الاثنين، 26 ديسمبر 2016

باسل غطاس: المسيحي الذي "رفع الأذان" في الكنيست


  
اعتقلت قوات الاحتلال النائب الفلسطيني في الكنيست باسل غطاس على خلفية تهريبه جوالات إلى الأسرى في سجن النقب، وقد أبدى مواقف بطولية حقيقية في مواجهة الاحتلال الصهيوني ومشروعه.

بمثل مواقفه (التي سأوضحها بعد قليل) نستطيع القول بأننا نسير على الطريق الصحيح نحو استعادة القدس والأقصى ويافا وحيفا، فلسنا بحاجة لرفع الأذان بإذن الاحتلال في الكنيست بل بحاجة لمن يكسر القيود والحدود.

كسر الصور النمطية:

ولفت انتباهي أن الدكتور باسل غطاس مسيحي علماني ينتمي للتجمع الديموقراطي الوطني، وهو حزب ذو جذور قومية علمانية، وهو من قرية الرامة قضاء عكا، ونصف سكانها مسيحيون، والربع دروز، والربع مسلمون.
 
رغم التوجه القومي العلماني للتجمع ورغم ديانته المسيحية فلم يمنع ذلك غطاس من الدفاع عن الشعب السوري في مواجهة نظام الأسد الذي أدانه في أكثر من مناسبة، وهو ليس موقفًا فرديًا منه بل هو موقف حزبه الذي أسسه عزمي بشارة.

وهي حقائق يجب الإشارة إليها في وقت يميل الكثيرون إلى محاسبة الآخرين بناء على قوالب جاهزة واتهامهم بما ليس فيهم.

فالنظرة النمطية للمسيحي أو العلماني أنهم مؤيدون لبشار الأسد وإجرامه، وهنالك من يحاول شيطنة المسيحيين في فلسطين بجريرة انحياز الأقباط إلى نظام السيسي أو مسيحيي سوريا إلى نظام الأسد، مع العلم أن أغلب المسيحيين في فلسطين علمانيين ولا يتخذون مواقفهم السياسية بناء على المعتقدات الدينية.

ومن القيادات المسيحية اليسارية الفلسطينية ذات المواقف المبدئية التي تكسر الصور النمطية المفكر اليساري سلامة كيلة الذي سجنه نظام الأسد بسبب تأييده للثورة وتم تعذيبه بشكل شديد قبل إبعاده إلى الأردن.

ولزميلة غطاس حنين الزعبي (العلمانية) مواقف مشرفة سواء في الدفاع عن الشعب السوري أو في الدفاع عن حق الشعب الفلسطيني بمقاومة الاحتلال، كما شاركت في قافلة فك الحصار (السفينة مرمرة)، وحكومة الاحتلال تلاحقها حاليًا تمهيدًا لمحاكمتها بتهمة التحريض.

ربما يمثل غطاس وكيلة والتجمع الديموقراطي أقلية لكنها أقلية شجاعة يجب دعمها وتقويتها، فليس أصعب على الإنسان من السباحة عكس التيار حتى لو كان بدوافع مبدئية ونبيلة.

وليس من الضرورة أن يمدحوا الإسلاميين أو يدعموهم أو يتملقوا للحركات الإسلامية حتى نشيد بمواقفهم، فالمهم أن يكونوا أصحاب مبدأ ومواقف حرة.

كسر الحدود:

وقصة تأسيس حزب التجمع الديموقراطي أواسط التسعينات تعطينا فكرة عن أهدافه، فحسب ما يقول عزمي بشارة مؤسس الحزب أنه كان معارضًا للمشاركة في انتخابات الكنيست، لكن عندما رأى نوعية معينة من الفلسطينيين (ويقصد أولئك الذين يتملقون الاحتلال ويحاولون إثبات أنهم مواطنون صالحون) يتصدرون تمثيل الفلسطينيين في الكنيست، قرر أن يشارك حتى لا يكون هؤلاء ممثلين للشعب الفلسطيني بالداخل المحتل.

وبالفعل كان مسيرة التجمع منذ ذلك الوقت كسر للحدود التي يرسمها المحتل، وضربه من داخل مؤسساته، وليس اللعب وفق قوانينه كما تفعل أكثر الأحزاب الفلسطينية بالداخل.

وعزمي بشارة أصبح "مطلوبًا" لسلطات الاحتلال لأنه قام بتسريب معلومات سرية إلى حزب الله اللبناني (عندما كان الحزب يحارب الكيان الصهيوني وقبل أن يحول بندقيته لقتال الشعب السوري)، كما تعمل حنين الزعبي وباسل غطاس وغيرهم على نفس المبدأ ولكن بأساليب مختلفة.

لماذا تهريب الجوالات أهم من الأذان بالكنيست:

عندما رفع أحمد الطيبي الأذان بالكنيست فهو لم يخالف "القوانين" الصهيونية، بل هو "حق" له منحه إياه الصهاينة، واستغلوا الأمر ليظهروا أنهم ديموقراطيون ومحترمون.

في المقابل فتهريب الجوالات إلى الأسرى الفلسطينيين هي جريمة "أخطر من تهريب المخدرات" كما قال أحد المسؤولين عن أمن سجون الاحتلال، وباسل غطاس قام بتهريبها في تحد لسلطات الاحتلال.

وعندما واجهوه بالأمر لم ينكر ولم يتمسك بحصانته البرلمانية، وهذه بحد ذاتها خطوة شجاعة منه، فهو يريد القول أن تهريب الجوالات للأسرى هو شيء يفتخر به وليس جريمة، كما أنه لا يريد إعطاء فرصة للاحتلال لكي يظهر بمظهر دولة القانون.

فالبديل الآخر أمامه كان المماطلة والدخول بمتاهات التصويت داخل الكنيست، وفي النهاية ستتم إدانته وسجنه بعد إجراءات طويلة، وسيستغل الاحتلال هذه الإجراءات الطويلة ليظهر وكأنه دولة قانون، فهو أراد حرمانهم من هذه التمثيلية الدعائية عندما قرر التنازل فورًا عن حصانته.

لو كان شخصًا آخر لحاول التملص من الحكم قدر الإمكان وربما تخفيف الحكم بالسجن، وهذه تصرفات طبيعية من الأسرى بل الكثير منهم يبالغون في ذلك بأنهم يستمرون بالإنكار حتى بعد صدور الحكم!

ولم يكن أحد ليلوم باسل غطاس لو حاول المماطلة لكي يمضي عيد الميلاد مع أهله، أو أن يخفف الحكم بضعة أشهر، لكنه اتخذ قرارًا شجاعًا بتعرية الاحتلال الذي يحرم الأسرى من التواصل مع أهلهم، والذي سخر منظومة أمنية كاملة لقهر الأسرى وتعذيبهم.

ومن الضروري التأكيد على أن اعتراف باسل غطاس لا يجب أن يكون قدوة للجميع، لأسباب:

الأول: الموضوع انكشف وأصبح معروفًا والإنكار لن يفيده كثيرًا.

الثاني: هو لم يعترف على شركائه في العمل (إن وجدوا) بل تحمل نتيجة اعترافه وحده.

الثالث: هو شخصية سياسية قيادية واعترافه له أهمية تختلف عن شخصية "عادية" سيعتبر اعترافها بأنه خضوع للمحققين وليس خطوة سياسية لتحدي الاحتلال.

ومن يعيش بعيدًا عن واقع السجون لا يعرف طبيعة معركة العقول والإرادات بين الأسرى والسجانين منذ عشرين عامًا حول الجوالات وتهريبها إلى داخل السجون.

فإدخالها إلى السجن تحدٍ ومعضلة كبرى، والحفاظ عليها داخل الغرف والزنازين معضلة أكبر وأعقد، والعقوبات التي يفرضها الاحتلال على الأسرى في حال اكتشف جوال شديدة جدًا.

وكلما اكتشف السجانون طريقة للتهريب أو طريقة لتخبئة الجوالات، سارع الأسرى لابتكار طريقة جديدة، في معركة لا تنتهي، والدكتور باسل غطاس اختار أن يكون إلى جانب الأسرى في هذه المعركة.

في النهاية:

يجب أن يدرك الإسلاميون أنهم ليسوا وحدهم أصحاب المبادئ، أو أصحاب المواقف الجريئة.

ويجب أن يدرك الجميع أن الانتصار على دولة الاحتلال لن نحققه تحت سقف القوانين التي يضعها الاحتلال، والطريق الوحيدة إلى الانتصار تمر عبر كسر هذه القوانين والقيود كما فعل باسل غطاس.

ليست هناك تعليقات: