الاثنين، 22 أكتوبر 2012

الكويت على مفترق طرق




جاء قرار أمير الكويت بتعديل قانون الانتخابات الأسبوع الماضي، ليعتمد ما يسمى بقانون الصوت الواحد من أجل أن يقطع الطريق على المعارضة الكويتية من تكرار انتصارها الساحق الذي حققته في انتخابات العام الماضي، والذي سرعان ما أجهض بقرار محكمة بحجة إجرائية واهية تتعلق ببعض الشكليات التي رافقت مراسيم الأمير بحل المجلس الذي سبق وتنظيم الانتخابات لعام 2011م.

ولم يكن تصرف الأمير بالخارج عن المألوف فقد سبق وأن حل مجالس نيابية قوية تتحدى سلطته المطلقة وسلطة حكومته، وبينما قبلت المعارضة الكويتية قرار الحل وتهيأت لخوض انتخابات جديدة (بالرغم من أن قرار حل البرلمان بعد بضع أشهر من تشكيله كان مجرد حيلة ولعبة)، كان الأمير يخطط لكي يضمن أن يخرج البرلمان القادم عن طوعه.

وجاء بقانون الصوت الواحد، وهو قانون متخلف غير مطبق سوى في الأردن، وينص على أنه مهما بلغ عدد نواب الدائرة الواحدة فلا يحق للناخب سوى أن يختار شخصًا واحدًا فقط لا غير عندما ينتخب، بينما المتعارف عليه في كل العالم أن الناخبين يختارون مرشحين على عدد مقاعد الدائرة.

قد تبدو المسألة قضية إجرائية، وقد يتلاعب مؤيدو النظام بالكلمات ويقولون أن العدل لكل واحد صوت واحد وفي هذا مساواة بين الجميع ومن هذا الكلام المعسول، لكن بالحقيقة القانون خبيث صاغته عقول شيطانية، من أجل ضرب الأحزاب وضمان الفوز لمرشحي الحكومة، وكيف يحصل ذلك؟

عندما يكون هنالك في الكويت خمس دوائر، وكل دائرة خمسة نواب، فمن الطبيعي أن تأتي الأحزاب وترشح خمسة مرشحين في كل دائرة، عندما يكون هنالك قانون الصوت الواحد فكيف سينتخب مؤيدو الحزب مرشحيه؟ لا يستطيعون سوى اختيار شخص واحد، والحزب لا يستطيع أن يقسم ناخبيه على المرشحين ويقول لكل واحد انتخب فلان، فهذا أمر معقد كما أنه غير قانوني، والذي سيحصل أن الناخبين سينتخبون رئيس هذا الحزب بأغلبية كبيرة جدًا وبأصوات تكفي لأربعة مقاعد أو ثلاثة، بينما لن يحصل باقي مرشحي الحزب على شيء، بالتالي لن يفوز الحزب سوى بمقعد واحد.

وجميع الأحزاب في الكويت هي أحزاب معارضة، سواء كنا نتكلم عن الإخوان أو السلفيين أو كتلة العمل الشعبي، بينما النظام لا يوجد له أحزاب ويعتمد على مرشحي عشائر وعائلات، وكل مرشح منهم ينزل لوحده ويحتاج لأصوات لوحده وليس ضمن حزب أو قائمة، وهكذا تخوض الأحزاب معركة غير متكافئة وغير عادلة مع حزب الحكومة (المرشحين العشائريين والفرديين).

والأمر والأدهى أن القانون صدر عن الأمير في غياب المجلس النيابي (أو مجلس الأمة كما يسمى في الكويت)، بمعنى آخر أن النظام قام بحياكة وتفصيل انتخابات على مقاسه ولا تفرز نوابًا ولا فائزين إلا كما يريد، في عملية غش وخداع غير عادلة.

ومما يحسب للمعارضة الكويتية حتى الآن أنها لم تقلد المعارضات العربية في مثل هذه المواقف، والتي تكتفي عادة بالمقاطعة السلبية للانتخابات (مثلما هو الحال في الأردن والضفة)، والمقاطعة السلبية تقوم على إصدار بيان أو إعلان رفض للانتخابات ولشرعيتها، ويجلس الناشطون في بيوتهم متابعين لأخبار الانتخابات وبعد خروج النتيجة يستنكرون، وبالنهاية يستفرد النظام بكل شيء ولن يتغير شيء، حيث ثبت أن الأنظمة العربية تمتلك جلودًا تمساحية من النوع السميك للغاية، فلا تخجل من مقاطعة ولا تمتلك أي قطرة دم أو حياء.

المعارضة الكويتية لجأت خلال يوم أمس لأول خطوات المقاطعة الإيجابية، وهي النزول للشارع، فمن الضروري جدًا أن لا توفر الأجواء الملائمة للحكومة لكي تجري هذه الانتخابات المهزلة، وإلا فإن الحكومة ستمضي قدمًا بها ولن تبالي بالانتقادات ولا الإدانات، وستفرض أمرًا واقعًا ومجلس أمة بحكم الأمر الواقع، وتعتبر نفسها انتصرت و"ضحكت" على الشعب.

أمام المعارضة الكثير لتفعله: أمامها المظاهرات والاعتصامات، وأمامها الإضرابات العامة وصولًا للعصيان المدني إن لزم الأمر، وأمامها منع مظاهر الدعاية الانتخابية، وأمامها الوقوف أمام مراكز الاقتراع يوم الانتخابات ومنع ممثلي الحكومة من دخولها وإجرائها، وأمامها رفع قضايا في المحاكم؛ وهنا قضية في غاية الأهمية فالبعض يتحرج من رفع القضايا فيقول أن خسارتها تعني أن المعارضة ملزمة بوقف الحراك وقبول حكم المحكمة، وهذا غير صحيح ويمكن أن يتولى مسؤولية القضية في المحكمة أفراد غير الذين ينظمون المظاهرات فإن خرج قرار المحكمة كما لا يريدون فلا يلزمهم شيء لأنهم ليسوا من رفعوا القضية.

كما أن صاحب الحق يمتلك الحق باستخدام أي وسيلة لاسترداد حقه، وإن فشلت وسيلة باسترداد الحق فهذا لا يلزمه بشيء، فليجرب كل الوسائل ما دامت وسائل مشروعة ومقبولة.

يجب أن تضع المعارضة الكويتية أمامها هدف أساسي وهو إما أن يتراجع الأمير عن قراره وتجرى الانتخابات وفق القانون الأصلي، أو تستمر النشاطات بحيث تعطل الانتخابات والحياة السياسية في الكويت.

والمعارضة الكويتية تمتلك ميزة قوية وهي انسجامها وتفاهمها على الحد الأدنى، وهي ميزة مفقودة في أكثر الدول العربية بما فيها الدول التي حصلت فيها ثورات ناجحة مثل مصر، وانسجامها هذا أعطى دعوتها زخمًا شعبيًا فلم يخرج أنصار التيار السلفي والإخوان والعمل الشعبي فحسب، بل تبعهم الكثير من المواطنين غير المؤطرين، لأن المواطن غير المؤطر ينفر من الخروج مع حزب معين لكن عندما يرى الجميع وقد خرج فمن السهل جدًا أن ينضم إليهم ويشاركهم.

كما تمتلك المعارضة الكويتية عددًا من القيادات المميزة والتي تخرج للميدان وتشارك الجماهير وتهتف معهم وتتعرض للاعتقال مع المواطنين العاديين مثلما حصل يوم أمس مع النائب وليد الطبطبائي.

في المقابل فالحكومة الكويتية يبدو أنها استمعت لنصائح رديئة من مراكز أبحاث غربية ومن النظام الأردني، مفادها أن الربيع العربي في الكويت يمكن احتواءه ويمكن تخدير الناس ويمكن استغفالهم، وأن الربيع العربي سيطيح فقط بالأنظمة الجمهورية فيما ستصمد الأنظمة الملكية.

ولهذا السبب فالنظام الكويتي يرتكب أخطاءً فادحة لا يبدو أنها ستتوقف، صحيح أن النظام المغربي نجا لكن ذلك لأنه قدم تنازلات جوهرية وحقيقية، وكان بإمكان النظام الكويتي أن يسير على نفس الطريق، لكنه فضل النموذج الأردني وهذا خطأ قاتل، فالنظام الأردني يعيش على الهاوية وليس آمنًا بالمطلق، وهو معلق بحبل اللعب على التناقضات العنصرية بين "الفلسطينيين" و"الأردنيين"، وفي الكويت لا يتوفر هذا الحبل والغالبية موحدة وراء مطلب الإصلاحات الحقيقية.

اليوم تقف الكويت على مفترق طرق: إما أن تعود المعارضة والجماهير للبيوت ويكتفون بالمقاطعة السلبية ويمرر النظام مآربه بكل سهولة وصفاقة، وإما أن ينحني النظام أمام العاصفة ويتراجع عن التعديلات، أو يستمر بتعنته وتستمر المعارضة والجماهير بحراكها الشعبي وعندها ستتطور الأمور إلى ثورة تقتلع النظام.

ليست هناك تعليقات: