الجمعة، 22 أبريل 2016

نظرات في عملية الشهيد عبد الحميد أبو سرور




جاءت عملية تفجير حافلة المستوطنين في القدس قبل خمسة أيام مفاجئة بعد توقف العمليات التفجيرية المماثلة لسنوات طويلة، وبعد اتجاه انتفاضة القدس نحو الهدوء التدريجي، ولعل السؤال الأهم هو ما تأثير العملية على مستقبل الانتفاضة والمقاومة في الضفة الغربية؟

الضفة الغربية بين سنوات الانقسام وانتفاضة القدس:

أكثر فكرة ذكية طبقها شارون كانت مشروع "فتحستان" في الضفة و"حماستان" في غزة والتي تابع قادة الاحتلال تنفيذها من بعده ووصلت ذروتها بأحداث الانقسام عام 2007م، فقد نجحت الخطة إلى حد كبير بربط حركة فتح في الضفة الغربية مع المشروع الصهيوني بحجة الحماية من حماس، ونجحت أيضًا بتحييد حماس عن ساحة الضفة الغربية.

وجرى في موازاة ذلك حملة أمنية شرسة ضد البنية التحتية للمقاومة في الضفة شملت كل شيء من المؤسسات الخيرية إلى وضع منظومة رقابة محكمة على المواد التي يمكن استخدامها في التصنيع.

وكان نتيجة هذه السياسة وفاة انتفاضة الأقصى في الضفة الغربية وتدشين مشروع دايتون و"الفلسطيني الجديد"، إلا أنه منذ حرب غزة الأولى شهدنا محاولات لإعادة روح المقاومة إلى الضفة الغربية.

يمكن رصد عودة تدريجية للمقاومة في القدس منذ عام 2010م بعد تدنيس المستوطنين للمسجد الأقصى أما باقي مناطق الضفة الغربية فقد كان هنالك عمليات متباعدة لحركة حماس (مثل عمليات الشهيد نشأت الكرمي وغيره) لكنها لم ترق إلى إعادة الاعتبار لمشروع المقاومة.
 
ورصدتُ منذ عام 2013م حملة "من حقي أن أصلي في الأقصى"، والتي أعلن عن انطلاقها عدد من قادة الحركة (الشيخ جمال الطويل وحسين أبو كويك وفرج رمانة) ضمن جهود حماس لتحريك الشارع، كما كانت عودة الكتلة الإسلامية للمشاركة في انتخابات الجامعات رغم الظروف الأمنية مؤشرًا آخر على نية حماس العودة بقوة إلى ساحة الضفة الغربية.

وفي بداية هذه الانتفاضة كانت عملية مستوطنة إيتمار للقسام شرارة الانتفاضة، كما لعبت الكتلة الإسلامية في جامعات الضفة دورًا محوريًا في الحراك الجماهيري، بالإضافة للعمليات الفردية لأبناء حماس.

لذا تأتي عملية الحافلة في القدس والتي نفذها الشهيد عبد الحميد أبو سرور لتكون حلقة أخرى في مخطط حماس لتحريك المقاومة في الضفة رغم أنها تعمل في ظروف مستحيلة ولو كان غيرها لاكتفى بلعن المتقاعسين وجلس في بيته.

خصوصية عمليات التفجير:

ليس واضحًا بالنسبة لي إن كانت العملية مخطط لأن تكون استشهادية أم أن خللًا وقع أثناء زراعة الشهيد للعبوة الناسفة، لكن لا بد من الإشارة هنا إلى عدة أمور:

1)    هنالك تضييق أمني على تصنيع المتفجرات، فالكثير من المواد يمنع دخولها إلى الضفة الغربية، وهنالك رقابة على العاملين في صناعات مواد التنظيف والأدوية وغيرها من المجالات التي يمكن أن توفر موادًا كيماوية، حيث تقوم السلطة بالحصول بشكل دوري على قوائم بأسماء العاملين بهذه المجالات.
2)    كما أن عملية التصنيع معقدة وخطيرة وتحتاج لخبرات غير متوفرة بشكل كبير.
3)    لهذا شهدنا ندرة في العمليات التي تستخدم العبوات الناسفة فخلال العامين الأخيرين يمكن رصد عدد محدود منها: تفجير عبوة في دورية عسكرية عند برقة (نابلس) عام 2014م، وعملية تفجير عبوة للأسيرة إسراء الجعابيص في بداية انتفاضة القدس.
4)    هنالك تصنيع لعبوات بدائية صغيرة وضعيفة التأثير يطلق عليها (أكواع) وتصنع غالبًا من بودرة الألعاب النارية، أما العبوات الأكبر فأمرها أكثر صعوبة وتعقيدًا.
5)    الاحتلال يشن في الفترة الأخيرة حملة على الورش والمخارط وخاصة في ضواحي القدس من أجل ملاحقة ورش تصنيع العبوات والبنادق محلية الصنع، وقد رصدتُ إعلانه عن ضبط ثلاث ورشات للعبوات وورشتين للبنادق منذ بداية العام.

في ظل المعطيات السابقة يجب فهم عملية القدس فمنفذوها (الشهيد وزملاؤه في الخلية) عملوا في ظروف مستحيلة، ولهذا أرى أنه من الصعوبة اتجاه الانتفاضة نحو مرحلة العبوات الناسفة والعمليات الاستشهادية.

قد نرى عبوات على فترات متباعدة لكن لا أراها مستقبل هذه الانتفاضة، وليست مطلوبة في رأيي لأن العمليات الاستشهادية هي استنزاف للعمل المقاوم، فغير الشهيد الذي خسرناه (وهو من خيرة شباب بيت لحم) فانكشاف خلايا العمليات الاستشهادية سريع، فمجرد معرفة الشهيد يمكن تتبع أصدقائه وزملائه ومنهم يمكن معرفة طرف الخيط.

فقد تمكن الاحتلال من اعتقال الذين يزعم أنهم أعضاء في الخلية بعد يوم من العملية وقبل الإعلان عن اسم الشهيد، كما تمكن من التعرف على صور الشهيد من كاميرات المراقبة وبالتالي ساعدتهم بمعرفة هويته.

ما هو تأثير العملية:

رغم أني أرى مستقبل الانتفاضة في عمليات المقاومة الشعبية وعمليات إطلاق النار، إلا أن عملية القدس كان لها أثر عميق على المستوى النفسي تحديدًا، وخصوصًا تزامنها مع ذكرى استشهاد الرنتيسي صاحب مقولة "إذا رأيت سقف الباص طار فاعرف أنها لحماس"، فجاءت العملية لتحرق حافلتين بشكل تام وكامل.

فوجهت العملية ضربة لمعنويات المستوطنين وخاصةً صور الحافلات المحترقة، كما رفعت معنويات أنصار المقاومة وجمهورها، وستلعب دورًا دافعًا لشباب الضفة الغربية للتجند والعمل من أجل تنفيذ عمليات مماثلة، وليس واضحًا الآن مدى قوة الدفع الذي أعطته العملية للشباب المتحمس للمقاومة، خاصةوأنهم يعانون من قبضة أمنية مزدوجة.

لكن حقيقة أن الشهيد كان معتقلًا لدى مخابرات السلطة قبل فترة واستطاع الإفلات من قبضة المنظومة الأمنية تعطي أملًا بأن المنظومة الأمنية ليست قدرًا لا مفر منه.

والأهم من كل ذلك أن العملية ضربة قوية لمنظومة فتحستان وتحييد حماس عن ساحة الضفة، والتي يراد منها استفراد الاحتلال بالضفة بتسهيل فتحاوي؛ فحماس جزء أصيل من مقاومة الضفة ومجال عمل حماس هو كل فلسطين وليس فقط غزة.

الشهيد عبد الحميد
أبو سرور
وللأسف هذه البديهيات أصبحت بحاجة لشرح وتوضيح نتيجة سنوات الانقسام، حيث نسمع آراء شاذة تعتبر عمليات حماس في الضفة تنفيذًا "لحاجات حماس في غزة" أو كما يقول إعلام السلطة "فلتنفذ حماس عملياتها في غزة، لماذا تنفذها عندنا في الضفة؟"

كما تعمل ماكنة السلطة الإعلامية على التشكيك بانتماء المنفذين إلى حركة حماس لتأكد على فكرة أنه لا توجد حماس في الضفة وأن حماس موجودة فقط في غزة.


ليست هناك تعليقات: