تعودنا
على تلقي إعلامنا ما ينشر في الإعلام الصهيوني بدون تمحيص وتحليل ونشره على أنه
حقائق مسلم بها، ومن ذلك تقرير للقناة العاشرة الصهيونية عن تقليص جيش الاحتلال
لمهامه وإيكالها إلى أجهزة أمن السلطة.
تلقى
معارضو السلطة الخبر بفرحة على أنه دليل آخر على عمالة السلطة، فيما فرح بعض مؤيدو
السلطة بما ورد بالتقرير كونه يعطي السلطة الفلسطينية مزيدًا من
"السلطة" (حتى لو كانت في خدمة الاحتلال).
التقرير
فيه إشكاليات كثيرة بتفاصيله تنسف مصداقيته، كما أنه يعطينا فكرة عن توجهات السلطة
كما سأوضح بعد قليل.
يجب أن
ندرك أن القناة العاشرة الصهيونية وصحيفة هآرتس تمثلان النخبة اليسارية الصهيونية
المتعاطفة مع السلطة، وهي تريد إيصال رسالة للمجتمع الصهيوني أن السلطة تعمل بجد
ويجب تقديم لها "المكافآت" تقديرًا لجهودها، عكس الإعلام اليميني الذي
لا يقتنع بإخلاص السلطة في علاقتها مع حكومة الاحتلال.
التقرير
يأتي بعد تقرير لهآرتس عن مفاوضات بين السلطة وجيش الاحتلال من أجل تسليم مناطق أ
إلى السلطة، وردًا على تقرير هآرتس جاء الرد حاسمًا وعلنيًا من الشاباك برفض
مناقشة الفكرة، ثم أكد نتنياهو على ذلك وتلاه قرار واضح وعلني من حكومة الاحتلال
بالتمسك بحق الجيش دخول مناطق أ متى لزم ومتى أراد.
الترتيبات
الأمنية في الضفة هي ترتيبات "ما بعد أوسلو" والتي نشأت منذ تولي عباس
رئاسة السلطة، وتقوم على استمرار السلطة بعملها في مناطق أ مع حق جيش الاحتلال
باقتحام هذه المناطق متى أراد، وغالبًا ما يكون الاقتحام من أجل تنفيذ اعتقالات.
لم يوضح
لنا تقرير القناة العاشرة ما هي الأمور التي سلمها الجيش إلى السلطة في مناطق أ،
فهي تتمتع بكامل حرية العمل داخل هذه المناطق بالأصل، واقتحامات الجيش واعتقالاته
لم تتوقف حتى هذه اللحظة، فما الذي تغير؟
وما
المقصود بأن السلطة تقوم بـ40% من الجهود؟ كيف تم قياس ذلك؟ هل هو بحجم الاعتقالات
مثلًا؟ أم عدد الخلايا التي تم كشفها؟ لم يوضح التقرير ذلك.
كما ورد
في التقرير مغالطات مثل أن عدد اعتقالات جيش الاحتلال انخفضت من مئات إلى عشرات
بفضل زيادة التنسيق مع السلطة، فأي متابع لا يلمس هذا الانخفاض المزعوم
بالاعتقالات، فجيش الاحتلال اعتقل الشهر الماضي (نيسان) حوالي 500 فلسطيني مقارنة
بـ 600 حالة اعتقال في الشهر الذي سبقه، وحوالي 1000 حالة اعتقال شهريًا في ذروة
انتفاضة القدس.
فما زلنا
نتحدث عن مئات المعتقلين والانخفاض سببه هو انخفاض عمليات المقاومة وانخفاض
المواجهات، أما اعتقالات السلطة لم تزد عن الوتيرة المعتادة وهي بضعة عشرات كل
شهر، وكان أغلبها موجهًا ضد نشطاء حماس في الجامعات خلال الشهر الماضي، بالإضافة
لعدة مقاومة.
وأخيرًا
نلمس من تقرير القناة العاشرة ومن قبله تقرير هآرتس وجود توجه عند السلطة من أجل
التفاوض على المنطقة أ (18% من مساحة الضفة) ووجود إقرار وسكوت عملي على توجه
الاحتلال نحو ضم المنطقة ج إلى الكيان الصهيوني (61% من مساحة الضفة).
يعني سيصبح
سقفنا هو المنطقة أ وربما أجزاء من المنطقة ب، وكما تنازلت فتح والسلطة وعباس عن
80% من فلسطين، الآن بدأوا عملية التنازل عن ثلثي الضفة مما يبقي 5% من فلسطين
يتفاوضون من أجلها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق