سجن خلال حملة الاعتقالات ضد مناصري حماس عامي
1996م و1997م، وحقق معه أحد ضباط الأجهزة الأمنية ومن كثرة ما ضغط عليه ليعترف بنشاطه
التنظيمي قال للمحقق: "وهل تضمن أن ما سأقوله لن يصل لليهود؟"، فرد عليه
المحقق بالحرف الواحد: "كل ما لدينا من معلومات نسلمه لليهود، وكل ما تقوله
سنخبرهم به"، هذه الجملة تلخص التنسيق الأمني الذي يشكل الكابوس الذي يجثم
على صدور أهل الضفة الغربية عمومًا وأبناء التنظيمات المقاومة خصوصًا.
تضمن اتفاقيات أوسلو بشكل صريح وواضح إجراءات
وآليات لتنسيق العمل الأمني بين السلطة والاحتلال الصهيوني، بما فيه مطاردة
وملاحقة المقاومين ومنها أن تعتقل السلطة من يطلب المحتل اعتقالهم وأن تقدم لهم
تقارير بكل ما ينجزوه من تحقيقات ذاتية أو موجهة من قبل المحتل.
وبسبب التنسيق الأمني وجد أكثر من 85% من
المعتقلين الإداريين (أي المعتقلين بدون محاكمة) في سجون الاحتلال أن ملفاتهم
الأمنية لدى السلطة سبقتهم إلى جهاز الشاباك، وبعضهم قد أسمعه محققو الشاباك
اعترافاته التي أدلى بها لدى الأجهزة الأمنية الفلسطينية مسجلةً بالصوت والصورة،
وذلك حسب دراسة أجراها المعتقلون الإداريون في سجون الاحتلال.
وبسبب التنسيق الأمني حكم على الشهيد محمود أبو
هنود عام 2000م بالسجن لمدة 12 عامًا في محاكم السلطة بتهمة أن عمليات المقاومة
التي نفذها عكرت صفو العلاقة مع المحتل الصهيوني، وبسبب التنسيق الأمني حكم على
إسلام حامد من بلدة سلواد بالسجن 3 سنوات بتهمة إطلاق النار على مستوطن يهودي،
وبعد خروجه من سجن السلطة سيعاد اعتقاله عند الاحتلال ليحكم عليه بالسجن عشرين
عامًا أو نحو ذلك على نفس التهمة.
ومن المضحكات المبكيات أن بعض الأسرى في سجون
الاحتلال يطلبون من محاميهم أن يحضروا أوراقًا من الأجهزة الأمنية الفلسطينية أنهم
سجنوا بسبب التهمة التي يحاكموا بها عند الاحتلال، وذلك حتى تخصم فترة سجنهم التي
قضوها عند السلطة من مدة الحكم الذي تصدره المحكمة العسكرية الصهيونية.
عندما يتكلم الناس عن التنسيق الأمني فهم يقصدون
هذه المخازي تحديدًا، وعندما يدينها الناس وعندما يتهجموا على المنسقين، فهم
يستهدفون هذه العمالة المقنعة، وليس التنسيق من أجل دخول سيارة إسعاف أو إحضار
تصريح أو غيرها من الخدمات التي يسوقها أمامنا المبرراتية من أجل تجميل صورة
العمالة المقنعة.
ولا يكتفي بعض المبرراتية بذلك بل يريد تسويق
فكرة أن الكل سيء، والكل في الهوا سوا، والكل عملاء، وحتى حماس تنسق وتتعامل مع
الاحتلال، وفي مشهد بائس وسخيف التقطوا فيديو مدته ربع دقيقة للنائبين عن حماس
أحمد عطون ومحمود الرمحي وهما يقفان على بوابة معبر عوفر ويتكلمان مع جندي من جنود
الاحتلال يستفسران عن موعد خروج زميلهما الأسير عبد الرحمن زيدان، تخللت المحادثة
مصافحة وضحكة من النائب الرمحي عندما هدده الجندي مزاحًا بعدم إطلاق سراح النائب
زيدان في حال ألقيت الحجارة على المعبر (ملحوظة كاميرا التصوير هي لاحدى شركات الإنتاج
كانت تقوم بتغطية حدث إطلاق سراح النائب وبعلم النائبين عطون والرمحي، وقام أحد
السخفاء العاملين بها باقتطاع هذه اللقطة وتسريبها لنشطاء فتح).
تلقفت الجوقة المبرراتية الفيديو وكأنه غنيمة،
ولا تعايرني ولا أعايرك، تلومون محمود عباس لأنه يصافح أولمرت ونوابكم يصافحون
الجنود على الحواجز، وبغض النظر عن موقف البعض من تسليم النائبين على الجندي، فأقول
لو كان عيب أبي مازن الوحيد أنه يصافح اليهود فأقول له توكل على الله صافحهم وقبل
حذاء المجندة التي تفحص أوراقك كلما دخلت المعبر إلى الضفة الغربية لن ألومك
مطلقًا لا أنت ولا أي من مسؤولي السلطة.
لكن بشرط أن تتوقف عن كل ما هو أكبر وأعظم من
ذلك ابتداء من تكرار ترداد مقولة "إسرائيل وجدت لتبقى" و"نحن لا
نريد نزع الشرعية عن إسرائيل"، وانتهاءً بوقف التنسيق الأمني، فإن فعلتها
سأكون أول المدافعين عنك وعن حقك (أنت وحدك وليس حماس) في مصافحة وتقبيل اليهود،
فهل تجرؤ وتقبل؟
أما من انتقد المصافحة من العرب والمسلمين فأقول
لهم: صح النوم، ألا تعلمون أن هنالك احتلال يستبيح الضفة الغربية منذ 45 عامًا،
وأن لهذا الاحتلال طقوس مذلة يهان خلالها الفلسطيني كل صباح ومساء سواء كان طفلًا
أم عاملًا أم فلاحًا أم مديرًا أم وزيرًا أم نائبًا بالتشريعي؟ استنكرتم المصافحة
ولم تسالوا أنفسكم ماذا كان يفعل النائبين عند المعبر؟ كانا يستقبلان نائب أسير
سيطلق سراحه.
لماذا كان عبد الرحمن زيدان في سجون الاحتلال؟
قبلتم أن يكون بالسجن وقبلتم بأن يكون محمود الرمحي وأحمد عطون قبله في السجن لكن
استهجنتم أن يصافحا السجان؟ الضفة مستباحة يا كرام ولم تستفزكم سوى مصافحة؟ الأقصى
مستباح وأصبح قاب قوسين أو أدنى أن يكون كنيسًا ولم تستفزوا؟ سكتم عن اجتياح مدن الضفة
عام 2002م وعن حصار عرفات وعن سجن النواب وعن شبكة الحواجز الشيطانية التي صممت
لتذل وتهين المواطن الفلسطيني، والآن سمعنا صوتكم؟
سكوتكم على أسر النواب وسكوتكم على الحواجز
والاستيطان وانتهاك حرمة الأقصى هو ما خلق هذا المشهد الذي خدش مشاعركم المرهفة،
وعلى فكرة الضابط الذي صافحهما هو درزي، يعني فلسطيني مثله مثل ابن الأجهزة
الأمنية التابعة للسلطة، كليهما يخدم الاحتلال وكليهما يستخدم للقيام بالمهام
القذرة نيابة عن المحتل، مع فارق وحيد أن هذا الدرزي يلبس بدلة حرس الحدود ويضع
نجمة داوود على قبعته ويقولها صراحة أنه يخدم الاحتلال، أما المنتسب للأجهزة
الأمنية فيضع على قبعته نسر صلاح الدين ويغني "طالع لك يا عدوي طالع."
من الذي أوصل الضفة إلى هذا الحال؟ ومن الذي دجن
أهلها على الاحتلال والقبول به؟ النائبين محمود الرمحي وأحمد عطون قاوموا هذا
الحال وسجنوا ونكل بهم، وسيعاد سجنهم إن لم يكن غدًا فبعد غد، لأنهما يحاولان
تغيير الوضع ومن يحاول مصيره الاعتقال لا محالة، لكن ماذا عن سكان الأبراج
العاجية؟ ماذا فعلتم؟ موقفكم يذكرني بشعر مظفر النواب:
القدس عروس عروبتكم
فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها ؟؟
ووقفتم تستمعون وراء الباب لصرخات بكارتها
وسحبتم كل خناجركم
وتنافختم شرفًا
وصرختم فيها أن تسكت صونا للعرض
أما أبناء الأجهزة الأمنية فأقول لهم انتبهوا
جيدًا فالتنسيق الأمني لا يهدد أبناء حماس فحسب، والاحتلال ليس خطرًا على من
يقاومه فحسب، إنه النار التي تأكل الأخضر واليابس، الاستيطان والاحتلال لا يعرفون
فتح ولا حماس، كلنا عندهم "عربيم"، وكلنا عبء على الكيان الصهيوني.
ولست من أنصار إلغاء السلطة ولا التخلي عن
الإيجابيات القليلة التي أتت بها السلطة، لكن كفى خداعًا لذواتكم وتبريرًا لسياسة
التنسيق الأمني، لأنه سيحرق أيديكم مثلكم مثل سائق الجرافة الذي كان يعمل في بناء
جدار الفصل العنصري ليفاجأ بعد شهور قليلة أن الجدار وصل إلى باب بيته وأكل أكثر
أرضه (وهذه قصة حقيقية وعملت الجزيرة وقتها تقريرًا عن هذا الرجل).
في كل المشهد أعلاه لم نر يهوديًا مستهدفًا، فلتعلموا
يا كرام اليهود لم ينتصروا علينا من قوة، بل انتصروا علينا لأننا أمة أضاعت
البوصلة ولا تعرف ماذا تريد، ومن رضي أن يعيش أخاه المسلم بذلّ فلا يحق له
محاسبته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق