الخميس، 10 مارس 2016

دفاعًا عن المرحوم الدكتور حسن الترابي





يجب التأكيد بداية على أن المرحوم الترابي لم يكن من تنظيم الإخوان المسلمين، بل كان على خلاف معهم ووصل الأمر إلى تكفيره من أحد مسؤولي إخوان السودان، لكنه كان من نفس المدرسة الوسطية الإسلامية، وكتبه تعتبر مرجعًا للكثير من الإخوان المسلمين ولغيرهم من الإسلاميين الوسطيين.

كما أن مصلحة حماس هي مع خصم الترابي اللدود عمر البشير، وهذا لم يمنعها من نعي الترابي والإشادة بمحاسنه.

ذلك حتى لا يتهمني أحد أني ادافع عنه من منطلق حزبي أو مصلحي، فلا مصلحة لي سوى منع التجني على قامة فكرية وعلمية ستخسر الأمة من الحرب التي يشنها ضيقو الأفق على المرحوم.

الترابي فكرًا وممارسة له إنجازات ومميزات وعليه مآخذ وأخطاء، وحسناته أكثر من سيئاته بكثير لكن خصومه تصيدو أخطاءه وضخموها وأحيانًا أخذوا من سيئاته وأساؤوا تفسيرها وقلبوا مقصوده من الكلام، لذلك سأحاول وضع أسس عامة:


أولًا: لا تسمعوا عنه وأسمعوا منه، لديه كتب ومؤلفات وبدلًا من الاستماع لما يقوله الآخرون عنه، أذهبوا وأقروا ما كتبه ولديكم عقول تستطيعون الحكم عليه من خلالها.

ثانيًا: ما كتبه السلفيون والأشخاص الذين يصنفون الناس إلى معتزلة وأشاعرة ومرجئة وغيرها من تصنيفات أحفورية تعود لعصر الديناصورات لا يؤخذ بكلامهم بتاتًا.
فهم لا يتورعون عن الكذب ولي كلام المرحوم وقلب معناه من حق إلى باطل.

ثالثًا: الرجل مفكر إسلامي والكثير من طروحاته رفضت في البداية ثم اكتشف الإسلاميون أنه كان على صواب واتبعوه، لذلك ففكره يستحق عناء الدراسة والبحث، ومن ينهاكم عن ذلك إما أنه لا يثق بذكائكم أو لا يثق بما لديه من بضاعة ومتيقن أن بضاعة الترابي أفضل.

الترابي كان مدرسة جمعت بين النظرية والتطبيق وحاول نقل الفكر الإسلامي من الكتب إلى أرض الواقع، ومن يعمل بالسياسة يخطئ بلا شك، كما أن جرأة الترابي في طرح أفكاره وفتاويه قد جلبت انتقادات بعضها محق وبعضها لا، وفيما يلي تصنيف للانتقادات التي وجهت له:

1- العمل السياسي: فقد خاض تجارب سياسية وتحالفات وبعضها يوصف بالبراغماتي، من أجل تحكيم الإسلام والشريعة في السودان.
 
تحالف مع جعفر النميري مقابل إعلان الأخير عن تطبيق الشريعة، وقد أدى ذلك إلى تمرد في جنوب السودان غير المسلم، أما تطبيق الشريعة (أي الحدود) فلم يحقق النتيجة المرجوة.
 
ثم تحالف مع البشير الذي نظم انقلابًا عسكريًا وعرض على الترابي التحالف معه، ثم اختلفا وحصل الانشقاق بصفوف النظام الإسلامي الحاكم.
 
الترابي سجن لأسباب سياسية وكان محور خلافه مع البشير هو رغبة الترابي بتوزيع السلطة على الولايات وإصرار البشير على بقاء السلطات بيد الرئيس واتهامه للترابي بأنه كان يحاول السيطرة على السودان من خلال سحب الصلاحيات من الرئيس.
 
رغم أخطائه في السياسة إلا أنها علمته دروسًا بإمكان الإسلاميين الاستفادة منها، أهمها: أن تطبيق الشريعة ليس مجرد حدود بل أوسع بكثير من ذلك، وأنه لا يجب الثقة بالعسكر أو التحالف معهم لتغيير نظام الحكم (ويقال أنه نصح الإخوان في مصر أن لا يثقوا بالعسكر).

2- بعض الآراء الفكرية والفتاوى: التي يتبناها اليوم الكثير من التيار الإسلامي الوسطي، بعضها كان الترابي رائدًا بطرحها والبعض الآخر سبقه غيره من المفكرين، وأغلب من ينتقده في هذه القضايا هم من السلفيين أو ضيقوا الأفق.
 
ومثال على ذلك قوله بأن الشريعة الإسلامية ليست مجرد حدود وأنها أوسع بكثير من ذلك، وقد توصل أكثر الإسلاميون إلى هذه النتيجة بعد تجارب دامية وأثمان باهظة، فكم من دولة أعلنت تطبيق الشريعة لكن لم يتغير حال الناس إلا إلى الأسوأ؟ وذلك لأنها قصرت ذلك على تطبيق الحدود.
 
لكن منتقدوه يقولون أن كلامه هذا هو "تمهيد" لإلغاء الحدود وهذا تفسير متعسف لكلامه، وهو ليس بعلماني حتى نفهم منه هذا الأمر.
 
وبعض فتاويه الفقهية كانت مرفوضة عند أغلب العلماء لكن تبين لاحقًا أنه كان على صواب، مثل إباحته زواج المسلمة من أهل الكتاب، وهنا أنقل ما قاله القرضاوي الذي يقول أنه أنكر الفتوى بالبدء وظن أن فيها مخالفة لإجماع الأمة، ثم اكتشف أقوالًا للصحابة والتابعين اعتمد عليها الترابي في فتواه، وأنها لم تكن فتوى بلا أساس أو مبرر شرعي.

3- بعض الفتاوى الآخرى التي رفضها وما زال يرفضها أغلب (إن لم يكن جميع) العلماء، وعلى رأسها قوله بأن تغطية الرأس (الحجاب) ليس فرضًا وأن المطلوب فقط الاحتشام في اللباس، وإن كنت أرفض كلامه هذا لكنها تبقى زلة عالم، فهو اجتهد وقدم أدلة ولم يكن صاحب هوى، وأخطأ في اجتهاده وهكذا يجب أن توضع الأمور في نصابها.
 
لا أن يكفر ويخرج من الملة فهو يختلف عن العلماني الذي يقول أن الحجاب تخلف وأن ما جاء في القرآن لا يصلح للتطبيق، فالترابي قال بأنه لا دليل على أن الله قد فرض الحجاب (تغطية الرأس) على المرأة المسلمة، وهنالك فرق عظيم بين الاثنين.

4- من الفجور بالخصومة تحميله أخطاء ارتكبها غيرها، ومثال على ذلك اتهامه بأنه دعم انفصاليو جنوب السودان، والحق أنه كان صاحب رؤية ثاقبة لمنع تفتت السودان، وهي أن السلطة يجب أن توزع على الولايات حتى تسكت الحركات الانفصالية.

لكن البشير رفض ذلك واختلف معه وحصل الانشقاق وسجن الترابي أكثر من مرة، وفي النهاية البشير هو الذي منح جنوب السودان الاستقلال وذلك مقابل بقائه في الحكم وعدم ملاحقته في المحاكم الدولية.

ليست هناك تعليقات: