الجمعة، 17 يونيو 2016

نعيش في القدس لكننا نشعر أننا في سوريا




""نعيش في القدس (لكن) نشعر أننا في سوريا""

هذه الجملة قالها مستوطن بعد هجوم فجر اليوم بالزجاجات الحارقة على منزله في مستوطنة أرمون هنتسيف المجاورة لقرية جبل المكبر في القدس المحتلة.

صحيح أن الصهاينة يميلون للتهويل والتباكي على أبسط الأمور، لكن المهم هنا العامل النفسي وهو ما أريد تسليط الضوء عليه، لأنه ليس مهمًا كم تقتل من عدوك بقدر أهمية قدرتك على كسر نفسيته وإرادته ودفعه إلى الاستسلام أو الهرب.

وكان نابليون من أبرز القادة العسكريين الذين استغلوا الحرب النفسية في معاركه، والتي اعتبرها نصف المعركة، فاستطاع بفضلها رغم القلة العددية لقواته احتلال أغلب أوروبا وغزو مصر وبلاد الشام.

وكذلك فإن أبرز نقاط تفوق تنظيم داعش هو العامل النفسي من خلال الرعب الذي تبثه في خصومه فيهزمون قبل أن تبدأ المعركة.

إذن لكي تحقق الانتفاضة إنجازات فيمكنها تعويض ضعف تسليحها وإمكانياتها المادية بالعامل النفسي، وكما أظهر استطلاع رأي بين الصهاينة نشر في بداية الشهر الحالي فقد قال 57% من الصهاينة قالوا أنهم توقفوا عن زيارة القدس منذ نهاية عام 2015م (أي بعد انطلاق انتفاضة القدس).
 
وعندما نعلم أن أكثر من ثلثي الصهاينة يسكنون في مناطق تبعد أقل من ساعة سفر بالسيارة عن القدس، فنتساءل عن أي عاصمة أبدية يتكلمون إذا كانوا يخافون الوصول إليها! وللمفارقة فإن أكبر شريحة توقفت عن زيارة القدس هم أنصار حزب ليبرمان (إسرائيل بيتنا) صاحب التصريحات النارية التي تتوعد الفلسطينيين بالويل والثبور.

كما أن هنالك هجرة عكسية للمستوطنين من القدس إلى خارجها، وخاصة بين المستوطنين العلمانيين، ولولا نسبة التكاثر العالية للمستوطنين المتدينين داخل المدينة لرأينا نسبة اليهود فيها تنخفض بشكل ملموس.

وذلك رغم كل إجراءات التشجيع للسكن في القدس سواء كانت إنشاء شبكة مواصلات متطورة أو تسهيلات مالية، بل نجد إصرارًا على تشغيل القطار الاستيطاني الخفيف الذي يمر من شعفاط رغم قلة المسافرين وانعدام الجدوى المالية حتى يحافظوا على الوجود اليهودي.

وكذلك في اقتحامات المسجد الأقصى تمارس الحكومة كافة أشكال الإغراء والضغط على المستوطنين ليزوروا المسجد، وكما قال لي متابعون للوضع في الأقصى أنه لقلة عدد المستوطنين الراغبين باقتحام الأقصى، تقوم سلطات الاحتلال بالطلب من مجموعات منهم تكرار اقتحام المسجد أكثر من مرة واحدة في اليوم حتى تظهر الإحصائيات وجود أعداد أكبر من المقتحمين.

كما روى أحد المستوطنين المتدينين في مقابلة صحفية كيف قام ضباط من الشاباك باستدعائه مع آخرين لإقناعهم بالمشاركة في اقتحامات الأقصى، وقالوا لهم نحن نوفر لكل كل شيء فلماذا لا تذهبون إلى هناك.

لا يجب الاستهانة بالعامل النفسي الذي يغطي ضعف الإمكانيات المادية، والرعب الذي يعيشه مستوطن استيقظ الساعة خامسة صباحًا على زجاجات حارقة تنفجر على جدران منزله، هو تقريبًا ذاته الذي يعيشه السوري الذي تقصف الطائرات منزله، رغم أن الخسائر المادية والبشرية مختلفة تمامًا لكن الوضع النفسي هو ذاته تقريبًا.

والمستوطن جاء إلى فلسطين من أجل حياة أفضل ومن أجل الرفاهية (باستثناء فئة جاءت لأسباب عقائدية وهم قلة)، وبالتالي فإن كان يظن أن حجارة الانتفاضة وزجاجاتها الحارقة هي مثل الحرب على الشعب السوري، فسيكون خياره المستقبلي هو الهجرة إلى الغرب، خاصةً وأن طريق الهجرة معبد أمامه ولن يضطر لركوب قوارب الموت.

ليست هناك تعليقات: