السبت، 14 يناير 2017

هل تطيح أزمة الكهرباء بحركة حماس؟


لا شك أن المظاهرات التي تخرج في قطاع غزة قد أحيت الأمل لدى الاحتلال الصهيوني (ومن يدور في فلكه) بأنه من الممكن الإطاحة بحركة حماس من خلال "ثورة شعبية".

وهذا سيدفعهم لمزيد من إحكام الحصار وتعقيد مشكلة الكهرباء، لعل وعسى تتدهور الأمور في قطاع غزة نحو الفوضى العارمة.

وإن كان البعض يحلم بالعودة إلى حكم قطاع غزة على ظهر دبابة صهيونية أو من خلال أسلاك الكهرباء، فالواقع شيء آخر تمامًا فلن تهرب قيادات حماس، وهنالك عشرات الآلاف من كوادر وأبناء الحركة والقسام ممن سيكون مصيرهم سجون السلطة والاحتلال، فيما لو أطيح بحركة حماس.

فلن يقبلوا بخروج الحركة من الحكم بهذه السهولة، ولو كان هنالك ديموقراطية على الطريقة الأوروبية وتداول سلمي للسلطة، لكان من الواقعي انتظار اللحظة التي تترك فيها حماس الحكم، لكن بما أن المسألة حياة أو موت ولحظة ينتظرها الاحتلال والسلطة من أجل إبادة حماس وسفك دماء أبنائها فهذا لن يتحقق.

لذا فأمل الاحتلال هو أن تتدهور الأمور في قطاع غزة لتصبح حربًا أهلية تطحن الأخضر واليابس، وتقضي على الخطر الذي تمثله مقاومة قطاع غزة بالنسبة للاحتلال.

إلا أن الأمور لم تقترب إلى هذا، وما زالت بعيدة كل البعد، رغم التوتر والمظاهرات والتحريض الممنهج على مواقع التواصل الاجتماعي، ورغم الانتقادات الموجهة لحماس في تعاملها مع بعض هذه المسيرات، إلا أن الحركة لديها أوراق قوية تساعدها، إلى جانب قاعدتها الجماهيرية القوية.

فأغلب التنظيمات، وبالأخص اليسار والجهاد الإسلامي، تتمتع في ظل حكم حماس بامتيازات واسعة من مقرات ومعسكرات للأجنحة العسكرية وحرية عمل واسعة، ورغم استغلالها موجة المظاهرات من أجل المزايدة على حماس وفتح وكسب النقاط الإعلامية، إلا أنها لن تغامر بفقدان الامتيازات التي يتمتعون بها، لأنه لو رحلت حماس وجاءت السلطة (أو الاحتلال) فسيفقدون كل شيء وسيبكون دمًا على خسارتهم لحماس.

وفي المقابل فإن استمرار الضغط على حياة الناس اليومية يطرح أسئلة حول قدرتهم على الصمود، فإلى متى يستطيع الناس الحياة بأربع ساعات كهرباء أو أقل؟ وهذا ما يراهن عليه الاحتلال والجهات التابعة له.

ما الذي باستطاعة حماس أن تفعله حتى تحل أزمة الكهرباء؟



أولًا: الاستقرار الاجتماعي والالتفاف الشعبي حول حماس، وتوجيه الغضب نحو الاحتلال، سيضعف من ورقة الكهرباء وسيجعل الأطراف المحاصرة لغزة أكثر مرونة بما يتعلق بإيجاد حلول لأزمة الكهرباء.

أما طالما كان هنالك توتر في الشارع الغزي فستزيد هذه الأطراف من حصارها الخانق.

ثانيًا: تصحيح خطابها الإعلامي الخاطئ، والذي حول مشكلة الكهرباء من حصار يمارسه الاحتلال، إلى مشكلة داخلية مع السلطة الفلسطينية.

فرغم أن السلطة هي واجهة للاحتلال يمرر من خلالها سياسة الحصار التي يفرضها على غزة، إلا أن حماس ركزت هجومها طوال الوقت على السلطة، أما من يوجه السلطة من خلف الكواليس فكان إعلام حماس يتجاهله.

بل نجد بعض الناطقين باسم حماس مثل مشير المصري يقولون أن المشكلة "فقط" في السلطة الفلسطينية.

أنت لا تستطيع أن تطلب من الناس الصبر من أجل صراعك مع فتح والسلطة، لكنهم سيتضامنون معك في وجه صراعك مع الاحتلال.

وعالميًا فإن مقدار التعاطف الدولي معك سيكون أقوى عندما تتكلم عن الاحتلال الذي يقطع الكهرباء عن غزة، وستمارس عليه ضغوطًا أكبر، أما عندما تتكلم عن السلطة فالمتعاطفون سيكونون أقل، ولن تجدي أي ضغوط تمارس على السلطة لأن قرارها ليس بيدها!!

ثالثًا: لم تستثمر حماس في الطاقة البديلة بالشكل الكافي خلال السنوات السابقة، فالطاقة الشمسية قادرة على حل مشكلة الإنارة والاتصالات في أغلب المنازل بقطاع غزة وبشكل جذري، وبالإمكان استخدامها من أجل تزويد المنشآت العامة (الوزارات والمساجد والمدارس) بأغلب الطاقة الكهربائية التي تحتاجها.

ورغم تأخر حماس في ذلك إلا أنه لم يفت الأوان بعد، وبالإمكان الاستفادة من انخفاض تكلفة ألواح توليد الطاقة الشمسية من أجل التوسع بمشاريع الطاقة الشمسية.

وللطاقة البديلة فوائد أخرى استراتيجية تتمثل في أنها مصدر طاقة مستقل، لا يستطيع أحد قطعه، ويصعب قصفه (مثلما قصفت محطة توليد الكهرباء عام 2006م) فلا يمكن استهداف آلاف وحدات الطاقة الشمسية المتفرقة بضربة واحدة.

رابعًا: لم تعالج حماس بشكل جذري مشكلة جباية فواتير الكهرباء في قطاع غزة، وهنالك آلاف وعشرات آلاف المشتركين من المقتدرين أو حتى الأثرياء ممن لا يدفعون فواتير الكهرباء، وفضلت حماس تصدير الأزمة إلى السلطة في رام الله لتطالبها بتحمل تكلفة الفواتير.

والسلطة ليست معنية بحل مشكلة الكهرباء لذا تتكرر أزمة انعدام الأموال المخصصة لشراء الوقود لمحطة التوليد، ولا تحل إلا بعد وساطات وتدخلات من قطر وغيرها من الدول.

إلزام المشتركين بدفع جزء من استهلاكهم الكهربائي يساهم بحل مشكلة التمويل من ناحية.

كما يساهم من ناحية أخرى في ترشيد الاستهلاك الكهربائي، لأن مجانية الكهرباء تشجع على الهدر، بينما يتشجع المستهلك على استخدام أجهزة كهربائية موفرة عندما يدفع الفاتورة من جيبه.

أما شماعة عدم استطاعة الكثيرين دفع الفواتير فهذه لها ألف حل وحل، لكن يجب تثبيت مبدأ أن الأصل هو دفع الفاتورة، والاستثناء هو الإعفاء وليس العكس.

في الختام:

المسيرات والمظاهرات بشكلها الحالي تشجع الاحتلال والسلطة على تشديد خناق الحصار وتعقيد مشكلة الكهرباء، ومن أجل حلها يجب توجيه الضغوط إلى الاحتلال بالدرجة الأولى، ويجب البحث عن بدائل مختلفة، ويجب تحسين الجباية من المواطنين.

وليس من المتوقع أن تطيح هذه الأزمة بحركة حماس (رغم أن منطقتنا العربية عودتنا على المفاجئات في السنوات الأخيرة) لذا فالمجال ما زال مفتوحًا أمامها لاستدراك الأمور.

ليست هناك تعليقات: