الأحد، 16 أكتوبر 2011

الله، عباس والضفة وبس!!




في مقابلة لفضائية البي بي سي مع رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي، سأله المحاور عن شكل الدولة الفلسطينية إذا كان الصهاينة سيتحكمون بالمعابر ولن يسمحوا بقيام جيش فلسطيني، فأجابه نتنياهو سيكون لهذه الدولة علم وعملة فلسطينية وحكومة وشرطة وأجهزة أمن (المخابرات العامة والأمن الوقائي حاضرين دوماً)، أما الجيش فلا.

وأضح نتنياهو أن دولاً كثيرة لا يوجد لها جيش مثل كوستاريكا (أحد بلدان أمريكا الوسطى)، وحتى لا يذهب ظننا بعيداً ونعتقد أن دولتنا الفلسطينية ستكون لها السيادة على الأرض مثلما تمارس كوستاريكا السيادة على أرضها، أضاف نتنياهو أن لكل بلد حالته الخاصة وظروفها الخاصة، وحتى لا يكلفنا عناء التفكير بماهية هذه الظروف الخاصة التي ستحكم الدولة الفلسطينية الموعودة أكد على حق الكيان الصهيوني بمراقبة ما يدخل إلى الدولة الفلسطينية حتى لا يتم تهريب السلاح إليها؛ أي بكلام آخر التحكم بالمعابر والحدود.


ولا أدري كيف فات نتنياهو أن يذكرنا بأنه سيمنّ على الشعب الفلسطيني وسيوافق على أن يكون للدولة قائداً ملهماً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ربما لأن الشعب الفلسطيني حصل على هذا القائد قبل أن يحصل على الدولة، وهذا ما نشاهده في التمجيد المبالغ به لمحمود عباس واستقباله استقبال الفاتحين.


ومن يرى اللافتات المعلقة في مدن وقرى الضفة لا يرى ذكراً للدولة الموعودة (إلا ما ندر) بل يرى صوراً لعباس وعبارات مديح تكال له بلا رقيب ولا حسيب، فيما يتبارى المحللون والكتاب لوصف حكمته وذكاء وحنكته السياسية، وهو الذي تحدى أوباما ووقف أمام الجمعية العامة متحدثاً. طبعاً لم يفسر لنا المحللون لماذا ترفض السلطة حملة مقاطعة مؤسسة الـ يو أس أيد التابعة للحكومة الأمريكية، والتي انطلقت رداً على تهديد أمريكا باستخدام حق النقض الفيتو، ولماذا تحاول السلطة عرقلة الحملة؟


هل نتجه نحو استنساخ تجارب غيرنا من الدول العربية؟ ألا ننتظر قيام الدولة بالأول قبل أن نبايع الأصنام؟ ربما تستعجل السلطة الأمور لأنها تعلم أننا لن نرى الدولة (على الأقل لن نراها في ظل الحكم السديد للقائد الصنديد وصاحب الحكمة والفهم الرشيد - أطال الله عمره المديد)، وكما يقولون بالعامية: "ريحة الدولة ولا العدم".


أصر نتنياهو على مواصلة الاستيطان، واستهجن طلب عباس وقف الاستيطان وقال لنا 18 عاماً نتفاوض بدون وقف للاستيطان فلماذا يريدون منا الآن وقف الاستيطان؟ حسناً هذه مجرد تفاصيل لا تهم ما دام الأخ القائد ذهب إلى الأمم المتحدة وألقى الخطاب التاريخي، وليكن من بعد ذلك الطوفان.

وتجنب نتنياهو الكلام عن الأرض مثلما تتجنب السلطة الكلام عنها، وكأن دولتنا ستقوم بالهواء: سيكون لها علم وعملة خاصة بها وحكومة وشرطة لتنظيم السير ولا ننسى أجهزة الأمن والتي ستكون مهمتها الاستمرار بالتنسيق الأمني (الشيء الوحيد في اتفاقية أوسلو الذي لم يتعطل ولو ليوم واحد طيلة الـ18 عاماً الماضية)، أما الأرض لا ذكر لها في كل هذه الزوبعة.


الأرض يا سادة يا كرام، أين هي الأرض التي ستقام عليها الدولة الفلسطينية؟ أين هي الأرض التي سنمارس عليها السيادة الفلسطينية كما يمارس شعب كوستاريكا سيادته على أرضه؟ يبدو أن الشيء الوحيد الذي يراد لنا أن نقلد به شعب كوستاريكا هو أن نكون بلا جيش، وأكيد لن يمانع نتنياهو لو كنا جمهورية موز تدور في فلك الكيان الصهيوني، كما تدور كوستاريكا في فلك أمريكا "وفش حدا أحسن من حدا".


ماذا لو وقف عباس على باب الكنيسيت حافياً كسيراً ذليلاً، وقال لقادة الكيان: "لقد استسلمنا لكل شروطكم، فقط نريد دولة (أي دولة) ومواصفاتها تركناها لكم لكن أعطونا دولة"، أتخيل المشهد وقتذاك وقد قيل له أرجع بخفي حنين فلن تأخذ أكثر من علم وعملة؛ يا ترى هل قصد نتنياهو عملة حقيقية قابلة للتداولة أم مجرد عملة تذكارية؟

ويبقى استحقاق أيلول هو استحقاق محمود عباس وليس استحقاق الدولة، ونتساءل هل آن الأوان لأن يهتف الناس: "الله عباس والضفة وبس"، كما هتفوا لغيره ذات يوم؟ أيعقل أن تندلع ثورة تطلب خلع النظام قبل أن تكون لنا دولة؟ أم أن الأحداث ستتجاوزه نحو تجديد الصراع بين الشعب الفلسطيني والكيان الصهيوني؟ ما هو أكيد أن الربيع العربي لم يصل لدولة أيلول، وانتهى أيلول ولم تر الدولة النور بل هي قاب قوسين أو أدنى من الموت في دهاليز النسيان.

ليست هناك تعليقات: