السبت، 5 أكتوبر 2013

إعادة مستوطنة حومش إلى أهلها: انتصار للمقاومة أم المساومة؟



قرية برقة


سمع الكثيرون عن تمكن أهالي قرية برقة في شمال الضفة الغربية من استعادة أراضيهم بعد أن استولى عليها الاحتلال الصهيوني لأكثر من خمس وثلاثين عامًا، لكن ما هي ملابسات استعادتها؟ وهل يمكن تكرار نفس التجربة في مواقع أخرى؟ وما هي قصة هذه الأرض أصلًا؟


خلفية تاريخية:


تقع قرية برقة بين نابلس وجنين، وقامت جيش الاحتلال بوضع اليد على قمة جبل مشرف على القرية عام 1978م بحجة الاحتياجات الأمنية وأقام معسكرًا لقوات الناحال العسكرية، حيث أن القانون المعمول به يتيح لجيش الاحتلال مصادرة الأراضي لدواعٍ أمنية، وبعد عامين قام الجيش بتفكيك المعسكر وتسليم الموقع من أجل بناء مستوطنة صهيونية.


صورة بانوراما لمستوطنة حومش عام 2002م
وهكذا أصبح لدينا مستوطنة حومش مكان المعسكر، وكانت مستوطنة صغيرة يسكنها أقل من بضع مئات من المستوطنين (حسب الأرقام الرسمية وفعليًا أتصور أن العدد لم يكن يتجاوز بضع عشرات)، لكنها كانت تحتل مساحة كبيرة من الأراضي مثلما هو عادة الاحتلال مع المستوطنات، وكانت مساحة الأرض المصادرة 700 دونم في البداية ثم توسعت وأصبحت 1200 دونم (1.2 كيلومتر مربع).


مع اندلاع الانتفاضة الثانية وتحول طرقات الضفة إلى جحيم بالنسبة للمستوطنين، وكون المستوطنة تقع وسط قرى فلسطينية وبعيدة عن التجمعات الاستيطانية الرئيسية سواء في الضفة أو في المناطق المحتلة عام 1948م، فقد هجرها أغلب المستوطنين، وحضر بدلًا منهم بضع عشرات من المستوطنين من الحريديم (المتدينين الأرثوذكوس) من أجل "تعزيز صمود" الاستيطان فيها.


مثلما كانت انتفاضة الأقصى وقمع الاحتلال قاسيًا على الفلسطينيين فقد كانت بالمثل على الاحتلال واستنزف الدولة والجيش وأجهزة الأمن بشكل كبير، "إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله"، وهذا كان وراء قرار شارون الانسحاب من غزة وفق خطة الانفصال (وتسمى أيضًا بالانطواء) في شهر آب (8) 2005م.


هدف شارون من الانسحاب أحادي الجانب تخفيف العبء الملقى على جيش الاحتلال، من خلال التخلي عن المناطق الأكثر اكتظاظًا بالفلسطينيين، والتركيز على تهويد وضم القدس والمناطق الحيوية في الضفة الغربية (مثل غور الأردن والتجمعات الاستيطانية الكبرى).


كان من ضمن عملية الانسحاب تفكيك أربع مستوطنات في شمال الضفة الغربية، وبعض المعسكرات، والأربع مستوطنات جميعها في منطقة جنين: حومش وصانور وجانيم وكاديم، بالإضافة لمعسكر صانور، وقبلها معسكر دوتان، كما تم تفكيك بعض المعسكرات بأوقات تالية وسابقة مثل سمير أميس جنوب رام الله، والمجنونة في الخليل، وعش الغراب في بيت لحم.
تفكيك مستوطنة حومش عام 2005م



لعبة الاحتلال:


رغم أن شارون وحكومته قرروا أنهم ليسوا معنيين بهذه المستوطنات وقاموا بتفكيكها عام 2005م، إلا أنه كان هنالك خشية من تشجيع أهل الضفة على المطالبة بتفكيك باقي المستوطنات، كما أن السلطة الضعيفة والوديعة في رام الله وبقيادتها الجديدة التي أتت بعد وفاة ياسر عرفات، لم تكن معنية للدخول في صدام مع الاحتلال، لذا قرر الاحتلال أنه رغم تفكيك المستوطنات فيمنع على الفلسطينيين دخولها أو الاستفادة منها.


ومرت الأمور وقتها بدون أي نقاش ولم نشهد أي محاولات جادة لاستعادة الأرض لا من خلال المفاوضات ولا من خلال المقاومة الشعبية ولا حتى من خلال التصريحات، فقد كان تعامل السلطة مع عملية الانسحاب سواء في شمال الضفة أو في غزة على أنه تصرف أحادي الجانب خارج المفاوضات (وما لا يأتي من خلال المفاوضات هو رجس من عمل الشيطان)، وعليه رفضت التعامل مع أي من مفرزات الانسحاب وتصرفت كأن الصهاينة لم ينسحبوا.


وقام أهالي القرية وبمساعدة مؤسسات حقوقية برفع قضية إلى المحكمة العليا الصهيونية، وبعد جلسات مطولة قررت قبل ثلاثة أشهر أن تعيد الأراضي إلى الأهالي لأن هدف مصادرتها (إقامة معسكر) قد انتهى مع تفكيكه.


وبالرغم من أن نص القرار يعني أيضًا أن جميع المستوطنات التي صودرت أراضيها لأسباب أمنية وعسكرية ثم حولت إلى مستوطنات "مدنية" يجب تفكيكها أيضًا، لكن لحد الآن لم يطرح هذا الأمر، وبكل تأكيد الاحتلال لن يفكك مستوطنات قائمة بناء على هذا القرار القضائي.


فقرار المحكمة قضى بتسليم أرض بقيت فارغة لمدة ثمان سنوات وقرر الاحتلال منذ زمن أنه ليس بحاجة لها إلى أصحابها الأصليين، فلا نتكلم عن صحوة ضمير ولا عن قرار بتصحيح أوضاع خاطئة، فقوانين الاحتلال أصلًا هي خاطئة وتبيح مصادرة أراض الفلسطينيين بمختلف الحجج والذرائع.


ماذا نستفيد من هذا الحدث:


استعادة أهل برقة لقريتهم كان نتاج لتضافر عدة أشكال من أشكال المقاومة، ابتداءً من المقاومة المسلحة في انتفاضة الأقصى، وانتهاءً بالمقاومة القضائية (إن صح التعبير)، وفق مبدأ ما ضاع حق وراءه مطالب، فلا المقاومة المسلحة وحدها أعادت الأرض، ولا قضاء الاحتلال العنصري كان عادلًا من الأصل.


المقاومة الشعبية واحدة من أشكال عدة للمقاومة
والأمر ليس مثل ما حاول تصويره مسؤول ملف الاستيطان في شمال الضفة بالسلطة غسان دغلس أنه مجرد "صمود" الأهالي، وضرب مثلًا آخر للصمود وهي قرية دير جرير قرب رام الله والذين استطاعوا وقف توسع أحد المستوطنات على أراضيهم.


ومسؤولو السلطة يستخدمون كلمة الصمود بدلًا من المقاومة، لأنهم يتحسسون من كافة أشكال المقاومة، وكلمة الصمود لا معنى لها، فهل صمود أهل قرية دير جرير في منازلهم هو ما منع توسع المستوطنة؟ ما حصل في دير جرير (وفي حادثة مماثلة بقرية كفر مالك المجاورة) أن أهالي القرية هجموا على المنازل المتنقلة التي نصبها المستوطنون داخل على أراضيهم وأحرقوها.


فمحاولة مسؤولين في السلطة تسويق ما حصل على أنه انتصار لنهج التسوية والمساومة التي تقودها السلطة هو تضليل ما بعده تضليل، فالسلطة لم تطرح أمر هذه المستوطنات على طاولة المفاوضات، وإن كانوا صادقين ها هي مستوطنات صانور وجانيم وكاديم، ما زال الفلسطينيون ممنوعين من دخولها، فطالبوا بها في مفاوضاتكم إن كنتم صادقين.


والزعم بأن "الصمود" الذي لا يقترن بأي فعل مقاوم (باستثناء مقاومة الابتسامات البلهاء مع لفني والمقاومة الفلوكلورية) يحقق نتيجة هو ليس إلا محض هراء كامل.


والأهم من ذلك كله هو أن ما حصل يعيد التأكيد على أن المقاومة بجميع أشكالها يجب أخذها بعين الحسبان، فحتى القضاء الصهيوني رغم أنه مصمم لمحاربة الوجود الفلسطيني إلا أن فيه ثغرات يمكن استغلالها، فهذه حرب طويلة وكل نقطة نحرزها هي مكسب لنا، والمعيار هو كم من الأراضي نستعيد من الاحتلال.


استعادة حق اللاجئين عبر المحاكم:


وهنا أستذكر قصة مبنى تجاري في القدس الغربية*، صادره الصهاينة عام 1948م مع باقي ما صودر من أملاك الفلسطينيين اللاجئين، أصحاب المبنى كانوا مغتربين في غواتيمالا، ويحملون الجنسية الغواتيمالية من قبل الحرب منذ الثلاثينات، وحسب القانون الصهيوني فتمت مصادرة جميع أملاك الفلسطينيين الذين تركوا منازلهم أو كانوا في دول ومناطق معادية للكيان (بما فيه الضفة والقطاع) بعد تاريخ 29/11/1947م، وأصبحت سيطرة ما يسمى بحارس أملاك الغائبين، (مؤسسة حكومية صهيونية)، وبموجب هذا القانون صودرت كافة أملاك اللاجئين المنقولة وغير المنقولة.


استغل أصحاب المبنى أنهم لم يكونوا في فلسطين وقت اندلاع الحرب، وأنهم كانوا يحملون طوال الوقت جنسية غواتيمالا، وبالتالي استعادوا المبنى (بعد معاملات قانونية استمرت لعشر سنوات) لأنهم استطاعوا إحضار إثباتات أنهم وقت الحرب لم يكونوا فلسطينيين؛ الآن القانون الصهيوني عنصري وغير عادل ويدعو بصراحة وفجاجة للتطهير العرقي، لكن لا أحد يسائل الصهاينة، فمتى ما وجدت ثغرة نستعيد بها قطعة مما سلب منا فنحن أولى بها.


وهنا أشير إلى سؤال طرحته على الدكتور عصام عدوان مسؤول دائرة اللاجئين في حركة حماس في لقاء معه على شبكة فلسطين للحوار، حول النية لاستخدام سلاح القضاء في المحاكم الغربية، من أجل تحريك قضية اللاجئين، وقد كانت إجابته "هذه خطوة ضرورية، وقد دعونا لتشكيل اتحاد فلسطيني من أجل العودة ليكون من بين مهامه رفع دعاوى ضد الكيان الصهيوني، فمثل هذه الدعاوى بحاجة إلى طواقم قانونية وتكاليف عالية ومؤسسات غير فصائلية".


وأسأل لماذا لا يتولى الأمر أكثر من مؤسسة حقوقية وجهة سياسية سواء داخل أو خارج فلسطين؟ صحيح أن المحاكم وحدها لن تعيد فلسطين لكن كما رأينا فهذه معركة واسعة وممتدة، وكل جهد وكل شكل من أشكال المقاومة نحتاجه بشدة، وخاصة أن معركتنا غير متكافئة مع الاحتلال.


على هامش المقال:


الصهاينة غير مهتمين في هذا الوقت بقطاع غزة ومناطق الكثافة السكانية في الضفة، لكن على المدى البعيد حلمهم بفلسطين من النهر إلى البحر خالية من الفلسطينيين ما زال موجودًا، وانظروا إلى خريطة "إسرائيل" في المناهج الصهيونية كيف أنها تحتل كامل فلسطين بما فيها غزة.


*للإطلاع أكثر على قضية استعادة المبنى يمكنكم الرجوع إلى الفيلم الوثائقي "فلسطين تحت المجهر – الحجر الأحمر وجه القدس الآخر"، من عند الدقيقة 18:31 حتى الدقيقة 20:45، ومن الدقيقة 43:00 حتى الدقيقة 44:20.


ليست هناك تعليقات: