مع توقيع اتفاقية تنفيذ المصالحة بين فتح وحماس نسمع انتقادات توجه لحركة
حماس ممن ينكرون عليها مد اليد إلى من تلوثت أيديهم بالتنسيق الأمني مع الاحتلال
الصهيوني، والمنتقدون من مذاهب شتى؛ بعضهم يتخوف من مستقبل المصالحة (كون أغلب
القضايا المهمة مؤجلة) وآخرون ينتقدون بنودًا بعينها، وهنالك من يرفض المصالحة من
أساسها، وهنالك من يخون ويشكك في نوايا قيادة حماس التي ذهبت ووقعت.
وهنا لا بد من التأكيد على أن ما حصل هو محاولة واجتهاد من قيادة حماس لإعادة
الأمور إلى نصابها، فهدف حماس هو محاربة الاحتلال الصهيوني وتحريك الوضع في الضفة الغارق
في الإحباط والسلبية والتي يأخذ الاحتلال فيها راحته استيطانًا وملاحقة أمنية، بالإضافة
إلى التخفيف عن أهل قطاع غزة وطأة الحصار.
قد تصيب قيادة حماس وقد تخطئ في محاولتها، والخيارات أمامها محدودة
للغاية، ولا يجوز لومها على المحاولة، كما لا يجوز إطلاقًا تخوينها أو حتى سوء
الظن بقيادتها، حتى لا نصبح نسخة مكرر من الحالة المصرية التي تعلق كل الخطايا على
شماعة "محمد محمود"*، بطريقة باتت هزلية وسخيفة.
بعض شباب الضفة الغربية:
ويستحضرني الآن بعض الفئات التي تحمل المصالحة أوزارًا ليست مسؤولة عنها،
الأولى هم من شباب الحركة في الضفة أو من يدعي الدفاع عنهم، والذين يلومون قيادة
حماس على القبول بمصالحة بدون تحقيق شرط وقف الاعتقال السياسي ووقف الملاحقة
الأمنية، وبدلًا من لوم السلطة على الاستمرار بذلك، تجد تلميحات وكأن قيادة حماس
ارتضت لشباب الضفة هذا المصير.
والسؤال المطروح وماذا فعلتم أنتم؟ كم منكم خرج للشارع ليطالب بحقه؟ كم
منكم رفض الذهاب للاستدعاءات؟ كم من أهالي المعتقلين السياسيين ذهب واعتصم أمام
مقرات الأجهزة الأمنية؟
لو كان هنالك تصعيد من جانب شباب الضفة الغربية لساعدوا حماس على طرح
قضيتهم بقوة أكبر، لو حصل تأزيم في الميدان بالضفة لاضطرت السلطة وفتح لأن تتوسل
قيادة حماس لكي تأتي وتحل المشكلة.
لا أنكر أن هنالك أعدادًا متزايدة من أبناء حماس يقدمون على خطوات جريئة
في تحدي الظلم، لكنهم ما زالوا أقلية، بينما حزب الإحباط أو حزب "ما فيش
فايدة" ما زال يفشل أي محاولة لإعادة نشاط الحركة في الضفة، بل ومن تعاملي في
مجال الإعلام فقد كان يأتي بعض أهالي المعتقلين السياسيين ويطلبون منا في شبكة
فلسطين للحوار مسح خبر عن اعتقال ابنهم، لأنهم يخافون أن يعقد الخبر وضع ابنهم.
إذا كان الأهل يخشون أن يقال فلان معتقل في سجون السلطة فكيف ستطالب به
حماس؟ ونفس الشيء يتكرر على مستوى انتخابات مجالس الطلبة فترى العشرات وربما المئات
من أبناء الكتلة الإسلاميين يتغيبون عن التصويت في الانتخابات، خوفًا من أن تعرف
الأجهزة الأمنية أنه ذهب وراء الستار واختار الكتلة (بعيدًا عن أعين الناس)!
منظري القاعدة على الإنترنت:
الفئة الأخرى التي تستحضرني هم بعض منظري السلفية الجهادية والقاعدة على
الإنترنت، ومنهم إياد قنيبي الذي له أتباع ومريدين بما فيه بين مؤيدي حركة حماس،
والذي شنع على حركة حماس ذهابها للمصالحة، متسائلًا عن مستقبل الجهاد.
عن نفسي يحز في نفسي أن تصافح أيدي قادة حماس قادة التنسيق الأمني
وأربابه، ذلك التنسيق الأمني الذي تأذيت منه شخصيًا أكثر من مرة، لكن أتفهم اضطرار
حماس لهذا الخيار والمخاطرة التي تقدم عليها.
وأسألك أيها المنتقد (وأخص بالذكر قنيبي): ماذا قدمت للجهاد في فلسطين؟ ماذا
قدمت لتساعد حماس على الصمود في الميدان؟ كم فتوى أو تغريدة أصدرتها تحث شباب
الأردن على تنفيذ هجمات ضد الكيان الصهيوني؟ ألم يكن من الممكن إشعال الأغوار
والحدود مع الضفة تحت أقدام العدو الصهيوني؟ لو حصل مثل ذلك لتغيرت المعادلة في
الضفة بشكل كامل وتام.
في الأردن كل الإمكانيات متاحة أمام تنظيم القاعدة: انتشار وشعبية
جماهيرية (وخصوصًا في معان)، وأسواق سلاح تتدفق من سوريا والعراق، ومنظرين سلفية
جهادية، لكن لم نر شيء، فإذا مجرد كلمة تحريض تخشون قولها، فلماذا تلومون حماس عندما
تجتهد مضطرة وتقدم على خطوة المصالحة؟
في الختام:
لا أريد سؤال المنتقدين عن البديل، لأنه سؤال يستفز الكثيرين، لكن أسأل: ماذا
قدمت أنت لتدعم حماس؟ هل ساعدت حماس بغير الكلام أم تركتها تقاتل وحدها؟ هل
ساعدتها لتقف الموقف الذي تريده منها؟
حماس ليست دولة عظمى وليست جيشًا جرارًا، إنما حركة تحرر وطني بإمكانيات
محدودة وحرب عالمية تشن ضدها، وقد أقدمت على خطوة المصالحة كمخاطرة محسوبة،
والمطلوب مساعدتها لكي تتجاوز هذه المرحلة، لا المزايدة عليها ولا اتهامها بأمور
لا تمت للواقع بصلة.
ملاحظة:
* محمد محمود: يقصد بها أحداث شارع محمد محمود في القاهرة، والتي طالبت
بإنهاء حكم المجلس العسكري في نهاية عام 2011م، حيث لم تشارك فيها جماعة الإخوان
المسلمين، وأصبحت لاحقًا الشماعة التي يلقي عليها خصوم الإخوان كل مشاكل مصر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق