رغم أن الحزب الذي يمثله أحمد مجدلاني (جبهة
النضال الشعبي) لم يأخذ أكثر من 1800 صوت في انتخابات المجلس التشريعي (أعضاء
ومؤيدين ومناصرين ومصوتين له بالخطأ) وذلك من بين أكثر من 980 ألف شخص صوتوا
بالانتخابات، إلا أنه نجح في أن يحتل مساحة
جيدة في الإعلام الفلسطيني المحلي.
ابتداءً من شتيمته النابية على الإذاعة مرورًا
بإرساله موفدًا عن السلطة والمنظمة من أجل مخيم اليرموك، ليعود وقد تبنى وجهة نظر
النظام الأسدي ومستغلًا الحدث لإلقاء مسؤولية حصار المخيم على حركة حماس
و"العصابات" المتحصنة داخله، واستهزائه من حق العودة للاجئين وإعطائه
محاضرة بالأدب لطالبة أحرجته وحشرته بالزاوية بأسئلتها عن حق العودة ومخيم
اليرموك.
وأخيرًا كان الكلام عن عشرين ألف وظيفة
للفلسطينيين في قطر، بعد جلسة مع مسؤولين قطريين، وعرضه كإنجاز كبير لحكومة رام
الله، رغم ما يتضمنه ذلك من تفريغ للضفة الغربية من عشرين ألف فلسطيني وعائلاتهم،
ورغم ما فيه من تشجيع لثقافة الهجرة من فلسطين.
ورغم تقديري لضيق الوضع الاقتصادي في الضفة
وقطاع غزة وانعدام فرص العمل الحقيقية لآلاف الشباب الفلسطيني وخاص أصحاب الشهادات
الجامعية، وهذه نتيجة سياسة صهيونية مقصودة للتضييق على الشعب الفلسطيني ودفعه
للهجرة.
إلا أن استعراض هذه الاتفاقية وكأنها إنجاز وفتح
كبير، لما فيه من إيحاءات للشباب الفلسطيني بأن الهجرة هي إنجاز ومكسب، وأن
الوظيفة والعمل هي أكبر همومنا، وذلك لأن معركتنا ليست معركة لقمة العيش، بل هي
معركة تحرر وطني وهي التي يجب أن تكون تحت الأضواء وليس أي شيء آخر.
وربما كان من الأولى البحث عن عمل لآلاف
الفلسطينيين اللاجئين في لبنان أو فلسطينيي سوريا الذين يتنقلون كالأيتام على
موائد اللئام من بلد إلى بلد، والكل يعاملهم كأنهم وباء أو مرض يجب عزله في مخيمات
مغلقة فلماذا استثني هؤلاء، واهتممتم فقط بتشغيل أبناء الضفة وغزة؟ (وحتى أبناء
غزة تم استثناؤهم بطريقة أو بأخرى من قاعدة بيانات الوزارة فلم يستطع أغلبهم
التسجيل).
ويا ليت الأمور توقفت عند الضرر الإعلامي وتعزيز
ثقافة الهجرة من فلسطين، بل تبين أن كل القصة مجرد كذبة قيلت لا وجود لها على أرض
الواقع، بكلام آخر تم تعزيز ثقافة الهجرة وتصويرها على أنها الحلم الفلسطيني وبنفس
الوقت لم يحصل الشباب الطامح بوظيفة على شيء.
لا أريد الاستشهاد إلا بكلام الوزير مجدلاني
نفسه (وشهد شاهد على نفسه) وذلك في المؤتمر الصحفي الذي عقده في 23/1/2014م، عندما
أكد على أنه لا اتفاق نهائي ولا آلية معتمدة للاختيار بقوله نحن "ننتظر دعوة منهم
(أي قطر) لتوقيع اتفاق فني لتنظيم العملية".
وعند كلامه عن الأجور والوظائف وطبيعتها فكل
كلامه يأتي في إطار التوقعات، وكأن الذي يتكلم محلل اقتصادي وليس وزير يفترض أنه
عقد اتفاقية! فالوظائف ستكون حسب الشواغر في قطر، حسنًا وما هي الشواغر؟ يفترض
أنكم بحثتم هذا الأمر قبل توقيع الاتفاقية، وحسب ما قال في لقاء على إذاعة موطني
قبل يومين قال أن القطريين "
لم يطلبوا تخصصات محددة"، فعلى ماذا اتفقتم إذن؟
والرواتب لا يعرف عنها لكن توقع أن لا تكون أدنى
من الرواتب في فلسطين (380 دولار شهريًا)، وذلك ردًا على سؤال أحد الصحفيين بأن رواتب
الآسيويين في قطر هي 300 دولار شهري، وبما أن قطر لا تميز في الرواتب بحسب الجنسية
(مثل باقي دول الخليج) حسب مجدلاني، فكيف سيحل المعضلة؟
كيف سيأخذ العامل الفلسطيني راتب أفضل من راتبه
في الضفة أو غزة، والذي معدله 380 دولار، وبنفس الوقت سيحصل على نفس راتب العامل
الآسيوي في قطر والبالغ 300 دولار، يا ريت حدا يعطيه درس بسيط في الجمع والطرح.
وبعد الضجة التي ثارت حول قيمة الراتب أوضح (على
إذاعة موطني) بأنه لم يقل أن الراتب 300 دولار، وقال "إن موضوع الأجور لم
يبحث مع الجانب القطري"، فلا التخصصات بحثت ولا الآلية وضعت ولا الرواتب
عرفت، فما الذي اتفقتم عليه؟
وغني عن الذكر أن الأرقام التي ذكرها للرواتب في
قطر سواء 400 دولار أو 300 دولار لا تغري الشباب الفلسطيني بالذهاب إلى هناك (وهذا
جيد بالنسبة لي).
تكاليف الحياة في بنغلادش ومصر والهند رخيصة
نسبيًا وهذه الرواتب الضئيلة تكون مغرية لأهل هذه البلدان، لكن تكاليف الحياة في
الضفة وغزة عالية (ليست مثل قطر لكنها تبقى عالية)، ومثل هذه المغامرة لا تستحق
عنائها حتى بالنسبة للعاطلين عن العمل.
بالنسبة لشخص مثلي يرى أن الأولوية هي للكفاح
الوطني وتعزيز الوجود الفلسطيني في الضفة والقطاع، فإن عدم خروج هذا المشروع إلى
حيز التنفيذ هو شيء جميل وإيجابي، لكن أسأل لماذا تغررون بالناس وتكذبون عليهم؟
ولماذا تسطحون القضية الفلسطينية وكأنها أصبحت لقمة عيش؟
ولماذا فضحتم حماس عندما استقبلت الأمير حمد في
غزة، وعقدت اتفاقية لإقامة مدن داخل قطاع غزة واتهمتوها ببيع القضية الفلسطينية
إلى قطر؟ على الأقل المشاريع لم تكن وهمية وهي في مراحل تنفيذها الأولى، وشغلت
اليد العاملة الفلسطينية، وستساهم بحل مشكلة الإسكان، كما لها دور هام جدًا إذ أن
مدينة حمد مقامة على المناطق المحررة (المستوطنات السابقة) وهذا لقطع الطريق على
الاحتلال مستقبلًا فيما لو فكر بإعادة احتلال غزة وإعادة بناء المستوطنات.
الفرق بين ما قامت به حماس في غزة وما قام به
المجدلاني، هو الفرق بين من حصل على أصوات أكثر من نصف الشعب الفلسطيني وبين من
فشل بالحصول على 0.2% من أصوات الشعب الفلسطيني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق