المحطة الأولى
لعل في القرارات المتسارعة من اعتبار حماس جماعة محظورة في مصر، ثم قطع العلاقات
لثلاث دول خليجية مع قطر، وأخيرًا اعتبار الإخوان المسلمين جماعة إرهابية في
السعودية، دليلًا على مدى ضيق التحالف المضاد للثورات العربية من التيار الإسلامي عمومًا
والإخوان المسلمين تحديدًا.
الإخوان: العقدة الأكبر أمام أمريكا واتباعها |
لهذا بدأوا اللعب على المكشوف وبدون رتوش أو أقنعة، وهنا مربط الفرس، فأي
مجرم ينكشف أمره ويبدأ بممارسة الإجرام والتآمر علنًا، يكون قد أحرق سفنه واستعد للقتال
حتى النهاية، فإما قاتل أو مقتول.
فنحن أمام لحظة ضيق قرر به هذا المحور الأمريكي (وكل قراراتهم المفصلية تأتي
بتخطيط أو إيحاء أمريكي) أن يحسم المعركة وللأبد، والمطلوب رأس الإخوان ورأس كل من
يفكر بالاستقلال الحقيقي عن أمريكا.
وعليه نفهم الآتي:
أولًا: القوم ليسوا بوارد أي تسويات أو حلول وسط.
ثانيًا: هم لن يرضوا بنتيجة أقل من اجتثاث الإخوان وكل من يحمل فكرًا إسلاميًا
تحرريًا، فلن ترضيهم التنازلات الشكلية أو التنازلات الجزئية.
ثالثًا: الجماعة يمتلكون إمكانيات مادية عظيمة ونفوذ كبير، فليسوا خصمًا يستهان
به إطلاقًا.
رابعًا: فيما لو حققوا انجازًا في بلد ما فلن يتوقفوا قبل اجتثاث كل شيء في
كل البلدان العربية والإسلامية.
وعليه عندما يفكر الإخوان فيجب أن يفكروا بالطريقة الصحيحة، فالمشكلة ليست
مشكلة علاقات عامة، وليست خاضعة للمساومات والحلول الوسط، ولن تتوقف عند أي مرحلة،
وفي المقابل فإنكشافهم قد أضعفهم وحرق أوراقهم وأوراق الكثير من عملائهم وأدواتهم
(مثل حزب النور أو اليسار-الليبرالي العربي).
لذا الحل المنطقي والعقلاني بناءً على ما سبق هو أن تواجه الاستئصال باستئصال؛
والقصد هنا هو استئصال هذه الأنظمة (على المدى البعيد لأنها متجذرة فلا إمكانية
لخلعها فورًا)، وليس القصد كما قد يتبادر للذهن عمليات القتل العشوائية، وإن كان
استخدام القوة أحيانًا ضرورة مثلما نرى في الثورة السورية وأيضًا في الثورة
المصرية، إلا أنها يجب أن تكون محكومة لضابطين: عدم المس بدم الأبرياء والابتعاد
عن ردود الأفعال التي تقوي النظام ولا تضعفه.
هذا الخيار يعني أن لا تراهن على إصلاح النظام، ولا على محاولة احتوائه،
ولا على التحالف معه، ولا حتى على التوصل لصفقة يقبل من خلالها تفكيك نفسه بنفسه،
لأنها كلها خيارات ليست في وارد هذه الأنظمة ومن يدور في فلكها.
وهذا يحتم على أبناء التيار الإسلامي أن يسيروا إلى أبعد مدى في المواجهة
وأن يوطنوا أنفسهم ومؤيديهم ومحبيهم وحلفائهم على ذلك، كما يعني ذلك الحرص على الاستفادة
من أي دعم يقدم في مواجهة أمريكا وأدواتها في المنطقة.
المحطة الثانية
القصور في التفكير آفة نعاني منها بشدة، فنأخذ قرارات بناء على عاطفة أو على
حاجة لحظية بدون النظر إلى أبعادها طويلة المدى.
للتوضيح سأطرح بعض الأمثلة:
قطر: طوال سنوات كانت ماكنة الدعاية الفتحاوية (وحلفاءها) تعاير حماس بالعلاقة
مع قطر بحجة أن قطر عميلة الأمريكان.
في نهاية المطاف من أعلن الحرب على قطر هم عملاء أمريكا في المنطقة، وأتصور
السبب والدافع واضحين.
إيران: هنالك تحريض مستمر لقطع العلاقات معها وإعلان الحرب عليها بسبب سوريا،
وعدم الاكتفاء بإدانة دورها في سوريا.
مرسي: كان هنالك حرب إعلامية عليه بحجة أنه صديق بيريس وأنه لم يرفع الحصار
عن غزة ولم ينصر فلسطين كما يجب، وأنه ضعيف ولا يسيطر على الدولة كما يجب.
هنالك من يطالب حماس بالتنحي عن الحكم في غزة: لأن الأوضاع الاقتصادية سيئة
وسيئة جدًا بسبب الحصار.
في كل من هذه الحالات الأربع هنالك دواعٍ حقيقية تدعم هذه المطالب والمواقف،
فقطر ليست دولة مثالية، ودور إيران في سوريا لا يغتفر، ومرسي كانت له أخطاء، ووجود
حماس في السلطة عبء على الحركة وعبء على الشعب الفلسطيني.
لكن المحظور الذي وقع فيه الكثيرون (وانتبه له قلة) كان معالجة الخطأ بخطأ
أكبر منه:
قطر على سيئاتها تقدم الدعم للقضية الفلسطينية وللعديد من القضايا العربية
العادلة، وبغض النظر عن نواياها إلا أنه أزعج أمريكا ودفعها لتحريك أدواتها ضدها.
إيران تدعم حماس ماليًا وعسكريًا (بغض النظر عن صحة السفينة التي ادعى الصهاينة
أنهم أمسكوها إلا أنه أكيد أن حماس تتلقى دعمًا مثله وأكثر)، وذلك رغم خلافها مع حماس
في قضية سوريا.
وذلك لأن مصلحة الطرفين عدم السماح
لأمريكا بالاستفراد في المنطقة.
وحتى على مستوى الثورة السورية فخطر
إيران ودعمها لنظام بشار الأسد هو أقل من السماح لأمريكا بالاستفراد في سوريا من خلال
أدواتها السعودية.
مرسي تمت الإطاحة به وجاء من هو أسوأ منه بمراحل كثيرة، وأصبح جزءًا من مؤامرة
أكبر لضرب القضايا العربية وأولها القضية الفلسطينية.
حماس إن تنازلت عن الحكم فالمقاومة ستصبح بمهب الريح والاقتصاد لن يتحسن كثيرًا
ولن يصل اقتصاد غزة إلى مستوى اقتصاد الضفة (واقتصاد الضفة أصلًا هزيل وليس بالغنيمة).
لا تتخذوا قرارات ومواقف تحت ضغط اللحظة ولا تحت ضغط العاطفة، لا تجعلوا عدوكم
يلعب بكم ويوجهكم ليحاصركم بعد أن تتخلوا عن حلفائكم بحجة أن هذا شيعي وذاك أمريكي
وذاك إخوانجي أهبل والحكم مفسدة.
نحن لسنا قوة عظمى، ونحن لسنا أمريكا، ونحن قدراتنا محدودة، يجب أن نبحث نقاط
قوة تسندنا، والأهم من ذلك يجب أن نفكر بالأثر البعيد المدى لقراراتنا، لا أن ننظر
إلى اللحظة الحالية، ولا أن نسمح للشيطان بجرنا إلى موقف نندم عليه مستقبلًا.
المحطة الثالثة
حصار غزة: مصلحة صهيونية بأيادي عربية |
يبدو أن من كثرة انشغال الناس في الصراعات الجانبية، وربما بتشتيت متعمد رفعت
خلال الفترة الماضية شعارات مثل أن "إيران أخطر من أمريكا" أو "قطر
أسوأ من عملاء أمريكا الصريحين" وغيرها من الشعارات التي كانت تهون من خطر أمريكا
وعملائها الصريحين.
وذلك بحجج مختلفة وكلها تنظير في تنظير، وربما أبرزها أن "العدو الظاهر
أقل خطرًا من العدو المستتر"، و"أن عداء أمريكا لنا معروف أما عداء غيرها
فهو بحاجة لفضح وكشف"، فنسينا أمريكا ونسينا عملاءها المباشرين.
في الأشهر الأخيرة منذ الإطاحة بمرسي وتشديد الحصار على حماس وحظر حماس في
مصر وقطع العلاقات مع قطر ومحاولة الانقلابات في تونس وتركيا وليبيا، وأخيرًا حظر
الإخوان في السعودية، تكشف لنا كم هو خطير هذا الأخطبوط الأمريكي وكم لديه من النفوذ
وكم لديه من الأدوات المطيعة له وكم لديه من الإمكانيات.
لقد تحطمت كل النظريات الفارغة التي حاولوا تشريبنا إياها، واكتشفنا أن أمريكا
وعملائها ليست الأخطر فحسب بل ما زالت قادرة على استغفال الآخرين وإقناعهم بالعمل ضد
مصلحتهم وقادرة على التسلل إلى وعي الناس، واستخدام أعدائها لضرب أعدائها الآخرين.
فهل استيقظنا؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق