السبت، 17 مايو 2014

المقاومة والطفولة: من ذكريات طفولتي



يظن الكثير أن المظاهرات والاعتصامات لا فائدة منها وأنها مجرد "فشة غل" أو ذرًا للرماد في العيون، وهي كذلك عندما تكون السقف الأعلى للحركة الوطنية بعمومها، إلا أن لها دور مهم في التعبئة الجماهيرية، التي تنتج كافة أشكال الكفاح والنضال والجهاد الأخرى.

ومما أذكره من سنوات طفولتي التي بدأ وعيي فيها بالتفتح على الدنيا المواقف الآتية، مع ما فيها من ضبابية وعدم وضوح لطول الفترة ولأني "ما كنت فاهم حاجة" وقتها (ملاحظة: كل ما سأرويه كان في بداية الثمانينات):

المشهد الأول:

كنت مع والدي في زيارة إلى صديق له، وكانت تلك الأيام تشهد مواجهات مع الاحتلال، ولا أدري السبب لكن مما أذكره أن حواجز الجيش كانت تغلق الطرقات، وأحيانًا يغلقون الشوارع بالأسلاك الشائكة.

المهم أنه عند خروجنا من منزل صديقه وجدنا شارع قريب وقد أغلق بحجارة ضخمة وقطع حديد وخشب وأمور كثيرة، استغربت الأمر وبفضول سألت والدي "مين سكره"، فأجابني "الشباب"، فسألت "طيب هدول معنا أو مع اليهود"، فكان الجواب "معنا".
 
أنا شعرت بالسرور والفخر أنه "جماعتنا" سكروا شارع، وأنه ليس دائمًا "اليهود" الذي يغلقونه، تفكير طفولي لكنها لحظة شعرت بها أن هنالك من يمكنه أن يقف بوجه الاحتلال والصهاينة، ولربما ذكريات ذلك الموقف أثرت علي إلى يومنا هذا، لا أدري.

والشاهد بالموضوع أنه لو سألت أي شخص بالغ عن رأيه بإغلاق الشارع، فعلى الأغلب سيعطيك محاضرة عن أن الشارع في منطقة عربية ولا يسلكه الصهاينة ونحن الذين نخسر ونتضرر، على ما في كلامه من وجاهة لكن مثل هذه الممارسات لا يمكن ضبطها وبنفس الوقت هي ضرورية وحيوية لكي تضخ في عقول وقلوب أطفال وشباب الشعب الفللسطيني أكسجين المقاومة والكفاح والتحدي.

المشهد الثاني:

ويعود إلى أيام غزو لبنان ومذابح صبرا وشاتيلا وما بعدها بقليل، كنت مع والدي في الحسبة لشراء بعض الخضار والفواكه، ولسبب ما طلبت شراء العنب فقال لي ما فيه عنب مقطوع من الحسبة وتكلم عن شيء أن هنالك حرب في لبنان، لم أفهم وقتها الرابط بين الأمرين (واليوم أنا أقل فهمًا للرابط )، فسألته هل يأتي العنب من هناك؟ هل يرسلون العنب إلى المشردين هناك؟ سألته عشرة أسئلة تقريبًا، لم يجبني سوى على واحد "أنه في حرب" (لليوم ما زال نفس الطبع فيه، أسأله عشرة أسئلة لأحصل على جواب واحد  ).

وبغض النظر عن الرابط العجيب (والذي ربما يكون مجرد كلمة قالها ليسكتني)، فقد كان هذا الموقف وما كان يجمع من تبرعات في المدرسة لإرسالها إلى مخيمات لبنان (ولا أدري كيف كانت تصل)، كلها شكلت وعي في عقلي عن إجرام الاحتلال الصهيوني وعن ضرورة العمل من أجل وقف ظلمه.

المشهد الثالث:

أستيقظنا ذات صباح (وأظنه يوم جمعة) وكنا سنزور بيت جدي، فسمعت والديّ يتكلمان عن مقتل مستوطن ذو أهمية معينة، وعندما سألتهم عن ماذا يتكلمون قالوا لي، وأوصوني بشدة أن لا أخبر أحد حتى لا نسجن، (حتى نعلم تربية الخوف التي نتعلمها في مجتمعاتنا العربية).

وعندما وصلنا إلى بيت جدي كان بالاستقبال أحد أعمامي والذي بدأ بالحديث عن العملية، فهمست لوالدتي أنه يتكلم بأمر محظور وقد يسجن، فكانت الإجابة "ها ها، هذا عملك بهمش يحكي"،  طبعًا لم أفهم إلا بعد حين طويل، أن هذه منتجات ثقافة الخوف التي برمجنا عليها.

المشهد الرابع:

كان الطلاب الأكبر سنًا (الثانوية والإعدادية) يخرجون في مظاهرات ضد الاحتلال (ولا أدري ما المناسبة وقتها لكن أقدر حسب الفترة الزمنية أنه بسبب اجتياح لبنان)، أما نحن الأصغر سنًا فكنا نتعلم الهتافات ونهتفها دون أن ندرك أكثر معانيها.

ومن الهتافات التي راقت لي، لسجعها الجميل، هتاف بالأنجليزية يقول:
PLO israel No
PLS falestine Yes

كنت أردده ولا أفهم معناه، إلى أن نهرني أبي وقال لي "بدك تحبسنا"، (ثقافة الخوف مرة أخرى -_-)، لم أقتنع بكلامه ولا بزجره لي، فلا يوجد حولنا يهود فممَ أخاف؟ ربما من يومها بدأت التعلم بأن الخوف لا يصنع إنسانًا حرًا.

وشكرًا لكم

ليست هناك تعليقات: