الجمعة، 11 أبريل 2014

خالد الحروب وفدوى نصيرات والسلطان عبد الحميد الثاني


خالد الحروب


بداية اعترف أني كنت مخدوعًا بخالد الحروب، وقد حاولت التغاضي عن دعوته لحماس بالانخراط في أوسلو والسلطة أواسط التسعينات، وحاولت تأويل كلامه المبطن وقتها، لكنه انتقل بعدها لهجوم شرس على التيار الإسلامي بشكل عام.

وكان محور هجومه أن مشكلة التيار الإسلامي هو الإسلام بحد ذاته، طارحًا العلمانية كحل لكل مشاكل المسلمين، وإن كان يمدح فصيلًا إسلاميًا مثل حماس فلأنها قاومت الاحتلال وليس لأنها تبنت الإسلام، وإن رأى في أردوغان نجاحًا فلأنه تخلى عن الإسلام وليس لأي سبب آخر.

نأتي الآن إلى موضوعنا وهو الهجوم القاسي الذي شنته فدوى نصيرات في كتابها على السلطان عبد الحميد الثاني، وأيده خالد الحروب في عرضه للكتاب، أنا لم أقرأ الكتاب إنما قرأت ما كتبه الحروب لذا سأرد بناءً عليه.
السلطان عبد الحميد الثاني

أولًا: لست مع الذين يبالغون بإبراز دور السلطان عبد الحميد في الدفاع عن فلسطين أو الدولة العثمانية، لأنها كانت دولة مهترئة في آخر أيامها، دولة مهترئة على صعيد القيادة وعلى صعيد المجتمعات المتخلفة.
 
ضعف الدولة العثمانية في جزء كبير منه ناجم عن ضعف المجتمعات العربية والإسلامية التي كانت تشكل هذه الدولة، خاصة إن كنا نعلم أن طريقة إدارة الدولة العثمانية كانت تعتمد على لامركزية كبيرة، مما يجعل الكثير من الثغرات والأخطاء تأتي من نفس هذه المجتمعات.

ثانيًا: من معلوماتي المتواضعة في التاريخ (كشخص مهتم لكن غير متخصص) أجد أن الفكرة الصهيونية لها جذور في الهجرة اليهودية إلى فلسطين منذ أواخر عهد المماليك وبداية عهد العثمانيين.

لكنها بقيت حركة مقيدة ومحدودة تواجهها إجراءات وقوانين حاسمة سواء من السلطة المحلية في القدس (حيث المقر الإداري في ذلك الوقت) أو من الحكومة المركزية العثمانية، ومن الأمثلة على ذلك (فقط للتوضيح): حكم من المحكمة الشرعية في القدس بالقرن السادس عشر الميلادي يمنع اليهود من زيارة مقام النبي صموئيل شمال المدينة، لأن أهل المنطقة اشتكوا من زيارات اليهود وخافوا أن تكون مقدمة للاستيلاء على المكان، وانتهى الأمر بمنعهم.

ثالثًا: عندما جاءت الحركة الصهيونية في بداية القرن التاسع عشر (قبل تولي السلطان عبد الحميد للحكم) كانت الدولة العثمانية ضعيفة ومخترقة والمجتمعات العربية مخترقة من الاستعمار الغربي وبدرجات متفاوتة.

رابعًا: بعد ازدياد المطالبات بمنع اليهود من الشراء صدرت قرارات من الدولة العثمانية أكثر من مرة، وأكدها السلطان عبد الحميد، لكن أين المشكلة؟ لقد كانت في ضعف الدولة العثمانية والفساد الإداري المنتشر، فالكثير من صفقات البيع كانت تمرر من خلال رشاوى تدفع للمسؤولين الصغار في فلسطين، كما كان الصهاينة يتحايلون على القرار من خلال دفع أموال لليهود السفارديم ممن كانوا يعيشون في فلسطين وكانوا رعايا الدولة العثمانية وأبناء المجتمع "الفلسطيني"، وكانوا بهذه الصفة يشترون الأراضي لصالح الحركة الصهيونية.

خامسًا: عندما انهارت الدولة العثمانية استباح البريطانيون فلسطين وأسسوا للمشروع الصهيوني وأعطوه دفعة قوية.

سادسًا: ما يزعمه خالد الحروب أن الإسلاميين يقولون أن الدولة العثمانية كانت حامي الحمى وأن القوميين والليبراليين هم من ضيعوا فلسطين، هو محض افتراء ومحاولة سحب كلام بعض العاطفيين من مؤيدي التيارات الإسلامية وتعميمه.

أغلب التيارات والحركات الإسلامية تقول بوضوح أن الدولة العثمانية كانت ضعيفة وهشة وفيها خلل كبير، كما يقولون أيضًا أن التيارات القومية واليسارية زادت الأمور بؤسًا ولم تصلح شيئًا من أخطاء الدولة العثمانية.

فهنالك فرق بين أن تقول أن فلسطين كانت في أمان وطمأنينة أيام السلطان عبد الحميد والعثمانيين وأن العلمانيين ضيعوها، وبين أن تقول أنها كانت في خطر والمشروع الصهيوني يتقدم فيها وجاء العلمانيون وزادوا الطينة بلة.

سابعًا: بناءً على ما سبق فإن كنت ضد المبالغة بدور السلطة عبد الحميد بالدفاع عن فلسطين وتجاهل عجزه بسبب اهتراء الدولة ونخر سوس الفساد لأسسها (ما نراه من فساد مستشري اليوم في سوريا ومصر وغيرها من الدول العربية هو من موروثات الدولة العثمانية).

ففي المقابل فإن هنالك تجاهلًا للخلفية التاريخية والاجتماعية لتلك الفترة سواء لدى فدوى نصيرات أو خالد الحروب وفي هذا قفز عن أبسط بديهيات البحث العلمي الرصين، وهنالك حرص على تأويل قرارات السلطان عبد الحميد وتعسفًا في تفسيرها، وحملها على معاني توائم هوى الاثنين، وأخيرًا هنالك محاولة لإسقاط تهم جاهزة ومعلبة على الحركات الإسلامية بأنها تعيش في التاريخ ولا تعيش الواقع، ربما هذه دعوة للحروب أن يأتي لعالمنا ويعيش فيه، بدلًا من اتهام الحركات الإسلامية بأمور غير موجودة إلا في خياله.

ليست هناك تعليقات: