تعاون بين السلطة والانقلابيين للتحريض على حماس |
في حين ما زال العالم منشغلًا بالانقلاب الذي أطاح بمحمد مرسي وتداعياته،
وإمكانيات نجاحه أو فشله، اتجهت الأنظار يوم أمس تجاه قطاع غزة حيث كشفت حركة حماس
عن وثائق تثبت ما أسمته حملة إعلامية كانت سلطة رام الله تساعد في شنها من أجل
تشويه الحركة ومواقفها والزج بها في معترك الصراع المصري الداخلي.
والحقيقة أنه لم نكن بحاجة لمثل هذه الوثائق لنرى الحملة
الممنهجة ضد الحركة، فالإعلام المصري الموجه يزخر بمواد إعلامية مفبركة تتعمد
تشويه الحركة واتهامها بالتورط بالشأن الداخلي المصري، وذلك منذ فوز مرسي بانتخابات
الرئاسة، ولنا أن نتذكر الإشاعات التي تكلمت عن إرسال حماس سبعة آلاف مقاتل
للمحاربة في محيط قصر الاتحادية لحمايته من المتظاهرين المناوئين لمرسي، وعن بيع
سيناء إلى حماس، وعن قيام قوة خاصة من القسام
باقتحام سجن النطرون والإفراج عن الموجودين فيه بما فيه أربع وثلاثون من
قادة الإخوان في 30/1/2011م (وهي التهمة الموجهة اليوم لمرسي بحجة التخابر مع حماس
حيث أنه كان أحد المسجونين في ذلك السجن).
وكان يمكن ملاحظة تلك الحملة بوضوح قبيل مظاهرات 30 يونيو ببضعة أسابيع،
وكانت حماس تتكلم منذ وقتها عن أن الحملة موجهة ضدها بشكل خاص، وقد كتبت وقتها مقالين
بعنوان "توضيحات لا بد منها بخصوص علاقة حماس بالربيع العربي"،
و"حماس وأسطورة جيوشها الجرارة" تطرقت إلى وجود توجه متعمد عند بعض وسائل
الإعلام الموجهة للمبالغة بقدرات حماس وإظهارها على أنها قوة إقليمية تتدخل في
الدول العربية.
حماس ومرسي:
البعض يزعم أن حماس تضررت بسبب علاقتها بالإخوان المسلمين في مصر وأنها
تدفع فاتورة الصراع المصري الداخلي، إلا أن الواقع يثبت أن العكس تمامًا هو الصحيح،
فمحمد مرسي تمت الإطاحة به بسبب موقفه وموقف الإخوان من فلسطين ودعمهم لخيار
المقاومة وخيار تحرير كامل فلسطين.
دور مرسي في حرب غزة أقلق الصهاينة |
ولعل موقف مرسي الحازم والحاسم خلال حرب غزة الأخيرة كان بمثابة جرس إنذار أكد مخاوف الصهاينة والأمريكان من الدور الذي يمكن أن يلعبه الإخوان تجاه القضية الفلسطينية، وكان يمكن استشعار ذلك من الجهود العظيمة التي بذلها مرسي من أجل الضغط على الأمريكان للتوصل إلى صفقة بشروط حماس، وأحيلكم إلى تصريحه قبل نهاية الحرب بيومين والمبطنة بتهديد شبه صريح بأن "الحرب ستنتهي قريبًا وأنه لن يسمح باستمرارها".
وهنا تأكدت شكوك الصهاينة والأمريكان بأن التزام مرسي بكامب ديفيد ليس
أكثر من صفقة مع المجلس العسكري، حيث الأولوية لتمكين وضع النظام الجديد واستبدال
نظام مبارك الذي تبين لاحقًا أنه بقي موجودًا وبكل قوته في كافة أجهزة الدولة.
ولقد تعمد العسكر إحراج مرسي من خلال حملات متعددة ضد الأنفاق كما عمل
الإعلام الموجه على تصوير مرسي كأنه يسير على درب حسني مبارك من أجل إحراجه أمام
جمهوره من الإسلاميين ودفعهم للانفضاض من حوله، فيما كانوا يعملون على مستويات
أخرى من أجل منعه من تقديم أي شيء ذو قيمة للفلسطينيين أو لحركة حماس، ولهذا السبب
كان سيل الإشاعات والقصص الغريبة العجيبة التي تتكلم عن تدخل حمساوي في مصر، وعن
قيام مرسي بتهريب الغاز والكهرباء لغزة والتسبب بالأزمة المعيشية داخل مصر، بحيث لم
يعد مقبولًا في الرأي العام المصري تقديم أي امتيازات أو خدمات للفلسطينيين عمومًا
ولحماس خصوصًا.
وتكثفت هذه الإشاعات قبيل الإطاحة بمرسي لإعطاء الإنقلاب شرعية من ناحية،
وتمهيدًا لتشديد الخناق على حركة حماس من الناحية الأخرى.
ماذا لو نجح الانقلاب؟
باراك ونتنياهو يعلنان عن قبولهما بالتهدئة في نهاية حرب عام 2012 |
أصبح لدى الصهاينة في غزة وضع خطير جدًا، فكميات الأسلحة تتراكم وبنوعيات
متقدمة، وفي حال نجح الانقلاب ستكون فرصة لن تتكرر أمامهم لضرب حماس الضربة
المميتة التي تطيح بكل منظومتها العسكرية، وفي المقابل فإن العسكر وفلول مبارك
سيكونوا معنيين بتقديم خدمات لحليفهم الاستراتيجي (الكيان الصهيوني)، كما أن
السلطة وانطلاقًا من فهمها لطبيعة علاقتها مع الكيان وأن استمرار وجودها مرتهن بما
تقدمه من خدمات للاحتلال.
وعليه يجب أن نتوقع الأسوأ فيما لو نجح الانقلاب العسكري واستقر أمره،
وسيكون الوضع أسوأ من أيام حسني مبارك خاصة وأن التيار الذي تحرك أيام مبارك
للاحتجاج على عدوان عام 2008م على غزة سيكون مغيبًا وغير قادر على الحراك.
ماذا لو فشل الانقلاب؟
وفي المقابل ففي حال فشل الانقلاب فموقف حماس سيتعزز وخصوصًا أن الإخوان
سيشعرون وقتها أنهم غير ملزمين بتقديم صفقات وتسويات لصالح العسكر فيما يتعلق
بكامب ديفيد والعلاقة مع غزة والعلاقة مع الكيان، وخاصة أن الصفقة التي حصلت أيام
مرسي لم تنفعهم بل كانت عبئًا عليهم بل واستخدمها خصومهم من الانقلابيين لتشويه
صورتهم أمام جمهورهم من الإسلاميين.
وربما الأمل الوحيد لإنقاذ كامب ديفيد وعدم حصول تغيير جذري في علاقة
دولة هامة ومحورية ودولة من دول الطوق مع الكيان الصهيوني، هو التوصل لاتفاق سياسي
يرضي كافة الأطراف المصرية، ويحفظ للانقلابيين ماء وجههم، ولهذا السبب نرى أمريكا
تمسك (علنًا) العصا من المنتصف، فإن نجح الانقلاب فسيكون جيدًا لها، وإن فشل
فستعمل على إيجاد تسوية تضمن عدة أمور وعلى رأسها كامب ديفيد.
خطتهم الآن:
لعل المرء يتساءل: "ماذا يخطط القوم ضد حركة حماس الآن؟"،
و"كيف سيكون سيناريو الإطاحة بالحركة وإزاحتها من غزة؟"
لعل الخطوة الأولى هي الحملة الإعلامية المكثفة ضد حماس، من أجل إفقادها
أي تعاطف شعبي داخل الجمهور المصري، وتمهيدًا لأي خطوات قاسية تتخذ ضد قطاع غزة
بحجة أن الأمر خلاف سياسي مع حلفاء الإخوان (حماس) وليس تعاونًا مع المحتل لضرب
حركة مقاومة فلسطينية.
أربكت حماس خصومها بكشفها عن الوثائق |
الخطوة الثانية هي تشديد الحصار تدريجيًا على قطاع غزة وخنقها، من أجل
إيجاد وضع اقتصادي صعب داخل القطاع، من أجل تهيئة الرأي العام الغزاوي للانتفاض
والثورة ضد حماس، كما انتفض المصريون ضد مرسي بسبب أزمات الكهرباء والوقود، وقد
بدأت هذه الخطوة بحملة تدمير الأنفاق في اليوم التالي للانقلاب، وقد استطاع العسكر
تدمير 80% من أنفاق غزة كما ذكرت بعض التقارير.
ونلاحظ أن الصهاينة لا يشاركون بتشديد الحصار، وهذا أمر متعمد وضمن
السياق الأوسع، لأنهم لا يريدون الظهور في المشهد وإلا فستنقلب الخطة عكسية،
فالجمهور الفلسطيني لا يتقبل أن يستجيب لضغوط الاحتلال، وإلا سيظهر بمظهر العميل
للمحتل، بل على العكس فمشاركة الاحتلال في هذه المرحلة بتضييق الحصار سيزيد من
شعبية حماس، وسيسيء لمظهر الانقلابيين ويكشف حقيقة تواطئهم مع المحتل.
الجيش المصري يدمر الأنفاق مع غزة |
لذا لن نرى الصهاينة يساهمون بشكل مباشر في حصار غزة أو خطة ضرب حماس،
إلا بعد أن ينجح أمر الانقلاب ويستقر أمره، أما طالما بقي الوضع الداخلي المصري
غير مستقر، فسيحرصون على البقاء خارج المشهد، وإدارة العمليات من وراء الكواليس.
الخطوة الثالثة هي إطلاق تمرد غزة، ويبدو أن التجربة الفاشلة لإطلاق ثورة
ضد حماس في شهر آذار عام 2011م إثر مظاهرات "إنهاء الانقسام"، تعيق
انطلاق أي تحرك ميداني في غزة يريد استنساخ تجربة تمرد، ولربما يشن جهاز الأمن
الداخلي لحركة حماس حملة اعتقالات في صفوف نشطاء فتح الذين سيحاولون الانخراط بهذا
المخطط.
ولحد الآن فكل ما رأيناه هو صفحات فيسبوك تحت هذا المسمى، يديرها مهرجو
الإعلام الفتحاوي مثل جمال نزال ومن هو على شاكلته، وفي اعتقادي أنه طالما كان
الوضع المصري غير مستقر فلن نرى ترجمة حقيقية لهذه المحاولة، وربما يؤجل القوم
إطلاق المخطط بشكل جدي إلى أن يؤتي الحصار أكله ويبدأ الناس بالشعور بآثاره
السلبية، وهذا سيحتاج لعدة أشهر على الأقل.
بعد فترة من الحصار والحملات الإعلامية، وبعد استقرار أمر الانقلاب (كما
يأمل الحلف الصهيو-أمريكي) سيكون وضع غزة الداخلي ضعيف ومهيأ لأي عمل يوجه ضد
حماس، وعندها تفتح الاحتمالات على مصراعيها؛ قد يرون أن الوضع مواتٍ لتنظيم ثورة
شعبية ضد حماس، أو قد تتاح الذريعة لتدخل عسكري مصري داخل القطاع، أو ربما يشن
الصهاينة حربًا قاصمة ضد حماس، ما زال مبكرًا على القوم أن يحسموا أي هذه الخيارات
يتبعون، فالمخطط ما زال في بداياته، ولا شك أن الانتفاضة الشعبية في مصر تعيق
المضي قدمًا في هذا المخطط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق