بداية أحب التوضيح بأني لست ممن يؤمنون
بأن كل التفجيرات والعمليات العسكرية التي تحصل في مصر هي من تدبير النظام لكي
يبرر مواصلته قمع الإخوان المسلمين ومعارضيه، فما حصل في رابعة (وهو من أكبر جرائم
العصر) تم بدون وجود أي "عملية استخدمت لتبريره".
وهنالك أدلة كثيرة تشير إلى أن أكثر من
95% من هذه العمليات تقف وراءه تنظيمات وجماعات مختلفة التوجهات والأهداف وليست من
فبركة النظام المجرم، ولا يوجد مجال لنقاشه الآن لكن أحببت أن أطرحها في البداية
لأن كلامي اللاحق مبني على هذه الحقيقة.
خروج قادة حماس من غزة واجتماعهم مع
المسؤولين المصريين من أجل حل الإشكاليات، واكتفاء النظام الانقلابي بتعهد كلامي
من حماس بعدم دعم أي جهة عسكرية في مصر وتأكيدها على أن بندقيتها ضد الاحتلال فقط،
يدل على أن كل ما قيل حول دورها في مصر كان مجرد حرب إعلامية لا صلة لها بأرض
الواقع.
لو كان النظام الانقلابي مقتنعًا بوجود دور
عسكري لحماس لما اكتفى بالتصريحات ولطالب بإجراءات عملية على الأرض.
المشكلة الأولى والمحورية التي تمنع فتح
معبر رفح وعلاقات طبيعية بين قطاع غزة ومصر، هو الاحتلال ورفضه رفع الحصار عن قطاع
غزة، والنظام الانقلابي لا يملك إلا السمع والطاعة.
وكل ما أشيع عن الوضع في سيناء أو علاقات
حماس الإخوانية مجرد ثرثرات إعلامية وحرب نفسية لا صلة لها بالواقع، وحل التوتر
الإعلامي بين حماس والنظام الانقلابي يساهم بحل جزئي لمشكلة حصار غزة وليس حلًا
جوهريًا.
تنظيم داعش في سيناء يبدو أنه سمع بما
يتردد في الإعلام عن المساعي لحل الأزمة بين النظام المصري وحماس، ويريد تصعيد
الوضع في سيناء حتى يعيد الأمور إلى نقطة الصفر (كما يظن)، من باب الفوضى الخلاقة
التي تؤمن بها داعش (حسب ما في كتاب إدارة التوحش).
فتنظيمات القاعدة وعلى رأسها داعش تؤمن
بأن مناطق الصراع والفوضى هي فرصتها لإقامة مشاريعها الخاصة، وتخفيف الحصار عن غزة
يضيع عليها الفرصة فهي تطمح (على المدى البعيد) أن ينهار حكم حماس في غزة وأن تحصل
فوضى تتيح لها التمدد في قطاع غزة.
ومن يعتقد أن داعش أو القاعدة تؤمن
بالمصلحة العامة للمسلمين فهو واهم، هذه مشاريع حزبية ضيقة وليمت خمسين ألف أو ستين
ألف فلسطين في غزة مقابل انضمام غزة لمشروع "الخلافة" حتى لو كان لفترة
زمنية محدودة.
وبما أن عمليات داعش في سيناء قائمة على
افتراض خاطئ؛ أي أن النظام المصري يؤمن فعلًا بأن حماس تتحمل مسؤولية العمليات
التي تحصل في سيناء، لم نجد صدى لهذه العمليات على مستوى تحريض الإعلام الإنقلابي
ضد حماس وضد غزة.
لو كانت هذه العمليات من تدبير المخابرات
الحربية (كما تقول نظرية المؤامرة) لرأينا حملة مسعورة في الإعلام المصري ضد حماس
وضد غزة، لكن النظام الإنقلابي ليس معنيًا بالتصعيد ضد حماس من ناحية، ويدرك تمام
الإدراك أن لا علاقة لها بما يحصل في سيناء.
الأثر السلبي الذي ستتركه هذه العمليات هو
أنها تشكل عائق حقيقي لتواصل غزة مع العالم الخارجي، ولمن لا يعلم فالبضائع
القليلة التي ما زالت تهرب إلى غزة يدفع المهربون من أجلها أتاوت لتنظيم داعش في
سيناء مقابل عدم اعتراض سبيلهم أو مهاجمتهم، تمامًا مثلما يدفعون رشاوى للمسؤولين
الأمنيين المصريين.
واستمرار المعارك وتهجير السكان وانقطاع
التموين سيؤثر على خطوط الإمداد للأنفاق، وسيؤثر على فتح المعابر، وربما في
المستقبل سنجد داعش تستخدم الحصار وسيلة من أجل خنق حماس في غزة، وابتزاز المهربين
من أجل دفع أموال أكثر.
داعش ليسوا عملاء أو بيادق بيد النظام
المصري لكن حزبيتهم الضيقة وحقدهم الأعمى يجعلهم أسوأ من مليون تنظيم عميل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق