الأحد، 2 فبراير 2014

حول إشكال التدرج بتطبيق الشريعة




البعض في رده على مقالي حتى لا نظلم التجربتين التونسية والتركية طرح إشكال وهو رفض التدرج بالوصول إلى الحكم وضرورة تطبيق الإسلام مرة واحدة، وأن الغاية لا تبرر الوسيلة، وساق أمثلة على ذلك. وهنا أرد عليهم بالقول:

أولًا: لا يجوز انتقاء دليل من القرآن أو السنة يدعم رأيك وتجاهل بقية الأدلة وكأنها غير موجودة، ولو اتبعنا طريقة الانتقاء لوجدنا كل الآراء جائزة بما فيها ما يطعن بالإسلام نفسه، فهنالك فرق بين من لا يريد تطبيق الشرع مرة واحدة لهوى في نفسه وبين من يريد التدرج لأنه لا يستطيع الوصول مرة واحدة، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.

ثانيًا: إلغاء التدرج بشكل مطلق غير صائب والقول بالتدرج في كل شيء أيضًا غير صائب، فكل حالة تقدر لوحدها.

ثالثًا: الأدلة على مشروعية التدرج أو السكوت عن أخطاء من أجل مصلحة الدعوة الإسلامية (وليس مصلحة الأشخاص)، كثيرة ولا تنتهي، وأكتفي بذكر الآتي:

صلح الحديبية وما كان فيه من شروط على المسلمين مثل عودتهم من الحج أو إعادة من أسلم بغير إذن أهله.
 
قوله صلى الله عليه وسلم (بعد فتح مكة) لأم المؤمنين عائشة عن الكعبة المشرفة " لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم فأدخلت فيه ما أخرج منه وألزقته بالأرض وجعلت له بابين بابا شرقيا وبابا غربيا فبلغت به أساس إبراهيم" (الرواية لبخاري) فإن كانت هذه الكعبة المشرفة والأمر قد استتب للإسلام في مكة وهدمت الأصنام، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام تساهل في هذا الأمر ولم يغير في شكل الكعبة مراعاة لحداثة عهد أهل مكة بالإسلام، وهذه من أمور العقيدة.
فنرى هنا كيف أن الرسول هدم الأصنام ولم يصبر عليها، لكن صبر على أمور أخرى وراعى حداثة عهدهم بالإسلام.

صلاح الدين الأيوبي رغم أنه هزم الصليبيين في حطين وحرر القدس، إلا أنه وبعد أن أنهك جيشه قبل بعقد صلح مع الصليبيين (صلح الرملة) وأقرهم بالسيطرة على ساحل الشام من يافا إلى صيدا، وهو يختلف عن إقرار محمود عباس بوجود الكيان الصهيوني، فصلاح الدين أقر ذلك من باب التدرج بالتحرير أم محمود عباس فأقرهم بذلك من باب أنه حق الصهاينة ومن باب الاستسلام لهم وتسليم رقبة الشعب الفلسطيني للصهاينة.

القاعدة الشرعية التي يستخدمها أهل العلم: ما لا يدرك كله لا يترك جله، فإن كان تطبيق الشرع كلية متعذر فليطبق بعضه أفضل من عدم تطبيقه بالمطلق.

رابعًا: بإمكانك الرجوع إلى ما كتبه أهل العلم حول السياسة الشرعية وفقه الموازنات، مثل كتاب السياسة الشرعية لابن تيمية، وكتاب السياسة الشرعية للقرضاوي وما كتبه عن فقه الموازنات وفقه الأولويات، وكتابه أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة، وكلها مؤصلة بالدليل والحجة الشرعية (إن لم يعجبك القرضاوي فيكفيك ابن تيمية).

وهذا مما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى:
""
فتبينَ أن السيئة تُحتمل في موضعين: دفع ما هو أسوأ منها إذا لم تدفع إلا بها، وتحصيل ما هو أنفع من تركها إذا لم تحصل إلا بها. والحسنة تُترك في موضعين: إذا كانت مفوِّتة لما هو أحسن منها، أو مستلزمة لسيئة تزيد مضرتها على منفعة الحسنة.
""

ليست هناك تعليقات: