السبت، 10 سبتمبر 2016

الحراك الشعبي بالضفة في قفص الاتهام



أفرجت السلطة الفلسطينية في سرية تامة أول أمس الخميس عن المختطفين الستة (باسل الأعرج وهيثم سياج ومحمد حرب وسيف الأدريسي وعلي الشيخ ومحمد السلامين)، بعد إضراب عن الطعام امتد لعشرة أيام.

لكن القصة لم تنتهي هنا والأسئلة المطروحة أكثر من الإجابات؛ فالإفراج السري عنهم جاء بناء على طلب الأهل الذين يخشون اعتقالهم على يد الاحتلال، كما أن محاكمتهم مستمرة، حيث أفرج عنهم بكفالة مالية (500 دينار لكل واحد منهم) إلى حين انتهاء المحاكمة.

وكانت مؤسسة الضمير التي يتابع محاموها قضية الشبان الستة قد أصدرت بيانًا الأربعاء الماضي، يفيد بتقديم لائحة اتهام بحقهم تمهيدًا للإفراج عنهم بكفالة، حيث كانوا معتقلين طوال الأشهر الخمسة السابقة رهن التحقيق لدى جهاز المخابرات.

لكن لم تذكر المؤسسة ما جاء في لائحة الاتهام؛ بسبب طبيعة الاتهامات التي تؤدي لقيام الاحتلال باعتقالهم ومحاكمتهم، ورغم كل تلك الإجراءات الوقائية فإنه بحكم التنسيق الأمني فجميع المعلومات تصل لأجهزة أمن الاحتلال أولًا بأول.

سيكشف هذا التقرير عن تفاصيل مثيرة عن النشاطات التي يتهم بها الشبان الستة حسب ما نشرها جهاز الشاباك الصهيوني في شهر تموز، والتي أدت لإعلان وزير الحرب الصهيوني ليبرمان عن حظره للحراك الشبابي بتاريخ 11/7 الماضي.


ما هو الحراك الشبابي؟

بحسب جهاز الشاباك الصهيوني فالحراك الشبابي في الضفة كان يتلقى التمويل من المفكر الإسلامي منير شفيق والقيادي في تيار المقاومة والتحرير بفتح والمقيم في الأردن حلمي عطية بلبيسي، كما كان يتلقى التوجيهات من عطايا أبو سمهدانة والمقيم في لبنان والذي نقل للحراك استعداد حزب الله اللبناني تقديم التدريب المسلح لنشطائه.

وعرف الحراك الشبابي بمشاركته في المظاهرات الشعبية ضد السلطة والاحتلال، كما عرف عنه قرب نشطائه من اليسار الفلسطيني بالإضافة لوجود عناصر من تيارات أخرى، إلا أن الشاباك زعم وجود نشاط عسكري للحراك وأن الذي كان يقود جهازه العسكري هو باسل الأعرج (أبرز المعتقلين الستة) وقام بنقل الأموال من منير شفيق وحلمي بلبيسي وقام بتجنيد العناصر.

ووفقًا لما ذكره بيان الشاباك، فإن الخلية المكونة من الشبان الستة كانت تنوي تنفيذ هجومًا ضد المستوطنين في القدس المحتلة، وبما أن باسل الأعرج والشبان الستة اعتقلوا بتاريخ 9/4/2016م وأنهم كانوا وقت صدور بيان الشاباك في زناين التحقيق التابعة لمخابرات السلطة، فهذا إثبات قطعي على أنهم حصلوا على المعلومات من خلال جهاز المخابرات.

وهذا ليس بالأمر الغريب فوفقًا لإتفاقية أوسلو وتفاهمات "تينيت" و"ميتشل" (عام 2001م) فهنالك لجان أمنية مشتركة بين الجانبين وتبادل للمعلومات الاستخباراتية، وحسب شهادة عدة أسرى محررين لموقع فلسطين نت فقد اكتشفوا أن محاضر التحقيق الخاصة بهم في سجون السلطة قد انتقلت حرفيًا، ووجودها أمام المحققين الصهاينة.

كما أن أحد الذين اعتقلوا لدى السلطة أواخر التسعينات قال أنه أبدى للمحقق في الجهاز الأمني الفلسطيني استعداده للاعتراف بشرط أن لا يعلم الصهاينة، فأجابه المحقق "كل ما يقال هنا يصل إلى الطرف الآخر."

ولم يكتف جهاز الشاباك باعتقال مخابرات السلطة للخلية المكونة من ستة أفراد بل اعتقل آخرين نفذوا عمليات منها إلقاء قنابل وعبوات ناسفة في عدة مناطق بالضفة أكثرها كان على الشارع الاستيطاني رقم 443 والذي يربط بين تل أبيب والقدس ويمر جنوبي غربي رام الله، بالإضافة لتخطيطهم لمهاجمة أهداف صهيونية مثل شركة الكهرباء والقطار الاستيطاني في القدس، بالإضافة لمقاومة اقتحامات المستوطنين للأقصى.

وأعلن الشاباك عن أسماء عدد من الذين اعتقلهم في قضية الحراك الشبابي ومنهم مراد محمد محيسن (27 عامًا) من العيسوية بالقدس المحتلة، واعتبره الشاباك المسؤول عن شراء السلاح ووضع الخطط العسكرية.

بالإضافة لاعتقال حازم شكري القواسمة (28 عامًا) وهو مسؤول الحراك في الخليل وكان مسؤولًا عن التخطيط لعدة عمليات، وتلقى "تدريبات في لبنان على تنفيذ عمليات مسلحة" بحسب الشاباك.

كما حاول الشاباك الزج بوفود شبابية فلسطينية قامت بزيارة تونس ولبنان عامي 2015م و2016م للمشاركة في مؤتمرات حقوقية وإعلامية، من خلال الزعم بأنه استخدمت للقاء أفراد من الحراك مع قيادته في الخارج ممثلة بعطايا أبو سمهدانة.

الحراك الشبابي هل هو تنظيم جديد في الضفة؟

من متابعات موقع فلسطين نت وجدنا أن كل منير شفيق وحلمي البلبيسي من الوجوه البارزة في تيار المقاومة والتحرير بحركة فتح، وهو تيار كان موجودًا أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات ونفذ عدة عمليات ضد الاحتلال، ثم ترك العديد من رموز هذا التيار حركة فتح وعلى رأسهم منير شفيق الذي انضم إلى "سرايا الجهاد الإسلامي" وهو تنظيم انضم لاحقًا لحركة الجهاد الإسلامي، بينما أصبح منير شفيق مفكرًا إسلاميًا مستقلًا لكنه ما زال مقربًا لحركة الجهاد حتى اليوم.

وأعيد إحياء التيار عام 2011م وهو بقيادة غازي الحسيني (75 عامًا) والمقيم في الأردن والذي اعتقلته السلطات الأردنية قبل عشرة أيام في ظروف غامضة، وإن كانت الأخبار المتسربة تقول إنه اعتقل بناء على طلب محمود عباس بسبب دوره في دعم مجموعات فتحاوية بنابلس متمردة على السلطة، إلا أننا نتساءل بما أن الاحتلال يتهم قادة هذا التيار بدعم الحراك الشبابي وتشكيل خلايا مسلحة لمهاجمة الاحتلال ألا يمكن أن يكون اعتقال غازي الحسيني على هذه الخلفية؟

وربما يكون قد اعتقل على خلفية نشاطه في دعم المجموعات المسلحة بنابلس والحراك الشبابي معًا فهذه خطوط حمراء بالنسبة للسلطة والاحتلال، وهنالك أسبقيات للنظام الأردني باعتقال عدد من الشبان في الأعوام الأخيرة بتهمة تقديم الدعم لكتائب القسام وحماس في الضفة.

كما أن حلمي البلبيسي والمقيم أيضًا في الأردن هو أحد منظري التيار واشتهر بكتاباته على موقع الفيسبوك والمنتقدة لواقع حركة فتح ولمحمود عباس، بالإضافة لذلك يوجد جناح عسكري تابع للتيار في قطاع غزة تحت مسمى "كتائب الشهيد عبد القادر الحسيني".

ويأتي طرح الاحتلال لاسم عطايا أبو سمهدانة وهو نجل مؤسس لجان المقاومة الشعبية في غزة جمال أبو سمهدانة، ليكشف عن بعد آخر للقضية، حيث يُعرف أحد جناحي لجان المقاومة الشعبية بعلاقته الجيدة مع حزب الله، كما أنه يسعى لإيجاد امتدادات له في الضفة الغربية، واستقطاب عدد من نشطاء فتح، حيث أن نشأة لجان المقاومة الشعبية جاء من داخل حركة فتح ببداية انتفاضة الأقصى، قبل أن تفك ارتباطها مع فتح بعد وفاة عرفات لتبدأ تحالفًا قويًا مع حركة حماس.

وقد توفي ياسر نزال أبرز قادة لجان المقاومة الشعبية في الضفة بتاريخ 8/7/2016م وكان دوره في العمل المقاوم قد تراجع بعد أن سجنه الاحتلال لعدة سنوات، كما أن تواجد اللجان في الضفة قد تراجع بعد انتفاضة الأقصى بشكل كبير.

فمما سبق وعلى فرض صحة المعلومات التي نشرها الشاباك فيبدو أننا نتكلم عن محاولة لتيار المقاومة والتحرير إيجاد جسم مقاوم في الضفة الغربية، ومحاولة من لجان المقاومة الشعبية لإعادة تواجدها في الضفة من خلال عناوين جديدة، ولا ندري هل دور حزب الله حقيقي أم أنها من مبالغات جهاز الشاباك لأسباب سياسية؟

في المقابل فإن وجود وجوه يسارية بارزة مثل باسل الأعرج يشير إلى أننا أمام شريحة من الشبان الذين قطعوا الأمل من تنظيماتهم سواء فتح أو اليسار، وباتوا يبحثون عن خيارات جديدة لمقاومة الاحتلال بشكل فاعل.

قذارة التنسيق الأمني

اعتمد جهاز الشاباك بشكل واضح على اعترافات المعتقلين الستة لدى السلطة والذين حقق معهم جهاز المخابرات العامة منذ اعتقال ثلاثة منهم قرب قرية عارورة شمالي رام الله بتاريخ 9/4/2016م، ثم اعتقل الثلاثة الآخرين بعدها بأيام قليلة.

وما بين اعتقالهم وقرار ليبرمان بحظر الحراك الشبابي كان هنالك ثلاثة شهور قام الشاباك خلالها بإجراء تحرياته واعتقل نشطاء آخرين في الحراك، وعادة ما يستمر التحقيق مع الشبان على مثل هذه الأمور لدى الشاباك حوالي الشهرين بحسب مختصين، وبعدها قام الشاباك بإعداد دراسة ورفع توصيات للمستوى السياسي بناء عليها قرر ليبرمان حظر الحراك.

أي أننا نتكلم عن تنسيق على أعلى مستوى بين جهاز المخابرات التابع للسلطة وجهاز الشاباك الصهيوني، وأن المعلومات كانت تصل أولًا بأول.

في الختام نتساءل: هل سيعتقل الاحتلال الشبان الستة كما يتخوف ذووهم؟ إن اعتقلهم فمن الذي يتحمل مسؤولية توصيل كل هذه المعلومات إلى الاحتلال؟

وإن لم يعتقلهم الاحتلال فمعناه أن كل المعلومات التي قيلت عنهم كانت كذبًا وأن سجنهم بحجة الحماية من الاحتلال طوال خمسة أشهر كان كذبًا، فمن المسؤول عن اعتقالهم بدون وجود سبب؟

والأخطر من ذلك كيف يقبل قضاؤنا الفلسطيني بمحاكمة شبان بتهمة مقاومة الاحتلال، صحيح أنه أطلق سراحهم لكن القضية ما زالت أمام المحاكم؟

ألا يعتبر هذا تجاوزًا خطيرًا؟ فالسلطة عادة ما تعتقل المقاومين بدون محاكمة، إما بحجة التحقيق أو ما يسمى بالاعتقال "على ذمة المحافظ"، فهل نحن أمام مرحلة جديدة من تجريم المقاومة في الضفة؟ بعد أن جرمت السلطة توصيل الأموال لأهالي الشهداء والأسرى وتعتبرها "غسيل أموال".


كما نتساءل هل اعتقال غازي الحسيني هو امتداد لهذه القضية والتحقيقات؟ أم أن للتنسيق الأمني مسارات أخرى بحث فيها؟

* التقرير منشور على موقع فلسطين نت

ليست هناك تعليقات: