الراقصة على دوار المنارة |
انشغلت
وسائل الإعلام بالفترة الأخيرة بنقل أخبار متتالية عن فضائح وأخبار تتمحور حول
الجنس والإثارة وكل ما يتكلم عن الانحطاط الأخلاقي، ابتداءً من قصة الراقصة على
دوار المنارة (أيام زيارة كيري لرام الله)، مرورًا بفضيحة التجسس على
حمامات النساء، وحفلات الأزياء ومهرجان الخمور في رام الله، وما يقال عن مظاهرة
لنساء عاريات الصدر في بيت لحم في "الكريسميس" وافتتاح متجرًا للجنس (لا
أعرف ماذا يبيع بالضبط ولا أريد أن أعرف يكفي اسمه المقزز)، بل وصل الأمر إلى نقل
رسم جداري بسيط على حائط جانبي في رام الله له دلالات شاذة جنسيًا.
وترافق كل من هذه الأخبار زفة وطنة ورنة، سواء كان الخبر
دقيقًا أم لا، وسواء كان يحمل دلالات اجتماعية وسياسية أم مجرد شذوذ مسلكي لا يعبر
عن المجتمع، فالمهم هنا الإثارة وفقط الإثارة الإعلامية، وإن حاول الكثير إضفاء
الطابع الأخلاقي عليه وإقناع أنفسهم أن هذا جزء من واجبهم الوطني بتعرية السلطة
الفلسطينية في الضفة (وكأن الأوضاع ينقصها المزيد من التعرية).
إلا أن هذا أراه مجرد خداع للذات ولا يخدم الهدف العريض:
محاربة الرذيلة وفضح الممارسات غير الوطنية للسلطة، ليس لأن الكلام الذي يقال غير
صحيح، فجزء كبير حصل ويحصل، وليس لأن السلطة شريفة وعفيفة وتسعى لتحسين مستوى الناس
الأخلاقي بل على العكس تمامًا، إذن أين المشكلة؟
أولًا، انعدام الهدف:
ما الهدف من نشر هذه الأخبار؟ يجب أن يكون هنالك هدف
تريد تحقيقه وإلا فما تقوم به هو عبث محض، فهل الهدف هو وقف هذه الممارسات؟ فهنالك
في أحيان عديدة حملات إعلامية نجحت في وقف احتفال هابط أو إغلاق محلات سمعتها
سيئة، وقبل عدة أشهر أحرق أهالي بلدة بيرزيت مطاعمًا كانت وكرًا للرذيلة بعد أن
رفضت السلطة التجاوب مع شكاوي الناس.
فهل هنالك حملة منظمة من أجل إغلاق هذه الأماكن أو وقف المهرجانات
الهابطة؟ أم فقط ثرثرة على مواقع الإنترنت لا تقدم ولا تؤخر؟ هل تريدون القول أن
السلطة تحمي هكذا نشاطات؟ وأرد هل هذا مبرر للسكوت؟ لماذا لا نرى من يضحي ببعض وقته
ويتظاهر ضد هذه المهرجانات (على سبيل المثال)؟ أم أن الأخلاق لا تستحق أن نضحي من
أجلها؟ أم أنه لا وجود لمشكلة من الأصل (إذن لماذا تكثرون من الكلام عن الفساد
بالضفة)؟
أم أن الهدف هو تبيان فساد السلطة للناس؟ طيب وماذا بعد؟
ومن الذي لا يتكلم عن فساد السلطة؟ أصلًا السلطة نفسها تتكلم عن فسادها؟ ولماذا لا
تتكلمون بنفس الحماسة والحرقة عن تنازلات السلطة وتنسيقها الأمني؟ لماذا لا ينال
خبر استعداد السلطة للتنازل عن غور الأردن 1% من الاهتمام الذي يلقاه خبر افتتاح
متجر جنسي في رام الله؟ علمًا بأن ضرر الأولى أعظم بآلاف المرات من الثاني.
والبعض يتصنع الاندهاش والصدمة كلما نقل خبرًا جديدًا عن
الفساد والفسوق في الضفة، رغم أنه في كل فضيحة يذكرنا بالانهيار الأخلاقي للسلطة،
وهذا يذكرني ببرنامج افتح يا سمسم، عندما كان الضفدع كامل يجري لقاء مع المخترع
المجنون الذي يعيش في جزيرة معزولة عن العالم، وكل مرة يجده قد أعاد اختراع شيئًا
معروفًا لنا لكن مع تغيير الاسم، مرة يعيد اختراع الميكروفون ومرة الجورب ومرة
اللفحة، ونحن نجد نفس النمط بمن يعيد تعريفنا بفساد السلطة، "طيب هات شغلة
جديدة"!!
ثانيًا، ضعف المصداقية:
الكثير من الأخبار المنقولة إما أنها عادية تبهر من أجل
ضرورات الأكشن وشيطنة "الضفة" أو حتى مفبركة وخارج سياقها الحقيقي،
فالفساد الأخلاقي موجود في كل مكان، وستجد من يبحث عن أوكار الفساد والرذيلة حتى
في غزة أو مكة المكرمة وحتى في زمن الصحابة، هكذا الدنيا تجد الصالح والطالح في كل
مكان وزمان، والطالحون منهم من هو فنان باستحداث أماكن ووسائل الفجور، فلا تستطيع
أن تحكم على مجتمع بأكمله بجريرة القوم عندما يقومون بذلك دون رضى المجتمع.
مثلًا الرسمة التي نشرتها بعض وسائل الإعلام المحسوبة
على حماس، والتي تحمل دلالات شاذة جنسية (رجلين يقبلان بعضهما)، هي رسمة بسيطة
وصغيرة رسمت على جدار في مكان ما من الضفة، ربما المصور نفسه رسمها لكي يوصل رسالة
أن الضفة فاسدة، أي شخص بإمكانه رسم هكذا شيء بدون علم ولا إقرار من المجتمع ولا
حتى السلطة، والرسمة أصلًا غير واضحة لمن لا يدقق النظر، أم أن المطلوب أي ممسك
(ولو كان ركيكًا) لنقول أن الضفة منحلة أخلاقيًا؟
مثال آخر هو مظاهرة العاريات في بيت لحم، والإيحاء بأن
السلطة أعطت تصريحًا لهن وأنه أمر مقبول في الضفة، وهذا كله غير صحيح فالمظاهرة
دعت لها منظمة تسمى "فيمن" وهي منظمة أوروبية مكونة من نساء سفهيات وسخيفات
(ولا أريد استخدام ألفاظًا أخرى)، تتظاهر من أجل قضايا معينة من خلال التعري، وهي
لا تطلب الإذن من أي حكومة وعادة ما يتم إلقاء القبض عليهن وترحيلهن إلى بلادنهن.
وقد قالت المنظمة أنها سترسل "النشيطات"
للتظاهر في بيت لحم في "الكريسمس" من أجل نصرة قضية تحددها لاحقًا، وآمل
أن لا تكون القضية الفلسطينية ليس فقط لأنه لا يشرف القضية أن تنصرها مثل أولاء
الداعرات، بل أيضًا لأنه سيخرج علينا بعض المقرفين ليدافعوا عنهن و"أنهن
أوصلن صوت فلسطين إلى العالم" فهذا الدفاع لوحده يثير الغثيان في النفس، على
كل حال هن سيقمن بالتسلل إلى بيت لحم مع عشرات آلاف السياح الأوروبيين ويقمن
بعملتهن ثم يلقى القبض عليهن ويرحلن، فهل هذا يدين الضفة؟ أو حتى يدين السلطة؟
فلا أدري فعلًا ما الحاجة لقصص عجيبة وغير صحيحة من أجل
إدانة السلطة وهي قامت بما هو أعظم من ذلك وبشكل علني ووقح.
ومثال أخير وهو قصة متجر الجنس، وحصول صاحب الفكرة على
فتوى من "ثلاثة مشايخ في رام الله" – هكذا يقول نص الخبر، فبعد قراءة
الخبر يتبين لنا أن المتجر هو موقع على الإنترنت (ولحد الآن لم يفتتح)، ولم نعرف
من هم أصحاب الفتوى ولا حتى نص الفتوى، فقط قال أنهم باركوا الخطوة التي تهدف لتجارة
جنس حلال (مش عارف كيف راكبة معه).
وأنا أتخيل كيف حصل على الفتوى كالآتي: ذهب إلى المسجد
وبعد أن أنهى الإمام الصلاة ذهب إليه وسأله "شو رأيك يا شيخ بدي أعمل موقع
على الإنترنت يعلم الناس الجنس بطريقة محترمة وحسب الشريعة بدل ما يقعدوا على
المواقع المش محترمة؟" فقال له الشيخ "فكرة منيحة لازم هيك إشي"، ثم
جاء ليقول لنا معه فتوى بإباحة متجر الجنس الخاص به.
ما أريد الوصول إليه من خلال الأمثلة الثلاث هو أن هنالك
الكثير من التبهير والمبالغة والتحريف، فأين المصداقية؟ وما الهدف من كل ذلك؟ هل
هو تشويه المجتمع أم تشويه السلطة؟ لأنه لو صحت هذه الاتهامات فهي إدانة للمجتمع
وليس فقط للسلطة، فهل نشوه المجتمع المحافظ والمحترم بقصص غير صحيحة وبهارات من
أجل تشويه سلطة مشوهة من الأصل؟ ألا ترون معي مدى العبث؟
ثالثًا، إشاعة الفاحشة:
تكرار الكلام في هذا الموضوع يرسخ صورة نمطية عن أهل
الضفة الغربية، ويجعل من الفاحشة والفسوق أمرًا عاديًا، ويطبع النفوس عليها بحيث
لا تعود تثور عندما تراها لأنه عادي و"الكل بيعمل هيك".
ترسيخ صورة نمطية سيئة عن الضفة بما يخدم أهداف السلطة |
وهنا يسأل البعض: وهل نسكت عن الخطأ؟ والجواب هو لا تسكت
عن الخطأ، لكن لماذا الترداد بمناسبة وبدون مناسبة؟ لماذا هذه التغطية غير
المتوازنة للوضع في الضفة؛ تسليط الضوء على الفضائح الأخلاقية وتجاهل مشاكل الضفة
الأخرى؟ لماذا دومًا الكلام عن النماذج السيئة وعدم ذكر النماذج المضيئة؟ كل ذلك
يدفع في اتجاه نظرة دونية لابن الضفة: نظرته لذاته ونظرة الآخرين له، بحيث تنعدم
الدافعية لديه لأن يقوم بأي عمل حسن، فالآخرين لن ينظروا له وسيظل محل اتهام، وأيضًا
لأنه اقتنع أن الفساد هو الأصل والفضيلة هو الاستثناء، باختصار التغطية بهذه
الطريقة تشيع الفاحشة ولا تحاربها.
ومرة أخرى لا أقول اسكتوا عن ما ترونه، والتذكير بفساد
السلطة في أحيان كثيرة ضرورة، فذكر إن نفعت الذكرى، لكن أتكلم عن مساحة التغطية في
الإعلام، لا تجعلها تطغى وتتغول، فالإعلام لا يجب أن ينجرف وراء غرائز القارئ
المغرم بقصص الفضائح الجنسية، الإعلام يجب أن يكون له هدف، وما لا يخدم الهدف فلا
ضرورة له.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق