السبت، 31 أغسطس 2013

بين تمرد الضفة وتمرد غزة





حلم فتحاوي باستنساخ تجربة تمرد في غزة
سلبت الطريقة السلسة التي أطاح بها السيسي بالرئيس محمد مرسي عقل القاطنين في مقاطعة رام الله، وظنوا أنه يمكن استنساخ التجربة في غزة من خلال الدعوة لحركة تمرد ثم الاستنجاد "بالجيش" ليطيح بحكم حماس وينهيه كما أنهى الجيش المصري تجربة حكم الإخوان.

ولا أعرف عن أي جيش كانوا يحلمون به ليطيح بحكم حماس، هل هو الجيش الصهيوني أم الجيش المصري؟ بكل تأكيد ليس جيشًا فلسطينيًا لأن حماس تمتلك اليد العليا عسكريًا في قطاع غزة، وتتحكم بمفاصل المؤسسات الحكومية، وذلك على عكس محمد مرسي وإخوان مصر الذين أطيح بهم في بداية محاولتهم لتغيير مؤسسات الدولة المصرية.

ولأن الانقلاب في مصر اعتمد بالدرجة الأولى على قوة الجيش وتجذر الدولة العميقة فيه، فيما كانت المظاهرات والجماهير في 30/6 كومبارسًا، تم إيهام المسؤولين في السلطة بأن الحشد عليهم والعمل المسلح سيضمنه الآخرون لهم (مع يقيني أنه لن تكون هنالك جيوش لدعم فتح وإنما المخطط هو جر قطاع غزة إلى حالة فوضى واقتتال داخلي وليس لإعادته إلى "ملكية فتح").


ولهذا السبب جاءت الحملة الشرسة على الأنفاق وتشديد الخناق على غزة وحملة شيطنة حماس  في الإعلام المصري، من أجل خلق أجواء معادية لحماس في الشارع الغزي تشابه الأجواء المعادية للإخوان ومحمد مرسي في الشارع المصري يوم 30/6.

إلا أن الرياح لم تسر لحد الآن بما تشتهيه سفن السلطة، واستجابة الشارع الغزي لمحاولات التحريض ضد حكم حماس دون الصفر، ويبدو أنه سيأتي 11/11/2013م دون أن تستطيع فتح تحريك أي مظاهرة، وذلك على عكس ما حصل في مسيرات إنهاء الانقسام في شهر آذار 2011م حيث ظن البعض للحظة أنها قد تهز حكم حماس.
مسيرات إنهاء الانقسام محاولة فتحاوية فاشلة لزعزعة حكم حماس

واليوم يبدو القطاع هادئًا أكثر من أي وقت مضى منذ عشرات السنين، وأعيد فشل السلطة بتحريك تمرد غزة إلى الأسباب الآتية:

أولًا: تعثر مشروع الانقلاب في مصر، فلم يعد ذلك النموذج الجذاب كما أن انشغال الانقلابيين بوضعهم الداخلي يعيق أي دور فعال لهم داخل غزة.

ثانيًا: فشل مسيرات إنهاء الانقسام عام 2011م زرعت الإحباط في صفوف مؤيدي فتح وما زال أثرها حتى اليوم.

ثالثًا: تجربة أهل غزة مع عسكر مصر ومع نظام مبارك سيئة جدًا، وهم يدركون أن عداء النظام للغزيين والفلسطينيين نابع من خدمات تقدم للصهاينة، وليس كرهًا لحماس أو الإخوان، فهذه الممارسات تمتد إلى عشرين وثلاثين سنة، وليست وليدة فوز حماس بانتخابات 2006م، لذا يتحسس أهل غزة بما فيه قسم من الفتحاويين من أي اصطفاف مع النظام المصري الحالي ويجعلهم ينفرون من فكرة التشبه بحركة تمرد.

رابعًا: الوضع الاقتصادي والأمني تحسن في غزة خلال السنوات الست الماضية بشكل ملحوظ، ورغم أخطاء حماس وإخفاقاتها إلا أن لها إنجازات كثيرة، وخصوصًا إن قورنت بأيام حكم السلطة وحركة فتح، وإن كان انزلاق قطاع غزة إلى الفوضى والعنف هو نتيجة مخطط تمرد، فبالتالي غالبية أهل غزة سيرفضون المشاركة بأي ثورة فوتوشوبية يخطط لها من رام الله والقاهرة وعواصم الخليج.

خامسًا: الهم الأول لأي فلسطيني هو القضية السياسية وتحرير فلسطين، وحماس أثبتت في حرب 2012م أنها ما زالت الأمل لتحقيق هذا الهدف، وفي المقابل فسلطة تتحالف مع الصهاينة وأصدقاء الصهاينة ستثير ريبة أي مواطن وخصوصًا عند الكلام عن الإطاحة بحكم حماس الذي حقق قدرًا كبيرًا من الاستقلال الوطني داخل غزة.

ولم تفشل السلطة فحسب بإشعال الوضع في غزة بل تغافلت وتعامت عن ما يجري تحت أقدامها في الضفة الغربية، وربما كان الأسبوعين الماضيين من أسخن الأوقات على السلطة وعلى أكثر من صعيد، وهي نتيجة طبيعية لسياسة سلطة فشلت في كل شيء تقريبًا: فشلت في مشروعها السياسي وفشلت في الحفاظ على حق اللاجئين وفشلت في وقف الاستيطان وفشلت في محاربة الفساد وفشلت في إنعاش الاقتصاد المشوه والذي يعيش على قمامة الاقتصاد الصهيوني.

 والأهم من كل ذلك لا تملك السلطة مشروعًا تقدمه للناس فهي ليست أكثر من إدارة مدنية تسير الأمور الحياتية لسكان الضفة الغربية بإشراف سلطات الاحتلال، فمن الطبيعي أن "الضفاوي" الذي يرى المستوطنات تأكل الأرض وتخنقه يومًا بعد يوم، ويرى السلطة تصافح مسؤولي الاحتلال الذين يشجعون الاستيطان، ويعاني الأمرين من إذلال وإهانة من أجل تصاريح التنقل والعمل والاستيراد والتصدير، فلن يكون راضيًا عن الوضع القائم.

هنالك عدة حرائق صغيرة في الضفة تشتعل حول السلطة، فيما هي تعيش في حالة إنكار وتجاهل، صحيح أن الوضع ليس مرشحًا اليوم للانفجار في الضفة ضد السلطة أو ضد الاحتلال، وصحيح أن لحماس تصورًا لما تريده في الضفة وقد عبر عنه قبل فترة قصيرة الدكتور موسى أبو مرزوق أن الضفة بحاجة إلى تمرد ضد الاحتلال وضد الاستيطان (مع تحفظي على استخدام اسم جماعة مخابراتية  قادت المؤامرة للإطاحة بالشرعية في مصر)، إلا أغلب ما يحصل في الضفة هو رد فعل تلقائي على حالة التردي التي انحدرت إليها نتيجة فشل السلطة المزمن.

أولًا، نشطاء حماس وحراكهم في الشارع: حيث أن عدة حملات إعلامية ترفع من معنوياتهم وتحثهم على العودة للنشاط رغم قمع السلطة ورفض الاستجابة لاستدعاءات السلطة، قد بدأت تؤتي أكلها منذ بضعة أشهر، وتزامن ذلك مع الانقلاب في مصر، بحيث أشعرتهم أن الوضع في مصر يستهدفهم أيضًا، فكانت مسيرات التضامن مع مصر في الخليل ورام الله والصدام أكثر من مرة مع الأجهزة الأمنية، خلال الشهر الحالي.

ثانيًا، تشهد ساحة المواجهات مع الاحتلال الصهيوني حالات صعود وهبوط بحسب الوضع العام، وشهدت تصعيدًا خلال الأسبوع الماضي بعد استشهاد شاب في مخيم جنين وتلتها مواجهات عند حاجز الجلمة، تلاها استشهاد الشبان الثلاث في مخيم قلنديا والتي أدت إلى حالة تصعيد مستمرة.

شملت المواجهات خلال الأسبوع الماضي مناطق: جبع وصانور وحاجز الجلمة في جنين،  بلدة بيتونيا والنبي صالح في رام الله ، بيت فجار ومخيم عايدة في بيت لحم ، دورا وبيت أمر ومنطقة باب الزواية ومخيم العروب ومخيم الفوار وشارعي الشهداء و الشلالة في الخليل، وقلنديا والرام والعيزرية والبلدة القديمة في القدس بالإضافة للمسيرات الأسبوعية المعتادة في بلعين وكفر قدوم والمعصرة.

مقتل أمجد أبو عودة فجر موجة احتجاجات محدودة
ثالثًا، أحداث مخيم عسكر حيث قتل عناصر من الوقائي الشاب أمجد عودة أثناء مداهمة المخيم وهو أسير محرر من حركة فتح، وقد أشعل ذلك موجة احتجاج في المخيم ومدينة نابلس لمدة يومين أشعلت فيها النيران بسيارات لأمن السلطة ومقرات أمنية، وهي تذكرنا بالمسيرات التي خرجت في الضفة قبل عام للاحتجاج على رفع أسعار الوقود والمطالبة بإقالة سلام فياض، وتلك التي خرجت قبل بضعة أشهر في البلدة القديمة بمدينة نابلس للاحتجاج على الظلم في تسوية أوضاع ديون الكهرباء على المواطنين، ولا ننسى الصراع في جنين بين مجموعة الزبيدي والسلطة.

كلها أحداث تنطلق من شعور الشارع الفلسطيني (بما فيه الشارع الفتحاوي) بأن هذه السلطة ليست أكثر من عبء على المواطن الفلسطيني، وأن الطريق الوحيد لحل الخلافات معها هو العنف والتظاهر وليس اللجوء إلى الطرق والإجراءات الإدارية والقانونية التي لا يثق بها أحد.

رابعًا، مسيرات اليسار المنددة بالمفاوضات وقد انطلقت مع عودة السلطة للمفاوضات، وكان هنالك مسيرة أخرى الأربعاء الماضي، وإن كنت لا أرى في اليسار قوة ذات وزن في الشارع، إلا أنه لو أضفنا هذه المسيرات إلى المشهد العام فإننا سنرى بركانًا يغلي تحت أرجل السلطة، وهي لاهية في مخططات تمرد غزة "واستعادتها من حماس".

إذن ما الذي يعيق انفجار البركان في الضفة؟ بداية لا يجب أن تغرنا المظاهر، فالمواطن الفلسطيني اكتسب مهارة عالية في التقية السياسية في ظل خمس وأربعين عامًا من احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، فمن يبدو لك غير مبالٍ بالسياسة يسعى وراء لقمة عيشه قد يكون نشيطًا سياسيًا أو على الأقل يحمل رأيًا وفكرًا وينتظر اللحظة المناسبة لينقض ويعبر عنها، وهو بذلك يختلف عن المواطن العربي الذي انكفأ نهائيًا عن السياسة في ظل أنظمة الاستبداد العربي.

في رأيي أن ما يمنع الانفجار التام في الضفة الغربية، هو انتظار اللحظة المناسبة، فبعد تجربة انتفاضة الأقصى وإعادة احتلال الضفة في عملية السور الواقي، فالعقل الجمعي في الضفة يتوجس ويخشى من دخول مواجهة يخسرها، فالناس لا يريدون انتفاضة أو ثورة تعيد تكرار الهزيمة والذل التي عاشوها عام 2002م، ولربما يشجعهم فشل الانقلاب في مصر وانتصارات الربيع العربي على التحرك أملًا بأن لا يتركوا وحدهم كما تركوا في انتفاضة الأقصى.

وقد يتساءل المرء ضد من سينفجر البركان في الضفة؟ ضد السلطة أم الاحتلال؟ ربما يجيب البعض أنه لا فرق بينهما، وهذا صحيح إلى حد ما كون السلطة ربطت مصيرها بخدمة الاحتلال، وفي ظني أن الانفجار إن حصل سيكون موجهًا ضد الاحتلال، وإن وقفت السلطة ضده فستدفع الثمن، أما الانفجارات المتفرقة ضد السلطة مثلما حصل في مواجهات مخيم عسكر فستبقى محدودة الأثر، وذلك لأن ما يحرك الشارع الفلسطيني تاريخيًا هو الهم الوطني وشبح الاحتلال الصهيوني وليست المشاكل الحياتية المتفرقة.

ليست هناك تعليقات: