الخميس، 14 أبريل 2016

مزاد الطهارة من فندق الروتس إلى جامعة بيرزيت




أثارت الصورة المرفقة غضب بعض المحسوبين على التيار الإسلامي، وهي صورة لتكريم مجلس الطلبة في جامعة بيرزيت لفريق من طالبات كلية القانون قررن الانسحاب من المشاركة في مسابقة دولية لأن هنالك فريق صهيوني يشارك بها.

وسبب الغضب هو أن الصورة تجمع عضو المجلس من الكتلة الإسلامية (الجناح الطلابي لحماس) مع طالبات غير محجبات! وهذه في فهمهم جريمة لا تغتفر.

بل ذهب أحد المنتقدين (وهو من دولة عربية يتعرض فيها الإخوان لقمع وقتل شديدين دون أي شكل من أشكال المقاومة) لأن يصف خطوة التكريم هذه بـ "الخيبة"، وأنهم (أي الإخوان المسلمين) جربوا مثلها في بلده فلم تنفعهم؛ ويبدو أنه يقصد التقارب مع غير الإسلاميين، وختم كلامه بنصيحة الكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت بالاهتمام في الجهاد ومحاربة الاحتلال.

وفي كلامه وكلام أمثاله كومة من المغالطات:

أولًا: إن كانت حركة حماس في مقدمة النماذج الإسلامية والإخوانية، فالكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت في مقدمة التجارب التي قدمتها حركة حماس في فلسطين، ويجب التعلم منها والاستفادة منها.

ثانيًا: وعلى رأس ما تميزت به الكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت هو دورها الجهادي ابتداءً من الشهيد يحيى عياش، ومرورًا بالشهيدين صالح التلاحمة وأيمن حلاوة، ومحمود شريتح وبلال البرغوثي وأحلام التميمي وإبراهيم حامد، وغيرهم من رموز القسام في التسعينات وفترة انتفاضة الأقصى.

وحتى في زمن خفوت المقاومة بالضفة بعد الانقسام رأينا أبناء الكتلة يتقدمون صفوف الجهاد مثل الشهيد عبد اللطيف الحروب، والأسيرين أحمد الصيفي وسلامة القطاوي، وفي انتفاضة القدس كانت الكتلة الإسلامية ومجلس الطلبة الذي تقوده في مقدمة من ينظمون المظاهرات والمواجهات في بيت إيل.
 
مما جعلهم هدفًا لاعتقالات الاحتلال والتي طالت رئيس المجلس سيف الدين دغلس وعضوة المجلس أسماء قدح، كما أخرجت الكتلة الإسلامية اثنين من رموز انتفاضة القدس وهما: الأسير محمد القيق، والأسير المحرر أحمد حامد الذي اعتقلته قوات خاصة صهيونية في مواجهات بيت إيل في حادثة وثقتها كاميرات الصحافة يومها.

ثالثًا: تمثل الكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت نموذجًا وقدوة لغيرها من الإسلاميين في التعامل مع الذين لا ينتمون للتيار الإسلامي، بعيدًا عن المحاولات المبتذلة لدى بعض الإسلاميين سواء من قدموا تنازلات جوهرية في المبادئ والدين ليوهموا الآخرين أنهم "منفتحون" أو من خلال شعارات جوفاء عن "التسامح" لا تجد لها طريقًا إلى التطبيق.

استطاعت الكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت أن تحتوي الجميع بما فيه حركة فتح (الخصم اللدود)، دون تكلف أو تصنع أو تقديم تنازلات جوهرية في المبادئ، وتكريم الفتيات الثلاث يأتي ضمن سياق هذه التجربة الناجحة، وبدلًا من انتقادها بهذا الشكل السخيف الأفضل التعلم منها.

رابعًا: من يظن أن الدولة الإسلامية أو المشروع الإسلامي يمكن أن يقوم فقط على أكتاف أبناء التيار الإسلامي، أو أنه يمثل المحجبين والمحجبات دون غيرهم من المسلمين والمسلمات وغير المسلمين فهو واهم.

ودولة الإسلام منذ عهد الرسول عليه الصلاة والسلام احتوت الجميع حتى المنافقين كان لهم مكان، وطالما وجد إسلاميون تفكيرهم بهذه المحدودية فلن يتقدم مشروعهم خطوة، وسيستمرون في "حراثة الجمال" (كما يقول المثل الشعبي ومعناه أن الجمل يدوس على ما حرثه سابقًا فكأنه لم يحرث شيئًا).

وما غضب هؤلاء ومن قبلهم أولاء الذين قلبوا الدنيا بسبب عرض لأزياء تراثية في فندق الروتس بغزة، إلا لأنهم مثل أكثر أفراد المجتمعات العربية يحملون تدينًا جنسيًا لا يرى الحلال والحرام إلا في المواقف التي تخص علاقة الرجل بالمرأة، أما ما تبقى من قضايا الحياة فهم علمانيون حتى لو أنكروا ذلك.

سواء تكلمنا عن عرض الأزياء في الروتس أو الفتيات غير المحجبات فهذه مما عمت فيها البلوى، وأنصح من انتفخوا غضبًا عليها أن يعودوا لما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب السياسة الشرعية عن ما عمت فيه البلوى لتعلموا أن تغييره يحتاج لحكمة وعقل، وليس إلى حركات استعراضية ونفخ عضلات وغضب مصطنع.

يرون غير المحجبات في الأسواق وعلى التلفاز ولا نشعر بغضبهم ولا هم يبالون، لكن فجأة تصبح القضية محور الكون وسبب سقوط القدس وهزائمنا المستمرة، وبعد أن يشاركوا بحفل اللطميات على المواقع الاجتماعية يعودون إلى حياتهم الرتيبة وكأنه لا هموم في حياتنا.

وربما غضبوا لأن حفل الروتس شوه الصورة التي يحاولون تسويقها عن قطاع غزة بأنه مجتمع الصحابة الذي لا يوجد فيه عصاة أو مخطئون، وهذه مشكلتهم فغزة مثل كل بقاع الأرض فيها المحسن والمسيء، والمجاهد والقاعد، والملتزم وغير الملتزم، وفيها أيضًا تجربة جهادية إسلامية مميزة لكن المجتمعات الملائكية لا وجود لها على كوكب الأرض.

وكذلك فجامعة بيرزيت فيها من كل الأطياف والألوان وفيها شريحة لا بأس بها من المتأثرين بالفكر التغريبي والعلماني، وفيها أيضأ الكتلة الإسلامية وتجربتها المتميزة، والغريب أن لم نر "حراس الفضيلة" يدعمون الكتلة الإسلامية في انتفاضة القدس عندما كانت تحشد للتظاهر في بيت إيل.

وكأن الأمر لا يعنيهم، وكأن القدس ليست لهم، وكأن الأقصى ليس لهم (مجرد كومة من الحجارة والحجارة ليست أغلى من البشر كما يقولون)، فقط الفتاة المسلمة التي تكشف عن شعرها هو ما يثير غضبهم ونخوتهم، أما اليهودية التي تدخل الأقصى بملابس فاضحة وتشرب الخمور في الأقصى فليس من اختصاصهم وللبيت رب يحميه.

ما زال البعض سنة أولى دعوة لا يفقه الإسلام كما يجب ولا يدري شيئًا عن فقه الدعوة، ولا يعرف أن أهم أشكال الدعوة هي القدوة الحسنة التي تدفع الآخرين لتقليدك والاقتداء بك، وليس تصنع الغضب ولعن من تظنهم من العصاة.

وأخيرًا أطلب من الكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت وحماس في غزة وغيرهم من الإسلاميين أن لا يسايروا أصحاب المزايدات الطهورية، وأن لا يبرروا النهج الصائب الذي يقومون به، فاحتواء غير الإسلاميين ومعاملتهم بطريقة حسنة هو الأصل وليس خطأ يستوجب التبرير.

ليست هناك تعليقات: