الأربعاء، 22 أكتوبر 2014

السنة النبوية حتى لا تكون ضحية



تتنازع الأمة الإسلامية في أيامنا هذه تياران متضادان:

الأول يظهر تعصبًا للسنة والحديث، إلى درجة أنه مستعد لإلغاء أحكام بينة وردت في القرآن الكريم من أجل حديث ضعيف أو موضوع، والحجة دائمًا موجودة مثل "النسخ" أو غيرها.

والثاني مضاد للأول إلى درجة أنه يشكك بكل السنة النبوية وبما جاء في صحيحي البخاري ومسلم، وحجته أن هنالك بعض الأحاديث موضوعة أو أنها تتناقض مع صريح القرآن الكريم.

يعزز التيار الأول كل من الجماعات السلفية ومدرسة الحديث وبعض الأميين الذين تولوا الافتاء بغير علم وأهل الأهواء الذين إن أرادوا حكمًا معينًا بحثوا عن ما يدعمه حتى لو تعارض مع أدلة أقوى منها.

ويعزز الثاني علمانيين صرحاء وآخرين يخلطون العلمانية بالفكر الإسلامي، تقودهم أهواءهم التي ترفض بعض الأحكام الشرعية إلى البحث عن ما ينقضها من خلال نقض السنة النبوية، حتى لو كان هنالك من القرآن ما يدعم هذا الحكم الشرعي.


القرآن الكريم هو كلام الله الذي أنزله لنا من خلال رسوله عليه أفضل الصلاة والتسليم، ليكون ضابطًا لحياتنا العامة والخاصة، والرسول عليه الصلاة والسلام هو المترجم العملي لهذا القرآن، (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة).

فنحن نتبع السنة امتثالًا لأمر القرآن، لكن في نفس الوقت يجب أن نتحرر من بعض الشوائب التي ابتلينا بها:

أولًا: الافتاء الانتقائي، بحيث أن يقرر الشخص (أو المفتي) حكمًا شرعيًا بناءً على هواه أو ميوله، ثم يبحث عن أدلة تدعمه ويتجاهل ما ينقضه، وهذا ليس بشرع بل اتباع هوى، لكنه منتشر وخاصة بين الطرفين؛ العلمانيين والجهلة الذي تصدروا للافتاء (تحت مسمى التشدد).

ثانيًا: عدم التفرقة بين السنة والقرآن، فالتعامل مع كل منهما له أصوله المختلفة عن الآخر، فالسنة ليست كلها أحكامًا ملزمة، وخاصة السنة الفعلية والتقرير اللتان تفيدان الجواز لا أكثر، إلا في حالات معينة يعرفها أهل الحديث.

القرآن أحكام وآيات واضحة ومحصورة، بينما السنة النبوية هي حياة رجل، صحيح هو أفضل البشر وهو الذي يترجم القرآن إلى ممارسة، إن فهمنا السنة بهذا الشكل ارتحنا من الكثير من الإشكالات التي أوقعها بنا الحرفيون من التيار السلفي.

ثالثًا: السنة النبوية ليست كلها صحيحة ولا متواترة، والكثير من الأحاديث صحيحة بمعناها لكن قد تختلف بكلماتها، وأحيانًا اختلاف الكلمات يقلب بعض الأحكام وينفي أحكامًا أخرى.

وذلك لأن الحديث لم يدون في حياة الرسول ولا الصحابة، وإنما بعد ذلك بزمن، ومهما كان المدونون ورواة الحديث حريصين فالخطأ وارد، لكن هل هذا ينفي صحة جميع ما نقل لنا؟ طبعًا لا.

فبين أن نثبت كل ما ورد في السنة صحيحه وضعيفه (وبعض الجاهلين يضم إلى السنة السيرة النبوية وهي لا تحقق شروط صحة الحديث ولذلك لا يستدل بالسيرة)، وأن نرفض كل ما ورد في السنة لأن بعضه ضعيف أو موضوع، هنالك طريق التثبت من صحة الحديث، والتثبت من أننا فهمنا المقصود والمراد منه وأحكامه بشكل صحيح.

وأخيرًا من أراد أن يفهم الحديث بشكل أفضل حتى لا يبقى ضحية الصراع السلفي العلماني، وما يحاولون فرضه من أمور ما أنزل الله بها من سلطان، أنصح بقراءة "كيف نتعامل مع السنة النبوية" للدكتور يوسف القرضاوي.


ليست هناك تعليقات: