في زمن الثورة المعلوماتية لم يعد التحدي هو
الحصول على المعلومة بقدر ما هو فرز المعلومات وتصنيفها والوصول إلى الحقيقة في
هذا الطوفان المعلوماتي، وما يعقد المهمة هو أنّ هنالك استغلال فج لعالم الانترنت
والإعلام الحديث ومواقع التواصل الاجتماعي من منتديات وفيسبوك وغيرها من أجل تزوير
الوعي وبث الإشاعات والقصص المختلقة والأكاذيب الملفقة.
لم يعد الأمر مقتصرًا على المبالغة أو التبهير
أو خلط التوقعات بالحقائق أو تفسير المعلومة بما تهواه الأنفس، بل تجاوزه إلى
الكذب الفج والصريح وتعمد تكرار الكذبة على أكبر نطاق ممكن، مستغلين حقيقة أنه
يمكن انتحال شخصيات وهمية كثيرة في هذا العالم الافتراضي، فلا أحد يستطيع محاسبة
الشخص أو مراجعته على كذبه الفج، ولا أحد يستطيع أن يتأكد من أنّ هذا الطوفان
الأكاذيبي أو الغوغائي هو فعلًا تعبير نطاق واسع من الناس أم جهد ذكي من شخص أو
جهة معينة.
ومن الخطأ الظن بأن الكذب الفج سببه فقط العجز
عن النقاش الموضوعي واستخدام المنطق في الإقناع، بل هو أيضًا جزء من عمل ممنهج
لتسويق الأكاذيب وإقناع الناس بأن الأرض مسطحة وبأن الشمس تشرق بالليل وبأن الشمام
هو بطيخ لكن مصاب بداء اليرقان، وبأن الكيان الصهيوني يتآمر على السلطة التي تسهر
على راحته، وبأن مبارك أفضل ألف مرة من مرسي، وبأن شطحات القذافي هي رحمة، وأن
الكون كله تآمر على سوريا الممانعة، وأن فك الحصار عن غزة هي مؤامرة صهيونية
بالاتفاق مع حماس.
وهذا الأسلوب أصّل له واستخدمه على نطاق واسع
وزير الدعاية النازي جوبلز، والقائم على مبدأ "اكذب ثم اكذب ثم اكذب، حتى
يصدقك الناس"، وهذا الأسلوب قائم على عدة مبادئ: اختلاق معلومات كاذبة تشوه
الخصم أو تمجد الصديق، تكرار نشرها على نطاق واسع، بحيث أن المتلقي لها يشكك بنفسه
ويبدأ بتصديقها فلا يعقل أن كل هذا الكلام والذي سمعه بأكثر من مكان وأكثر من زمان
هو كذب محض، ولا دخان بدون نار.
وقد صادفت صباح اليوم حالة كذب متلبسة على أحد
صفحات الفيسبوك أعرضها هنا كحالة توضح فكرة المقال، علمًا بأنها مجرد حالة من
عشرات آلاف أو مئات آلاف الحالات المنتشرة في عالم الإنترنت، وفكرتها بسيطة عندما
ينشر خصمك موضوعًا لا يعجبك على صفحته أو موقعه تهاجمه وتتهمه بأنه تخلى عن
الثوابت أو سرق أو كذب أو .... فتنتقل من حالة الدفاع إلى الهجوم.
ما حصل في مثالنا أن صفحة شبكة فلسطين للحوار
على الفيسبوك قامت بنشر منشور "بوست" عن اعتصام أمام مجلس الوزراء في
رام الله للاحتجاج على الفصل من الوظائف لأسباب سياسية، وتزامن الاعتصام مع اعتداء
للمستوطنين على المسجد الأقصى، وكما نرى في الصورة أدناه كيف دخلت فتاة (يبدو أنها
من مؤيدي فتح وستعلمون كيف عرفت لاحقًا) وهي تستهجن عدم اهتمام الصفحة بما يحصل بالأقصى،
ومن يقرأ كلامها "يحس" بحرقتها المميتة.
لكن لو نظرنا إلى الصورة التالية نرى كيف أن البوست الذي سبق هذا مباشرة
يتكلم عن الأقصى، وكذلك الذي سبقه، وبفرق نصف ساعة عن كلامها وهجمومها على الصفحة
ولو نزلنا أكثر سنجد المزيد من البوستات عن الأقصى
وهنالك المزيد
وهنالك أيضًا المزيد
وكلها بفارق ساعة ونص ساعة وأكثر، وهنالك غيرها الكثير فقد كانت الصفحة
منشغلة بأحداث الأقصى منذ صباح اليوم، لكن المشاركة تظاهرت بأن تلك البوستات غير
موجودة وبدأت باللطم والولولة على الأقصى، وهذا نمط عندما يتكرر المرة تلو الأخرى،
وعندما يحرص أصحابها على نشرها على أوسع نطاق ممكن فهذا يدل على أننا أمام عمل
منظم لرسم صورة بأن صفحة شبكة فلسطين للحوار لا تهتم إلا بالانقسام الفلسطيني
الفلسطيني ولا تهتم بالأقصى ولا بإهانة الرسول عليه الصلاة والسلام (حيث كانت
هنالك حملة مشابهة وقت الفيديو المسيء)، ولا بأي قيمة عليا.
مثل هذه المشاركات والتعليقات لا يمكن أن تكون
بريئة، فليس منطقيًا أنه في صفحة ممتلئة بـ "بوستات" عن الأقصى لا يرى
المشارك سوى بوست عن الانقسام ويبدأ باللطم والولولة متسائلًا عن الأقصى، وهذا
النمط يتكرر في المنتديات فيكون موضوع ممتلئًا بمئات المشاركات التي تشيد بحدث
معين، ويأتي بينها مشاركة أو اثنتين تهاجم الحدث فيأتي من يقول (مثلًا) أنتم
الفلسطينيون حاقدون وكل كلامكم حقد، ويقتبس المشاركة التي هاجمت الحدث، حسنًا
وماذا عن باقي المشاركات لماذا لم ترها وعممت مشاركة على منتدى بأكمله بل وشعب
بأكمله أما 50 أو 60 مشاركة فلا تمثل عندك المنتدى ولا الشعب!!
ومرة أخرى هذه مجرد نماذج توضيحية، والأسلوب
المستخدم عبر مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف أشكالها، هو تكرار نمط معين من
المشاركات التي تروج لفكرة أو صورة نمطية (مثل أن الفلسطينيين يكرهون الشعب
الفلاني، أو أن الموقع الفلاني لا يهتم بالأقصى)، مراهنين على أن كثرة تردادها
ستجعل بعض الناس يصدقونها من منطلق "أنه لا دخان بدون نار"، ومن لا يصدق
سيصبح حائرًا لا يصدق أي شيء، لا يصدق الصادق لأنه هو والكاذب سيان فيما يرى من
تبادل للاتهامات.
وإلى جانب الترويج لصورة نمطية معينة، هنالك
الترويج المباشرة لأكذوبة معينة (مثل أن حماس أرسلت قواتها إلى اليمن للمحاربة في
صفوف الحوثيين أو إلى إيران لقمع المعارضة الإيرانية)، لقد وصلنا إلى مرحلة تستخدم
بها الوسائل التكنولوجية مقترنة بالأكاذيب بطريقة يظهر جوبلز بمظهر الملاك البريء
مقابل أرباب الكذب والتدليس الانترنتيين (الجوبلزيين الجدد).
هناك تعليقان (2):
حقا هذا بات نراه بكثرة وحقا نستهجنه ، في حساب لي كتبت عن أريغوني وجريمة اغتياله ماكان من البعض إلا أن رد بطريقة غريبة تفهم منها أنهم مع القتلة وعندما ترد عليهم كيف هو فقط متضامن يظهر من ردوده أنه يسعى لتشويه الفلسطيني الذي ينسى أي يد بيضاء تهتم به
تستغر حقا لكن عندما تتعرف عن فلسطينيين حقيقين تقف على الفرق بينهم وبين من يريد أن يُظهر الفلسطيني كناكر لأي يد تمتد له أو حاقد
من جديد عندما يأتي احد يدعي أنه من حماس ويطعن فيها هنا تستغرب لكن عندما تعلم أن هؤلاء فقط ينتحلون انتسابهم لحماس لأنهم لو كانوا صدقا معها حتى مع الإنتقاد يبقى رابط الأخوة ما يحزنني حقا عندما تنجر بعض الأقلام وتكتب عن محمد مرسي بطريقة مستهجنة يفتح الباب للحاقدين ينفتون السم وينالون من محمد مرسي بطريقة حقا مؤلمة،
حين تكتب أنت وتُدافع عنه من باب النصيحة حتى لا يفسحوا المجال للحاقدين وينالوا من الرئيس محمد مرسي للأسف لا يهتم البعض ، كما خبّرت أحدهم قلت له: قل رأيك لكن حاول أن لا يستغل كلامك أحد ويقدح في أخيك ،
أما مؤخرا غريب منطق بعض هؤلاء عندما أرسلت لها عبر الإميل كيفية نُصرة الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام وأذكر أنني ذكرتها بالدماء النازفة في سوريا ردت عليه بعنف في أحد المواقع حيث كانت تباهي بالغوغائيين بل واستباحت الدماء للنصرة !!!!
وردت علي في الإميل بلغة غير مفهومة وكأنها تعرض بي
البارحة أرسلت لكل من عندي في القائمة نصرة للأقصى نداء الأقصى ، للأسف أجدها تُرد علي عن سوريا وعن نصرتها وكأنني نسيت سوريا ومعاناتها لا أفهم البعض كيف يتصرف
حين حكيت عن حقيقة النصرة وعن الدماء النازفة في سوريا لم يُعجبها وردت رد حقا غريب وردت في الموقع بتجريح لن أنساه آلمتني جدا ، حتى لم تكلف نفسها أن تعتذر ،والآن حين أرسلت نداء الأقصى نبهتني بالجرح السوري وبطريقة فجة لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم رغم أنها ليست في الماسنجر فقط في جهات الإتصال وحصلت على إميلي من اخوات عندي ، وعندما أرسلت للكل بلغتها رسالتي الآن فقط اهتمت بسوريا وقبلها لما حكيت عن نصرة نبينا هي في نصرة سوريا ما عجبها ، للأسف أصبحت التكنولوجيا ثقلا وهما إنضاف للهموم ، ما كان مني إلا أن حذفت إميلها من جهات الإـصال، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
أرجو أن نفهم أن الكذب يبقى اسمه كذب وأن المرء سيُحاسب إن روج الكذب تحت أي مسمى ، فكما تكون صادق في الحقيقة حتما ستكون صادق في النت كذلك الأخلاق وهكذا
الذي أريد أن أسلط عليه الضوء هم إخوة أكارم لكن أحيانا ينزلقون بوعي أو بدون وعي ويستغلهم آخرين للقدح في إخوتهم
انتقد ووجه نصيحة لأخيك دون أن تفسح المجال للمتنطعين أو من يريد بأخيه سوءا
هناك ممن سيُعذوبن يوم القيامة لأنهم يكذبون وكذبهم يبلغ الآفاق والله ظننت أنهم هؤلاء يعني كذبهم يقرءه العالم باٍسره
كان الله في العون وسدد خطاكم وأنار الدرب وجزاكم الله خيرا مقال جاء في وقته
حياك الله أختي الكريمة.
ما ذكرتيه من أمثلة تعطينا فكرة عن الطيف الواسع من الأساليب التي يستخدموها من أجل ترويج صور نمطية أو أكاذيب معينة.
والمشكلة أنه يصعب على المرء أن يفرز الآراء التي تعبر حقًا عن شخصية جلفة ووقحة وبين من يتعمد ذلك كجزء من حملة إعلامية منظمة.
بوركت.
إرسال تعليق