الاثنين، 27 أكتوبر 2014

الشهيد عروة حماد يعلمنا كيف نتفوق في حياتنا




تعلمنا منذ الصغر أن التفوق الدراسي، وأن يضمن الإنسان مهنة جيدة، هو الطريق لخدمة وطننا والمساهمة بتحرير فلسطين، أو هكذا يقال.

وهذا الرأي على واجهته وصحته إلا أنه قد ينقلب ليكون مخدرًا يعطل الجهاد والمقاومة، فلو قيل للشاب أو لأهله عن الجهاد أو الانتصار للأقصى، كان ردهم بأن تعليمه جهاد وأن الاحتلال يريد تجهيل شعبنا ويجب أن نتحداه ونفشل مخططه.

لكن كما يقول المثل الشعبي "أبوي أمير وأبوك أمير ... مين بده يرعى الحمير؟"، إذا كان الكل يهرب إلى التعلم واتقان مهنة أو حرفة بحجة الوطن فمن الذي سيحمل السلاح ويوسخ قدميه وملابسه من أجل التحرير؟

إذا كان الكل سيهرب ليتعلم في أوروبا وأمريكا، ويرفض العودة إلى البلاد بحجة أن لا مناخ أكاديمي أو مهني فيها، فمن الذي سينهض بها؟

وقد لا تستفيد بلادنا منه إلا التفاخر باسمه مع ذكر فوزه بأحد الجوائز العلمية، ولا يضير إن لم نستفد منه شيئًا آخر، المهم أن النجاح الفردي يخدم الوطن!

هذه ثقافة سائدة وبشكل واسع في مجتمعنا، وهي من مداخل الشيطان الذكية، لأنها صحيحة جزئيًا وصحيحة إلى حد معين ثم تنقلب ضدها.

وأذكر هنا عندما كنت طالبًا بالسنة الأولى الجامعية فجاءني أحد الإخوة من الكتلة الإسلامية طالبًا أن أطبع بيانًا للكتلة على الحاسوب والذي كان اختراعًا في بداياته وليس الكل يتقن "قيادته".

قلت له أن عندي حصة وبعدها أساعده، فقال لي البيان مستعجل ولا يحتمل التأخير، لم اقتنع أن البيان لا يحتمل تأخير ساعة لكن قبلت مساعدته خجلًا منه ولكي لا يذهب إلى غيري ويأخذ الأجر والثواب بدلًا مني.

وأثناء مشينا كنت أتذمر من ضياع الحصة وكأنها آخر الدنيا، فقد كنت طالبًا متفوقًا والغياب من المحظورات عندي، فقال لي أن الإنسان يجب أن يضحي من أجل الوطن والقضية والدعوة، فكان الرد التقليدي جاهزًا وقلت له أن تفوقي في الدراسة هو أيضًا خدمة للوطن.

فأجابني وماذا سيضرك غيابك حصة واحدة؟ ومن الذي سيحمل الدعوة إن كان الكل سيلتهي بمحاضراته ودراسته؟ الأمر يحتاج بعض التضحية.

كلامه لم يقنعني كثيرًا وقتها، وما زلت حتى اليوم مقتنعًا أن تأجيل ساعة واحدة للبيان لم يكن ليفرق شيئًا، لكن مع الوقت تبلورت داخلي قناعة أنه عند مرحلة معينة يجب أن نضحي بمصلحتنا الشخصية من أجل المصلحة العامة، وأن السعي وراء المصلحة الذاتية شيء وأن تسخر علمك وعملك وثروتك من أجل الدعوة والقضية شيء مختلف تمامًا.

تظهر الصورة المرفقة الشهيد عروة حماد - 15 عامًا - وهو يتسلم شهادة تفوق في مدرسته، فقد كان طالبًا متفوقًا ويهتم بدراسته، ووالده يعيش مغتربًا في أمريكا يبحث عن لقمة العيش لأبنائه.

كان بإمكان الشهيد أن يردد العبارة التقليدية "تعليمي جهاد ومقاومة" ويخدع نفسه بأن دراسته تكفي لتحرير فلسطين (مثلما يفعل أغلب الناس)، وكان بإمكان والده أن يدعوه للعيش معه في أمريكا وأن يلبسا لباسًا باكستانيًا ويطرقا أبواب المنازل ويوزعا الكتب التي تتكلم عن الإسلام، ويتفاخرا كم شخصًا جديدًا دخل الإسلام بسببهما.

لكن كل الطرق السهلة حتى لو كانت في سبيل الله لم تعجبهما بل اختار الشهيد الطريق ذات الشوكة، لأنه في النهاية إن لم تكن هنالك دماء تعبد الطريق نحو تحرير الأقصى، فكيف سنحرره؟ وما فائدة العلم الذي نحصله إن لم تكن هنالك أرض ولا شعب يستفيد منه؟

الجهاد طرقه عديدة وكثيرة لكن أكثرها أجرًا ما هجره السالكون لثمنه الباهظ، والكل يستطيع أن يسلك الطريق السهلة وهو مأجور بإذن الله، لكن من يقتحم الصعاب؟ من يكون رأس الجسر الذي يعبر الآخرون من فوقه؟ ومن يكون رأس الحربة التي تخترق جسم العدو وتثخن فيه؟ ومن يكون صاحب النقب الذي يقتحم الحصون ويفتح الأبواب؟

كلنا نستطيع أن نكون جمهورًا نصفق أو جنودًا في المؤخرة، مع ذلك فبعضنا قد يضن حتى باللايك كي لا تحسب عليه نقطة عند المخابرات، والشيطان جاهز ليزين له الأمر "علمك أولى ومهنتك أولى وتربية أطفالك أولى، لأنك تجهز لمعركة التحرير".

قلة يستطيعون أن يكونوا في المقدمة وأولئك هم السابقون السابقون، الشهيد تفوق في مدرسته، لكن استشعر قلة السالكين على درب المقاومة والجهاد، ولم يتذرع لا بدراسته ولا بقمع السلطة ولا بأي عذر مقبول آخر، بل حمل زجاجته الحارقة يوم استشهاده، وتلقى رصاصة في عنقه وهو يهم بإلقائها، ومثلما قالت أخته فهي تفخر أنه قتل مقبل غير مدبر.


هذه النماذج التي نفقتدها وهذه النماذج التي يجب أن نسعى لها، لا أن نكرر خداع الذات بحجة التعليم وتربية الأطفال وبناء المستقبل المهني.

ليست هناك تعليقات: