قرأت قبل عدة سنوات بحثًا للدكتور والمؤرخ وليد
الخالدي أثبت فيه أن الجيوش العربية لم تطلب من أهل فلسطين مغادرة قراهم ومدنهم عام
1948م، كما تقول الدعاية الصهيونية.
وذلك من خلال بحثه في أراشيف الوثائق لتلك الفترة
فلم يجد مطالبة من خلال الإذاعات أو البيانات أو التصريحات بخروج الأهالي من بيوتهم.
بل على العكس وجد بعض التصريحات تحث الأهالي على
الصمود وعدم الهرب، ووجد أيضًا بيانات من العصابات الصهيونية تتهم الهيئة العربية العليا
بأنها تمنع سكان القرى والمدن من الهروب وأنها تعرض حياتهم للخطر.
رغم أهمية البحث والمهنية العالية التي عرف بها
الدكتور وشهرته، إلا أنه لم يلتفت إليه في الأوساط السياسية والشعبية (انحصر الاهتمام
بالأوساط الأكاديمية)، والسبب في رأيي هو أن المنتصر يكتب التاريخ، والصهاينة سرقوا
وطردوا وشردوا، ويوجد شهادات كثيرة وعديدة تثبت ذلك وتثبت أن ذلك هو المسؤول عن تشريد
الأغلبية الساحقة من الشعب الفلسطيني.
ومنها شهادات اللاجئين من مدينة اللد الذين أخرجهم
جنود العصابات بقوة السلاح واجبورهم على ركوب الحافلات ومنعوهم من اصطحاب متاعهم، وأرسلوهم
إلى خارج حدود المدينة.
لكن رغم كل ذلك فقد تمسك الكل برواية المنتصر
الصهيوني - بما فيه نحن (الضحية)- والتي تتمحور حول سببين للنكبة: هروب الأجداد تلبية
لطلب قادتهم، وبيعهم الأراضي للصهاينة، ونسينا الطرد بالقوة والمذابح عند الكلام عن
أسباب النكبة.
اليوم نرى نفس التصرف الصهيوني يتكرر في غزة،
وتذكروا أنه هو من أمر أهل الشجاعية وشمال غزة بمغادرة بيوتهم، وأعطاهم مهلة ورسم لهم
خط المغادرة، وعندما رفضوا التنفيذ قصفهم الاحتلال بوحشية منتهية وأجبرهم على الخروج،
واتهم حماس "بأنها هددت الأهالي بعدم مغادرة بيوتهم" (بالضبط هكذا قال الصهاينة)،
وأن حماس تتخذهم دروعًا بشرية.
ما أريد قوله أن نفس ما حصل عام 1948 تكرر في
كافة الحروب وأقربها لذاكرتنا هي الحرب الحالية، لكن مع فارق أننا هزمنا عام 1948م
واليوم لم نهزم، وهكذا تمكن أهل الشجاعية وشمال القطاع من العودة إلى بيوتهم، والخطيئة
الوحيدة التي أرتكبتها الجيوش والأنظمة العربية وقادتنا في النكبة هي أنهم هزموا (لم
يعدوا العدة لكي ينتصروا)، وليس مغادرة البيوت ولا بيع الأراضي (الذي ضخم حجمه بشكل
مفتعل).
آن أوان أن نعيد برمجة عقولنا وثقافتنا الشعبية
والسياسية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق