شهدنا الأسبوع الماضي حملة فيسبوكية تحت عنوان
"لو فلسطين مش محتلة"، حيث كان الكل يضع تصوره عن حالنا اليوم لو لم يتم
احتلال فلسطين عام 1948م، ووجدت تفاعلًا كبيرًا من الناس إلا أن السؤال المطروح ما
كان الهدف من هذا النشاط وما الذي استفدناه منه؟
بعد تفاعل إنترنتي لبضعة أيام عادت الحياة إلى
مجاريها في ربوع الفيسبوك، وبدأ الناس يبحثون عن موضة جديدة يلحقوا بها، لكن أريد
الوقوف عند بعض النقاط التي لاحظتها في هذه الحملة:
أولًا: تخيل فلسطين بدون احتلال شيء، وتخيل أنها لم تحتل شيء آخر، فالأولى تفكير
نحو المستقبل والثانية تفكير بالماضي، وكأن تمني أن ما حصل لم يحدث سيصلح الأمور،
والأصل توجيه الناس للتفكير بكيف نحرر فلسطين، وكيف ننتقل بأحلامنا إلى الواقع
لنحققها، هل لامست الحملة هذه النقاط؟
ثانيًا: حسب ما رأيت وتابعت فأغلب ما كتب إما كان مزحًا وتنكيتًا (تسلية) أو
مغالطات سأرد عليها بعد قليل، ولم أر أي تناول جدي للمستقبل وكيف يمكن إزالة
الاحتلال أو تحرير فلسطين، لا من قريب أو من بعيد.
ثالثًا: الافتراض بأن الاحتلال الصهيوني هو مجرد حدث طارئ كان بالإمكان أن لا يحصل
هو افتراض خاطئ ومضلل، فاحتلال فلسطين هو نتيجة طبيعية للتخلف الحضاري الذي نعيشه
والذي مكن للاستعمار أن يحتل بلداننا، وأن يزرع الكيان الصهيوني، وأن يزرع أنظمة
مستلبة الإرادة تتولى حماية هذا الكيان.
فكلها سلسلة مترابطة واحتلال فلسطين ليس صدفة
لنقول ماذا لو لم تحتل، لأن الاحتلال الغربي لبلداننا العربية له أشكال مختلفة لا
يبدأ مع الطبقات المتغربة الحاكمة ولا ينتهي مع الاحتلال الاقتصادي، فالكيان
الصهيوني مجرد شكل من أشكال هذا الاحتلال لكنه الشكل الفاقع والأكثر وضوحًا له.
رابعًا: من المغالطات الفادحة التي ذكرت ورددها الكثيرون أنه لولا الاحتلال لكنا
متخلفين اقتصاديًا ولكان شعبًا أميًا، وكأننا اليوم نعيش في سويسرا، وكل زعمهم
قائم على المقارنة بين مستوى الحياة في الأيام التي سبقت حرب عام 1948م أو
المقارنة مع الدول العربية.
وكلا المقارنتين ساذجتين: فالتطور الاقتصادي
والتكنولوجي والتعليم لامس كل الدول والمجتمعات خلال الخمس وستين عامًا الماضية
بما فيه أكثر دول العالم تخلفًا وفقرًا، ولم تكن مقتصرة علينا وعلى الكيان
الصهيوني والدول الغربية المتطورة.
أما مقارنتنا بالدول العربية فهي أيضًا متهافتة
لأنه لو تكلمنا عن المنتجات التكنولوجية فالعديد من الدول العربية سبقنا باستهلاك
هذه المنتجات، وعلى رأسها الجيل الثالث من الإنترنت الخليوي الذي ما زلنا محرومين
منه في الضفة وغزة لأن الاحتلال يمنعه، ونحن من المناطق القليلة جدًا في العالم
المحرومة من هذه التكنولوجية.
وإن كان القياس على المستوى الاقتصادي فصحيح
الوضع الاقتصادي أفضل قليلًا من بعض الدول العربية (وليس جميعها) لكن من أين جاء؟
الجانب الأكبر من الأموال التي تضخ في السوق الفلسطينية يأتي إما: من التبرعات
والمساعدات الخارجية، وإما من تحويلات المغتربين الفلسطينيين، وليس للاحتلال أي
فضل بها.
كان هنالك عدد كبير من العمال الفلسطينيين
يعملون داخل الكيان وفي المستوطنات يساهمون بتحريك الاقتصاد الفلسطيني من خلال
عملهم في وظائف متواضعة، لكن اليوم عددهم أقل والأهم من ذلك أنهم يعملون في هذه
الوظائف لأن الاحتلال يحرمهم من أي خيارات أخرى، فالوضع القائم أن الاحتلال يحرمك
من أن تبدع ويوفر لك بعدها الفتات لكي تبقى وتخدمه، فهل هذه حسنة من حسنات
الاحتلال؟
من الجميل أن نفكر بإبداع لكن ليكن تفكيرنا
باتجاه ما يفيد والإنجاز وإلا كان مجرد تسلية وتمضية وقت على المواقع الاجتماعية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق