تعليقًا على الفيديو المسرب للشيخ راشد الغنوشي

تسبب فيديو يظهر فيه الشيخ راشد الغنوشي وهو يتحدث مع مجموعة من السلفيين بضجة سياسية في تونس، خاصة من جانب العلمانيين بسبب مضمونه وما جاء فيه من كلام، وبالرغم من أن الفيديو قديم ويعود لشهر شباط (فبراير) الماضي – حسب بعض المصادر وشهر نيسان (أبريل حسب مصادر أخرى)، إلا أنه تم استغلاله من أجل اتهام حركة النهضة بالسعي للاستيلاء على مفاصل الدولة بالقوة، واتهامات مبطنة وصريحة بأن الحركة لا تؤمن بالانتخابات ولا بالديموقراطية وأنها تريد التشبث بالسلطة من خلال التآمر مع التيار السلفي واستخدام القوة.

ولا أريد الرد على مزاعم العلمانيين والتقدميين لسببين: لأننا رأينا ديموقراطيتهم وتقدميتهم عندما كانوا في السلطة رأيناها في تونس وليبيا واليمن الجنوبي وعراق صدام حسين، ونراها اليوم في سوريا – تقدمية حزب البعث وبشار الأسد, ومن الناحية الأخرى لأن الغنوشي لم يأت بكلام من خارج أدبيات حركة النهضة أو مناقضًا لفكر الغنوشي الذي نعرفه والذي نقرأه في كتبه ومؤلفاته، والشيء الجديد الوحيد أنه كان يناقش في قضايا الساعة الساخنة وقتها، كما أن اتهامات العلمانيين والتقدميين هي ذات الأسطوانة التي نسمعها منذ أيام بن علي.

إلا أن ما هو غير واضح ولم أجد جوابًا شافيًا له هو لماذا تم تصوير اللقاء خلسة (كما يبدو من طبيعة التصوير) ومن الذي سربه وما الغرض من ذلك؟ أما من قام بالتلاعب بالفيديو فمقصده واضح وهدفه إحراج حركة النهضة والتحريض عليها من خلال اتهامها بأنها تعادي الدولة والجيش والمجتمع.

مما نراه في الفيديو ظهور أحد أفراد المجموعة في بعض اللقطات (وهو محمد خليفة بوناصري) وهو يهز رأسه موافقًا لكلام الشيخ، فيما البقية لا يظهرون من الأصل، لكن من وتيرة الحوار وأصوات المجموعة السلفية نرى أنهم كانوا متفقين مع الشيخ وأنها جلسة ودية بل ربما كانوا يظهرون اقتناعهم بكلامه، ويظهر الشيخ بوناصري في الفيديو التالي وهو يشرح ملابسات اللقاء، وهي أنها جاءت على خلفية مطالبة المجموعة من الغنوشي الإجابة على عدة مسائل، من بينها المطالبة بوجود نص صريح على أن الشريعة هي المصدر الرئيس للتشريع في الدستور التونسي.

http://www.dailymotion.com/video/xu9l3r_yyyyy-yyyy-yyy-yyyy-yyyy-yyyyyyy-yyyy-yyyyyyy-yyyyy_news

لم يختلف كلام الشيخ بوناصري كثيرًا عن توضيحات الغنوشي أو عن ما جاء بالشريط "المسرب"، حيث كان الغنوشي يسعى لإقناعهم بالانخراط في العمل الدعوي وعدم الدخول في صدام مع الجيش والشرطة، وأن يستغلوا أجواء الحريات، إلا أنه تم التلاعب بالفيديو وحذف مقاطع منه وتركيبه بطريقة تظهر الشيخ وكأنه يتآمر مع السلفيين من أجل تدبيرما يبدو أنه "انقلاب عسكري"، ويمكن ملاحظة التلاعب بالفيديو من الثانية 35 فما فوق وبأكثر من موضع.

وهنا أتمنى أن لا يكون لعناصر سلفية علاقة بتسريب الفيديو لأن الأمر أكبر من تزويد التيار العلماني بمادة إعلامية لمهاجمة حركة النهضة (وهو يهاجمها في كل الأحوال)، بل لأنه ليس من الحكمة التورط في صدام مع الجيش؟ وكلنا نعلم ماذا يمكن أن يفعل الجيش لو قرر الانقلاب وحمل السلاح في وجه الشعب (يكفي سوريا مثالًا).

يظهر لنا الفيديو المسرب أن الشيخ ليس مثل ما اتهمه البعض عندما تكلم قبل أسبوعين عن خطر التيار السلفي وقالوا لم لا يتحاور معهم، فهو قد تحاور بالفعل معهم، لكن من الواضح أنه خلال الأشهر الماضية واستمرار عنف المحسوبين على السلفية، أن التيار السلفي ليس واحدًا ولا موحدًا، وأن من تفاهم أو تحاور مع الغنوشي لا يستطيع إلزام غيره من التيار السلفي، وأن هنالك من هو داخل هذا التيار من لا يزال يتصرف بخفة قد تودي بالمشروع الإسلامي كله (وليس مشروع النهضة وحدها كما قد يظن البعض).

فمن قام بهذه الفعلة يعادي التيار الإسلامي ويريد خلق أجواءً للقضاء عليه والعودة بتونس إلى الوراء، والعلمانيين لا يعنيهم عودة الاستبداد بقدر محاربة التيار الإسلامي حتى لو كان خيار الشعب،وهذا يتطلب من أبناء التيار السلفي أن يفكروا خارج إطار مناكفة الإخوان والتصيد لهم، ليفكروا بالمشروع الإسلامي ككل، فلم يحن وقت تقاسم الغنائم بعد.