ليست المرة الأولى التي يتم تخصيص فيها مقاعد
للمسيحيين سواء الانتخابات البلدية أو التشريعية، فهذا يعود لانتخابات التشريعي
عام 1996م عندما وضعت كوتة للمسيحيين والسامريين.
والهدف المعلن هو ضمان تمثيلهم بالتشريعي حيث أن
النظام الذي كان معمولًا به يضمن الفوز لمن يحصل على أكثرية الأصوات وكان هنالك
خشية لدى عرفات من عدم وصول أحد من غير المسلمين للتشريعي.
وهو كان حريصًا على أن تظهر السلطة أمام الغرب
على أنها تمثل كل الأطياف الدينية والطائفية على "عكس إسرائيل العنصرية
والطائفية."
عندما أجريت انتخابات 2005م و2006م البلدية
والتشريعي تمت على أساس التمثيل النسبي وبالتالي يفترض أنها تضمن حق المسيحيين
بالتمثيل لكن عباس تمسك بالكوتة المسيحية وألغى الكوتة السامرية.
هدف عباس إلى تقليل فرص فوز حماس كونها غير قادرة
على إقناع مسيحيين بالانضمام لقوائمها (وعمليًا أستطاعت التحالف مع مرشح مسيحي
واحد فقط في التشريعي وهو حسام الطويل في غزة)، ومن ناحية أخرى يريد الحفاظ على
الطابع المسيحي للمدن والقرى التي كانت تاريخيًا ذات أغلبية مسيحية وتحولت لأغلبية
مسلمة.
اللافت للنظر في هذه الانتخابات ليس تخصيصه مقاعد
للمسيحيين بقدر ما هو حرصه على زيادتها بطريقة "استفزازية" رغم أن
تعدادهم نقص خلال السنوات الماضية.
في الانتخابات السابقة كانوا يضمنون للمسيحيين
النصف + 1 من المقاعد في هذه البلديات بالإضافة لمنصب الرئيس، لكن في هذه المرة
هنالك زيادة ببعض البلديات مثل بيت جالا وبيت ساحور لتكون 10 مقاعد للمسيحيين،
مقابل 3 مقاعد للمسلمين رغم أنهم حوالي نصف تعداد السكان في هاتين البلدتين وكان
بالإمكان الإبقاء على 7 مقاعد للمسيحيين و6 للمسلمين لو كان القصد فقط الحفاظ على
قيادة مسيحية للبلدية.
وهذه الأنظمة ظالمة لحماس ولا تمثل النسبة
الحقيقية للمسلمين؛ فمثلًا نسبة المسيحيين في مدينة رام الله لا تتجاوز 25% لكن
يخصص لهم 8 مقاعد من 15 مقعد بمن فيهم الرئيس، وفي انتخابات عام 2005م حصلت قائمة
حماس على أكثر من ثلث الأصوات بقليل وبينما جاء بعدها قائمتي فتح واليسار بأقل من
الثلث بقليل لكل منهما.
حماس لم تأخذ أي من المقاعد المسيحية الثمانية
لأنه لا يوجد مسيحيين على قائمته، فحصلت على ثلاثة من المقاعد السبعة الأخرى،
ومقعدين لكل من فتح واليسار اللذان تقاسما أيضًا مقاعد المسيحيين الثمانية.
في كل القرى والمدن التي تم تخصيصها للمسيحيين
أغلبية السكان من المسلمين، باستثناء بيت ساحور وبيت جالا وجفنا فالوضع غير واضح
حيث أنه حسب إحصائيات عام 1997م هنالك أغلبية طفيفة للمسيحيين لكن بحكم التحولات
الديموغرافية فمن شبه المؤكد أن المسلمين أصبحوا أغلبية حتى في هذه المناطق.
العمل على ضمان تمثيل للمسيحيين أمر مقبول ولا
أرى عيبًا فيه من حيث المبدأ لكن أن يزج عباس بالمسيحيين في مناكفاته السياسية
السخيفة مع حركة حماس، وأن يستخدمه ليكونوا وقودًا لنزاع طائفي يظن عباس والمحيطين
به أنه سيحصل ليست أكثر من ولدنة وسخافة.
حركة حماس تتبع سياسة (منذ نشأتها) عدم الدخول في
أي مناكفات طائفية مع المسيحيين أو غيرهم، وهي تنازلت في أكثر من موقف عن حقوقها
حتى لا تدخل في دوامة مناكفات طائفية ستكون هي الخاسر الأكبر.
وهذه المرة لن تكون استثناء فرغم أنها متضررة من
القرار فستتعامل إعلاميًا مع القرار وكأنه لم يصدر، وستتقبله عمليًا في الممارسة
الانتخابية، وهذا الموقف معروف من حماس لكن يبدو أن من نصح عباس بالقيام بهذه
الخطوة الاستفزازية جاهل ومبتدئ بالسياسة.
وأخيرًا على هامش القرار: السلطة قررت قبل فترة
قصيرة شطب خانة الدين من بطاقات الهوية، حتى تحارب التمييز الطائفي، السؤال الآن
هو كيف ستميز بين المسيحي والمسلم عند الترشح وتقرير النتائج؟ هذا التناقض في
القرارات يدل على أن الذين يخططون لمحمود عباس مجرد هواة يقلدون الطريقة المصرية
(السيساوية) في القرارات غير المنطقية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق