الكهرباء قطعت لأيام عن مناطق في الضفة فيما أغرقت الفيضانات
قطاع غزة، وانشغل الناس في تقييم أداء كلتا الحكومتين وكل من حماس وفتح في التعامل
مع الأزمة التي نجمت عن الأحوال الجوية، وكثر الكلام عن أسباب التقصير والفشل في أكثر
من موطن، لكن قلة قليلة تكلموا عن أصل المشكلة وهي الاحتلال على اعتبار أنها من
المسلمات.
لا يوجد لدي معلومات جديدة لأكشفها هنا فأغلب ما سأقوله
معروف لديكم لكن عندنا مشكلة في ربط الأمور ببعضها البعض، مما أفقدنا البوصلة
وبتنا نركز على صراع فتح وحماس، وتقصير شركة كهرباء القدس وبلدية غزة وغيرها من
المؤسسات، وهي أمور ضرورية لكنها ليست كل شيء.
فتح الاحتلال للسدود فاقم من أزمة فيضانات غزة |
وقد يتساءل المرء ما دخل الاحتلال الصهيوني بالأحوال
الجوية؟ وما مسؤوليته بتقصير المؤسسات المختلفة؟ والجواب ببساطة لا دخل له بهذه
الأمور لكنه يساهم وعن عمد بمفاقمة الأمور وتعقيد الصعوبات وزيادة الأمر سوءًا.
الكهرباء القادمة من وراء الجدار وسيلة للتحكم بالشعب الفلسطيني |
فقطع الكهرباء عن أجزاء واسعة من الضفة والقطاع له أسباب
عدة، من بينها هو أن شبكة كهرباء الاحتلال تعرضت لأضرار واسعة مما اضطرهم لقطع
الكهرباء عن الضفة وغزة، وذلك إلى أن يصلح الاحتلال الخلل مع إعطاء أولوية
للمستوطنين وأخذهم لحاجتهم ثم يعطى الفائض للفلسطيني.
وهنا جوهر المشكلة ففوق تقصير مؤسساتنا يجب أن نتحمل
تقصير الاحتلال، فتكون ظلمات فوق ظلمات، ولا خيار آخر لدينا لأن الاحتلال لا يسمح
لنا ببناء بنية تحتية خاصة بنا، فكل شيء يجب أن يمر من خلاله، رغم كل ما يقال أنه
غير معني بنا ويريد إلقاء غزة على مصر والضفة على الأردن، فكله مجرد ثرثرة هدفها
إقناعنا ببراءته، وفي الواقع يريدون الإبقاء على التحكم بحياتنا اليومية بكل كبيرة
وصغيرة.
وهكذا يصر الاحتلال على منع غزة من شراء مولدات طاقة
جديدة أو بناء محطات جديدة، كي لا تتمكن حكومة حماس من إصلاح ما ورثته من سلطة
فتح، وهكذا يصر الاحتلال أن تبقى البضائع تدخل وتخرج من وإلى غزة عن طريق معابره
وليس المعابر المصرية.
حكومة غزة تحاول التخفيف من آثار الفيضانات رغم قلة الإمكانات |
وهكذا يصر الاحتلال أن تبقى الحدود والمعابر في الدولة
الفلسطينية المستقبلية بيده هو، وهكذا يصير على ربط اقتصاد الضفة والقطاع
باقتصاده، ونحن للأسف لا ندرك مرامي وأهداف الاحتلال، فهو يريد أن يربط حياتنا
اليومية به: الكهرباء والمياه والإنترنت والاتصالات والطعام والشراب والملبس، وهذا ليس نابعًا من رغبة
مريضة بالتحكم بحياتنا اليومية، بل له سبب قوي جدًا.
الاحتلال يدرك أنه عندما تكون كهرباؤنا وماؤنا وطعامنا
وشرابنا منه، فإننا لا نستطيع محاربته حق الحرب، وسنبقى رهائن بيده فإننا شددنا
عليه بالمقاومة والحرب خنقنا بمنع وسائل الحياة عنا، أما نحن وبكل سذاجة فما زلنا
مغرمين بعدونا والارتباط به اقتصاديًا.
ما زال مجتمعنا مغرمًا بالبضاعة الصهيونية، وما زال
مغرمًا بالعمل داخل الكيان الصهيوني، وما زال مغرمًا بالكهرباء الصهيونية والإنترنت
الصهيوني، غير مدرك أنها قيود تعيق تحرره وانعتاقه، كيف سنقضي على دولة نشرب ونأكل
من فضلاتها؟ هذا واقعنا باختصار.
عندما جاء المنخفض وضاقت الحياة بالصهاينة كنتم أول من
ضحوا به لأجل أن تستقيم حياتهم، وعندما يريدون بناء مستوطنات جديدة فأنتم ستكونون
أول من يكنسونهم، أنتم مجرد طفيليات في عيونهم لا لزوم لكم، ولا يريدون لكم أن
تكونوا مستقلين لكي لا تحاربوهم وأنتم مرتاحون.
عمال يخاطرون بحياتهم من أجل العمل داخل الكيان الصهيوني |
أما نحن فنتباكى على تصريح عمل، أو على زمن كنا نزور به
تل أبيب بدون حواجز أو تصاريح، أو على لبن تنوفا حرمنا منه بسبب الحصار أو حملة
مقاطعة بضاعة صهيونية، مثلنا مثل سائق الجرافة (الباغر) الذي كان يعمل بإنشاء جدار
الفصل العنصري من أجل لقمة العيش، فعندما جاء الجدار وهدم منزله وأكل أرضه لم يجد
شيئًا يفعله سواء اللطم على غبائه وقصر نظره (وهذه قصة حقيقية حصلت).
عامل فلسطيني يبني مستوطنة صهيونية: يحفر قبره وقبر شعبه بيديه |
الاحتلال يرمي لنا الفتات وهنالك من ينتعش على هذا
الفتات، تمامًا مثلما كان قارون من قوم موسى لكنه أصبح ثريًا من فتات فرعون لكن
مقابل ماذا؟ وماذا استفاد قومه منه ومن ثرائه؟ وكنت قد تكلمت فيما سبق عن أخلاقنا وأخلاق بني إسرائيل، وكيف أن القرآن ضرب لنا أمثلة من أخطاء بني إسرائيل لكي
نتفاداها لكننا نقع في كثير منها، وفي صراعنا مع اليهود الكثير منا يقع بما وقع به
بنو إسرائيل فيما سبق.
قالوا لموسى عليه السلام عندما جاء يبشرهم بالخلاص من
فرعون ولما رأوا فرعون يحاربهم ويريد أن يبطش بهم: "قد أوذينا من قبل أن تأتينا
ومن بعد ما جئتنا" فلم يعجبهم بقاء بطش فرعون وأرادوا نصرًا سهلًا، وهذا حال
بعضنا مع المقاومة اليوم، فهو يرى بطش الصهاينة ويلوم المقاومة لأنها تسببت به،
رغم أنه يقر بنفس الوقت أن الصهاينة يبطشون بنا من قبل ظهور المقاومة.
والبعض يريد مقاومة فوتوشوب وجهادًا بلا ثمن تمامًا مثل
قوم موسى الذي قالوا له: "إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها
فإن يخرجوا منها فإنا داخلون"، واليوم يقول بعض أبناء جلدتنا: لا نريد مقاومة
تتسبب بحصارنا ولا جهادًا يأتي لنا بالقصف، ولا عمليات تمنع العمال من الذهاب
لعملهم في المستوطنات، نريد مقاومة نظيفة ننتصر دون أن نخدش أو نتعب، "حرام
أن يموت الشباب برصاص الاحتلال".
في ظل هذه المعادلة ليس من الغريب أننا نعيش على هامش
الصهاينة المحتلين لأننا لم ندرك حق الإدراك طبيعة صراعنا معهم، فعلى سبيل المثال في
الوقت الذي يحرمنا الصهاينة من الجيل الثالث من الإنترنت G3 لنكون من الأماكن القليلة في
العالم التي تفتقد لهذه الخدمة، فإننا نجد أكثر أبناء شعبنا يعتبر ذلك من المسلمات
بل وستجد من يقول أنه لولا الاحتلال لما رأينا التطور التكنولوجي، وليس مهمًا لديه
إن عشنا تحت السقف الذي وضعه الاحتلال لنا أم لا، فالمهم أنه يلقي لنا بالفتات،
عفوًا هذه ليست أخلاق من يريد تحرير أرضه، هذه أخلاق العبيد!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق