الأحد، 26 يونيو 2016

الاتفاق التركي الصهيوني المرتقب وموقف حماس





يتردد في الإعلام كلام عن قرب التوصل لاتفاق بين تركيا والكيان الصهيوني بخصوص "تطبيع" العلاقات بين الجانبين من أجل طي صفحة سفينة مرمرة، وذلك مقابل تسهيلات في غزة وتخفيف للحصار المفروض.


هنالك الكثير من المغالطات التي تتردد بالإضافة لعمل عدة أطراف على توظيف الموضوع ضمن الحرب النفسية ضد حماس وحلفائها (أردوغان)، لذا سنناقش مضمون الاتفاق وسلبياته وإيجابياته، والدوافع من وراءه، ورؤية مستقبلية حوله وما يجب أن تقوم به حماس.


ما هو الاتفاق المرتقب؟


ستجري اليوم الأحد الجلسة النهائية لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاقية، كما يجب أن توافق عليها حكومة الاحتلال خلال الأيام القادمة وقد ترفضها، كما قد يحصل خلاف على التفاصيل الأخيرة، وربما ينجح أهالي الجنود الصهاينة الأسرى لدى حماس بعرقلة الاتفاق، فقد تكرر سابقًا الكلام عن قرب التوصل لاتفاق قبل أن يفشل.


لكن هذه المرة تبدو الأمور أكثر جدية والوصول إلى اتفاق شبه أكيد، وينص الاتفاق على عودة العلاقات الطبيعية بين تركيا والكيان الصهيوني بعد أن تقلصت على خلفية أحداث السفينة مرمرة عام 2010م، مقابل دفع تعويضات لشهداء السفينة والاعتذار لتركيا.


أما الشرط الثالث لتركيا وهو رفع الحصار عن غزة فلن يتحقق بالشكل الذي كان يأمله الكثيرون وسيكون هنالك بدلًا عنه تخفيف للحصار من خلال بناء محطة كهرباء ومحطة تحلية للمياه وتسهيل وصول المساعدات التركية عبر ميناء أسدود.


وهذا متوقع فموازين القوى على الأرض لا تسمح بفرض شرط رفع الحصار عن غزة، وهو خط أحمر لدى الصهاينة لأنه يعني تعاظم قوة حماس بشكل يهدد وجود الكيان الصهيوني.


الحرب النفسية



عمل الإعلام الصهيوني والإعلام العربي المتصهين على استغلال الكلام عن الاتفاق طوال السنوات الماضية في عدة اتجاهات:


أ‌-       اتهام تركيا بالتخلي عن حماس مقابل مصالحها الخاصة، ولهذا تكلم كل من وزير خارجية تركيا شاوش أوغلو وخالد مشعل عن العلاقات القوية التي تربط حماس بتركيا، بالإضافة لاجتماع مشعل مع أردوغان يوم الجمعة، لقطع الطريق على هذه الإشاعات.


ب‌-  أن حماس تخلت عن المقاومة وأنها تسعى لإقامة دولة خاصة بها في غزة، وأنها تريد السلام مع الاحتلال تحت مسمى الهدنة طويلة الأمد، وأن حماس لا تفرق عن السلطة الفلسطينية.

ويجب التأكيد هنا على فهم الاتفاق المتوقع في إطاره الصحيح بعيدًا عن التأويلات والإضافات التي تفبركها الماكنة الإعلامية المعادية لحماس (بشقيها الصهيوني والفتحاوي).


دوافع دولة الاحتلال:


حرص الصهاينة على الوصول إلى الاتفاقية من أجل تحسين صورتهم إعلاميًا وسياسيًا بسبب العزلة الدولية المتزايدة نتيجة لـ: حملات المقاطعة في الدول الغربية، وتركيبة الحكومة الصهيونية اليمينة المكروهة عالميًا (بما فيه أمريكا وأوروبا).


دوافع تركيا:


على الجانب الآخر فيجب الفهم أن تركيا ربطت الموافقة على الاتفاق بموافقة حماس، ولكل من الطرفين دوافعه الخاصة سهلت الاقتراب من الاتفاق؛ فأما تركيا فهي جزء من منظومة الناتو وهو شيء مفروض عليها منذ عقود طويلة، ولا تستطيع الخروج كثيرًا عن الخطوط التي ترسمها أمريكا.


وبما أن الخلفية الإسلامية لأردوغان تدفعه لمعاداة الصهاينة فقد استغل حادثة مرمرة من أجل تقليص العلاقات مع الكيان الصهيوني، وهي خطوة أقرب للطابع الشكلي فالعلاقات التجارية والديبلوماسية بقيت بين الجانبين.


لا يستطيع أردوغان أن يرفض طويلًا الضغوط الأمريكية للمصالحة مع الكيان الصهيوني وقد رفع سقف شروطه لكن في النهاية يجب الوصول إلى اتفاق، ويجب أن نضع في اعتبارنا وضع تركيا الحرج سواء بالنسبة لما يحصل في سوريا أو تمرد حزب العمال الكردستاني.


فحتى يخفف عن نفسه العزلة والقيود الأمريكية كان الخيار أمام أردوغان هو التوصل لهذا الاتفاق، لكنه كشخصية براغماتية حرص على توظيف الاتفاق من أجل تخفيف الحصار عن غزة وعمل على ذلك بالتنسيق مع حماس.


ربما يصف بعض المثاليين أردوغان بالانتهازية أو انعدام المبادئ لكن الوضع السياسي صعب لكل من أردوغان وحماس وللقضية الفلسطينية، وبالتالي من المتوقع الانحناء أمام العاصفة في معركة البقاء، وبإمكان هؤلاء المثاليين التنظير من أبراجهم العاجية أما أرض الواقع فهو شيء آخر.


دوافع حركة حماس:


أما حماس فهي مضطرة للقبول بذلك لأن وضع قطاع غزة لا يحتمل كثيرًا، فالحصار أضر بالحياة اليومية للناس بشكل كبير، وما لا يدركه الكثير أن حماس في غزة تحارب كل العالم تقريبًا، ومهما كانت قوة وهمة الحركة فهذه حرب أكبر من طاقتها لوحدها.


وقد تكلم قبل أيام مشعل عن محاولة فرض ترتيبات وعبث في الساحة الفلسطينية، وترافق ذك مع تقارير في الإعلام العبري عن مخططات مصرية لاستئصال حماس وتنصيب دحلان بديلًا عنها، وهي خطة لن تنجح ولا أظن أنها موجودة فعلًا.


لكن يجب النظر إلى ما هو أوسع من ذلك فكل هذه الحرب الإعلامية تأتي ضمن مخطط صهيوني بمساعدة السلطة ومصر والأردن من أجل خنق غزة بموازاة حرب نفسية شرسة، من أجل دفع أهل قطاع غزة للكفر بحماس والترحيب بأي بديل آخر.


الأمر مثل معركة مؤتة لكن لا مجال لحماس للانسحاب بل المطروح اتفاقية لتخفيف الحصار، وحماس ليست طرفًا بالاتفاق وغير مضطرة لدفع أي أثمان والذي سيدفعه نيابة عنها هو أردوغان وتركيا، مع ذلك فهنالك محاذير يجب الوقوف عندها.


نوايا الاحتلال الصهيوني:


من التجربة سيحاول الاحتلال الصهيوني التنصل من التزاماته الواردة بالاتفاق، فعلى سبيل المثال إدخال مواد الإعمار التركية من خلال ميناء أسدود سيتعمد تأخيرها وحجزها بحجة الفحص الأمني.


وهذا ما حصل سابقًا في اتفاقية أوسلو التي أتاحت للتجار الفلسطينيين الاستيراد مباشرة من خلال ميناء أسدود، لكن الذي حصل فعليًا أن البضائع كانت تحتجز لشهر إضافي على الأقل تحت مسمى الفحص الأمني، وأحيانًا تمتد الفترة إلى سنوات، يدفع خلالها التاجر إيجار المخازن في الميناء بالإضافة لتلف البضائع.


فاضطر أغلب التجار للتعامل مع تجار صهاينة يتم استيراد البضائع باسم هؤلاء المستوطنين مقابل عمولة مالية تدفع لهم.


كما سيحرص الاحتلال على استخدام التسهيلات القادمة لابتزاز حماس والشعب الفلسطيني في غزة، بحيث يعرقل دخول البضائع أو يهدد بقصف محطة الكهرباء أو تحلية المياه، وذلك ضمن المعادلة التالية: تبقى غزة محاصرة وتعاني حتى لا تفكر حماس بمحاربة الاحتلال، لكنها معاناة لا تصل إلى حد أنه لا يوجد شيء يخسره الفلسطينيون.


وكما أوضح رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية (أمان) هرتسي هليفي مؤخرًا فهو يسعى لاحتواء حماس في غزة، وهنا الخوف من هذه الاتفاقية لأن الاحتلال سيوظفها من أجل محاولة ترويض حماس كما فعل مع حركة فتح من قبل.


تاريخ حماس أثبت أنها عصية على التدجين والاحتواء لكن الظروف المحيطة بها صعبة وإن لم تتيقظ للفخ الذي ينصب لها فستسقط فيه وستدخل عملية المساومة المستمرة على لقمة العيش.


لذلك يجب أن تتنبه حماس للضوابط الآتية:


أولًا: لا يجوز أن تصبح الاتفاقية والتسهيلات الهدف الرئيسي لدى الحركة، بحيث تقبل المساومة بينها وبين المقاومة، يجب الحفاظ على الخطوط الحمراء والثوابت، ولو كان يعني ذلك خسارة التسهيلات.


ثانيًا: الاتفاقية تشمل قطاع غزة لذا يجب على حماس دعم خيار المقاومة في الضفة وفلسطين المحتلة عام 1948م، وأكبر جريمة ممكن أن ترتكبها حماس هي القبول بمعادلة الهدوء في الضفة مقابل التسهيلات في غزة.


الضفة الغربية والقدس هي مناطق محتلة وهي مسرح انتفاضة القدس ويجب أن تكون حماس في المقدمة بدون أي علاقة لما يوجد في غزة، إن لم يقبل الاحتلال بهذا الفصل فليتحمل حربًا جديدة في غزة.


وقد لمحت مؤشرات خطيرة عندما تحفظ إعلام حماس عن تبني عمليات للحركة في الضفة مثل خطف المستوطنين الثلاثة عام 2014م وعملية الاستشهادي عبد الحميد أبو سرور، خوفًا من تداعياتها، وهذا لا يجوز أن يتحول إلى منهج وسياسة، ويجب أن تحافظ حماس على حقها في المقاومة في الضفة والداخل الفلسطيني بغض النظر عن الاتفاقيات المتعلقة بغزة.


ثالثًا: الاحتلال الصهيوني سيسعى لاستغلال الاتفاقية من أجل الترويج لنفسه وأنه قدم تنازلات للشعب الفلسطيني وأنه حتى "حماس المتطرفة" تتعامل معه، لذا يجب أن تكون هنالك حملة إعلامية مضادة أن هذا حق للشعب الفلسطيني وليس منة من الاحتلال الصهيوني، وأن الاحتلال ما زال يغتصب الكثير من حقوق الشعب الفلسطيني وما زال يحاصر قطاع غزة.


رابعًا: يجب أن تسقط حماس من حساباتها أي كلام عن الهدنة طويلة الأمد، فهذا عرض قدمه الشيخ أحمد ياسين قبل 25 عامًا واستنفد أغراضه وأصبح ضرره أكبر من نفعه.


فالحلم الرومانسي بأن تعقد اتفاقية هدنة طويلة الأمد نجهز أنفسنا خلالها للحرب، وبعد انتهائها ننقض على الاحتلال هجمة رجل واحد ونحرر كامل فلسطين، هو تفكير غير واقعي وغير قابل للتنفيذ، بل على العكس الكلام في الهدنة طويلة الأمد يستغله الاحتلال والسلطة من أجل الإيحاء بأن حماس تخلت عن المقاومة، وأنها ستعترف بما تسمى "إسرائيل."


خامسًا: بما أن الاحتلال قد ينقض الاتفاقية في أي وقت فيجب أن تكون البدائل موجودة وعدم الركون إلى التسهيلات المقدمة، فعلى صعيد الكهرباء يجب تطوير الاعتماد على الطاقة الشمسية، وبالنسبة للمياه يجب بحث البدائل فيما لو قصف الاحتلال محطة التحلية التي سيبنيها الأتراك.


في الختام:


الاتفاقية التركية الصهيونية المتوقعة هي نتاج موازين القوى على الساحة، لم تستطع تحقيق مطلب رفع الحصار عن غزة لكنها حققت تخفيف الحصار، وهذا إيجابي لأن الوضع الحياتي في غزة أصبح صعبًا لأبعد الحدود.


وفي المقابل يجب الحذر من أن يستخدم الاحتلال هذه الاتفاقية من أجل ترويض حركة حماس، أو ابتزازها بشكل دائم، أو مقايضة المقاومة خارج غزة مع التسهيلات التي ستقدمها الاتفاقية، ويجب التهيؤ لللحظة التي ينقلب فيها الاحتلال على هذه الاتفاقية.


وأخيرًا كل الكلام عن تخلي أردوغان وتركيا عن حماس أو تخلي حماس عن المقاومة، هي دعاية صهيونية موجهة من أجل إضعاف معنويات أنصار حركة حماس.

ليست هناك تعليقات: