الاثنين، 17 أكتوبر 2011

بين مجزرة الأقصى وإضراب الأسرى: ما الذي اختلف؟


مرت الذكرى العشرون لمجزرة الأقصى بقليل من الاهتمام الإعلامي والشعبي، المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال داخل المسجد الأقصى في 8/10/1990م والتي أدت لارتقاء أكثر من عشرين شهيداً ومئات الجرحى من المدنيين العزل والذين لم يملكوا إلا بعض الحجارة يدافعون بها عن أنفسهم، وفيما ينشغل النشطاء والحقوقيون بملاحقة مجرمي الحرب الذي شاركوا بالعدوان على غزة عام 2009م أو قتلة الشهيد صلاح شحادة (والذي قتل معه أكثر من عشرين مواطناً بينهم أطفال ونساء) ويرفعون عليهم القضايا في المحاكم الأوروبية، يتناسون أمر قتلة مجزرة المسجد أو غيرهم من مرتكبي مجازر الانتفاضة الأولى، فضلاً عن الصفح والعفو عن مرتكبي أكبر المجازر وأكثرها وحشية عام 1948م بل ومنحهم جوائز نوبل للسلام مثلما كان الأمر مع جزار دير ياسين مناحيم بيغين.

وواضح سبب ذلك فكلما مرت مدة ارتكب الصهاينة جريمة جديدة فالتهينا بها ونسينا ما قبلها، ودائماً ما يقولون لنا لا تعيشوا في الماضي ولا تحملوا أحقاد الماضي وكونوا عمليين، حسناً لقد بدؤوا بمجازر دير ياسين والطنطورة والدوايمة ومسجد دهمش وغيرها الكثير في حرب عام 1948م، ثم كانت مذابح خانيونس والسموع وقبية في الخمسينات، ثم إعدام الأسرى واختفائهم في سجون الاحتلال بعد حرب عام 1967م، ثم صبرا وشاتيلا، وفي الانتفاضة الأولى كانت مجزرة حوسان والمسجد الأقصى وغيرها، ولتأتي مجزرة مخيم جنين وغيرها خلال انتفاضة الأقصى، وأخيراً كانت حرب غزة.

وكل مرة يقال لنا أنسوا الماضي ولتفكروا بالمستقبل، ومصلحة الأحياء أهم من الانتقام للشهداء، والبعض يتبرع في الفترات الفاصلة بين موجات المجازر بالتغني بديموقراطية وإنسانية الاحتلال وأنه أكثر رأفة بالشعب الفلسطيني من بعض الأنظمة العربية، ولعل تزامن اضراب الأسرى في سجون الاحتلال مع ذكرى مجزرة الأقصى أبلغ رد على هذه المزاعم.

الأسرى يضربون عن الطعام بسبب ظروفهم الصعبة وأبرزها السجن الانفرادي (أو العزل) والذي يطال عدد من قيادات الأسرى ومنهم من هو معزول منذ سنوات طويلة مثل إبراهيم حامد وجمال أبو الهيجا، والعزل لا يعني السجن بعيداً عن باقي الأسرى فحسب بل سلسلة إجراءات لإهانة الأسير وإذلاله مثل حرمانه من متابعة وسائل الإعلام أو استلام الرسائل من أهله والخروج إلى الفورة مكبلاً وغيرها.

والإذلال والإهانات اليومية لا يعاني منها الأسرى المعزولون فقط، بل يعاني الجميع من إجراءات تنكيلية مختلفة مثل الحرمان من زيارة الأهل ولفترات تمتد لعدة سنوات، وتحديد عدد قطع الملابس التي يدخلها أهل الأسير له بما في ذلك الملابس الداخلية، أما الكتب فكل ما يتكلم بالسياسة ممنوع وكل ما زاد سمك جلدته عن حد معين ممنوع وكل كتاب يدخل يجب أن يخرج بديلاً عنه، وبالنهاية أي مشكلة مع السجانين قد تعني الحرمان نهائياً من الكتب.

ولا ننسى نقليات الأسرى التي تأخذهم من سجن إلى آخر أو من السجن إلى المحكمة وبالعكس (البوسطة)، فكل يوم بالبوسطة يرون فيه ذلاً يساوي سنة سجن، أما حرس البوسطة والمعروفون بقوة النحشون، يقومون بمهمتهم على أتم وجه فأي كلمة يقولها الأسير قد تعني كسر ذراعه أو فقدانه السمع أو البصر أو شج رأسه، غير الشتائم والإهانات.

اليوم نسي أكثر الناس مجزرة الأقصى، وبدؤوا يتناسون مجازر حرب غزة، ويفكرون بإضراب الأسرى عن الطعام وغداً يأتي حدث جديد ينسينا الأسرى، هذا فضلاً عن أحداث يومية تمر علينا لا نتوقف عندها كثيراً مثل حرق وتدنيس المساجد والمقابر في الضفة الغربية وداخل فلسطين المحتلة والهدم اليومي للمساكن في القدس والأغوار والقرار الأخير القاضي بترحيل 30 ألف فلسطيني من صحراء النقب.

ما دام هنالك احتلال فستتوالى هذه الانتهاكات، وجرائمه ليست مجرد ذكرى حزينة، بل هي وقائع وأحداث تتكرر كل يوم وكل لحظة وكل ثانية، وبينما نحن نتعامل مع الأمور بردود أفعال، فإن الاحتلال يرتكب الجريمة وينتظر حتى ننسى ونتناسى ليرتكب جريمة جديدة، وعلى مدار عشرين عاماً منذ مجزرة الأقصى والاحتلال يستولي على محيط المسجد وعلى المناطق المحاذية له ويحولها لمعالم يهودية، وعلى مدار ستين عاماً يقوم الاحتلال بتدمير قبور الصحابة والمسلمين في مقبرة مأمن الله، كل عام يدمرون جزءاً حتى لم يبق إلا جزءاً يسيراً منها.

يجب أن نتحرك وفق مخطط ورؤية ومبادرة بدون أن ننتظر جريمة وبعيداً عن ردود أفعال لحظية، وإلا فإننا سنلاقي نفس المصير الذي واجهناه طوال ستين عاماً من الجرائم المتوالية، وسنبقى نودع جريمة ونستقبل أختها ونحن نندب ونبكي.

ليست هناك تعليقات: