الثلاثاء، 16 أكتوبر 2012

نريد رئيسًا يأكل مما نأكل ويلبس مما نلبس




وقد رأينا في الطغاة المخلوعين ممارسات وتصرفات شاذة مثل ملابس مبارك التي كتب اسمه على أكمامها في خط صغير مصنوع من الحرير الخالص، أو صناديق العملة الورقية التي كان يكنزها بن علي أو القذافي، وغيرها الكثير مما يعرفه أغلبنا.

عنوان المقال هو عبارة لأحد رواد الفيسبوك قالها معلقًا على ذهاب سلام فياض للعلاج في أمريكا، ومحتجًا على حرص القادة والمسؤولين على التميز عن عامة الشعب وكأنهم من طينة مختلفة.

ولو وضعنا الفساد والبذخ الفاحش جانبًا فسنجد هنالك نزعة للتميز عن عامة الشعب حتى في المرض والعلاج، ولعل حالة الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز تكشف عن عقدة حب التميز عن الشعب، فبعد إصابته قبل أيام إصابات طفيفة نتيجة إطلاق النار عليه (خطأ كما أعلنت الحكومة وفي محاولة اغتيال كما قالت بعض المصادر) تم نقله إلى فرنسا لاستكمال العلاج.
 
ولولا أني رأيته يتكلم على شاشة التلفاز وهو مصاب وحالته لا تبدو حرجة تستدعي نقله إلى بلد آخر، لظننت أن حالته تتأرجح بين الحياة والموت أو أنه مصاب بمناطق حساسة قد تصيبه بالشلل، والسؤال ما الحاجة لنقله إلى فرنسا ما دامت إصابته طفيفة؟

ندرك أن القادة والمسؤولين يجب أن توفر لهم ظروف تساعدهم على أداء عملهم بشكل أفضل، وأن يتفرغوا لمعالجة هموم الشعب بدلًا من الانشغال بهموم حياتهم الشخصية، وهذا منطقي وطبيعي، لكن ما نراه في دولنا العربية هو الانتقال من مرحلة توفير ظروف مناسبة للعمل إلى حق مكتسب لهذا المسؤول، ثم يتجاوزه إلى أن يصبح هوسًا بالتميز وتعاليًا عن الشعب وهمومه، وكأن تفرد القائد لا يتم إلا بالدوس على الشعب وإهانته.

ولعل من أفضل ما قدمه ويقدمه الرئيس محمد مرسي هو حرصه على كسر هذه الحواجز الاصطناعية بينه وبين الشعب، فما زال يعيش في منزله ما قبل الرئاسة، فما دام منزلًا مريحًا فلماذا تركه؟ ويزور مختلف المناطق بأقل قدر ممكن من الحراسات وبدون مواكب مرافقة ضخمة (هدفها الحقيقي إرضاء الغرور والحاجة للتميز أكثر من كونها ضرورة أمنية)، ولعل عفويته ومخاطبته للجماهير يوم انتخابه قد أكسبه الشعبية وعوض عن ما قيل أنه افتقاره للكاريزما القيادية.

فما قربه لقلوب الناس هو قربهم منهم، وليس الحرص على بناء الحواجز والتعالي عليهم حتى في أمور مثل المرض والعلاج، الناس تريد رئيسًا يأكل مما يأكلون ويلبس مما يلبسون ويركب مثل ما يركبون ويتعالج بما يتعالجون به.

ليس مطلوبًا أن يعيش الرئيس أو القائد مثل أفقر الناس، ولا حتى مثل الطبقة المتوسطة، فالقضية هنا لا تقاس بالأموال والماديات، بل هي أخلاقيات يعيشها هذا المسؤول وهي أنه إنسان عادي جاء ليخدم الملايين، جاء ليقدم خدمة معينة وهو صاحب مهمة (طبعًا ليس مثل مهمة سلام فياض التي تذرع بها لكي لا يستقيل ولم نره يؤديها)، هذا هو هدي الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والتسليم " وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق"، أما خلق فرعون فهو "أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين."

ويبقى أن نؤكد على أن التواضع والقرب من الناس ليس بالمظاهر مثل مشاركاتهم أكبر صحن تبولة أو سدر مفتول، ولا بالمشاركة بالرقصات الشعبية مثلما كان يفعل عيدي أمين، أو العيش بالخيام مثلما كان يفعل القذافي، إنما هي أولًا بالقلب والاعتقاد بأنه من هذا الشعب وليس من سلالة سماوية متميزة، وثانيًا من خلال التأكيد المستمر على أنه مجرد خادم وموظف لدى هذا الشعب لا أكثر، وثالثًا من خلال تداول السلطة وعدم البقاء على الكرسي لفترات طويلة، لأن لكثرة الجلوس مضار كثيرة على الجسم والعقل.

ليست هناك تعليقات: