الثلاثاء، 18 أكتوبر 2011

الشعب الجزائري يتولى تمويل حراسة المستوطنين


لا تتفاجئوا من العنوان لأن هذا ما تكشفه لنا آخر فضيحة مالية أثارتها الصحافة الجزائرية وتتعلق بمليونين ونصف دولار جمعت كأموال الزكاة من الشعب الجزائري مقدمة لضحايا القصف الصهيوني على قطاع غزة، وقام الهلال الأحمر الجزائري بتسليمها إلى السفارة الفلسطينية بالجزائر منتصف العام الحالي، إلا أنها لم تصل إلى وجهتها.


وبعد التقصي تبين أن سلطة رام الله قامت بالاستيلاء على المبلغ، بدون توضيح كيف صرفت الأموال، وهو لم يكن التصرف الأول من نوعه، ففي عام 2006م وبعدما قرار القمة العربية بتقديم الدعم المالي للحكومة الفلسطينية (بقيادة إسماعيل هنية) من أجل مساعدتها على الخروج من الحصار المفروض أمريكياً وصهيونياً، قدمت الحكومة الجزائرية مبلغ 30 مليون دولار أودعتها في حساب الحكومة الفلسطينية عبر البنك العربي، إلا أن البنك قام باحتجاز المبلغ بتعليمات من رئيس السلطة محمود عباس، من أجل تسديد ديون سابقة على السلطة الفلسطينية.


وطوال الأعوام الماضية والسلطة تتلقى الدعم المالي من الدول العربية، هذا الدعم الذي تقرر لدعم صمود حكومة إسماعيل هنية في مواجهة الاحتلال، إلا أن الأموال تذهب إلى حكومة سلام فياض والتي ليست في مواجهة مع سلطات الاحتلال، وهي أموال تذهب إلى الخزينة العام للحكومة ولا يوجد أي رقابة على طريقة صرفها.


وبدلاً من أن تذهب الأموال لمساعدة ضحايا القصف في غزة أو تعزيز صمود الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، فإنها تذهب لتمويل حكومة فياض، لتمويل تجنيد عشرات الآلاف في الأجهزة الأمنية مهمتهم محاربة المقاومة الفلسطينية ومنع تنفيذ العمليات ضد الاحتلال الصهيوني، وإعادة الكلبة "لولا" عندما تهرب من مالكيها المستوطنين إلى مخيم الجلزون، وإعادة المستوطنين الذين يضلون طريقهم ويدخلون المناطق الفلسطينية.


كما تذهب هذه الأموال رواتباً خيالية لمستشارين في حكومة فياض، وتذهب لحراسة المستوطنين الذين يدخلون مدينة نابلس بالتنسيق بين السلطة والاحتلال من أجل إقامة الصلوات اليهودية داخل مقام يوسف، المقام الذي سقط من أجل الحفاظ على إسلاميته عشرات الشهداء في بداية انتفاضة الأقصى.


ولا تكتفي السلطة بتحويل الأموال عن المصارف التي خصصت لها، بل أنها لا تتذكر أن هنالك دول عربية تتبرع وتدفع إلا عندما تكون في مأزق مالي، من أجل أن تلوم الدول العربية على التأخر بالوفاء بالتزاماتها المالية، وفي المقابل عندما تفاوض حماس في جلسات الحوار تريد فرض سلام فياض رئيساً للوزراء وتريد إبقاء التنسيق الأمني مع الاحتلال، لأن بقاء فياض وبقاء التنسيق الأمني مع الاحتلال (المصطلح الملطف للعمالة) هو شرط لاستمرار تدفق المساعدات على السلطة.


فهل حقاً هذا شرط الدول العربية؟ وهل هذا شرط الشعب الجزائري؟ وهل هذا شرط الشعوب العربية؟ أم أنها شروط أوروبا وأمريكا والرباعية الدولية؟ لماذا تمول الدول العربية أجهزة أمنية مهمتها توفير الحماية للمستوطنين؟ ألم يئن الأوان أن تتم محاسبة السلطة؟ ألم يئن الأوان لأن تفرض رقابة على طرق صرف الأموال؟


المساعدات الأمريكية والأوروبية لا تذهب مباشرة إلى خزينة السلطة، بل يشترط الأمريكان والأوروبيين وجود مشاريع ويقومون بالدفع مباشرة إلى الجهات المنفذة للمشاريع، وهم لا يثقون بالسلطة ولا يسلموها أي دولار لأنهم يعرفون أن الأموال لن تصل إلى الأماكن المخصصة.


وحتى في ظل أزمة الحكومة الفلسطينية عامي 2006م و2007م قبل الحسم العسكري وتشكيل حكومة فياض، وعندما قرر الاتحاد الأوروبي دفع رواتب العاملين في وزارتي التعليم والصحة (نظراً لتجميد حسابات السلطة)، فإنه رفض دفع المبلغ لخزينة السلطة وكان يودع الأموال مباشرة في حسابات العاملين.


إذا كانت الدول العربية تريد دعم ميزانية السلطة من أجل تعزيز صمود الشعب الفلسطيني فهذا أمر جميل، وإذا كانت لا تريد الدخول في مشاكل فتح وحماس وصراع الصلاحيات فهذا أمر مشروع ومنطقي، لكن من واجب الحكومات العربية أن تكون أمينة على أموال شعوبها وأن تعلم إلى أين تذهب هذه الأموال، ويمكن أن تشترط مثلاً أن تذهب الأموال رواتباً إلى العاملين في التربية أو العاملين في الأوقاف (كما تدفع الحكومة الأردنية رواتب موظفي الأوقاف في القدس) أو أن تذهب مساعدات مالية للمسجلين في الشؤون الاجتماعية، وأن يكون هنالك رقابة على الصرف وأن تدفع الأموال في المكان الصحيح.


أما أن تدفع الحكومات والشعوب العربية فاتورة حراسة أمن الاحتلال والمستوطنات، وأن يذهب الصيت والفضل إلى الأوروبيين والأمريكان، وأن يلام العرب على فشل حكومة فياض بإدارة الشأن المالي، فهذا وضع غير سليم وغير مقبول.

ليست هناك تعليقات: