روي عن الإمام العادل عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قوله: "اللهم أشكو إليك جلد الفاجر وعجز الثقة"، ولعلها مشكلة عابرة للأزمان والأوطان فنرى الظاهرة تتكرر في أكثر من موقف وأكثر من مكان وأكثر من زمان، فنرى أهل الحق والمبدأ يعانون عجزاً يقهر المحبين وأهل الباطل يمتلكون عزيمة تهد الجبال؛ فهل من علاج؟ ألا يمكن أن نكون بمثل عزيمتهم وجلدهم وصبرهم؟ بماذا هم أحسن من أهل الحق؟
من يتابع أخبار الثورة الليبية يعجب من جلد رجال القذافي، وكأن عمر كان يتابع أخبارهم عندما قال مقولته الشهيرة، فنراهم يقاتلون حتى الرمق الأخير بالرغم من أن كل شيء انتهى وتقهقروا وحوصروا من البر والجو والبحر، وتساقطت حصونهم الواحد تلو الآخر وهرب قادتهم إلى الجزائر والنيجر وتونس و تحت الأرض، لكن الجنود ما زالوا يقاتلون وببسالة.
ومن أجل ماذا يقاتلون؟ من أجل آل القذافي ومجدهم التليد؟ أيعقل أنهم ما زالوا مقتنعين بعودة القذافي للحكم ليرثها من بعده أبناؤه وأبناء أبنائه؟ الأكيد أنهم ما زالوا يقاتلون حتى آخر قطرة دماء تنزل منهم، ولسنا بصدد مناقشة أسباب استماتتهم في القتال لهذا الحد، لكن نريد أن نفهم أعجزنا أن نكون في جلدهم وصبرهم وعنادهم وإصرارهم؟ أعجزنا ونحن نحمل أهدافاً سامية (وأولها تحرير فلسطين) أن نكون في مثل عزيمة حفنة من المقاتلين يدافعون عن أسرة ظلمت العباد وخربت البلاد؟
ماذا لو كان عندنا رجال بهذه العزيمة؟ ماذا لو كان عندنا إصرار على الوصول إلى الأقصى كل يوم مهما كان الثمن ومهما كانت التضحيات؟ ماذا لو كان لدى أبناء الضفة نفس الجلد في مقارعة المستوطنين؟ ماذا لو كان لدى شباب الضفة نفس العزيمة في رفض إرهاب السلطة؟
ماذا لو أن كل من فصل من عمله بسبب انتمائه السياسي طرق جميع الأبواب وبنفس درجة العناد مطالباً بحقه المسلوب؟ ماذا لو أن كل أهل سجين سياسي خرجوا للشوارع يطالبون بحقهم؟ ماذا لو أن كل من وصله استدعاء من السلطة رفض الذهاب إليه مهما كان الثمن؟ ماذا لو أن كل من سجن عند الصهاينة خرج ثاني يوم من الإفراج عنه ليعود إلى العمل المقاوم؟ ماذا لو أن كل سجين سياسي يخرج من عند السلطة يقولها مدوية "لن ألبس طربوشكم"؟ ماذا لو قام شباب الكتلة بإعادة تعليق اللافتات كل ما مزقها مندوبي الأجهزة بدون كلل ولا ملل؟
ماذا لو عسكر شباب مصر وشباب الأردن أمام سفارة الكيان وقالوها لن نرحل حتى ترحل السفارة؟ ماذا لو خرج اللاجئون في الأردن وسوريا ولبنان وكل مكان بالعالم إلى الشوارع وقالوا لن نعود إلا إلى فلسطين؟ ماذا لو قاطع كل منا البضاعة الصهيوني؟ ماذا لو خرج أهل الضفة إلى الحواجز ليقولوا للمحتل ارحل؟ وماذا لو رفضوا الخضوع لرجال أمن السلطة وهم يحولون بينهم وبين جنود الاحتلال؟ ماذا لو خرج المسلمون في العالم إلى الشوارع ليقولوا لن نعود إلا بعد أن تزال معالم التهويد عن القدس القديمة وعن المسجد الأقصى؟
الجواب الذي نسمعه دوماً والذي مللناه من كثرة تكراره، وما الفائدة؟ ما الذي سنجنيه؟ نحن خاسرون ولن ننجح، لكن لماذا لم يقل رجال القذافي هذا الكلام؟ لماذا يملك رجاله هذا الجلد وهذا الصبر وهذا العناد؟ وهم أهل باطل يحاربون دفاعاً عن أسرة مالكة، يدافعون عن رجل يريد الانتقام لكرسي ضاع منه، يحاربون حتى آخر قطرة دم تسقط منهم، ونحن؟ أليست فلسطين لنا؟ ألا تهمنا كرامتنا؟ أليس الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين؟ لماذا هذا العجز؟ لماذا هذا اليأس؟ لماذا هذا الخمول؟ لماذا هذا التواكل؟ لماذا نعيش في كوكب آخر؟
آخٍ منك أيها العاجز. قف وتحدى ... انفض عنك غبار اليأس ... استنهض عزيمتك وتخلى عن تواكلك ... احترم ذاتك وتعرف على قدراتك واعقد العزم وتوكل على الواحد الأحد الفرد الصمد ... لا تبالي بالمهام العظام التي يوسوس لك الشيطان بأنها فوق طاقة الإنسان ... ونذكرك: "ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين " ... ولتكن على يقين فالفاجر ليس أفضل منك ولا يجوز أن تتركه يكون أفضل منك.
توضيح لا بد منه:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن القويُّ خير وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، فإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا و كذا، ولكن قل: قدَّر الله، وما شاء فعل، فإنَّ لو تفتح عمل الشيطان.
نقل ابن حجر في الفتح عن القرطبي أنه قال في المفهم: محل النهي عن إطلاقها ـ يعني لو ـ إنما هو فيما إذا أطلقت معارضة للقدر مع اعتقاد أن ذلك المانع لو ارتفع لوقع خلاف المقدور؛ لا ما إذا أخبر بالمانع على جهة أن يتعلق به فائدة في المستقبل، فإن مثل هذا لا يختلف في جواز إطلاقه، وليس فيه فتح لعمل الشيطان، ولا ما يفضي إلى تحريم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق