الأربعاء، 3 يونيو 2020

هل ستنهار أمريكا؟


يتساءل الكثيرون عن الاحتجاجات في أمريكا هل ستؤدي لانهيارها وانكفائها، وما تأثير ذلك علينا في فلسطين والمنطقة العربية ككل.

ليست أول مرة تخرج فيها احتجاجات عنيفة في أمريكا، فقد اندلعت احتجاجات في لوس أنجلوس عام 1992م بعد تبرئة أربعة رجال شرطة صورتهم كاميرا وهم يضربون رجلًا أسود بوحشية، لكنها تأتي هذه المرة في سياق استقطاب سياسي حاد غير مسبوق تمر فيه أمريكا.

على المدى القصير لن تؤدي هذه الاحتجاجات إلى أضرار بمؤسسات الدولة الأمريكية، ورأينا كيف لم تؤثر احتجاجات العراق ولبنان على بقاء نظام الحكم رغم أنه نظام هش وشبه غائب، فما بالكم عندما نتكلم عن أقوى نظام حكم في العالم.

إلا أن الانقسام المتزايد يهدد استقرار أمريكا على المدى البعيد إذا استمر تصاعد الأحداث بنفس الوتيرة.

ولفهم الانقسام والاستقطاب السياسي الأمريكي أوضح الآتي:

أمريكا هي أمة مهاجرين أسسها المهاجرون البيض القادمون من بريطانيا، ويطلق عليهم اليوم "واسب" ومعناها الحرفي دبور وهي اختصار للكلمات: "أبيض، أنجلوسكسوني، بروتستناتي"، ثم قاموا بإحضار ملايين العبيد من أفريقيا للعمل في مزارع القطن والسكر.

وبعد تحرير العبيد تم تهميشهم ومعاملتهم على أنهم مواطنون من الدرجة العاشرة.

ورغم تواصل قدوم المهاجرين من شتى أنحاء العالم إلا أن البيض (الـ واسب) استمروا بالانفراد بالسيطرة على السياسة والاقتصاد في أمريكا.

الأمور بدأت بالتغير منذ 60 عامًا عندما بدأ السود بالنضال للحصول على حقوقهم ونظموا أنفسهم وتزايد نفوذهم السياسي، ثم زاد عدد المهاجرين من أمريكا الجنوبية (اللاتينو) وهم يختلفون في العرق واللغة والثقافة والطائفة عن البيض.

كما تزايدت أعداد القادمين من آسيا: صينيون وهنود وعرب وغيرهم، ورغم أنهم أقلية صغيرة إلا أن نسبة كبيرة منهم نخب متعلمة مما أهلهم للصعود في الشركات والمؤسسات المختلفة فأعطاهم تواجدًا أكبر من حجمهم العددي، ونلحظ ذلك مثلًا في الأعداد الكبيرة من العرب المشاركين في علاج كورونا وفرق تطوير لقاحات للمرض.

هذه التغيرات السكانية جعلت أعداد البيض (الـ واسب) تتقلص بحيث أصبحت تقريبًا نصف السكان، والنصف الآخر هم من البيض من خلفيات أخرى، واللاتينو، والسود، والآسيويين وغيرهم.

المهاجرون هم سبب نجاح أمريكا وتفوقها، فالآسيويون لهم إسهامات كبيرة في الاختراعات والتكنولوجيا الأمريكية، أما اللاتينو فهم العمالة الرخيصة التي تعتمد عليها الصناعة والزراعة في أمريكا.

وفي نفس الوقت فزيادة أعداد المهاجرين جعلت البيض يشعرون بالقلق من تحولهم إلى أقلية، فبدأنا نشهد استقطابًا بين الحزب الجمهوري الذي أصبح يمثل البيض والحزب الديموقراطي الذي يمثل من يطلق عليهم في أمريكا الأقليات "السود واللاتينو والعرب واليهود وغيرهم".

بدأ الاستقطاب منذ عهد كلينتون ومحاكمته كانت سياسية، ثم تفاقمت مع وصول أوباما للرئاسة حيث شعر البيض بالتهديد بعد أن احتكروا منصب الرئاسة منذ تأسيس الولايات المتحدة، فكل رؤساء أمريكا كانوا من "الـ واسب" باستثناء جون كندي وهو من أصول إيرلندية كاثوليكية لكن ثقافيًا يعتبر الأيرلنديون قرييون جدًا من الأنجلوساسكونيين فلم يعتبر تهديدًا.

أما أوباما جاء في وقت تزايد الاستقطاب كما لعبت أصول عائلته المسلمة دورًا في تأجيج المخاوف.

وجاء فوز ترمب ليزيد الاستقطاب حدة وعنفًا ورغم أنه شخص غير مؤهل لهذا المنصب إلا أن الكثير من البيض والجمهوريين يدعمونه فقط لكي لا ينتصر أعداؤهم الديموقراطيين وليس لأنهم مقتنعين بكفاءته.

في ظل هذا الاستقطاب الحاد جاءت الاحتجاجات الأخيرة بعد قتل شرطي لرجل أسود بطريقة وحشية، وسبقها بشهرين قيام رجل شرطة متقاعد بقتل رجل أسود كان يمارس رياضة الجري بحجة الاشتباه بأنه لص.

كما أن أغلب ضحايا كورونا في أمريكا كانوا من السود وذلك بسبب فقرهم وانعدام الرعاية الصحية المناسبة لهم.

كل هذا أجج الاحتجاجات وجعلها تتفاقم كما نلحظ أن الكثير من المحتجين ليسوا من السود، حيث تشارك جماعات يسارية في الاحتجاجات وأبرزها حركة "انتيفا" والتي يسعى ترمب لإخراجها عن القانون.

انتيفا هي اختصار لكلمة "انتي فاشيزيم" - أي مناهضة الفاشية، والفاشية مصطلح يستخدم للإشارة إلى الأحزاب العنصرية واليمينية المتطرفة والنازيين الجدد، وهذه الجماعات الفاشية هي التي دعمت ترمب وأوصلته للرئاسة.

تأسست أنتيفا في الثمانينات لكنها بقيت حركة هامشية، لتشهد إنطلاقة قوية بعد فوز ترمب بالرئاسة، ويتهمها ترمب بأنها تقود الاحتجاجات العنيفة.

في الختام: الاحتجاجات الحالية ستنتهي خلال أيام أو أسابيع إلا أن الاستقطاب المتزايد بين الجمهوريين والديموقراطيين، يزيد الشرخ داخل المجتمع الأمريكي وهذا سيضعف أمريكا على المدى البعيد.

بالنسبة للمنطقة العربية:

القبضة الأمريكية ستبقى ما دام عملاؤها موجودين.

هنالك تخبط في السياسة الأمريكية بعهد ترمب وهذا شيء جيد.

بالنسبة لفلسطين هنالك دعم مطلق للكيان الصهيوني إلا أننا نشهد منذ فوز ترمب تغيرات داخل الحزب الديموقراطي أدت لصعود أصوات داعمة للقضية الفلسطينية، وهذه الأصوات من الممكن أن نستفيد منها فقط إن تصاعد الصراع مع الاحتلال أما طالما نحن ساكتون فلن ينفعنا أحد.

ليست هناك تعليقات: