السبت، 22 مارس 2014

صراع دحلان وعباس: هل هي نهاية حركة فتح؟ نظرة من زاوية أخرى


عباس ودحلان: حلفاء الأمس أعداء اليوم

لا يشك أحد في الضرر الذي ألحقه الصراع بين محمود عباس ومحمد دحلان على حركة فتح بشكل خاص والسلطة بشكل عام، ولن أخوض في تفاصيل التراشق الإعلامي بينهما فأغلبه قيل سابقًا على لسان خصوم فتح، ولا أضيف جديدًا عندما أشير إلى حالة الانهيار القيمي والأخلاقي داخل الحركة.
 
إلا أن ما يشغل بال الكثيرين: هل تكون هذه الضربة القاضية التي تشق حركة فتح؟ أو تدفع جماهير الحركة للتخلي عن تأييدها؟ هل يقضي التيار "الخياني" بجناحيه الدحلاني والعباسي على بعضه البعض ويبرز تيار "شرفاء فتح" كبديل عنهم؟ هل ما حصل وما قيل ويقال سيدفع الناس إلى الانفضاض من حول مشروع السلطة وأوسلو والعودة إلى خيار المقاومة؟

تأثير الفضائح على حركة فتح:

الواقع يقول أن أبناء حماس ومعارضي السلطة بشكل عام مسكونون بهاجس ومصابون بهوس اسمه "كشف حقيقة السلطة"، لذا لا يوفرون فرصة تظهر فيها عورات وأخطاء وخطايا السلطة (سواء على الصعيد الوطني أو الأمني أو الأخلاقي) إلا ويسارعون إلى التقاطها ونشرها، أملًا في "فضح" السلطة وفتح، إلى درجة أن البعض نسي جوهر القضية الفلسطينية (أي محاربة الاحتلال) وكرس وقته وحياته لهذا الهدف.
 
ولكثرة ما فضحت فتح والسلطة أدمن الناس على هكذا أخبار ولم يعد يهزهم أي حدث أو تصريح، فلم يتفاجأ أكثر ناس بما قاله عباس أو دحلان (ربما تفاجأوا بخروج الخلاف إلى العلن لكن ليس بمضمون ما يقال)، ورغم انهيار صورة السلطة وفتح في أعين الناس بما فيه أبناء الحركة إلا أنها ما زالت صامدة ومتماسكة، ليس فقط في الضفة بل أيضًا في مناطق مثل غزة ولبنان، مع التأكيد على وجود تآكل في رصيد الحركة لكنه لم يصل إلى مراحله المتقدمة بعد.

الأمر بكل بساطة لأن قوة فتح لا تستمدها من الرصيد الأخلاقي أو النضالي (فهي قد أفلست على هذا الصعيد منذ زمن)؛ قوة السلطة وفتح تأتي من تمثيلها لتلك الفئة من الشعب الفلسطيني التي لا تريد أن تدفع ثمن مقاومة الاحتلال، وأولئك الذين تتضرر مصالحهم الشخصية الضيقة فيما لو حصل صدام بين الشعب الفلسطيني والاحتلال.

ولا نريد الإطالة بشرح كيف وصلت فتح والسلطة إلى هذا الوضع، بحكم دخولها إلى أوسلو وارتهانها إلى اتفاقيات وامتيازات شخصية ممنوحة من الاحتلال يمكن حجبها بأي لحظة يغضب عليها الاحتلال، وقد قيل يوم التوقيع على أوسلو أن الاتفاقية جاءت لتنقذ منظمة التحرير من الانهيار وليس لإنقاذ القضية الفلسطينية.

أساس المشكلة:

المشكلة ليست في محمود عباس أو محمد دحلان بل بوجود حالة داخل الساحة الفلسطينية قبلت على نفسها أن تكون رهينة بيد الاحتلال، وأن تحارب أي عمل وطني حقيقي يناهض الاحتلال، ولو سقط دحلان أو عباس فسيأتي من هو على شاكلتهم ويقود المرحلة، ولو ذهبت فتح فستخلق من تحت الأرض روابط قرى جديدة لتقود المرحلة ما دامت هذه النفسية والعقلية موجودة في المجتمع الفلسطيني.

وعليه فإن ما يطلق عليهم شرفاء فتح يدركون أن المرحلة ليست لهم لذلك رضوا بالمقاعد الخلفية، مكتفين بإراحة ضميرهم بانتقاد قيادة الحركة، ومن أراد منهم أن يقدم شيئًا حقيقيًا للمقاومة والقضية الفلسطينية فأول شيء يفعله هو مغادرة صفوف الحركة والانضمام إلى حماس أو الجهاد أو غيرها من الفصائل العاملة، إدراكًا منه أن الوضع الداخلي لفتح غير قابل للإصلاح في ظل المنظومة الحالية.

وحتى أوضح الفكرة بشكل أكبر أدعوكم لسؤال من تعرفون من أسرى محررين عن ماذا يقال لإقناع من يعيش لدى حماس أو الجهاد لكي ينتقل للعيش لدى فتح داخل السجون؛ لا يقال له عن نضال محمود عباس في الأمم المتحدة ولا عن عشيقة هنية وكأس الويسكي، فهذا هراء لن يصدقه إلا القطعان التي غسلت أدمغتها.

ما يقال للأسرى هو: "إن لم تعيشوا عند فتح فلن يدرج اسمكم في الإفراجات"، و"سيزيد اليهود حكمكم"، "سيقطع راتبكم لدى السلطة أو راتب أهلكم"، "الحياة عند حماس تضعكم في دائرة الشبهة والاعتقال السياسي بعد الإفراج عنكم"، نلاحظ هنا أنها كلها تدور حول أمر واحد تقريبًا وهو السلامة والامتيازات الشخصية، وليس حول قضايا مبدئية أو أخلاقية أو وطنية.

وعلى هذا الأساس فمهما تراشق دحلان وعباس، وسواء انتصر دحلان أو عباس، أو تصالحا، أو ذهب كليهما، وسواء كان ما يحصل هو ضغط من أمريكا على عباس لكي يقبل بخطة كيري، أو لعبة وتوزيع أدوار، أو مجرد خلاف شخصي، ففي كل الأحوال لن نشهد تغيرًا جوهريًا لا في قوة السلطة وفتح ولا في جوهرهما، سيضعف موقف فتح جماهيريًا بلا شك، لكنه لن يكون مقدمة لانهيار كامل.

كيف ستتغير المعادلة؟

في رأيي فما سيغير المعادلة هو ازدياد قناعة الناس بجدوى تحدي الاحتلال، وارتفاع قابلية التضحية بالنفس والمال والجهد من أجل فلسطين لدى الناس، وكون حماس هي رائدة الجهاد والتضحية والاستشهاد، فعامة الناس والفصائل الأصغر حجمًا ينظرون لها، ويترقبون ماذا سيكون دورها، لذا كان لسكوت أبنائها طوال الأعوام الماضية دورًا كبيرًا في تقوية موقف السلطة.

مثل هذه المناظر تضعف من سطوة السلطة أكثر من عشرة فضائح

لأنه إن كان أهل الإقدام والتضحية (أي أبناء حماس) لا يجرؤون على قول كلمة الحق، فمن الذي سيجرؤ؟ وبناءً عليه أقول أن تحدي أبناء حماس وأهل الشهيد محمد الحنبلي يوم الأربعاء الماضي لأجهزة أمن السلطة وإصرارهم على لفه بعلم الحركة وتشييعه بما لا يرضي السلطة، لهو أكثر تأثيرًا في هيبة وقوة السلطة من خلاف عباس ودحلان.

ولا شك أيضًا أن الغليان في الضفة ضد الاحتلال وازدياد وتيرة المقاومة الشعبية ضد المحتل يضعف من موقف السلطة أكثر وأكثر.

في الختام:

سواء كان تحديًا للسلطة أم تحديًا للاحتلال فإن زيادة استعداد الناس للتضحية والمخاطرة بحياهم سيضعف فتح لأن مزيتها الوحيدة أنها الخيار الأقل كلفة، ويبدو أن مؤيدي حماس الذين كانوا يبحثون طوال الوقت عن ما يفضح السلطة كانوا يبحثون في المكان الخطأ، لأن الحل كان بيدهم طوال الوقت.

ليست هناك تعليقات: