ثانيًا، اختيار الجمهور الذي سنخاطبه.
نواصل معًا الدورة ونتكلم اليوم عن أهمية اختيار
الجمهور الذي سنخاطبه، وهذه خطوة غاية في الأهمية، لأنه يترتب على ذلك اختيار
الوسائل التي سنختارها وطريقة صياغة الرسائل الإعلامية واللغة المستخدمة.
ومثلما لا يعقل أن نكلم جمهورًا صينيًا باللغة
العربية أو العكس، فأيضًا لا يعقل أن نخاطب جمهورًا من الأطفال باستخدام لغة أرقام
وحسابات ومفردات لغوية معقدة، فليس مهمًا أنك تفهم رسالتك أو كيف تفهمها أنت، بل
المهم كيف يفهمها المتلقي، الذي قد لا يفهم رسالتك وقد يفهم رسالتك بطريقة عكسية.
عند اختيار وتحديد الجمهور الذي سنخاطبه يجب
الأخذ بعين الاعتبار المعايير الآتية:
التقسييمات الديموغرافية (الفئة العمرية والمستوى
التعليمي ومكان السكن والمستوى الاجتماعي والجنس):
فمخاطبة الفئات العمرية الأصغر سنًا تقتضي لغة أكثر بساطة، وتركيزًا أكثر
على الوسائل السمعية البصرية (فيديوهات) والرسائل البصرية (صور، تصاميم فنية، وما
شابه)، فكلما زاد العمر كان بالإمكان زيادة عدد الكلمات والتقليل من الرسائل
البصرية المستخدمة.
كما أن المستوى التعليمي له تأثيره فلا تخاطب غير الجامعيين بلغة
الإحصائيات والنسب والإنحراف المعياري وغيرها من الوسائل الإحصائية المعقدة، تكفي
إحصائيات بسيطة توصل وجهة نظرك.
وعند الكلام عن المستوى الاجتماعي فلو أردت مخاطبة الفقراء راغبًا بزيادة
وعيهم بحقوقهم المالية أو حقهم بالتأمين الصحي، فلا تنظم حملة عبر الانترنت! تعرف
على وسائل الإعلام التي يعتمد عليها الفقراء، وهي بالغالب التلفزيون، وقد تحتاج
لتنظيم حملات للتواصل بشكل شخصي أو تنظيم محاضرات أو دروس في أحيائهم.
أما الإناث والذكور فالاختلافات هي في الاهتمامات والأمور التي تلفت
الانتباه لكل منهما، فتجد اهتمامًا بالرياضة والسيارات لدى الشباب، بينما البنات
لديهن اهتمامًا أكثر ببرامج المسلسلات التركية (على سبيل المثال) والبرامج الحوارية
الاجتماعية وربما برامج الطبخ، فقد تستخدم هذه العناوين وسيلة لمخاطبة الفئة
المناسبة، كأن تنظم مناسبة رياضية ضمن حملة لتوعية الشباب بالأخطار التي تهدد
الأقصى.
طبعًا ما قمت بعرضه هو مجرد رؤوس أقلام لما يجب الالتفات إليه، ونرى أن
الاختلافات بين الفئات المختلفة تتمحور حول الأمور التالية: مستوى الاستيعاب،
والاهتمامات، ووسائل الإعلام الأكثر استخدامًا، لكل فئة من هذه الفئات.
هل هو جمهور صديق؟ أم محايد؟ أم خصم؟
من الأخطاء الشائعة والقاتلة التي يرتكبها الكثيرون أنهم لا يميزون
باللغة التي يستخدمونها طبيعة الجمهور المخاطب، فأنت لا تخاطب الصديق بنفس اللغة
التي تكلم بها المحايد ولا بنفس اللغة التي تخاطب بها الخصم.
الجمهور الصديق عادة توجه له رسائل إما أنها ترفع من معنوياته، فمثلًا
تخاطب مؤيدي القضية الفلسطينية بالدول العربية مطمئنًا إياهم على الوضع داخل
فلسطين وأن المقاومة بخير وتنتصر، وإما أنها تحثهم على الإقدام وتقديم المساعدة في
مجال ما، كأن يتوجهوا للخروج في مظاهرات احتجاجًا على انتهاك حرمة المسجد الأقصى.
أما الجمهور المحايد فأنت تريد استمالته لجانبك أو دفعه للتخلي عن عدوك،
وتذكر فيما أن الجمهور الصديق يقبل أي شيء تقوله لهم (تقريبًا) فالمحايد لا يأخذ
كلامك على أنه مسلمات، لذا تكلم أكثر لهذا الجمهور عن مبرراتك وتوسع بالشرح عن
الأسباب التي تدعوهم لكي يدعموك.
أما الخصم فليس مجديًا أن تخاطبه بالأسباب التي تدعوه لكي يؤيدك بطريقة
مباشرة، لأنه بالعادة تكون لديه ردة فعل تلقائية يرفض كل ما تقوله له، كما يجب أن
تحدد هل تريد أن تهزم الخصم نفسيًا أم أن تتقرب إليه (في خطوة تصالحية).
وعادة في الحرب النفسية (ولها أصولها) فأنت حريص على إخافة خصمك، وأنه إن
لم يستسلم أو يخضع فستكون العاقبة وخيمة، وأنك صلب ولن تنهار، وأنه لو استسلم
فسيكون العقاب النازل به أقل ضررًا.
هل هو جمهور جديد لا يملك خلفية جيدة عن القضية؟
أم جمهور قديم وسبق التواصل معه؟
كما يجب أن تعرف درجة امتلاك الجمهور المخاطب لمعلومات عن القضية التي
تتناولها في حملتك الإعلامية.
فمثلًا تنظيم حملة إعلامية لمقاطعة البضاعة الصهيونية
داخل فلسطين ستجد الناس يمتلكون حقائق ومعلومات كافية عن إجرام الاحتلال الصهيوني
وعن البضائع الصهيونية وعن أضرار الشراء من الصهاينة، فهم بحاجة للتذكير بها عبر
رسائل سريعة، والتذكير غير الشرح.
أما الجمهور الغربي فأنت لا تذكره لأنه لا يعرف شيء بل يجب أن تشرح له
وأن تتوسع في ذلك، قبل أن تطلب منه مقاطعة البضاعة الصهيونية.
هل هم قادة الرأي أم عامة الناس؟
تتكلم بعض نظريات الإعلام عن ضرورة التوجه لما
يسمون بقادة الرأي داخل المجتمع، وهم الأشخاص الذي يؤثرون على غيرهم من أهلهم
وأصدقائهم ومعارفهم، بدلًا من التوجه لكل الناس.
وذلك حسب هذه النظريات أن عامة الناس لا تأخذ
قرارات من تلقاء نفسها بل ترجع إلى أشخاص تثق بهم وبرأيهم، فبالتالي من الأجدى
مخاطبة هؤلاء الأشخاص المؤثرين والذين يلقى عليهم مسمى "قادة الرأي".
وقادة الرأي يميلون للاهتمام بالتفاصيل وهم عادة
ملمين بالمواضيع السياسية وبوجهات النظر المختلفة، لذا يجب الخوض بكل التفاصيل
معهم والرد على كل الشبهات المحتملة، أما عامة الناس فيميلوا للرسائل القصيرة
والمختصرة والتي لا تدخل في تفاصيل كثيرة، ودرجة قبولهم للرسالة الإعلامية تعتمد
على درجة ثقته بالجهة التي تنظم الحملة أو من خلال نصيحة يعطيها إياه قائد الرأي
الذي يثق به.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق