السبت، 28 مايو 2016

لهذه الأسباب اتمنى أن لا تنفذ حماس أحكام الإعدام




بداية لنتفق على أن المدانين بجرائم قتل في غزة والذين أنهوا إجراءات التقاضي المختلفة وحصلوا على كافة الفرص، وعددهم ثلاثة عشر، يستحقون الإعدام وأن إعدامهم سيساهم بردع المجرمين وتخفيض نسبة الجريمة في قطاع غزة.

إلا أن الملابسات التي دفعت قضية تنفيذ حكم الإعدام فيهم إلى الواجهة تجعلنا نقول أنه يجدر بحركة حماس أن تتريث وأن لا تنفذ أحكام الإعدام للأسباب هذه:

أولًا: لا يوجد طارئ يستوجب خطوات قد تثير الجدل؛ فمعدلات الجريمة في قطاع غزة قليلة مقارنة بغيرها من مناطق العالم، ولا يوجد زيادات كبيرة في عددها مقارنة مع الأعوام السابقة، وهذا يمكن إثباته بالأرقام كما سأوضح بعد قليل.

المستجد والطارئ هو وجود رأي عام يضغط باتجاه تنفيذ أحكام الإعدام بعد بضعة جرائم قتل حصلت مؤخرًا، وهذا الرأي العام والاهتمام الإعلامي موجود فقط في غزة رغم أن مستوى الجرائم نفسها في الضفة الغربية.

فقد حصلت قبل أيام حادثة قتل رجل لوالده في باقة الحطب على خلفية نزاع على قطعة أرض، وجريمة قتل رجل لأخيه في بيت لحم أيضًا على خلفية قطعة أرض، وهنالك عدة جرائم ارتكبتها عصابة في طوباس في الأعوام الأخيرة والسلطة تماطل بمحاكمة القتلة، ويوم أمس قتل شاب من السيلة الحارثية على خلفية ثأر وتطور الحادث إلى حرق منازل واشتباكات بين العائلات.

الفارق بين الضفة وغزة أن جرائم القتل في الضفة تظهر في صفحة الأخبار المحلية، بينما في غزة فتحتل العناوين واصبحت شأنًا سياسيًا يتكلم به الجميع وتسلط عليه الأضواء.
 
في الضفة الغربية وقطاع غزة قتل العام الماضي (2015م) حوالي 190 شخص في حوادث السير، و180 استشهدوا على يد الاحتلال، و71 في حوادث قتل جنائية (غالبها على خلفية سرقة أو عنف أسري)، و55 قتلوا في حوادث عرضية أو حالات انتحار.

قتل في غزة 27 في جرائم قتل، و70 في حوادث السير، مقابل 44 قتلوا في الضفة في جرائم و120 في حوادث سير، وقياسًا إلى التعداد السكاني في كل من الضفة وغزة فالنسب متقاربة لكن إعلاميًا يقال لنا أن وضع الجريمة في الضفة عادي وأن وضع الجريمة في غزة يتصاعد بشكل مخيف.

حاولت البحث عن أرقام الجريمة في غزة للأعوام 2014م وما قبل فلم أستطع، إلا أنه يمكن الإشارة إلى أن حماس استطاعت خفض عدد جرائم القتل من 68 في النصف الأول لعام 2006م إلى 27 في عام 2015م بأكمله.

بينما بلغ عدد قتلى الجرائم في الضفة لعام 2014م 41 قتيل، مقابل 38 قتيل عام 2013م، و31 قتيل لعام 2012، وكما نلحظ هنالك تصاعد لكن كما أسلفت القول لا يوجد اهتمام إعلامي، وفي كل الأحوال مستوى الجرائم في الضفة وغزة هو من المستويات المنخفضة عالميًا.

فحسب أرقام البنك الدولي حالات القتل بالنسبة لعدد السكان: في الضفة وغزة لعام 2013م كانت حوالي جريمة قتل واحدة لكل 100 ألف نسمة، في إسرائيل 2 لكل 100 ألف نسمة، في أمريكا 4 لكل 100 ألف، في البرازيل 27 لكل 100 ألف.

ثانيًا: الحملة الإعلامية المسيسة تهدف لتعرية حماس شعبيًا وإعلاميًا وإيقاعها بين خيارات صعبة؛ فإن هي نفذت أحكام الإعدام تتهم بأنها تعدم الناس خارج إطار القانون وستتعرض لهجوم إعلامي دولي وربما تضييقات إضافية عليها، وإن تراجعت عن ذلك ستهاجم بأنها تتهاون بتطبيق القانون.

ولقد وقع أنصار الحركة في الفخ عندما تأثروا بحملات التحريض الفتحاوية التي اتهمت حماس بأنها غير قادرة على ضمان أمن المواطن، وبدأوا بحملة للمطالبة بتطبيق أحكام الإعدام وهو الفخ الذي تريده فتح.

فأنطلقت أبواق فتح و"نوشتاء" حقوق الإنسان ضد حماس وأنها تريد دعشنة قطاع غزة، وهذا تحريض للمجتمع الدولي على حركة حماس.

ومما زاد الأمور بلاء هو الوهم الذي يعيشه بعض مؤيدو وأنصار حماس بأن تطبيق أحكام الإعدام يعني تطبيق الشريعة، غير مدركين أن وضع حماس في غزة على كف عفريت، وأنه بلحظة ستخسر حماس كل وجودها في حكم غزة، وستاتي مكانها سلطة فتح بكل خطاياها وشرورها.

آخر مرة طبقت السلطة أحكام الإعدام كان عام 2005م وبعدها مورست ضغوط أوروبية على السلطة وأوقفت أحكام الإعدام نهائيًا، أما آخر مرة طبقت حماس فيها عقوبة الإعدام هو عام 2013م وثارت وقتها عاصفة اعتراضات ضد الحركة، واليوم وضع حماس في غزة أسوأ من ذلك الوقت والأجدر أن تحذر الحركة من اتخاذ قرارات قد تؤدي إلى المزيد من الحصار والخنق لغزة.

ثالثًا: هنالك خلل في الإجراءات تدفع للتشكيك بصحة الإجراء؛ فمثلًا ما دخل إسماعيل هنية لكي يعد عائلات ضحايا جرائم القتل بتنفيذ الإعدامات؟ ألم يقدم استقالته من رئاسة الوزراء؟

ومن جهة أخرى لماذا قررت حماس تطبيق أحكام الإعدام فقط بعد حملة إعلامية ومظاهرات؟ فالأصل أن القانون يطبق بغض النظر عن رأي الشارع، فهل حياة الناس لعبة لكي يعدموا من أجل إسكات المتظاهرين؟

وماذا عن قرار المجلس التشريعي الذي طالب بتطبيق أحكام الإعدام؟ ألا ينص القانون على وجوب موافقة رئيس السلطة؟ على الأقل غيروا القانون فإن كانت هذه قضايا شكلية لكنها ضرورية حتى لا تصبح الأمور محكومة بالأمزجة.

صحيح أنهم قتلة وقد قرأت عن بعض جرائمهم التي يندى لها الجبين لكن عندما تتخذ قرارًا بإعدامهم لا يجب أن تترك مجالًا للمشككين والمتصيدين، وبدلًا من ردع المجرمين يصبح هنالك تعاطف معهم.

الخلاصة:

لا توجد مشكلة أمنية في قطاع غزة رغم بشاعة جرائم القتل لكن هنالك تحريض إعلامي وتسييس لجرائم يفترض أن تعالج في إطارها الصحيح، ويتم جر حماس إلى مربع الأزمات تارة باتهامها بفقدان السيطرة على قطاع غزة وتارة باتهامها بقتل الناس خارج إطار القانون.

وهذه الأزمات يراد منها إضعاف سيطرة حماس على غزة تمهيدًا لطردها من الحكم وإحلال السلطة مكانها، فيجب أن تكون أذكى من الوقوع في الفخ، ويجب على أنصار الحركة أن يرحموها وأن لا يكونوا عنصر ضغط ومزايدة في ملف الإعدامات، فمصير شعب يقدم على تحقيق العدالة في قضية قتل.

وأخيرًا في حال قررت الحركة المضي قدمًا بالإعدامات فارجو أن لا ترتكب الأخطاء القاتلة والمتمثلة بالإعدام علنًا أو تصوير عمليات الإعدام ونشرها، أو تنفيذ أحكام إعدامات بالجملة، فهذه ستطبع الحركة بتهمة الدعشنة ويمهد لمزيد من الحصار والخنق بكل تأكيد.

ليست هناك تعليقات: