الاثنين، 30 ديسمبر 2013

حملة من أجل وقف عربدة الأجهزة الأمنية على أرزاق الناس


التنسيق الأمني علاقة تتجاوز بكثير المصافحات والمعانقات


شهدت الضفة الغربية خلال السنوات القليلة الماضية عدة حملات إعلامية صاحبتها نشاطات ميدانية، من أجل التصدي لانتهاكات السلطة المتعددة للحقوق السياسية والإنسانية لمؤيدي حماس خصوصًا ومعارضي سياسة السلطة عمومًا.

ابتدأت من الحملات ضد الاعتقال السياسي ثم ضد الاستدعاءات السياسية والفصل من الوظائف العمومية على أساس سياسي وضد التشييك الأمني للوظائف (حسن السيرة والسلوك من الأجهزة الأمنية)، والآن يبدو أننا أمام حملة جديدة لا تقل أهمية عن ما سبق وهي ضد احتجاز ومصادرة أموال الناس.

حيث أعلنت معدة البرامج في فضائية القدس إسراء لافي عن تحديها لقرار الأجهزة الأمنية احتجاز راتبها الذي تتقاضاه من الفضائية، ومحاولة ابتزازها عبر التوقيع على أوراق تتعهد فيها بعدم التعرض للسلطة، وهي ممارسة معتادة لهذه الأجهزة لكنها المرة الأولى التي يقوم فيها المتضرر بالشكوى علنًا والتوجه إلى المؤسسات الحقوقية.
 
ولا يقتصر تعدي الأجهزة على المال الخاص على هذا الشكل بل يشمل أيضًا مصادرة الجوالات وأجهزة الحاسوب وغيرها من الممتلكات الخاصة وغالبًا ما ييأس أصحابها عن المطالبة بها ويعتبرونها مفقودات، كما هنالك حالات أجبر معتقلون سياسيون تحت التعذيب والابتزاز على دفع أموالهم للأجهزة الأمنية تحت ذريعة "فحص مصادرها".

في غالب الحالات كان المعتدى على مالهم الخاص يتنازلون عنه من منطلقات عدة، مثل: لا فائدة من الاعتراض، والنفس أهم من المال، ولا نريد مفاقمة المشكلة والتعرض للمزيد من المضايقات، أو ببساطة لأن ثمن ما تمت مصادرته أقل من الجهد المطلوب لاستعادتها.

والنتيجة كانت زيادة جرأة هذه الأجهزة على الأموال بحيث تعدى الأمر مصادرتها لصالح السلطة والأجهزة الأمنية بل هنالك كلام عن إثراء شخصي لضباط يعملون في الدوائر الاقتصادية لهذه الأجهزة مثل المدعو بهاء دراغمة المسؤول السابق عن الدائرة الاقتصادية في جهاز المخابرات العامة.

في بعض الحالات عمل المتضررون على استرجاع ما سرق منهم، وعادة ما كان يتم الأمر بهدوء من خلال واسطات ومحامين أو حتى تسويات، وهنالك حالات لمن تحدوا الابتزاز ورفعوا قضايا في المحاكم مثل الأسير المحرر أحمد زيد من قلقيلية والذي خاض معركة من أجل كيلو غرام من الذهب تمت مصادرته واحتجازه لدى الأجهزة الأمنية حتى تمكن من استعادته.

كما أستذكر ما حصل مع الحاج غازي العجولي وهو من كبار أصحاب محلات الصرافة في رام الله لكن مشكلته كانت مع أسياد السلطة، أي سلطات الاحتلال، حيث اعتقله جيش الاحتلال عام 2005م وتمت مصادرة 5 ملايين دولار من محله، ضمن حملة استهدفت يومها "أموال الإرهاب".

وقد احتجز الصهاينة الحاج العجولي لعدة شهور محاولين ربط ما تمت مصادرته من أموال بالإرهاب المزعوم، وعندما فشلوا بإيجاد أي رابطه بينه وبين المقاومة، عرضوا عليه صفقة لإطلاق سراحه مقابل تخليه عن المبلغ المالي، فرفض واستمر بالإجراءات القضائية حتى حصل على "البراءة" وأطلق سراحه وسراح المبلغ المالي.

واليوم تقرر إسراء لافي أن تنقل معركة استعادة الحقوق إلى الإعلام وتطرحها أمام الرأي العام الفلسطيني، لتكون مثلها مثل غيرها من القضايا الحقوقية من اعتقالات واستدعاءات سياسية وفصل من الوظائف ضمن أجندة العمل العام وذلك من أجل وقف انتهاكات السلطة وتجاوزاتها الخطيرة.

ومشكلتنا تكمن في ثقافة مجتمعنا التي تعتبر المال رجسًا من عمل الشيطان، بحيث من الصعب تقبل أن يضحي المرء من أجل المال، لكن الأصل أن هذا ينطبق فقط على المال الحرام، فالمال يكون رجسًا عندما يكون مال حرام، ومن العار والمحرم أن تضحي من أجل مال حرام، وفي المقابل فـ"من مات دون ماله فهو شهيد" كما جاء في الحديث الصحيح عن الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم.

فيجب ابتداءً تصحيح نظرة المجتمع إلى المال ودوره في حياتنا، حتى يستوعب الناس فكرة النضال من أجل حماية مالهم من النهب والسرقة بمختلف الحجج التي تختلقها الأجهزة الأمنية، فالمال ضروري لحياتنا اليومية ولكرامتنا ولتربية أطفالنا، وإن كان المال زائدًا عن حاجتك فبإمكانك أن تنفق المال المصادر على الفقراء والمحتاجين بدلًا من تركه نهبًا لزعران الأجهزة الأمنية.

سكوتك عن حقك يشجع الأجهزة الأمنية على المزيد من التمادي معك ومع غيرك، وقد يكون المال المصادر أمرًا غير ذا قيمة مثل جوال أو لابتوب قديم، وهذا ما يدفع الكثير للزهد به، لكن الأمر يستحق وقفة وملاحقة لهذه الأجهزة حتى في ما لا قيمة كبيرة له، حتى تسجل موقفًا وحتى تكسر حاجز الخوف وحتى تضع حدًا للتجاوزات الأمنية.

وللعلم الكثير من هذه التجاوزات غير مطلوبة من السلطة وفق الاتفاقيات والتنسيق الأمني، لكنها لما رأت سكوت الناس تمادت في الأمر ورأت في الأمر وسيلة لتحقيق أهداف إضافية وعلى رأسها دفع مؤيدي حماس ومعارضي السلطة إلى دوامة تسول الرزق والسكوت خوفًا عليه.

سلطة النقد الفلسطينية أحد أدوات قمع المعارضين للسلطة



فعلى سبيل المثال وحسب تعليمات وزارة الخزانة الأمريكية فكل مبلغ يتم تحويله بين بنكين في العالم يزيد عن الأربعة آلاف دولار يجب تبليغها به، لكن سلطة النقد الفلسطينية والبنوك الفلسطينية والأجهزة الأمنية الفلسطينية تدقق على مبالغ أقل من ذلك مثل الألف دولار والخمسمائة دولار، وبدلًا من مصادرة المال الذي تثبت عليه تهمة "الإرهاب"، فالأجهزة الأمنية تصادر الأموال حتى تثبت براءتها من "الإرهاب".

والسؤال المطروح إلى متى يعيش النشطاء ومعارضي السلطة في دوامة الخوف على الرزق ولقمة العيش؟ وإلى متى ملاحقة العيار لباب الدار؟ وإلى متى تسول الحقوق؟ فصاحب الحق قوي، فلماذا لا تصدح بذلك؟ لماذا لا نرى تحركًا أوسع من أجل انتزاع الحق المالي؟

صحيح أن الحملات السابقة لم توقف الاعتقال السياسي لكنها خففت من وطأته، ولم تحل جميع مشاكل المفصولين لأسباب سياسية لكنها حلت أغلبها، ولم تحل مشكلة الاستدعاء السياسي لكنها نكدت على الأجهزة الأمنية، فما لا يدرك كله لا يترك جله، وفي كل الأحوال صاحب الحق الأخرس لن يسمعه أحد وسيموت وحيدًا قهرًا وكمدًا، فهل لهذا تعيشون؟

ليست هناك تعليقات: