الجمعة، 6 مايو 2016

أردوغان وأحمد داود أوغلو: المشكلة القديمة الحديثة




بعيدًا عن تفاصيل الخلاف بين أردوغان وداود أوغلو والذي انتهى باستقالة الأخير، وما قد يؤدي إلى تطورات على الساحة التركية وتأثير ذلك على حزب العدالة والتنمية، فما حصل هو أمر طبيعي الحصول في أي حزب أو نظام سياسي، وليس حدثًا استثنائيًا نتفاجئ منه أو ننكر حصوله.

الخلاف والاستقالة وما حصل ليس بالأمر الجيد لكنه طبيعي فهذه طبيعة البشر، ومن عاش العمل السياسي عن قرب يعرف أن الخلافات بكافة أشكالها وألوانها وأسبابها هي الأصل في العمل السياسي والوفاق هو الاستثناء.
وقد حصل مع الصحابة في الزمن السابق وغيرهم ويحصل اليوم وسيحصل غدًا، فالاختلاف سنة ربانية وضعها في البشر "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم".

طبعًا هذا لا يعني أن لا نسعى للإصلاح أو أن نفرح بما حصل لكن ضروري أن ندرك ذلك حتى لا نصدم، وحتى لا ندخل في أدغال تفسيرات بعيدة عن الواقع؛ مثل من يهون من أمر الخلاف وكأنه لا يوجد شيء، أو أن "أولاد الحرام" أوقعوا بين الطرفين، أو شيطنة أحد الطرفين وهذا المزلق الأخير وقع به الكثيرون عندما جعلوا من الخلاف على السلطة قضية مبدأ وعقيدة.

وقع الشيعة وأنصار الإمام علي في هذا المزلق عندما جعلوا إمامته وإمامة أبنائه قضية عقيدة وكفروا من لم يؤمن بإمامتهم، ووقع فيه أيضًا أنصار داعش عندما كفروا كل شخص لم يبايع خليفتهم البغدادي، ولو أن هؤلاء تعاملوا مع ما حصل على أنه مجرد خلاف سياسي طبيعي بين بشر يصيبون ويخطئون ما حصل كل ذلك الشطط والإنحراف.
 
وفي الحالة التركية يمكن الكلام عن أحد أبعاد الخلاف وهو شخصية أردوغان الراغبة بالسيطرة على الدولة والحزب، ولا أحد ينكر عبقرية أردوغان وقدرته على القفز بتركيا عدة مراحل اقتصاديًا وسياسيًا، وأي إنسان يمضي وقتًا طويلًا في منصب (أي منصب مهما كان متواضعًا) يتماهى مع هذا المنصب ويشعر بالتوحد معه.

وإذا كان هذا الشعور يحس به رئيس فاشل وتافه مثل الكثير من الرؤساء العرب المعاصرين، فما بالكم عندما يكون رجل قد حقق نجاحات كبيرة مثل أردوغان (أو مهاتير محمد في ماليزيا)، فالطبيعي أن تكون لديه غريزة حب فرض الرأي على الآخرين وأن تكون له اليد الطولى بكافة القرارات.

ولهذ السبب وضعت القوانين لتقيد الحاكم وتمنع غريزته الطبيعية من الاستفراد بكل شيء، لكن الغريزة تبقى أقوى في أغلب الأحيان، ويرى الإنسان نفسه منجرًا إلى حب السيطرة والهيمنة، وأي إنسان طبيعي لو وضع في مكان أردوغان لوجد نفسه قد انجر إلى نفس المربع (لكن بدرجات متفاوتة).

والتصرف الطبيعي المطلوب من أحباء أردوغان وأنصاره بناء على قوله صلى الله عليه وسلم "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا" أن يكونوا سدًا أمام صناعة التقديس وأن يضعوا له كوابح حتى ينتبه لخطئه ويصححه، ولهذا السبب أعارض مشروع أردوغان بتحويل نظام الحكم في تركيا إلى نظام رئاسي لأنه من الخطأ وضع كل شيء بيد رجل واحد، حتى لو كان مدرسة في عالم السياسة مثل أردوغان.

صحيح أنه من الصعب إيجاد بدائل عن أردوغان بكاريزمته وحضوره الشخصي لكن استمرار هيمنته على كل شيء سيزيد الأمر صعوبة، فليصعد إلى سدة صناعة القرار أشخاص أقل كفاءة منه لكن لديهم القدرة على تطوير أنفسهم، وتدريجيًا سيتعلمون وسيتفوقون.

وأخيرًا لا مقارنة بين أردوغان وما يحصل في تركيا والأنظمة العربية للأسباب التالية:

أولًا: المشكلة ليست في تمسك بشار الأسد أو السيسي بمنصب الرئاسة بل أكبر وأعمق من ذلك بكثير، المشكلة والمأساة هي في منظومة فساد كاملة تمسك بالبلد وتخربه وتحرق مقدراته وتديم القهر والفقر والتخلف.

الفساد يبدأ من الشرطي في الشارع الذي لا يتورع عن ابتزاز الناس لدفع الرشاوى وصاعدًا.
 
وكانت منظومة الفساد موجودة في تركيا وقد نجح أردوغان في تفكيكها بشكل كبير خلال السنوات الماضية وهذا أعظم إنجازاته.

ثانيًا: طريقة إدارة الخلاف بين الاحتكام للمعارك الانتخابية وبين حوار البنادق مهمة جدًا، فالخلاف والاختلاف أمر لا مناص منه لكن كيف ندير خلافاتنا؟ بطريقة حضارية أم همجية؟

وعليه فما حصل في تركيا خلاف طبيعي ولكي نتعلم الدرس منه يجب أن نفهمه في إطاره الطبيعي كصراع بشري سياسي يحصل دائمًا وأبدًا، وأن نبتعد عن لغة التقديس، كما أن حب السيطرة والهيمنة طبيعة إنسانية يجب تهذيبها ووضع كوابح لها حتى لا يتحول القادة العظام إلى مستبدين.

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

المشكلة أن هذه النزعة الاستبدادية كانت سبب إخفاق الحزب في الانتخابات قبل إعادتها، وفي الإعادة كذلك قرر الحزب تغيير أحد قوانينه الأساسية لكي يسمح بمشاركة النواب الذين أكملوا دورتين سابقتين. قد تتفاقم هذه النزعة بالاعتماد على الإنجازات السابقة من أجل النجاح في الانتخابات وليس على البرنامج الانتخابي، ويبدأ الحديث عن أن الوعود الانتخابية هي مجرد كلام ومزاودة على الخصوم وأنها غير ملزمة، وتتحول المنافسة من برامج سياسية إلى أمور شخصية، ثم تتآكل المعارضة، ويتناقص عدد المهتمين بالانتخابات، ثم يصبح الدستور ألعوبة بعواجيز الحزب الحاكم، والمعارضة خيانة، وحينها إذا مثل الحاكم أنه سيستقيل خرجت الجموع صارخة: أحا أحا، لا تتنحى، وليس لنا ثقة إلا بك وبعائلتك. وإذا حاول بعض الشعب تغيير النظام ردت عليه أبواقه: أين البديل؟

ياسين عز الدين يقول...

حياك الله أخي الكريم وشكرًا على مرورك.