، فسنكون بعيدين عن الاستبداد وبعيدين عن ارتكاب الجرائم بحجة أن فلان عميل أو كافر أو مدسوس، وسنكون بعيدين عن تقديس الأشخاص والهيئات، فمن يقدس شخصاً أو حزباً من أجل المبادئ التي يحملها هذا الشخص فسينتهي به الأمر إلى التخلي عن المبادئ والتمسك بتقديس الشخص.


للأستبداد أسباب عديدة وركزنا النقاش على واحد من أهمها (إن لم يكن أهمها على الإطلاق)، لكن يجب معالجة باقي الأسباب مثل توأم الاستبداد أي الفساد، وغياب ثقافة الحوار والتعاون، وعدم احترام المال العام واعتباره مشاعاً لمن أراد، وتدخل الأمن في كافة مجالات الحياة، وغيرها من الأسباب التي ربما نناقش بعضها في مقالات لاحقة بإذن واحد أحد.


الثلاثاء، 15 نوفمبر 2011

قصة قصيرة: نهاية رصاصة مندسة





كانت صبوحة رصاصة صغيرة ترعرت في كنف عائلة كادحة من الطبقة العاملة، فأبوها شبوح كان رصاصة 12.5 مم وحارب في معارك حماة ضد الإخونجية عملاء الأمبريالية، وأمها قذيفة أنرجية قضت حياتها مرابطة على حدود الجولان متربصة بالعدو الصهيوني.

ذهبت صبوحة إلى أمريكا حتى تدرس وتصبح صاروخ توماهوك كي تشارك بتحرير الجولان وفلسطين، وكانت رصاصة نجيبة ومتفوقة بدراستها وتحصل على أعلى الدرجات في دفعتها، حتى جاء يوم من الأيام واختطفها رجال مجهولين بعد انتهائها من دوامها وتوجهها إلى سكنها الجامعي، قاموا بإغماض عينيها وتقييدها وإلقائها في مؤخرة سيارة كانت تنتظرهم، ودخلوا أحد البنايات ومن الأصوات التي كانت تسمعها عرفت أنها بناية جيدة التحصين ولها بوابات كثيرة وأكثر من نقطة حراسة.


بعدها أخرجها المجهولون من السيارة واقتادوها داخل البناية، ونزلوا أدراجاً كثيراً، ودخلوا سراديب وأبواب تفتح وأبواب تغلق، وبعد أن قاموا بتفتيشها وأخذ كل وثائقها الشخصية قاموا بإلباسها لباس السجون الأحمر، ثم أدخلوها غرفة شديدة البرودة، قام أحد الرجال بفك العصبة عن عينيها بعد أن أجلسها على كرسي صغير، وقيد يديها بسلسلة مثبتة بالأرض.


بالكاد استطاعت صبوحة فتح عينيها من شدة الإضاءة المسلطة عليها، سألها الرجل: "هل تعرفين من نحن؟" قالت وما زالت الصدمة تعتريها "لا"، قال لها: "نحن جهاز السي آي أيه، أقوى جهاز في العالم." وأضاف: "أنت متهمة بالإرهاب!"، و"لدينا إثباتات تزج بك في السجون عشرات السنين ولن يسأل بك أي أحد".


صاحت بتحدٍ "أنا مجرد طالبة مجتهدة ولم أؤذ أحداً!"، صاح بها أحد الرجال الموجودين بالغرفة: "لا ترفعي صوتك! يجب أن تعلمي حدودك، أنت أسيرة لدينا"، وأمرها بأن تنظر في الأرض وعرف بنفسه "أنا المحقق جونز"، و"بصراحة سأخبرك، لن تكملي الدراسة حتى تساعدينا، مجال دراستك خطير، وأنت من بلد مقاوم وممانع ونريد ضمانات أنك لست إرهابية ولا تعملين مع الإرهابيين".


بدأت صبوحة بالبكاء والصراخ "ماذا تريدون مني، ماذا تريدون، أنا لم أؤذ أحد، أنا مسكينة"، صاح بها المحقق جونز لتسكت، وثم تقدم رجل يتكلم الإنجليزية بلكنة فرنسية بدأ باستجوابها مطولاً، وبعد عدة ساعات من الاستجواب قال لها المحقق جونز "هل تعرفين من هذا؟"، هزت رأسها بالنفي، أجابها "هذا برنار ليفي مهندس الثورات العربية منذ ثورة سيف بن ذي يزن ومنذ معركة ذي قار وحتى اليوم، وهو يخطط للعرب كل تفاصيل حياتهم اليومية، وهو قد قرر أن قدر سوريا هو التخلص من آل الأسد".


فغرت صبوحة فاها، وحدثت نفسها "وهل تطيب الحياة بدون الدكتور بشار"، ودمعت عيونها "كلنا فداك يا دكتور"، وقالت للمحقق جونز: "ما فشرت أخون الدكتور بشار!"، صاح بها المحقق "أنظري للحياة من حولك، ماذا تستفيدين من المبادئ والأخلاق؟ هل تمنحك سيارة جميلة؟ هل تمنحك القيم السامية شهادة جامعية؟ هل تطعمك من جوع؟ هل ... وهل ....؟"


صمتت صبوحة مطولاً وقالت لهم بصوت مبحوح تخنقه دمعات العيون: "ما تحلموا إني أخون الدكتور بشار"، قال لها المحقق جونز: "أسمعي جيداً، سنعيدك لسوريا بعد أن نلفق لك تهمة أخلاقية وبنصورك بأوضاع غير أخلاقية، ونفضحك. اذهبي للزنزانة وفكري جيداً: الفضيحة والعار أو الشهادة والنجاح".


قاموا بأرسالها للزنزانة ولم يغمض لها جفن، كيف لها أن تخون الوطن؟ كيف لها أن تتآمر على بشار؟ يا للعار يا للعار؟ وفي اليوم التالي استدعاها المحققون وقالوا لها: ماذا قلت؟ قالت لهم بكل ثقة: "ما فشرتم!!" قال لها المحقق جونز: "طيب، ودعي شهادتك واستعدي للفضيحة، ما راح نتركك هذا وعد"، بلعت ريقها قالت لهم والدمعة تنسكب على وجنتيها "شو بدكم مني؟"


قال لها المحقق" "بسيطة يا صبوحة كل المطلوب منك أن تقتلي بضعة من الشبيحة الأشرار"، قالت لهم" ما بئدر، مش أنا اللي بصوب، القناص هو اللي بيصوب". قال لها: "تؤ تؤ، وإحنا لشو بنعلمك؟ أنت شو تخصصك بالجامعة؟" أجابته "تخصصي صاروخ توماهوك".


قال لها: "ممتاز عليك نوووووور. التوماهوك بيشتغل على الأقمار الصناعية، وكل المطلوب منك تركبي هالشريحة وما تعملي اشي ثاني، نحن سنوجهك عن طريق الأقمار الصناعية، يعني أنت لن تعملي أي شي غلط، من سيقتل هو نحن، أنت لا تعرفين من سنقتل ولا كيف، فقط ضعي الشريحة وما تخافي. وراح تنتفح الدنيا كلها قدامك بعدها".


توجهت صبوحة إلى الأردن والتقت هناك بالضابط المسؤول عن المندسين والمكنى بأبي راكان، وقال لها "كلنا هنا تحت إمرة ليفي" وأعطاها التوجيهات المطلوبة، وتسللت بعدها الرصاصة صبوحة عبر الحدود، وعند أول معسكر للجيش السوري دخلت وتسلقت إلى أحد أمشاط الذخيرة لجندي كان مرهقاً من محاربة عصابات المندسين ومهربي المخدرات والجراثيم السامة.


جلست في المقدمة، متهيئة لتقوم بالمخطط المطلوب منها، وفي اليوم التالي هطلت الأمطار لأول مرة في درعا هذا الشتاء، فخرج الناس للشوارع لكي يتظاهروا ويحتفلوا ويبتهجوا بنعمة الله، توجهت القوة العسكرية لحماية المتظاهرين من المندسين.


كان الشبيحة يقوموا بحماية الناس من المندسين، ولم يكونوا يطلقون النار (كما تزعم الفضائيات المندسة) بل كانوا يتلقون الرصاص المتطاير بصدورهم العارية حماية للشعب السوري الكريم. لكن يومها كانت الأمور هادئة ولم يكن هنالك مندسون على غير العادة.


أخرج الجندي بندقيته لإطلاق النار في الهواء ابتهاجاً بالمناسبة السعيدة ومشاركاً للناس فرحتهم، خرجت صبوحة في أول دفعة من الرصاص وبدأت الأقمار الصناعية بتحريكها كما كان مخططاً وفي الطريق انتبهت أنه يتم توجيهها نحو أحد الشبيحة الأبرياء، نظرت عن بعد في عينيه فرأت فيه كبرياء الوطن وطهر البعث، دمعت صبوحة دمعتين، وقالت لنفسها "لن أكون جزءًا من الجريمة لن أكون جزءًا من المؤامرة الكونية، لن أبيع سوريا الأسد، أنا وأهلي كلنا فدا للأسد".


قامت بخلع شريحة الـGPS وألقتها وقررت تغيير مسارها، كان هنالك إمرأة حامل على سطح أحد المباني تنشر الغسيل وتمارس فعل الاندساس، قالت صبوحة في نفسها "هذه المندسة تحمل في إحشائها جنين مندس سيخرج ويصبح إرهابياً وهابياً عرعورياً، سأخلص سوريا الأسد منها وأمح عار العمالة"، وهتفت وهي في الطريق "عاشت سوريا الأسد وليسقط الشعب المندس".


الاثنين، 14 نوفمبر 2011

ماذا بعد فشل استحقاق أيلول؟


كان الوعد عندما ألقى محمود عباس خطابه الذي وصف بالتاريخي أن تكون المسألة بضعة أسابيع ونأخذ اعتراف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية، وفي أسوأ الأحوال سيفشل المشروع بسبب الفيتو الأمريكي ووقتها سيكون الكيان الصهيوني وأمريكا وحدهم في مواجهة العالم وسيكون نصراً إعلامياً على الأقل.


لكن حصل ما هو أسوأ من ذلك وفشلت السلطة بالحصول على الأصوات التسعة اللازمة، وبالتالي تفادت أمريكا حرج استخدام الفيتو والظهور بمظهر الشرير المعادي للحق الفلسطيني، ومن المفارقات أن السلطة فشلت بالحصول على الصوت البوسني (والتاسع في مجلس الأمن) بسبب فيتو العضو الصربي في مجلس الرئاسة البوسني، بالرغم من أن الدولة الصربية الأم هي عدوة تقليدية لأمريكا لكن صرب البوسنة هم حلفاء للصهاينة (وهو أمر طبيعي كون الطرفين مارسا التطهير العرقي في القرن الماضي).


ولم تكن السلطة لتفشل بحشد الأصوات اللازمة لولا الحملة الأمريكية المحمومة للضغط على أعضاء مجلس الأمن من أجل المعارضة أو الامتناع عن التصويت، وحجة أمريكا هي أن إعلان الدولة يجب أن تكون نتيجة لمفاوضات بين الكيان الصهيوني والسلطة وليس أمراً يفرض فرضاً على الكيان، وهذا يعني بكلام آخر أن الدولة يجب أن تخضع للمقاس الصهيوني وأن تدفع السلطة ثمن هذه الدولة "المسخ" من خلال التنازل عن ثوابت الشعب الفلسطيني.


وهذا يعني أيضاً أن تخوفات البعض من إعلان الدولة في الأمم المتحدة لم يكن مبرراً لأن الثمن الذي خافوا منه لم يكن سيدفع، فأمريكا لا تجرؤ على طلبه بهذه الطريقة الوقحة أمام المجتمع الدولي، فهي تريد الاستفراد بالسلطة وإعادة السلطة إلى المفاوضات العبثية التي لا يريدها الصهاينة سوى غطاءً لأعمالهم الاستيطانية وتهويد القدس والمسجد الأقصى وجرائمهم بحق الشعب الفلسطيني.


والسؤال المطروح الآن أين ستذهب السلطة بعد هذا الفشل؟ هل ستتوجه إلى الجمعية وتقدم طلباً من أجل عضوية مراقب، وهو ما يعطيها بعض الامتيازات مثل التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية؟ علماً بأنها حققت نجاحاً عندما حصلت على عضوية اليونسكو بالرغم من الضغوط الأمريكية وردة الفعل الأمريكية والصهيونية العنيفة، والسلطة قادرة بسهولة على جمع الأغلبية اللازمة للتوجه إلى الجمعية العامة.


أم أنها ستعود إلى بيت الطاعة وتؤجل طلب العضوية إلى العام القادم بحجة أنه ربما تتغير تركيبة مجلس الأمن؟ لعل العقوبات الصهيونية بعد الانضمام إلى منظمة اليونسكو تنبه السلطة إلى أن الصدام مع الاحتلال الصهيوني هو أمر قادم لا محالة، مهما كانت السلطة سلمية ومسالمة إلا إن رفعت الراية البيضاء وقبلت بمطالب الاحتلال قبولاً غير مشروطاً، وعندها ربما أيضاً لن يرضى الصهاينة وسيفرضون مطالب جديدة.


فهل أعدت السلطة نفسها للمواجهة؟ ولا نقصد هنا المواجهة المسلحة لأنه من الواضح أنها خارج حساباتها، لكن مواجهة سياسية ومواجهة مواقف وقرارات، التغيرات في المحيط العربي وفي العالم يتيح للسلطة أن تدخل هذه المواجهات بدون أن يتكرر سيناريو حصار عرفات الذي حصل في ظرف مختلف تماماً، فهل تدرك السلطة هذه المعطيات أم أنها ما تزال تعيش في عقلية يوم سقوط بغداد عام 2003م؟


هل توجه محمود عباس للمصالحة مع حماس وبناء استراتيجية جديدة كما يردد مسؤولو السلطة في وسائل الإعلام يعبر عن سياسة جديدة أم أنها مجرد مناورة جديدة لتحصيل بعض المكاسب في لعبته التفاوضية المعتادة؟ وهل يريد أن يصنع سياسة جديدة حقاً بالتشاور مع حماس أم يريد من حماس مجرد ختماً مطاطياً للموافقة على قرارته المتخذة مسبقاً؟ هل قامت فتح بتهيئة عناصرها ومؤيديها لمرحلة جديدة في المواجهة مع الاحتلال قد تشمل التضييق المالي والاعتقال وإعادة الحواجز؟


نأمل أن لا تعيد السلطة إنتاج مناوراتها السابقة، ونأمل أن تعيد النظر جذرياً بسياساتها، ونأمل أن تتحدى الاحتلال في مسألة المستحقات المالية وأن لا تخضع كما خضعت سابقاً عندما أفشلت وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية بالإصرار على شخص سلام فياض بحجة أن تغييره سيؤدي لفرض عقوبات مالية على السلطة، أما الآن وقد فرضت هذه العقوبات المالية بسبب الانضمام لليونسكو فقد ذهبت الحجة وأصبحنا أمام واقع جديد.


نأمل أن تستمر السلطة بمعركة طلب العضوية وأن تتقدم بطلب عضوية المراقب، وأن تتحدى الاحتلال وأن تطلب من المجتمع الدولي التدخل لأجل منع الاحتلال من القرصنة والاستيلاء على أموال الضرائب الفلسطينية، عندها فقط يمكن أن نأمل من دول العالم أن تقف مع مطالب الشعب الفلسطيني، لكن لا يتأمل أحد أن تكون باقي دول العالم فلسطينية أكثر من الفلسطينيين.


السبت، 12 نوفمبر 2011

جدوى سلمية الثورة اليمنية



لو عدنا بالتاريخ إلى عام 2010م وسألنا أي الأنظمة العربية الأجدر بالتغيير والرحيل لربما كان الجواب هو نظام علي عبد الله صالح، حيث كانت الدولة اليمنية على شفير التهاوي والتفكك وبلغت مستويات الفقر والأمية في اليمن مستويات عالية، وكان يعيش حوالي نصف السكان بأقل من دولارين في اليوم، وعانى حوالي ثلث سكان اليمن من انعدام الأمن الغذائي، فضلاً عن عدم الاستقرار الأمني وتمرد الحوثيين في الشمال والحراك الجنوبي الداعي لانفصال الجنوب، والحرب الدموية ضد القاعدة في أنحاء عدة من اليمن.


وبالرغم من أن اليمن دولة منتجة للنفط إلا أن إجمالي الناتج القومي للفرد لا يتعدى الألف دولار سنوياً، مما يجعل الاقتصاد اليمني في مؤخرة الدول العربية وأقرب لاقتصاد العالم الرابع (وليس العالم الثالث).


وإذا كان هدف الثورة ضد نظام الإمامة في الستينات هو إخراج اليمن من القرون الوسطى إلى العصر الحديث، فقد تم إنجاز القليل وهذا القليل تباطأ أو توقف مع وصول علي عبد الله صالح الذي كرس التخلف الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.


وعليه كان طبيعياً أن ترتفع المطالبات برحيل علي عبد الله صالح ونظامه مع نجاح الثورة التونسية، فكانت أولى المسيرات الشبابية احتفالاً بانتصار الثورة التونسية في 15/1/2011م وتطورت لتطالب برحيل علي عبد الله صالح ونظامه، ولتأخذ طابع المسيرات اليومية والمنتظمة منذ 22/1، وفي البداية كانت المعارضة اليمنية مترددة بالانضمام للثورة إلا أنها بدأت بالمشاركة المتصاعدة منذ شهر شباط، ولتشتعل الثورة مع الإطاحة بمبارك في 11/2، ولتأخذ دفعة أخرى في 18/3 عندما استخدمت أجهزة الأمن القوة الدموية لقمع المسيرات.


طوال الأشهر التسعة الماضية راوغ وماطل الرئيس اليمني بطريقة صبيانية بين موافق على الرحيل ثم يضع الشروط ثم يوافق بشروط ثم يرفض الشروط التي وضعها وهكذا، ولا شك أن لا صالح ولا زمرته الحاكمة ينوون الرحيل، وأن ما يقومون به مجرد ألاعيب وحيل لكسب الوقت، وبما أن اليمن لا توجد فيه مؤسسات حقيقية فحالة الشلل التي تعيشها البلاد لا تؤثر كثيراً على النظام، وخاصة أنه ما زال يحوز على الاعتراف الدولي بالرغم من كل جرائمه وحيله وأكاذيبه.


يعتمد النظام على محاصرة الثوار في ساحات التغيير وعدم السماح لهم بالخروج منها، واللعب على عامل الزمن، فيما الثوار مصرين على الثورة السلمية ووجهت محاولات للزحف السلمي باتجاه قصر الرئاسة في صنعاء أو الخروج من ساحة التغيير في مسيرات سلمية بالقتل والدماء والقصف.


ويبدو أن نظام صالح يراهن على سلمية الثورة لإطالة أمد بقائه، صحيح أن هنالك قطاعات من الجيش متضامنة مع الثوار وجماعات قبلية مسلحة تستخدم القوة لصد هجمات قوات صالح، لكن الثوار لم ينتقلوا لمرحلة الهجوم المسلح ضد قوات صالح مفضلين الإبقاء على سلمية الثورة وذلك خوفاً من انحدار اليمن إلى حرب أهلية تأكل الأخضر واليابس في ظل الانتشار الواسع النطاق للسلاح في جميع أنحاء اليمن.


والسؤال المطروح هل يمكن لهذا النهج أن يطيح بنظام صالح؟ فما دام النظام يمتلك الأموال ويمتلك السلاح فهو قادر على الاستمرار ومن الواضح أنه عازم على البقاء ولو كان الثمن تفتيت اليمن وتحويلها لدولة فاشلة (وهي أصلاً كانت قاب قوسين أو أدنى من الفشل قبيل الثورة)، أما ثوار اليمن يسعون لمحاصرة النظام من الخارج عبر سحب الاعتراف الديبلوماسي به وتجميد أمواله (وهو ما سعت له توكل كرمان في زيارتها الأخيرة إلى فرنسا)، وذلك من أجل تجفيف المنابع التي تطيل في عمر النظام.


إلا أن هذا لا يضمن نهاية سريعة للنظام، وقد يصمد النظام لشهور وسنوات إذا كان الرهان فقط على تجفيف منابع الدعم المالي والمعنوي، وذلك لأن النظام يمتلك كميات كبيرة من الأموال والسيولة التي تتيح له الاستمرار حتى في ظل حصار دولي وقد رأينا كم صمد القذافي رغم الحصار الخارجي، ومن الناحية الأخرى فالمجتمع الدولي ليس معنياً بترجيح كفة على أخرى في اليمن، سواء تكلمنا عن الدول العربية (وتحديداً الخليجية غير المعنية بنجاح الثورة) أو الغرب وأمريكا، أقصى ما يقومون به هو الوساطة لترجمة موازين القوى إلى حقائق، ولحد الآن لا زال ميزان قوى الثوار غير حاسم وغير مرجح.


المطلوب أن يقفز الثوار خطوة تجاه حسم المعركة من خلال تحرير المدن الرئيسية، وتحديداً المواقع العسكرية التي تستخدمها قوات صالح من أجل قصف الثوار والتضييق، كما يجب أن يفعلوا فكرة قيام حكومة انتقالية تدير البلاد كبديل لحكومة صالح الفاشلة، ولفرضها على العالم كأمر واقع بدلاً من الدخول في متاهات التسويات والمبادرات السياسية التي أثبت نظام صالح أنه لا يريدها ما دامت لا تعيد إنتاج نفس النظام البائد، فلا فائدة من التفاوض أو التحاور ولا فائدة من التردد.


قوات صالح جيدة التسليح وتتحكم بمواقع استراتيجية على قمم الجبال وهذا يعطيها أفضلية تعوض ضعف شعبية النظام وتهاويه، وبالتالي المواجهة لن تكون مجرد نزهة ولها ثمن كبير حتى لو استعان الثوار بالقوات الموالية لهم والقبائل المتعاطفة معهم، لكن الثمن المدفوع على المدى الطويل نتيجة استمرار الوضع الحالي لأسابيع وأشهر قادمة يتراكم، فهل يدفع الثوار الثمن مرة واحدة أم بالتقسيط؟


وماذا لو أعلن عن قيام حكومة انتقالية أو مجلس انتقالي حقيقي ذي سلطة حقيقية يمثل الثوار والمعارضة اليمنية، وماذا لو قرر تنظيف صنعاء أو تعز من قوات صالح أو على الأقل المناطق التي ينطلقون منها لضرب الثوار (مع التأكيد على الطابع السلمي العام للثورة اليمنية)، عندها يضعون حقائق على الأرض تجبر المجتمع الدولي على التدخل وتحقيق مطالب الثوار مثل تجميد حسابات صالح المصرفية، وربما تقنع هذه الخطوة عدداً من مؤيديه على التخلي عنه والانضمام للثورة.


يجب أن يراجع الثوار حساباتهم حتى لا تقع الثورة اليمنية في دوامة الروتين والشلل فهذا ما يريد علي عبد الله صالح، فهو لا يهتم لأمر الدولة اليمنية ولا الشعب اليمني، فقط يريد ترسيخ وجود عصابته وحمايتها من تداعيات انتصار الثورة.

الأربعاء، 9 نوفمبر 2011

دموع التماسيح بنكهة التشبيح


العالم ظالم ظالم ظالم!! تصوروا مالهم هم إلا سوريا الأسد ... سوريا المقاومة والممانعة ... سوريا الصمود والتحدي.


ما أظلمك يا عالم!! الافتراء والكذب دينك والهدف؟ الإطاحة بالنظام الصامد المقاوم الممانع!!

أطلعوا لأكاذيب الجزيرة المندسة: قالوا بالأمس قتل 30 في حمص!! كيف صاروا 30؟ كل اللي ماتوا بالأمس 28 فقط لا غير، وأحدهم من إخواننا الشبيحة قتلوه غدراً وغيلة وهو يشبح على أبناء شعبه (الله يرحمه المسكين)، وهذا خطأ متعمد من الجزيرة بدها تبالغ بالاندساس حتى يثور الشعب أكثر وأكثر وتدمر البلد.

كل الحق على الشيخة موزة، لولا أنها تغار من السيدة أسماء الأسد وانجازاتها الوطنية ما كانت الجزيرة الخنجر المسموم في خاصرة الأمة.


ومن كذبهم صور مسيرة الأمس قالوا أنها في حماة وبالأخير طلعت في إدلب!! ليش حكوا هيك؟ بتفكروا أنه خطأ بريء؟ أسألوا برنار ليفي فهو بيخطط لكل كلمة وكل حرف يبث على الجزيرة، حتى عطسة مذيعة الجزيرة أمس لما كان المدافع عن سوريا الأسد بيحكي كانت عطسة مندسة ومقصودة وبتعليمات من ليفي هذا، علشان تقطع حبل أفكار المتحدث وتشوشه!!


"العمى عليهن" دايما بيجبوا صور القتلى وصور الجرحى، ويعيدوا ويزيدوا فيها، شو بدكن من بثها؟ ليش بتشوشوا على الدولة السورية؟ كأنكن ما عمركن في حياتكن شفتوا قتلى وجرحى!! هيك الحياة ناس تولد وناس تعيش وناس تموت، وناس تموت على فراشها كما تموت البعير وناس تموت في ساحات الوغى، شوفوا الجانب المشرق، لولا الشبيحة ما ماتوا شهداء!!


والأمر والأنكى هو المسبات والتكفير على سيادة الرئيس الدكـ توربشار، وأكثر من هيك فيه واحد "مجرم بن مجرم" شبهه بهتلر!! "العمى بقلوبكن" وشو يعني لو قتل ألف واحد أو ألفين، بيظل مسلم موحد يشهد أن لا إله إلا الله، يعني نجيب الناتو يقتلهم أحسن؟ يا عمي شجعوا الصناعة الوطنية، كل شيء مستورد!! إذا الموت بدنا نستورده من الخارج شو ظل للصناعة المحلية؟

والجريمة الأكبر بدهم من بشار يرحل!! "العمى ما أوقحكن!" وليش سموها سوريا الأسد؟ هلأ تقبلوا أنه يجي شخص لبيتكنم ويقوللكُن أرحلوا؟ ليش يرحل بشار؟ أرحلوا أنتو!! مش سوريا ملكه ورثها من أبوه؟ راح تضيع سوريا من بعده، وراح تجوعوا وتضيعوا وتتشردوا بدونه، مشكلتكُن أنكن بتسمعوا لقنوات الاندساس والافتراء.

نحنا بنعرف أنه سوريا فيها فساد ورشاوى وتعذيب وقمع، بس مش مبرر للمطالبة برحيل السيد الرئيس الدكـ تور بشار؟! مالكم كيف تحكمون!! كله علشان خاطر ألف أو ألفين ماتوا؟!؟ إحنا كل الشعب فدا بشار، إحنا ما بدنا شي بدنا بشار وبس والباقي خس.

بس بحب أطمئن الشيخة موزة والقرضاوي والعرعور "إننا صامدون وسننتصر حتى لو اضطررنا لإبادة الشعب السوري، فهذا لا يهمنا ولن يردعنا، المهم أن تنتصر سوريا الأسد على كل المندسين وعملاء الإمبريالية والرجعية العربية، عاشت سوريا الأسد وليسقط الشعب المندس".


الثلاثاء، 8 نوفمبر 2011

في ظلال الصفقة: هل ازدادت الفجوة بين مستوطني الضفة ودولة الاحتلال؟


أثارت صفقة تبادل الأسرى غضب اليمين الصهيوني واعتبرها إهانة وانتكاسة للكيان الصهيوني وخضوع للمقاومة الفلسطينية، وصدرت ردات فعل متفاوتة بين المطالبة بإطلاق سراح قاتل رابين (من باب المعاملة بالمثل)، وتدنيس قبر رابين وإلقاء الطلاء عليه، وانتهاء بإصدار أكثر من جهة جوائز مالية لمن يقوم بقتل أسرى محررين.


وبالرغم من اشتمال الصفقة على أسرى محررين من مثل نصر يتايمة والمشارك بعملية فندق بارك والتي قتل فيها أكثر من 30 صهيونياً، لكن عروض القتل لم تشملهم واقتصرت على نوعية واحدة من الأسرى المحررين، وهم الأسرى الذين قاموا بقتل مستوطنين من التيارات الأكثر تطرفاً.


الأسرى الثلاثة الذين خصصت لهم مكافئات من أجل قتلهم: هم نزار وخويلد رمضان من قرية تل وكانا جزءاً من خلية قامت بقتل إثنين من حرس مستوطنة يتسهار (عام 1998م) وهي معقل المستوطنين المتطرفين شمال الضفة، ومصطفى مسلماني وقد قام بقتل ابن الحاخام مئير كاهانا وزوجته والذي كان رئيساً لمنظمة "كاهانا حي" وذلك عام 2001م.


ما يجمع المستوطنين المقتولين في هذه العمليات أنهم ينتمون للتيار "الديني-الصهيوني"، وللجناح الأكثر تطرفاً منه، والتيار الديني الصهيوني يختلف عن التيار الديني اليهودي (أو من يعرفون بالحريديم) في نقطتين أساسيتين: أولاً: الحريديم يرفضون الصهيونية لأنها تحتوي على أفكار علمانية تخالف الشريعة اليهودية فيما التيار الديني الصهيوني لا يرى أي تعارض بين الاثنين، ثانياً: الحريديم بشكل عام لا يتدخلون بالشأن السياسي وإن كانوا يميلون لليمين الصهيوني سياسياً، أما التيار الديني الصهيوني فيقف على يمين اليمن، ويعتبر نفسه رأس حربة الصهيونية والاستيطان في الضفة الغربية.


والتيار الديني الصهيوني يمثله بالدرجة الأولى حزب "الاتحاد الوطني" وجماعة "غوش إمونيم"، وفي الضفة الغربية يمثلهم مجلس مستوطنات الضفة (يشع) ومجموعات أصغر وأكثر تطرفاً وعدوانية مثل كاخ وكهانا حي والمجموعات الفضفاضة التي يطلق عليها فتيان التلال.


واستهداف الأسرى المحررين الثلاثة لم يأت صدفة؛ بل هو نتاج طبيعي لهوة تتسع بين مستوطني الضفة الغربية وتحديداً التيار الديني الصهيوني وبين دولة الاحتلال، ونتيجة تراكمات بدأت منذ الانتفاضة الأولى وتصاعدت مع انتفاضة الأقصى.


فالمستوطنون يزعمون أنهم يواجهون الفلسطينيين لوحدهم لذا "فهم وحدهم من يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، أما حكومة الاحتلال فهي تدافع عن مصالح باقي الصهاينة وقد باعتهم وباعت المشروع الاستيطاني في يهودا والسامرة (المسمى الصهيوني للضفة)"، وهذا التفكير ينسجم مع الاعتداءات التي تشن ضد الفلسطينيين في الضفة وخارجها تحت مسمى "تقديم فاتورة الحساب"، فهم لا يثقون بالحكومة الصهيونية ولا مؤسسات الدولة العبرية ويعتبرونها أضعف من أن تحميهم وغير ملتزمة بحماية المشروع الصهيوني.


بعد أن كان الصهاينة في الضفة والقطاع بمثابة إقطاعيين يعيشون بسلام بين الأقنان (عبيد الأرض) الفلسطينيين ويمتصون خيرات البلاد، بدأ هذا الواقع بالتغير بشكل جذري منذ الانتفاضة الأولى وأصبحت المناطق الفلسطينية مناطق محرمة على الصهاينة عموماً، وفيما تأقلم عموم المجتمع الصهيوني مع فكرة أنه لا يمكن الاستمرار بحكم الضفة والقطاع وصولاً إلى انسحاب شارون من غزة عام 2005م، فقد رفض المستوطنون الاعتراف بالهزيمة ويصرون على القتال وحماية المشروع الصهيوني في الضفة حتى لا يتكرر ما حصل في غزة عندما فككت المستوطنات وطرد المستوطنون.


وفي بدايات انتفاضة الأقصى كان المستوطنون يستهجنون ضعف ردة فعل حكومة الاحتلال والمجتمع الصهيوني ككل تجاه عمليات المقاومة في مستوطنات الضفة والقطاع وعلى الطرق الالتفافية داخل الضفة الغربية، ويقارنوها بردات الفعل العنيفة ضد العمليات الاستشهادية وسط تل أبيب أو القدس، فبدأت فكرة أن الحكومة تميز بين دم مستوطني الضفة والقطاع ودم الصهاينة في تل أبيب.


وقبلها اغتيل رابين بسبب اتفاقية أوسلو والتي كان ينفذها وينسحب من مدن الضفة بنفس الوقت الذي كانت تنفذ حماس عمليات استشهادية ضد الصهاينة، كما أن المجتمع الصهيوني طالما نظر إلى المستوطنين على أنهم عبء مالي على الدولة بسبب تكاليف حراستهم وحمايتهم والتسهيلات المالية التي تقدم لهم.


لتأتي عملية الانسحاب من غزة وتفكيك المستوطنات عام 2005م لتزيد الهوة سعة، وأصبح المستوطنون أكثر عدوانية تجاه جنود الاحتلال وأصبح الاعتداء اللفظي على الجنود أمراً معتاداً بل وصل في بعض الأحيان للاعتداء الجسدي، وتشكلت مجموعات للانتقام من الفلسطينيين لكن بحكم تركيبتها الفكرية العدوانية توجه بعضها للاعتداء على صهاينة يساريين (يعتبرونهم خونة) بل قام أحدهم بتفجير عبوة ناسفة أمام منزل عائلة مسيحية إنجيلية أمريكية قدمت لتعيش في مستوطنة أريئيل متضامنة مع المستوطنين، وكل ذنبها أنها ليست "يهودية"!!


وإن كان التوجه العام لمجموعات المستوطنين هو الاعتداء على الفلسطينيين، إلا أن الثابت هو أنه كل ما ازداد ضغط المقاومة وكلما حققت المقاومة انتصاراً كلما كبرت الفجوة بين المستوطنين ودولة الاحتلال، وأن هذه الجماعات مستعدة للاعتداء على صهاينة آخرين تعتبرهم "خونة" مثلما حصل مع رابين، ومع أحد الأساتذة الجامعيين اليساريين الذين فجرت أمام منزله عبوة فأدت لإصابته بجراح.


يجد الناظر إلى صفقة التبادل أن حكومة الاحتلال تعاملت بنوع من التمييز فنرى أن المجموعات العسكرية التي نفذت عمليات داخل الضفة ضد المستوطنين وافقت على اطلاق سراح أغلبهم واستبقت واحد أو اثنين من كل مجموعة مثلما كان الحال مع مجموعة سلواد وخلية خطف فاكسمان وخلية خطف طوليدانو وغيرهم، بينما المجموعات التي نفذت عمليات استشهادية فكان هنالك تشدداً أكبر فنجد مثلاً مجموعة عملية فندق بارك لم يفرج سوى عن عضو واحد فيها.


طبعاً حكومة الاحتلال لم تتعمد ذلك، ولو كان بيدها لما أفرجت عن أحد، لكن عندما تضطر للاختيار فستختار الإفراج عن مقاوم قتل مستوطناً (ولو كان هذا المستوطن ابن كهانا) من أجل الإبقاء على مقاوم قام بالتخطيط وتنفيذ عملية استشهادية في تل أبيب. وهذا بكل تأكيد لن يعجب المستوطنون الصهاينة.


وفي ظل هذه الفجوة وانعدام الثقة بين الجانبين، وفي ظل حقيقة أن هنالك رأي عام صهيوني عام وعالمي ينظر إلى مستوطني الضفة على أنهم عبء وعنصر إزعاج، وفي ظل حقيقة أن مستوطني التيار الديني الصهيوني يعيشون في قلب الضفة وفي مناطق قريبة من المناطق الفلسطينية، يمكن اعتبار المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية بأنه الخاصرة الضعيفة للكيان الصهيوني.


وهذه رسالة للمقاومة الفلسطينية من أجل تركيز العمل ضد المستوطنين على الطرق الالتفافية في الضفة الغربية سواء من خلال عمليات مسلحة أو الزجاجات الحارقة أو الحجارة، وليكن في ذهن الجميع أنه كلما زاد الضغط على مستوطني الضفة زادت الفجوة بينهم وبين باقي المشروع الصهيوني، وازدادت فرصة تنفيس غضبهم ضد الصهاينة الآخرين، واقتربت دولة الاحتلال من الاقتناع بأنهم عبء يجب التخلص منهم.


مثل هذه اللافتات يضعها جيش الاحتلال عند مداخل مناطق الكثافة السكانية الفلسطينية بالضفة الغربية لمن دخول الصهاينة خوفاً من اختطافهم أو قتلهم، وهذه أحد نتائج انتفاضة الأقصى، فهل نرى مثلها على حدود الضفة الغربية كلها وليس فقط مداخل مناطق الكثافة السكانية؟ هذه مهمة موكولة إلى المقاومة.

الأربعاء، 2 نوفمبر 2011

تحسن العلاقات بين النظام الأردني وحماس: تقارب حقيقي أم مناورات تكتيكية؟


شهدت العلاقات بين النظام الأردني وحماس تقارباً في الآونة الأخيرة، بلغت ذروتها بتصريح رئيس الوزراء الأردني عوني الخصاونة بأن قرار إبعاد قادة حماس كان خطأ سياسي ودستوري، والكلام عن ترتيب لزيارة خالد مشعل إلى الأردن بعيد عيد الأضحى وبحث إعادة فتح مكتب الحركة في عمان.


وسبقتها إشارات عدة ابتداءً من زيارة وزير الصحة في حكومة غزة إلى عمان بدعوة من نقابات مهنية، والسماح بزيارة خالد مشعل لعمان من أجل الإطمئنان على والدته المريضة، وزيارة محمد نزال واتصال إسماعيل هنية برئيس الوزراء الأردني بعد صفقة التبادل واتصال وزير الاتصالات في حكومة غزة بنظيره الأردني.


أدت هذه الأجواء إلى تفاؤل بعض الكتاب المحسوبين على الحركة مثل الدكتور مصطفى اللداوي بإمكانية عودة حركة حماس إلى الأردن وإعادة افتتاح مكتبها، بالرغم من تأكيد مصادر حكومية أردنية أن التحسن لا يعني إعادة افتتاح المكتب، فهل هذا التفاؤل في مكانه؟ وهل ما يقوم به النظام يعبر عن تغير حقيقي في الموقف من حركة حماس أم أنها ليست أكثر من مناورة تكتيكية؟ ولماذا حصل التغير في هذا الوقت تحديداً؟


لو رجعنا إلى السبب الأساسي والحقيقي لطرد حماس من الأردن وهو الحرج الذي كانت تتسبب به الحركة ونشاطها داخل الأردن للنظام أمام الكيان الصهيوني، فالنظام الأردني استجاب للضغوط الأمريكية والصهيونية التي تراكمت منذ مؤتمر شرم الشيخ عام 1996م الذي صنف حماس على أنها تنظيم إرهابي، وبعد وفاة الملك حسين استغلت أمريكا ضعف الملك الجديد لتمرر قرار الطرد.


وتصاعدت بعد ذلك الحملة الأمريكية ضد حركة حماس، وخصوصاً بعد أحداث أيلول 2001م وغزو العراق عام 2003م، إلى أن وصلت الأمور لإغلاق مكاتب حماس والجهاد في دمشق بتلك الفترة، والسؤال هنا: هل تغيرت المعادلة بما يخص الموقف الصهيو أمريكي تجاه حماس؟ هل رفعت الكيان الصهيوني الفيتو عن أي وجود لحماس في الأردن؟ أم أن النظام قرر المضي قدماً بتحسين العلاقة مع حماس بغض النظر عن التداعيات؟


وما هو سر تزامن خطوة التقارب مع تزايد الضغوط الشعبية على النظام الأردني؟ هل تعلم النظام الأردني الدرس ممن سبقوه وقرر البدء بمسيرة إصلاحية جدية وحقيقية؟ أم أنها مجرد مناورات لامتصاص الغضب؟ للأسف تجربتنا مع الأنظمة العربية تظهر أنها لا تتعلم من أخطاء غيرها (ولا حتى من أخطائها هي نفسها)، وتجربتنا مع النظام الأردني تظهر أنه يتبنى خطاباً وطنياً كلما أشتد الضغط الشعبي، شهدنا ذلك أثناء حرب الخليج الأولى والثانية، وأثناء حرب غزة، وبعد ذلك يعود إلى سيرته الأولى. هل ستكون هذه المرة الأمور مختلفة؟


يجب أن تحذر حركة حماس حتى لا تكون لعبة أخرى يلعبها النظام، مثلما فعل عندما ترك رئيس المخابرات العامة محمد الذهبي يمد الجسور مع الحركة، ثم ليعزله بعد ذلك وفي أسوأ الظروف وأحلكها أثناء حرب غزة، فهذا الغزل العلني قد لا يكون أكثر من محاولة لامتصاص الغضب المتنامي في الشارع الأردني، وربما يستخدم النظام هذا التقارب لإخافة الذين هم من أصول أردنية ويحرك أدواته المخابراتية من أجل بث الفتنة بين مكونات المجتمع الأردني.


قد يكون رئيس الوزراء الأردني جاداً في ما يطرحه، لكن هل القصر الملكي سيعطيه المجال للمضي قدماً؟ أم سيخلعه ويهمشه بعد أن يؤدي الدور المطلوب (تهدئة الشارع)؟ تلهف حماس على المصالحة مع النظام الأردني قد يكون سبباً في إطالة عمر النظام وتقويته في مواجهة التحركات الشعبية المتنامية، فهل ستقبل حماس بهذا الدور؟ ومقابل إنجازات قد تأتي وقد لا تأتي؟


قد لا يكون من الحكمة أن تقاطع حماس دعوات التقارب أو أن تظهر وجهاً عدائياً، لكن أيضاً ليس من الحكمة أن تظهر تلهفها وتحمسها لمصالحة قد لا تتم، وقد لا تكون أكثر من لعبة يلعبها النظام لكسب الوقت.


الثلاثاء، 1 نوفمبر 2011

في ظلال الصفقة: عندما تخلت إيرينا سراحنة عن أرض آبائها وأجدادها لكن مقابل ماذا؟



ولدت إيرينا بولياتشك عام 1977م في أوكرانيا لوالدين أوكرانيين، ولم يكن يربطها بفلسطين أي رابط، اللهم إلا ما يربط الكاثوليك بالأرض المقدسة مهد المسيح عليه السلام، إلا أن قدرها كان فلسطين وفقط فلسطين.


تعرفت على إبراهيم سراحنة اللاجئ من مخيم الدهيشة قرب بيت لحم، وتزوجا وأنجبا ابنتين وعاشا في المخيم، وإلى هنا تبدو القصة عادية وعادية جداً، لكنها كانت على موعد لكتابة فصل جديد من تاريخ فلسطين، ذلك التاريخ الذي كتبه آلاف الأبطال والشهداء والمجاهدون منذ أن وطأتها جيوش المسلمين في عهد الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه.


خلال انتفاضة الأقصى أنضم زوجها وأشقاؤه الاثنين (موسى وخليل) إلى كتائب شهداء الأقصى، ونفذوا عدة عمليات مسلحة ضد الاحتلال الصهيوني، وقاموا بالتخطيط للعملية الاستشهادية التي نفذها الشهيد رياض بدير وقتل فيها عدة مستوطنين، وكان لإيرينا دور في هذه العملية حيث كانت ترافق زوجها واحدى طفلتيها في نفس السيارة التي تقل الاستشهادي، لكي لا يثيروا شبهات شرطة الاحتلال فعندما يرون إمرأة وطفلة فآخر ما سيظنون عندما يرونهم أن هنالك استشهادي معهم بالسيارة.


ألقي القبض عليها وعلى زوجها وشقيقيه عام 2002م، وحكم على الرجال بالسجن المؤبد عدة مرات، أما الأسيرة المحررة إيرينا سراحنة فقد حكم عليها بالسجن لمدة 3 أعوام على أن يتم إبعادها إلى أوكرانيا بعد ذلك، كونها لا تحمل الهوية الفلسطينية.


كان أمامها خيارين: إما أن تقبل بالعودة لأرض آبائها وأجدادها وتتخلص من مقبرة الأحياء المسماة سجناً، وتتخلص من "الورطة التي ورطها" إياها زوجها، أو أن ترفض الإبعاد وتنتمي لفلسطين قلباً وقالباً مهما كان الثمن، فكان خيارها الثاني ودفعت الثمن غالياً عندما قررت محاكم الاحتلال تمديد حكمها إلى 20 عاماً بسبب رفضها الإبعاد.


اعتنقت إيرينا الإسلام بعد الزواج ولبست الحجاب، وفي السجن كانت تعيش مع أسيرات حركة الجهاد الإسلامي، ليكون انتماؤها إلى فلسطين أكثر من انتماء نسب وزواج بل انتماء عقيدة ومبدأ، لتأتي صفقة الوفاء للأحرار لتخرجها من ظلمات قبور الأحياء إلى فضاء الحرية، وكتب إلى جانب إسمها في قوائم الإفراج (إفراج إلى البيت) وبيتها كان مخيم الدهيشة والضفة الغربية وليس أوكرانيا، بالرغم من أنها لا تحمل أوراق إقامة رسمية وبالرغم من أن دخولها أساساً إلى فلسطين كان بأوراق مزورة وغير قانونية.


لكن الانتماء إلى فلسطين أكبر من كل الأوراق وكل المعاملات الرسمية، وأكبر من هذا الكيان المسخ، الانتماء إلى فلسطين ليس بالنسب ولا الحسب ولا الجينات، الانتماء إلى فلسطين هو الانتماء للأقصى، والانتماء إلى الإسلام، هو اليقين بأن هذه أرض عربية مسلمة مهما ظلم الظالمون ومهما اعتدى المعتدون، الانتماء إلى فلسطين هو عقيدة يحملها المرء داخل قلبه، وهذه كلها امتلكتها الأسيرة المحررة إيرينا سراحنة.


فلسطين هي لكل مؤمن بإسلامية وعروبة الأرض، وفلسطين لكل محبي المسجد الأقصى، وفلسطين لكل من يرفض الظلم والعدوان، وإيرينا لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، ففلسطين بحكم قدسية أرضها وموقعها الجغرافي كانت مكان استقطاب للمسلمين من كافة أنحاء الأرض، كلهم قدموا إلى فلسطين وانصهروا بالنسيج الاجتماعي العربي المسلم، بدون تقسيمات عرقية أو إثنية وبمساواة تامة، وهذا قبل أن يتكلم العالم عن حقوق المواطنة بزمن طويل.


قدم إلى فلسطين مع صلاح الدين عشائر كردية ومغاربية وعربية واستقروا في فلسطين بعد التحرير، وكانت مهمتهم حماية ما حرر من الأرض في مواجهة فلول الصليبيين ومعقلهم المتبقي في عكا، وأما بقايا الصليبيين الذين لم يعودوا إلى ديارهم فقد تعربوا واعتنق قسم منهم الإسلام وذابوا في المجتمع، وفي القرن التاسع عشر قدم اللاجئون المسلمون من البلقان (البوسنة وألبانية) ومن القوقاز واستقر قسم منهم في فلسطين، وغير ذلك هناك هجرات عديدة قبل وبعد ذلك، ما جمعهم هو اختيار فلسطين لقدسية ترابها واختيارهم لأن يكونوا جزءاً لا يتجزأ من هذه الأرض.


إيرينا سراحنة تعيد التاريخ وتنضم لرابطة محبي مسرى الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام، وكررت ما قامت به العشائر التي قدمت إلى فلسطين مع صلاح الدين، لكن على مستوى فردي ومحدود، لتعلمنا أن فلسطين هي عقيدة ومبدأ وليست عقاراً أو تجارة.


فهل تعلمنا الدرس؟