هذا ملخص اعتذار تنظيم قاعدة اليمن عن المجزرة التي
ارتكبها مؤخرًا في مستشفى عسكري وقتل فيها وأصاب المئات من المدنيين العزل، في أحد
"غزواته" الميمونة.
"وااااو، شو هالأخلاق الرفيعة، لازم نقدرهم للقاعدة
إنهم اعتذروا، شو بدك أحسن من هيك أخلاق، شو بدك أحسن من هيك أدب، هيهم اعتذروا شو
بدك أكثر من هيك؟"
هذا ملخص ما يريده أنصار القاعدة من شقيق الممرضة وأهالي
الذين قتلوا وجميع من استنكر هذه الجريمة القذرة.
سواء كان الاعتذار أو العملية نفسها أو دفاع مؤيدي
القاعدة عن الجريمة، فكلها أعذار أقبح من ذنب، وتدل على جهل مركب لا يغتفر (والجهل
أنواع منه ما يغتفر ومنه ما لا يغتفر)، كما الأخطاء أنواع فمنها ما هو زلة يمكن
استدراكها ومنها ما يعبر عن خلل عظيم لا يمكن إصلاحه.
المأساة والطامة هي في عدم تفريق الناطق باسم التنظيم
الذي قدم الاعتذار بين الخطأ وبين الجريمة، وتشبيهه ما قام به خالد بن الوليد من
قتل لبعض أسرى الحرب بجريمة قتل المسلمين العزل في المستشفى، وفوق ذلك يأتي مؤيدو
القاعدة ليبرروا ذلك بأن حماس والمقاومة الفلسطينية كانوا يقتلون فلسطينيين خطأ
عندما يسقط صاروخ بالخطأ على منطقة فلسطينية أو ما شابه.
ولمن لم يشاهد فيديو المجزرة أعلاه فنجد مقاتلي القاعدة
يقتلون عن سبق إصرار وترصد رواد المستشفى والممرضات والطبيبات والعاملين فيه، بالرصاص
والقنابل، وفي أحد المشاهد نرى المقاتل يطلق النار على ممرضتين (أو طبيبتين لم
أستطع التمييز لكنهما كانتا تلبسان لباس المستشفى) ثم استدار واقترب من إحداهما
وأطلق عليها النار مجددًا ليتأكد من قتلها، ثم توجه نحو الثانية وفعل نفس الشيء.
إن من يساوي بين القتل العمد والقتل غير العمد لا يفقه
شيء في الدين، وهذا رد على كل طيبي النوايا (السذج) الذين يرددون دومًا بأن "القاعدة
عندهم إيمان وتقوى وعلم لكن يشوبهم بعض التشدد والاندفاع"، ولا أتكلم هنا عن
القاتل بل عن المتكلم باسم القاعدة والمدافعين الكثر عن الجريمة، فهم لا يستطيعون
التفرقة بين الخطأ في الاجتهاد وبين القتل عن سبق الإصرار والترصد، فأي علم
يمتلكونه إذن؟
خالد بن الوليد قتل أسرى حرب وهذا خطأ لكن في النهاية هم
كانوا محاربين وأعداء، وبالتالي فهنالك شيء ما يبرر تصرفه، ولو كانت العملية في
مستشفى غربي العاملين فيه ورواده من غير المسلمين لقلنا اشتبه على المنفذين الأمر
وظنوا أنه يجوز قتل غير المسلمين، أو لو قتلوا شرطي أو جندي يمني لقلنا أنه التبس
عليهم الأمر أو أخذتهم العاطفة أو ... أو ....
الحالات التي يكون فيها الأمر ملتبسًا أو ممكن أن نجد
فيه عذر للقاتل (حتى لو كان عذرًا ركيكًا) كثيرة ولا تحصى، لكن في هذه الجريمة أي
شيء التبس على القاتل؟ ما هو الأمر غير الواضح الذي دفع القاتل ليرتكب فعلته؟ حتى
نقول أخطأ أو حتى نقول لم تكن التعليمات لديه واضحة؟ "بلا مؤاخذة" هل
إباحة قتل الناس (وتحديدًا المسلمين) هو الأصل في ديننا وتوفير حياتهم هو
الاستثناء الذي يحتاج لأخذ تعليمات من أجله؟
قامت خلية عين يبرود التابعة للقسام باختطاف أحد العملاء
للتحقيق معه قبل أكثر من عشر سنوات، وأثناء نقله من مكان لآخر انطلقت رصاصة بالخطأ
من الأفراد المكلفين بحراسته في السيارة وقتلته، اعتذرت حماس لأهل القتيل ودفعت له
الدية، رغم أنه عميل وذلك لأن التحقيق لم يأخذ مداه ولم يتبين إن كان عميلًا يستحق
الإعدام أم لا، هذا الذي يسمى بالقتل الخطأ، فيه ملابسات أدت للقتل.
أما اقتحام مستشفى وقتل أطباء ومرضى وممرضات وأطفال
ونساء ورجال، وكلهم من المسلمين، فأين الملابسات التي دفعتهم لارتكاب هذه
الجريمة؟ ما هو المسوغ لارتكابها؟ أريد مسوغًا ولو كان ركيكًا، أين هو؟
من لا يستطيع التمييز بين هذه البدهيات فهو لا يفقه ألف باء الإسلام، يفتقر لأدنى فقه في الإسلام، وبالتالي فالبيان التبريري ومن كتبه ومن قاله ومن طبل وزمر له لا يفقهون شيئًا في الإسلام، ولو أطال اللحية ولبس الباكستاني.
أما القاتل فنتسائل بماذا كان يفكر؟ لا يجوز مقارنته بأي
قتل خطأ؛ سواء كان خطأ ناجم عن إهمال (مثل الأب الذي يدهس ابنه وهو غير منتبه)، أو
بسبب تهور واندفاع (مثل من يقتل أسير حرب بسبب لحظة غضب)، أو سوء تقدير (مثل من
ذهب ليفجر نفسه وسط جنود أعداء فقتل مدنيين أبرياء بالمعية)، لأننا نرى أنه يقتل
أناسًا مسلمين بدم بارد وعن سبق إصرار ثم يطلق النار عليهم مرة أخرى ليتأكد من
القتل.
وهنا أروي حادثة قتل فيها شابين فلسطينيين (لم يتجاوزا
الثامنة عشر من العمر) عددًا من المستوطنين في مستوطنة ايتمار، وكان من بين ما
قتلوه عدد من الأطفال الصهاينة، فيما تركوا أطفالًا آخرين أحياء، وعندما سئلا عن
السبب قالا بأنهم "اضطروا" لقتل بعض الأطفال لأنهم كانوا يصرخون وخشوا
أن ينكشف أمرهم بسببهم، بمعنى أنه رغم أن الوضع ملتبس عليهما: دخلا مستوطنة وبأي
لحظة يمكن أن يكتشفا ويعتقلا وينكل بهما، ثم هؤلاء صهاينة مستوطنين، ثم هؤلاء
الأطفال قد يكبرون ويصبحون جنودًا.
ورغم أنهما صغيران بالعمر ومن توجهات يسارية وثقافتهما
الدينية ضعيفة (إن لم تكن معدومة)، إلا أنهما توقفا عند قتل الأطفال ولم يقتلا إلا
بدافع الخوف من الانكشاف، وذلك لأن فطرتهما سليمة، وهنالك من أعمال القتل ما تأبى
النفس السوية أن ترتكبها.
بالتالي نسأل ما الذي أخرج هؤلاء القتلة عن فطرتهم
السليمة؟ ما الذي أخرجهم من إنسانيتهم؟ لا يمكن فهم ذلك إلا بأحد ثلاثة:
أولًا: أن يكون متعاطي
مخدرات وعقاقير قتلت فيه كل المشاعر الإنسانية البشرية، مثلما يفعل بلطجية النظام
المصري، وإن كنت استبعد ذلك في هذه الحالة لأسباب كثيرة.
ثانيًا: أن يكون فهمه
للدين دون الصفر، وأن لا يفهم الإسلام سوى أنه رخصة لقتل الآخرين، بدون أي فهم
آخر، ولهذا السبب ارجو أن لا يغضب مني البعض عندما أصف أنصار القاعدة بأنهم يجهلون
نواقض الوضوء.
ثالثًا: أن يكون المجتمع
اليمني بالنسبة لهم كافرًا وكل اليمنيين ممن لا ينتمون للقاعدة هم كفار؛ وبالتالي
نفهم كيف التبس عليهم الأمر، فهم كفار ودمهم مهدور وكان الأصل بقيادتهم أن تقول
لهم لا تقتلوا الكفار الذين تجدوهم في المستشفى، وبناء على هذا يمكن القول بأن
كلام الجولاني بأن القاعدة لا تكفر عموم المسلمين هو مجرد تقية وثرثرة لا معنى
لها، وأن الأصل عندهم هو التكفير، وهذا لمسناه في ثنايا كلامه عندما كان يصف بعد
أهل سوريا عن الإسلام بطريقة تفهمنا أنه كان يعتبرهم مسلمين غير أسوياء (أو حتى
كفارًا).
البعض سيقول ولماذا نمسك بهذا الخطأ وننسى كل شيء جيد؟
لأنها ليست أول مرة، وكل مرة نجد من يدافع ومن يبرر، مثل تفجير الفنادق في عمان
وزعمهم وقتها أنه استهدف اجتماع للمخابرات وكانت قاعة العرس بالصدفة أسفل
الاجتماع، طبعًا والسذج صدقوا هذا الكلام بحكم كثرة متابعتهم لأفلام جيمس بوند
وأفلام الجاسوسية.
يا رجل!! أجهزة المخابرات لا تجتمع في الفنادق، هنالك
مقرات أمنية ومقرات للمخابرات الأردنية تتسع لكل مخابرات الدنيا وبعيدًا عن الأعين
وعن العمليات وعن وعن... هل ضاقت الدنيا بمخابرات الأردن ولم تجد سوى قاعة الأعراس
لتعقد مؤتمرها التآمري جنبه؟
أرجو التوقف عن إيجاد الأعذار لهؤلاء القوم، فالأمر ليس
اختلافًا بالرأي، والأمر ليس تنطعًا بالاجتهاد ولا تشددًا بفهم الإسلام، هؤلاء قوم
لا يفقهون الإسلام من أصله، هؤلاء قوم عبء على المسلمين قبل أن يكونوا خطرًا على
عدو الإسلام، وكلما أحسنتم بهم الظن كلما مددتم لهم حبال النجاة والحياة لتستمر
دورة العبث والمسخرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق